لعبت القوة الناعمة الدور الأساسي في تنقية الفكر السياسي الياباني بشكل كامل، من المقولات السابقة التي كانت تشجع العنف أو تحض على استخدامه، على مختلف المستويات. وكانت سياسة العنف تنطلق من تمجيد قيم الساموراي، أو المقاتل العسكري الياباني الذي كان يحتل مكانة بارزة في تاريخ اليابان.
بعد الحرب العالمية الثانية تحولت اليابان من جلاد إلى ضحية، فكان لا بد من نقد مقولات العنف، والاعتذار عما سببه للآخرين من مآسٍ في الماضي، وهذا يحتاج إلى جرأة كبيرة من الشعوب ذات التوجه الديمقراطي الحضاري، بهدف الانتقال من التاريخ العبء أو غير الإنساني، إلى التاريخ الإنساني الذي يقدس حرية الأفراد والشعوب، ويحرّم كل أشكال القمع، والاضطهاد، والعنف، والسيطرة، واستغلال الإنسان للإنسان.
وتعلم اليابانيون الكثير من سلبيات ماضيهم، وقدموا الاعتذار العلني للشعوب التي أساؤوا إليها، وهم ينتظرون أن تمارس دول كبرى الأسلوب عينه، لكي يتم تصويب مسار التاريخ نحو التاريخ الإنساني، وحل النزاعات الموروثة، بالطرق الدبلوماسية وليس بالعنف الدموي.
تجدر الإشارة إلى أن قيم الثقافة اليابانية التقليدية ما زالت مستمرة بقوة، رغم التبدلات العميقة التي رافقت انتقال المجتمع الياباني، من مرحلة الاستخدام المفرط للقوة العسكرية إلى المعجزة اليابانية والمرتبة الثانية في الاقتصاد العلمي. ونجحت اليابان في تجاوز النزعة العسكرية التي تمجد العنف والانتقام والسيطرة، من خلال تمسكها بالقوة الناعمة التي ضمنت استقرار المجتمع الياباني، وأقامت التوازن بين التراث التقليدي والمعاصرة.
لم تكن المسألة سهلة، فحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، كانت السلطة المركزية تعمل على إنقاذ المجتمع الياباني من تجدد النزعة العسكرية، التي حولتها سابقا إلى بلد فقير للغاية. فاعتمدت سياسة تشجيع الإنتاج أو التراكم الاقتصادي والمالي في جميع المجالات، وتحالفت مع الأميركيين لحمايتها من أي هجوم عسكري خارجي. وركزت على التنمية البشرية المستدامة، التي قادت إلى المعجزة الاقتصادية اليابانية.
ساهمت استراتيجية القوة الناعمة السلمية، في ترسيخ ركائز النهضة اليابانية الثانية على أسس جديدة، أبرز مقولاتها: التحديث في خدمة المجتمع، بدلا من التحديث في خدمة النزعة التوسعية العسكرية. وتبنت الحل السلمي للمشكلات الموروثة، وبناء التاريخ الحافز بدلا من الانتقام الذي يستعيد مآسي التاريخ العبء. فأفضت تلك الاستراتيجية إلى بروز تبدلات جذرية، في بنى اليابان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية.
ونتيجة تلك التبدلات باتت سياسة تنمية القوة الناعمة بصورة مستمرة، بطاقة مرور ممتازة لدخول اليابان في العولمة كدولة فاعلة فيها، دون أن تتلقى الكثير من سلبياتها التي خضعت لها الدول النامية، الكبيرة منها والصغيرة.
مع ذلك، يطالب بعض الأحزاب اليابانية الكبيرة بتخلص اليابان من الشعور بالدونية على المستوى الكوني، وتسعى إلى تعديل الدستور للتخلص نهائيا من اتفاقيات الحرب العالمية الثانية المجحفة، بعد أن أصبحت قادرة على حماية مصالحها بقواها الذاتية دون وصاية أميركية. في المقابل، ترى أحزاب أخرى أن دستور اليابان الحالي يرمز إلى السلام، والاستقرار، والديمقراطية، وضمان الحريات العامة والخاصة، والبحبوحة التي نعم بها اليابانيون طوال السنوات الستين الماضية.
فتحولت اليابان إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم، والأولى في بعض حقول التكنولوجيا المتطورة وصناعة الروبوت أو الإنسان الآلي. وبفضل سياسة القوة الناعمة، ليست اليابان بحاجة إلى الدخول مجددا في حلبة التسلح ودفع أموال طائلة دون جدوى، وإخراج قوى يابانية كبيرة وشابة من دائرة الإنتاج.
فتعديل الدستور السلمي يحول اليابان إلى دولة عسكرية ونووية بسرعة قياسية، مما يجعلها مجددا في حالة صدام مع دول الجوار الآسيوية، خاصة الصين وكوريا الجنوبية، ويضعف فرص نجاح مساعي الحل السلمي لأزمة السلاح النووي الكوري.
لذلك ترفض اليابان بشدة استخدام العنف لحل المشكلات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، وتطالب بتعزيز دور الأمم المتحدة، وإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وقد تصالحت مع دول الجوار في جنوب وشرق آسيا، وباتت رساميلها تلعب دور الرافعة الاقتصادية في غالبية دولها. وتتخوف الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، من حماس اليابان لإقامة وحدة آسيوية خطط لها القادة اليابانيون منذ أواخر القرن العشرين، وأعادوا تجميع قسم كبير من رساميلهم في قارة آسيا، بعد أن كانت متواجدة بكثافة في القارتين الأميركية والأوروبية.
وتدرك اليابان أن الاختلاف الإيديولوجي لم يعد عائقا كبيرا أمام التعاون بين الدول المتباينة إيديولوجيا، بعد الحرب الباردة. ومن جانبها، أظهرت الصين ودول آسيوية أخرى، مرونة كبيرة في فهم المتغيرات الدولية، وأبدت استعدادا تاما لحل المشكلات العالقة مع اليابان بالطرق السلمية.
كذلك أظهرت اليابان رغبة حقيقية في تجاوز الماضي المؤلم مع دول الجوار الآسيوية، بهدف تعزيز المصالح المشتركة، وبناء قوة آسيوية موحدة للمشاركة في صنع نظام عالمي جديد يتجاوز القطب الأميركي الأوحد.
فاليابان دولة فاعلة على المستوى الكوني، وهي تقيم أفضل العلاقات مع جميع دول العالم، وبالتالي ليست بحاجة إلى دول خارجية لحمايتها. والشعب الياباني مستعد للدفاع عن نفسه، ويمتلك القدرة على المجابهة في مختلف المجالات، بما فيها المجال العسكري.
أخيرا، تخلت اليابان نهائيا عن مقولات العنف الدموي التي أفضت إلى السيطرة العسكرية والنزعة الإمبريالية التوسعية، وتبنت مقولات سلمية تدعو إلى الديمقراطية، والتحديث الشمولي لأهداف مدنية، والمشاركة النشطة في بناء نظام عالمي جديد، على أسس مغايرة تماما للأسس السابقة التي كانت تشجع الحروب أو تمنع انفجارها.
ونجحت في تهدئة الخلافات التاريخية مع الدول الآسيوية المجاورة، وباتت القوة الناعمة ركيزة صلبة لإحداث تبدلات عميقة في دول الجوار الآسيوية. وتتخوف القوى الديمقراطية اليابانية من إعادة التوظيف بكثافة في المجال العسكري، لأنه سيعيق حتما دمج اليابان في محيطها الإقليمي، نظرا للحساسية المفرطة لدى الدول الآسيوية من استخدام التكنولوجيا اليابانية في تجارة الأسلحة على المستوى العالمي.
ختاما، تبنت اليابان مقولة الحماية الذاتية لضمان الأمن الجماعي فيها، دونما حاجة إلى استخدام السلاح أو التهديد به. وهي تلعب دور القوة الاقتصادية والمالية الداعمة لدول آسيوية ولدول أخرى في العالم، لمساعدتها على حل مشكلاتها المعقدة والموروثة، بالطرق السلمية لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.
وهي تساهم في حل النزاعات من طريق القروض، والهبات المالية، وتدريب الطاقات البشرية. وترفض تجدد النزعة العسكرية المغامرة داخلها، كما تراقب بحذر تشكل الكتل «الجغراسيّة» العملاقة على المستوى الكوني. وتحرص اليابان على تنمية القوة الناعمة لحماية استقرارها الداخلي، والحفاظ على الطبقة الوسطى فيها، التي تكاد تكون الأكثر اتساعا في العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية تحولت اليابان من جلاد إلى ضحية، فكان لا بد من نقد مقولات العنف، والاعتذار عما سببه للآخرين من مآسٍ في الماضي، وهذا يحتاج إلى جرأة كبيرة من الشعوب ذات التوجه الديمقراطي الحضاري، بهدف الانتقال من التاريخ العبء أو غير الإنساني، إلى التاريخ الإنساني الذي يقدس حرية الأفراد والشعوب، ويحرّم كل أشكال القمع، والاضطهاد، والعنف، والسيطرة، واستغلال الإنسان للإنسان.
وتعلم اليابانيون الكثير من سلبيات ماضيهم، وقدموا الاعتذار العلني للشعوب التي أساؤوا إليها، وهم ينتظرون أن تمارس دول كبرى الأسلوب عينه، لكي يتم تصويب مسار التاريخ نحو التاريخ الإنساني، وحل النزاعات الموروثة، بالطرق الدبلوماسية وليس بالعنف الدموي.
تجدر الإشارة إلى أن قيم الثقافة اليابانية التقليدية ما زالت مستمرة بقوة، رغم التبدلات العميقة التي رافقت انتقال المجتمع الياباني، من مرحلة الاستخدام المفرط للقوة العسكرية إلى المعجزة اليابانية والمرتبة الثانية في الاقتصاد العلمي. ونجحت اليابان في تجاوز النزعة العسكرية التي تمجد العنف والانتقام والسيطرة، من خلال تمسكها بالقوة الناعمة التي ضمنت استقرار المجتمع الياباني، وأقامت التوازن بين التراث التقليدي والمعاصرة.
لم تكن المسألة سهلة، فحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، كانت السلطة المركزية تعمل على إنقاذ المجتمع الياباني من تجدد النزعة العسكرية، التي حولتها سابقا إلى بلد فقير للغاية. فاعتمدت سياسة تشجيع الإنتاج أو التراكم الاقتصادي والمالي في جميع المجالات، وتحالفت مع الأميركيين لحمايتها من أي هجوم عسكري خارجي. وركزت على التنمية البشرية المستدامة، التي قادت إلى المعجزة الاقتصادية اليابانية.
ساهمت استراتيجية القوة الناعمة السلمية، في ترسيخ ركائز النهضة اليابانية الثانية على أسس جديدة، أبرز مقولاتها: التحديث في خدمة المجتمع، بدلا من التحديث في خدمة النزعة التوسعية العسكرية. وتبنت الحل السلمي للمشكلات الموروثة، وبناء التاريخ الحافز بدلا من الانتقام الذي يستعيد مآسي التاريخ العبء. فأفضت تلك الاستراتيجية إلى بروز تبدلات جذرية، في بنى اليابان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية.
ونتيجة تلك التبدلات باتت سياسة تنمية القوة الناعمة بصورة مستمرة، بطاقة مرور ممتازة لدخول اليابان في العولمة كدولة فاعلة فيها، دون أن تتلقى الكثير من سلبياتها التي خضعت لها الدول النامية، الكبيرة منها والصغيرة.
مع ذلك، يطالب بعض الأحزاب اليابانية الكبيرة بتخلص اليابان من الشعور بالدونية على المستوى الكوني، وتسعى إلى تعديل الدستور للتخلص نهائيا من اتفاقيات الحرب العالمية الثانية المجحفة، بعد أن أصبحت قادرة على حماية مصالحها بقواها الذاتية دون وصاية أميركية. في المقابل، ترى أحزاب أخرى أن دستور اليابان الحالي يرمز إلى السلام، والاستقرار، والديمقراطية، وضمان الحريات العامة والخاصة، والبحبوحة التي نعم بها اليابانيون طوال السنوات الستين الماضية.
فتحولت اليابان إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم، والأولى في بعض حقول التكنولوجيا المتطورة وصناعة الروبوت أو الإنسان الآلي. وبفضل سياسة القوة الناعمة، ليست اليابان بحاجة إلى الدخول مجددا في حلبة التسلح ودفع أموال طائلة دون جدوى، وإخراج قوى يابانية كبيرة وشابة من دائرة الإنتاج.
فتعديل الدستور السلمي يحول اليابان إلى دولة عسكرية ونووية بسرعة قياسية، مما يجعلها مجددا في حالة صدام مع دول الجوار الآسيوية، خاصة الصين وكوريا الجنوبية، ويضعف فرص نجاح مساعي الحل السلمي لأزمة السلاح النووي الكوري.
لذلك ترفض اليابان بشدة استخدام العنف لحل المشكلات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، وتطالب بتعزيز دور الأمم المتحدة، وإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وقد تصالحت مع دول الجوار في جنوب وشرق آسيا، وباتت رساميلها تلعب دور الرافعة الاقتصادية في غالبية دولها. وتتخوف الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، من حماس اليابان لإقامة وحدة آسيوية خطط لها القادة اليابانيون منذ أواخر القرن العشرين، وأعادوا تجميع قسم كبير من رساميلهم في قارة آسيا، بعد أن كانت متواجدة بكثافة في القارتين الأميركية والأوروبية.
وتدرك اليابان أن الاختلاف الإيديولوجي لم يعد عائقا كبيرا أمام التعاون بين الدول المتباينة إيديولوجيا، بعد الحرب الباردة. ومن جانبها، أظهرت الصين ودول آسيوية أخرى، مرونة كبيرة في فهم المتغيرات الدولية، وأبدت استعدادا تاما لحل المشكلات العالقة مع اليابان بالطرق السلمية.
كذلك أظهرت اليابان رغبة حقيقية في تجاوز الماضي المؤلم مع دول الجوار الآسيوية، بهدف تعزيز المصالح المشتركة، وبناء قوة آسيوية موحدة للمشاركة في صنع نظام عالمي جديد يتجاوز القطب الأميركي الأوحد.
فاليابان دولة فاعلة على المستوى الكوني، وهي تقيم أفضل العلاقات مع جميع دول العالم، وبالتالي ليست بحاجة إلى دول خارجية لحمايتها. والشعب الياباني مستعد للدفاع عن نفسه، ويمتلك القدرة على المجابهة في مختلف المجالات، بما فيها المجال العسكري.
أخيرا، تخلت اليابان نهائيا عن مقولات العنف الدموي التي أفضت إلى السيطرة العسكرية والنزعة الإمبريالية التوسعية، وتبنت مقولات سلمية تدعو إلى الديمقراطية، والتحديث الشمولي لأهداف مدنية، والمشاركة النشطة في بناء نظام عالمي جديد، على أسس مغايرة تماما للأسس السابقة التي كانت تشجع الحروب أو تمنع انفجارها.
ونجحت في تهدئة الخلافات التاريخية مع الدول الآسيوية المجاورة، وباتت القوة الناعمة ركيزة صلبة لإحداث تبدلات عميقة في دول الجوار الآسيوية. وتتخوف القوى الديمقراطية اليابانية من إعادة التوظيف بكثافة في المجال العسكري، لأنه سيعيق حتما دمج اليابان في محيطها الإقليمي، نظرا للحساسية المفرطة لدى الدول الآسيوية من استخدام التكنولوجيا اليابانية في تجارة الأسلحة على المستوى العالمي.
ختاما، تبنت اليابان مقولة الحماية الذاتية لضمان الأمن الجماعي فيها، دونما حاجة إلى استخدام السلاح أو التهديد به. وهي تلعب دور القوة الاقتصادية والمالية الداعمة لدول آسيوية ولدول أخرى في العالم، لمساعدتها على حل مشكلاتها المعقدة والموروثة، بالطرق السلمية لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.
وهي تساهم في حل النزاعات من طريق القروض، والهبات المالية، وتدريب الطاقات البشرية. وترفض تجدد النزعة العسكرية المغامرة داخلها، كما تراقب بحذر تشكل الكتل «الجغراسيّة» العملاقة على المستوى الكوني. وتحرص اليابان على تنمية القوة الناعمة لحماية استقرارها الداخلي، والحفاظ على الطبقة الوسطى فيها، التي تكاد تكون الأكثر اتساعا في العالم.
Comment