ذكر المؤرخون والباحثون تعاريف عديدة للموشح منهم :
1- أبن خلدون ( تولد سنة 808 هـ المصادف 1388م ) الذي عرف الموشح:
(… وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم ، وتهذبت مناحيه وفنونه ، وبلغ التنسيق الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا سموه الموشح ينظمونه أسماطا اسماطا ، أغصانا أغصانا ، يكثرون من اعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان .
2- أبن سناء الملك ( تولد سنة 550 هـ ): الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص )
ومن المحدثين
3- حنا الفاخوري الذي يعرف الموشح ( قصيدة شعرية موضوعة للغناء ):
4- الأديب المغربي محمد بن تاوبت ( هو فن مستحدث من فنون الشعر العربي في هيكل من القصيدة ، لا يسير في موسيقاه على النهج الشعري التقليدي الملتزم لوحدة الوزن ورتوب القافية وانما يعتمد على منهج تجديدي متحرر فيه ثورة على الأساليب المرعية في النظم بحيث يتغير الوزن وتتعدد القافية
ومن خلال دراستنا لهذه التعاريف رأينا انهم أجمعوا على إن الموشح لا يخرج عن كونه نوعا من النظم وان فنه من فنون الشعر العربي . والموشح مشتق من كلمة وشح أي زين ، وسميت بالموشحات لما فيها من تزيين وتنميق .
منشأه: كثرت آراء القدامى والمحدثين حول تاريخ ومكان نشأت الموشحات فمنهم من يحدد تاريخها إلى أواخر القرن التاسع واخرون في نهاية القرن العاشر واخرون في أوائل القرن الحادي عشر . أما منشآه فهناك عدة نظريات نوجزها بما يلي :
أولا- إن اغلب الباحثين من المستشرقين ( مينيندز بيلينو ، ريبيرا ، جب ، بروكلمان ، بنكل ، وغيرهم ) والعرب ( يوسف اسعد ، بطرس البستاني ، د. عبد العزيز ألاهواني وحنا الفاخوري وغيرهم ...) بأن فن التوشح انتقل الى الادب العربي من خلال الاغاني الشعبية الاسبانية ( الفلامنكو) والبروفنسانية اللاتينية التي كانت تعرف بالرومانسية من خلال جماعة الرواة والمغنين المعروفين في فرنسا بالتروبادور وجنكلر من العصر الوسيط ( القرن السابع والثامن الميلادي )اشتهروا في غالية واسبانيا اذ كانوا يطوفون البلاد متنقلين من قصر الى قصر يقصدون الامراء في المواسم والاعياد ، يتغنون باناشيدهم الغرامية وقصص الفروسية في مقاطع غير محكمة الوزن ولا تلتزم فيها القوافي التزاما . اما الاساس الذي يستندون اليه في نظريتهم هو :
1- لان قصائدهم ( أسوة بالموشحات ) كانت مغناة
2- مواضيعها تدور في الغرام والفروسية
3-غير محكمة الوزن ومختلفة القافية
4- وجود جوانب مشتركة بين الموشحات والمنظومات التروبادورية حيث نجد في مقطوعة من المقطوعات التروبادورية جزء يقابل الغصن في الموشحة وجزء يقابل القفل .. ومن نقاط الالتقاء ايضا ان ما يقابل الغصن مع ما يقابل القفل يسمى عند جماعة التروبادور بيتا كما هو الحال عند جماعة الموشحات .
إلا ان هذا الرأي خلق عند البعض رأي معاكس آي دفع بالبعض أمثال المستشرق ( ليفي بروفنسال وبنكل وكراتشوفسكي) ومقداد رحيم ومجدي شمس الدين و... لا يستبعدوا ان يكون شعراء التروبادور هم الذين تاثروا بالموشحات ، حيث كانوا قبل ان يعرفوا فن التوشيح ينشدون منظومات شعرية تتجرد تماما من الوزن والقافية ولا تتضمن من الايقاع الا اتحاد الحروف الاخيرة ويدعمون نظريتهم بما يلي :
1- إن أول شاعر تروبادوري هو جيوم التاسع أمير بانييه الذي كتب أشعاره بين سنة 1100-1127م أي بعد اقدم الموشحات بأكثر من 200 سنة
2- ما ذهبنا إليه من التقارب بين الموشحات واغاني التروبادور كتقابل الأغصان والأقفال ،
3- نجد إن هذه الظاهرة غريبة على الشعر الاوربي قبل جماعة التروبادور
ثانيا : والبعض الآخر أمثال ابن بسام ، ابن خلدون ، احمد حسن الزيات ، طه حسين ، مارون عبود ، ابراهيم أنيس ... وغيرهم يعتقدون ان فن التوشح هو مشرقي المنشأ اي عربي وينسبونه الى مقدم بن معافر الفريري من شعراء الامير عبد الله بن محمد المرواني هو اول من كتب الموشح وكان ذلك في اوائل القرن الحادي عشر الميلادي واخذ عنه ابو عبد الله احمد بن عبد ربة صاحب كتاب العقد الفريد ويوسف بن هارون وعبادة بن ماء السماء ، الا انهم لم يظهر لهم ذكر .. ومنهم من يعتقد ان الشاعر العراقي ابن المعتز المتوفي سنة ( 296هـ – 876م ) هو اول من انشا هذا الفن بقوله:
أيها الساقي إليك المشتكي قد دعوناك وان لم تسمع
ونديم همت في غرته
وشربت الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
ثالثا . البعض منهم وخاصة د. عبد العزيز الاهواني يعتقد بان الموشحات أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية أي خرجات أعجمية وهذا ما سينقلنا إلى عدة احتمالات هل هي أندلسية أم فارسية أم سريانية .. من يدرس الموشحات سيجد ان كثير من الوشاحين (وحتى غير الوشاحين امثال ابونواس ) يخرجون قصائدهم بابيات لاشهر الشعراء من العرب والاجانب او الفاظ دخيلة الا انها قد تكون مالوفة لديهم . حيث روى ابو فرج الاصفهاني (تولد 356هـ - 936م ) مقطعة من اربعة ابيات لابراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الاتي
فقال ( إزل بشينا ) حين ودعني وقد لعمرك زلنا عنه بالشين
نجد ان الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة ( ازل بشينا ـ إزل بشينا ) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (اّزلنا . زِلنا ) بمعنى ذهبنا و(بشينا ـ بالشين) بمعنى بالسلامة .
رابعا : واخرون يعتقدون أمثال الأستاذ مقداد رحيم إن الموشحات التي نسمعها اليوم مغناة بشكل جماعي ليست أندلسية في طريقة الغناء والألحان بل هي مشرقية . فهي مزيج من الحان مشرقية والحان أندلسية كنسية . ويعتقد الأستاذ مقداد إن الموشحات كانت في السابق يغنيها شخص واحد مع جوقة تردد بدلا من جوقتين ... كما يعتقد ان الموشحات مرت بثلاث ادوار وما وصلنا منها كانت بالدور الثالث اي متكاملة
خامسا : هناك من يذهب أمثال المستشرق فيليكروسا بان الموشحات العربية قد تأثرت بالموشحات العبرية
سادسا : أما الأستاذ سلمان علي التكريتي يقول :
ولا نغالي إذا قلنا ان الموسيقى السريانية بواسطة الكنيسة الشرقية قد تمكنت من فرض فنية ترانيمها الشرقية على عموم أوربا عن طريق مدرسة الرها ونصيبين ، وان الموسيقى الأندلسية والموشحات الأندلسية هي موسيقى الكنيسة الشرقية التي انطلقت من وادي الرافدين وبلاد الكنعانيين والفينيقين وشبه الجزيرة العربية . ويعتقد الأستاذ سلمان علي بان الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ( سوريا ، عراق ، لبنان ، اردن ، مصر) قد تأثرت تأثيرا واضحا بايقاعات الغناء الشعبي من ناحية وتأثيرات الموسيقى التركية من ناحية ثانية فافتقدت الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ميزتها التراثية الأصلية لكننا نجد العكس في المغرب العربي ( تونس ، مغرب ، جزائر) اذ ان الموشحات الاندلسية صارت هي الاساس الذي يستلهم منه الغناء الشعبي لان الموشحات في الاصل كانت هي الغناء الشعبي والتقليدي في ان واحد والدليل على هذه الاصالة والنقاء هو قربها ومشابهتها لاداء الغناء الكنسي المشرقي الذي ما زال يؤدي على شاكلته على مر القرون ومنذ ظهوره وخلال تطوره باسلوب مار افرام .
سابعا : أنا اتفق مع الأستاذ سلمان علي التكريتي على إن الموشحات هــــي مشرقيـــة الأصل ذات جذور كنسية سريانية ، فهذا الفن وجد في الأدب السرياني قبل أن يوجد عند جماعة التروبادور والجنكر بقرون ويرجع السبب في ظهوره في الاندلس بدلا من العراق وبلاد الشام :
1- كون بغداد والشام هي مركز الخلافة الإسلامية وكان الأدب العربي لايزال يشكل امتدادا لببيئته الصحراوية في الجزيرة وكان تمسك الخلفاء بتراثهم وانشغالهم في الفتوحات أدت إلى عدم تشجيعهم لأي قصيدة تخرج من اطارها التقليدي .
2- أما الأندلس فلبعدها عن المركز وانفتاحهم على مجتمع شاع فيه الترف واللهو والغناء شيوعا عظيما أضعفت سيطرتهم لا بل جذبتهم الطبيعة الأندلسية وجعلتهم ينسون طبيعتهم الصحراوية وأوزانها التقليدية الآمر الذي أدى بالأمراء في الأندلس إلى تشجيع هذا اللون من الشعر . فبدأت حركـــة التحرر في القـرن الحادي عشـــر فأخذ الشعراء العرب يمثلون بيئتهم الجديدة من غير أن يهملــــوا التقليـــد إهمالا تامــا ، أمثال الشاعر ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وغيرهم .
أما كيف انتقل هذا الفن من المدراش السرياني الى الموشح العربي فيكون:
1- من خلال المدارس والجامعات السريانية في الكنائس والاديرة التي كان يتلقى فيها الكثير من الادباء والمفكرين العرب علومهم فيها ومن بينها المداريش والسوغيتات ، ومن خلال ما نقله المترجمون السريان من الاداب والعلوم السريانية الى العربية . فتشبعت الاذن العربية بهـــذه التراتيل التي كانت ترتل باستمرار في الكنائس والاديرة بالحان شتى . وكانت بغداد ودمشق زاخرة بشعر عربي اصيل يشكل امتدادا للشعر في الجزيرة ويتطرب بنغمات المدينة الحاضرة ، فليس من المستبعد ان تكون بغداد ودمشق قد شقت طريقها نحو التجدد الشعري ، وكان محقا من اعتبر بشار بن البرد وأبا نواس ومسلم بن الوليد اول دعاة التجدد ، في حين كان الشــعر في الاندلس لا يجـرؤ ان يـذرع مثـل هــذه الخطـوات لانشغال العرب هناك بالدفاع عن انفسهم والتفكير بالتوســـع ، الا في اواخر عهد الامارة الاموية في القرن العاشر الميلادي. فليس مستبعدا ان تكون هناك عشرات الموشحات تغنى سرا او علنا في العراق او الشام واختفت لعدم تشجيعها من قبل الخلفاء
2- عندما دخلت الجيوش العربية الاسلامية بلاد الاندلس واستقرت هناك كان من بينهم او من بين الذين توافدوا اليها لاحقا الكثير من الادباء الذين تلقوا علومهم في المدارس السريانية في العراق او بلاد الشام فنقلوا معهم اشعارهم وافكارهم التجددية في الشعر ، فعندما سنحت لهم الفرصة اظهروها هناك .حيث كانت العلاقات وثيقة بين طرفي العالم العربي ، والرحالة الكثيرون يذهبون الى الشرق للتزود بعلمه وياتون الى الاندلس طلبا للرزق او الشهرة . فوفد زرياب ( تلميذ اسحق الموصلي )الى الاندلس عام 822 م وكان له اثر بليغ في فن الغناء والموسيقى وجلبت المغنيات من الشرق فحملت معها الى الاندلس فنها وادبها ومن اشهر هؤلاء المغنيات القيان قمر البغدادية .
3- ومن المحتمل ان يكون هذا الفن قد انتقل اليهم من خلال اليهود القاطنين في بلاد الاندلس ( كما يقول المستشرق فيليكروسا ) الذي انتقل اليهم هذا الفن من الادب السرياني حيث استمدوا (اليهود) الكثير من ادابهم وعلومهم من السريان كما يقول بذلك الباحث اسرائيل ابراهام . ومن الاسباب التى دعتني الى ذلك :
1- ان الجيوش الاسلامية احتلت بلاد الاندلس سنة 711م ودامت الدولة الاسلامية هناك حتى سنة 1492 في حين ان اقدم الموشحات ظهرت فـــي القرن العاشر او الحادي عشر . في حين كان احتكاك المفكرين والادباء العرب في المشرق منذ القرن السابع الميلادي حين نزلوا الى ساحات العمل في التأليف والترجمة جنبا الى جنب اخوانهم السريان .
2- كانت باستطاعة الاذن العربية ان تتقبل اللغة السريانية وادابها والحانها بصورة اسهل بكثير من تقبلها للغة اعجمية بعيدة كل البعد عن لغتها وتراثها .
3-ان ما يجمع من صفات مشتركة بين المدراش السرياني (القرن الثالث الميلادي) والموشحات العربية (القرن الحادي عشر) يجعلنا نؤكد جازمين أن الموشح مشرقي الاصل سرياني المولد . فالمدراش الذي هو عبارة عن منظوم جدلي في قالب شعري يمثل النوع الغنائي من الوزن يمتاز والموشحات بـ :
1- ان ابياتها لاتكون على نمط واحد اي تتساوى عدد مقاطعه حينا وتختلف حينا اخر.
2- ان ابياتها تكون قائمة بذاتها ولا صلة لها بالبيت السابق ( اي تاتي مستقلة اي كل بيت في المدراش قائم بذاته ) وتفصل هذه الابيات ( ويسمى في الموشحات الدور حيث يشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض) ردة ( قفل بالعربية الذي هو عبارة عن بيت واحد او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات وتتكرر ويشترط فيها التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية وذات موسيقى واحدة ) ترتلها الجوقة بعد كل بيت او اكثر يقوم فرد بترتيله ، اي ان :
* الجوقة الاولى ( الشماس في الغالب) ترتل الابيات الطويلة
*الجوقة الثانية ترتل الابيات القصيرة التي تؤلف الردة ( التي هي عبارة عن حمدلة او صلاة ما ) . ومن شروط هذه الابيات (باستثناء الردة /القفل) ان تكون متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، وباستطاعة الراوي تنويعها .
3- للمداريش انغام شتى وكانت الالحان تتغير بموجب انواع المداريش فالمونسنيور لامي اكد وجود 75 ضربا من الالحان في الاناشيد الصحيحة او المنحولة لمار افرام . وتاتي على الاغلب على شكل حوار وكان ذلك سببا دفع البعض بتسمية المداريش بالموشحات ، واول من صنفها هو برديصان (+154م) واسونا (القرن الرابع الميلادي) ومار افرام (+306) ومار اسحق وبالاي و.. . وقد دخلت عليها وعلى الموشحات بعض الفنون في كتابتها. وتفرع من المدراش السوغيت ، حيث يستعمل في صياغة الماسي الدينية ويكون على شكل حوار بين منشدين او جماعتين . فبعد مقدمة مؤلفة من 5-10 أبيات ذات اربعة اشعار من الوزن السباعي ( الغالب ) تبدا المحاورة بين شخصين او جوقتين كما في انشودة الميلاد (محاورة بين العذراء والمجوس ) وانشودة البشارة ( محاورة بين الملاك جبرائيل والعذراء ) وهي من قصائد نرساي ( 399 -503 م) .
اما الموشحات فهي تتالف من اسماط ( اقفال ـ يقابلها الردة ) ومن ابيات تتفرع الى اغصان ( اجزاء ـ يقابلها دعامات ) وهي كالاتي :
1- القفل ( الاسماط) : هو بيت او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات في اغلب الاحيان ، وتتكرر قبل كل بيت منها ، ويسمى القفل سمطا ويشترط في الاقفال التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية . وهكذا تكون كلها في الموشحة ذات موسيقى لفظية وتلحينية واحدة . والقفل لا يكون اقل من جزأين ( دعامتين ) ويصل الى ثمانية اجزاء عند البعض وهي قليلة .فمثلا
* القفل المركب من جزاين
شمس قارنت بدرا راح ونديم 7+5 حركات
* القفل المركب من ثلاث اجزاء
حلت يد الامطار ازرة النوار فياخذني 7+7+5 حركات
* القفل المركب من اربعة اجزاء
ادر لنا اكواب ينسى بها الوجد واستحضر الجلاس كما اقتضى الؤد
7+6+7+7 وهكذا
2-البيت : هو ما نظم بين القفلين من ابيات شعرية (ويسمى الدور) ويشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض والمذاهب . وقد يتالف البيت من جزاين او ثلاثة اجزاء . ومن شروط الابيات ان تكون كلها متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، واما الروي فيحسن تنويعه ، ومن عادة الموشح ان يبدا بقفل وينتهي بقفل ويسمى بالتام وعادة يتردد ست مرات . اما اذا تردد خمس مرات ( اي لا يبدا بقفل) يسمى بالاقرع .
وقد قسم ابن سناء الملك الموشحات الى قسمين :
1- ما جاء على اوزان العرب وهي تشبه المدراش السرياني ذو الوزن المتساوي
2- الخالية من العروض كما يقول : ( اردت ان اقيم لها عروضا يكون دفترا لحسابها وميزانا لاوتارها واسبابها فعز ذلك واعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكلف ... واكثرها مبني على تأليف الارغن ...) يقصد بها ابن سناء العروض الخليلي لانها كما يقول هو نفسه مبنيــة على الايقـاع. وهي نفسها في المداريش الموزنة على الوزن المركب كأن تكــــون منظومة على البحر الخامس والسابع او السابع والثامن او ... وهذا ما نلاحظه في الموشحات ايضا ، فهي مبنية ( ومـن ضمنها الموزونــة على اوزان العـرب ) على الايقاع اكثر من بنائها على التفعيلة الخليلية .
الوزن: من حيث الوزن نجد ان الموشحات تستخدم نفس اسلوب الوزن السرياني وهذا الوزن يختلف عن اوزان الشعر العربي الخليلي ذات التفعيلة الواحدة ، كما ان الشعر العربي لا يحتوي على دعامات متساوية كما سنجدها في الموشحات ، وذلك لتدوير الايقاع بين التفعيلات في اوزان الخليل وهذا لا يجوز في الشعر السرياني وما لا نجده في الموشحات الاصلية . فعلى سبيل المثال نجد ان قصيدة صفي الدين الحلي(750هـ) والتي مطلعها:
شق جيب الليل عن فجر الصباح ايها السامون
وزنها ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلان فاعلن فاعلن) هذا الوزن سوف لن تجده في اوزان الخليل الصافية . كونها موزونة على اساس الايقاع الموسيقي كما الحال في المدراش وهي على الشكل الاتي:
6حركات + 5 حركات 5 حركات
اي الشطر 11 حركة والعجز 5 حركات
وهكذا في القصيدة الغنائية ( سكن الليل) لجبران خليل جبران التي يقول فيها :
سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الاحلام
وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الايام
نجدها موزونة على وزن ( فعلاتن فعلاتن فاعلان فاعلن فعلان ) هذا الوزن ايضا لا تجده في الاوزان الصحيحة عند الخليل بل تجدها موزنة وبشكل صحيح كما في المدراش فوزنها( 5 حركات +6 حركات في الشطر و5 حركات في العجز ) . وهكذا الحال في قصيدة ابن بقي (المولود سنة 1145م ) والتي مطلعها :
انما يحيى سليل الكرام واجد الدنيا ومعنى الانام
نجده يستخدم الدعامة الخماسية اي 5+5+5+5 وعلى مدار القصيدة .
وهي تشبه قصيدة لانطون التكريتي (المتوفي سنة 840م) يقول فيها :
وكذا الحال لدى شاعر آخر :
ليل طويل وما معين يا قلب بعض الناس اما تلين
يستعمل اربع دعامات (4+4+6+4)
وهي تشبه قصيدة بالاي (توفي سنة 432م) :
محدا دنشقه
شِنيت نوشه
فقدلا مريا
فقدلا لصِفرا
فقدلا ليونا
وهناك قصيدة تنسب لسلم الخاسر (180هـ) تتكون من مجموعة دعامات (سلم موسيقي) على وزن مستفعلن ، يتكون البيت الواحد من اربع دعامات وكل دعامة من اربع حركات كما في قوله:
موسى المطر. غيث بكر. ثم انهمر.الوى المرر
كم اعتسر. ثم ابتسر. وكم قدر . ثم غفر
عدل اليسر. باقي الاثر. خير وشر . نفع وضر
خير البشر. فرع مضر . بدر بدر . والمفتخر
وهذا اللون لا نجده الا في الموروث السرياني الذي اشتهر فيه كل من نرساي (+399م) ويعقوب السروجي (+451م) .وكما في المدراش الذي نيشه ( بيلدى دمارن ـ ميلاد المسيح ) او كقول او كقول نرساي (399م) :
رش حَخِمتا / حِخمَت لقوشتا / دحيل بارويا
نجد ان البيت الشعري يتكون من ثلاث دعامات ( بدلا من اربع ) وكل دعامة تتكون من اربع حركات . او كقول انطون التكريتي :
كَد غون يَصرَت / بلبي رِنيَت / دكنسا دناشا / من كدو شيطا / وزونا شغيشا
نجد ان البيت الشعري وكما عند سلم الخاسر يتكون من عدة دعامات وكل دعامة تحوي اربع حركات.
اما القافيـــة
فنجدها في المدراش اســوة بالموشـح تختلف من مقطع لاخر واحيانا تستعمل قافيــــة موحـــدة فـــي الدعامات الداخلية كما في موشحة ابي عبــد اللـــه محمـــد بن عبـــادة المعروف بابن قزاز :
بدرتم . شمس ضحا غصن نقا . مسك شم
ما اتم . ما اوضحا ما اورقا . ما اتم
لا جرم . من لمحا قد عشقا .قد حرم
نجد ان المقطع يتكون من دعامتين ذات ثلاث واربع حركات اي بمجموع سبع حركات وعلى وتيرة واحدة خالية من التدوير ذات قافية مقطعية . ومثل هذا الاسلوب لا نجده الا في الموروث السرياني . كما في قصيدة يعقوب السروجي ( تولد 521م). يقول فيها:
قالِه دَحلين / حِزوه تميهين / رعما رهيوين / طَقسا سديرين / تَغما شويحين
المصادر :
1- د رضا محسن القريشي /الموشحات العراقية منذ نشاتها وحتى القرن التاسع عشر
2- الموشحات / د مجدي شمس الدين ـ مجلة الافاق العربية 3-4/اذار 1999
3- سلمان علي التكريتي / مجالي تطور الموسيقى العربية / مجلة افاق عربية عدد 12/اب/1983
4- مقداد رحيم / الموشحات الاندلسية وعلاقتها بالغناء / افاق عربية عدد 9/مايس/1984
5- نزار حنا / الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين العربية والسريانية
نزار حنا الديراني
رئيس اتحاد الادباء و الكتاب السريان
منقول.............
1- أبن خلدون ( تولد سنة 808 هـ المصادف 1388م ) الذي عرف الموشح:
(… وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم ، وتهذبت مناحيه وفنونه ، وبلغ التنسيق الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا سموه الموشح ينظمونه أسماطا اسماطا ، أغصانا أغصانا ، يكثرون من اعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان .
2- أبن سناء الملك ( تولد سنة 550 هـ ): الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص )
ومن المحدثين
3- حنا الفاخوري الذي يعرف الموشح ( قصيدة شعرية موضوعة للغناء ):
4- الأديب المغربي محمد بن تاوبت ( هو فن مستحدث من فنون الشعر العربي في هيكل من القصيدة ، لا يسير في موسيقاه على النهج الشعري التقليدي الملتزم لوحدة الوزن ورتوب القافية وانما يعتمد على منهج تجديدي متحرر فيه ثورة على الأساليب المرعية في النظم بحيث يتغير الوزن وتتعدد القافية
ومن خلال دراستنا لهذه التعاريف رأينا انهم أجمعوا على إن الموشح لا يخرج عن كونه نوعا من النظم وان فنه من فنون الشعر العربي . والموشح مشتق من كلمة وشح أي زين ، وسميت بالموشحات لما فيها من تزيين وتنميق .
منشأه: كثرت آراء القدامى والمحدثين حول تاريخ ومكان نشأت الموشحات فمنهم من يحدد تاريخها إلى أواخر القرن التاسع واخرون في نهاية القرن العاشر واخرون في أوائل القرن الحادي عشر . أما منشآه فهناك عدة نظريات نوجزها بما يلي :
أولا- إن اغلب الباحثين من المستشرقين ( مينيندز بيلينو ، ريبيرا ، جب ، بروكلمان ، بنكل ، وغيرهم ) والعرب ( يوسف اسعد ، بطرس البستاني ، د. عبد العزيز ألاهواني وحنا الفاخوري وغيرهم ...) بأن فن التوشح انتقل الى الادب العربي من خلال الاغاني الشعبية الاسبانية ( الفلامنكو) والبروفنسانية اللاتينية التي كانت تعرف بالرومانسية من خلال جماعة الرواة والمغنين المعروفين في فرنسا بالتروبادور وجنكلر من العصر الوسيط ( القرن السابع والثامن الميلادي )اشتهروا في غالية واسبانيا اذ كانوا يطوفون البلاد متنقلين من قصر الى قصر يقصدون الامراء في المواسم والاعياد ، يتغنون باناشيدهم الغرامية وقصص الفروسية في مقاطع غير محكمة الوزن ولا تلتزم فيها القوافي التزاما . اما الاساس الذي يستندون اليه في نظريتهم هو :
1- لان قصائدهم ( أسوة بالموشحات ) كانت مغناة
2- مواضيعها تدور في الغرام والفروسية
3-غير محكمة الوزن ومختلفة القافية
4- وجود جوانب مشتركة بين الموشحات والمنظومات التروبادورية حيث نجد في مقطوعة من المقطوعات التروبادورية جزء يقابل الغصن في الموشحة وجزء يقابل القفل .. ومن نقاط الالتقاء ايضا ان ما يقابل الغصن مع ما يقابل القفل يسمى عند جماعة التروبادور بيتا كما هو الحال عند جماعة الموشحات .
إلا ان هذا الرأي خلق عند البعض رأي معاكس آي دفع بالبعض أمثال المستشرق ( ليفي بروفنسال وبنكل وكراتشوفسكي) ومقداد رحيم ومجدي شمس الدين و... لا يستبعدوا ان يكون شعراء التروبادور هم الذين تاثروا بالموشحات ، حيث كانوا قبل ان يعرفوا فن التوشيح ينشدون منظومات شعرية تتجرد تماما من الوزن والقافية ولا تتضمن من الايقاع الا اتحاد الحروف الاخيرة ويدعمون نظريتهم بما يلي :
1- إن أول شاعر تروبادوري هو جيوم التاسع أمير بانييه الذي كتب أشعاره بين سنة 1100-1127م أي بعد اقدم الموشحات بأكثر من 200 سنة
2- ما ذهبنا إليه من التقارب بين الموشحات واغاني التروبادور كتقابل الأغصان والأقفال ،
3- نجد إن هذه الظاهرة غريبة على الشعر الاوربي قبل جماعة التروبادور
ثانيا : والبعض الآخر أمثال ابن بسام ، ابن خلدون ، احمد حسن الزيات ، طه حسين ، مارون عبود ، ابراهيم أنيس ... وغيرهم يعتقدون ان فن التوشح هو مشرقي المنشأ اي عربي وينسبونه الى مقدم بن معافر الفريري من شعراء الامير عبد الله بن محمد المرواني هو اول من كتب الموشح وكان ذلك في اوائل القرن الحادي عشر الميلادي واخذ عنه ابو عبد الله احمد بن عبد ربة صاحب كتاب العقد الفريد ويوسف بن هارون وعبادة بن ماء السماء ، الا انهم لم يظهر لهم ذكر .. ومنهم من يعتقد ان الشاعر العراقي ابن المعتز المتوفي سنة ( 296هـ – 876م ) هو اول من انشا هذا الفن بقوله:
أيها الساقي إليك المشتكي قد دعوناك وان لم تسمع
ونديم همت في غرته
وشربت الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
ثالثا . البعض منهم وخاصة د. عبد العزيز الاهواني يعتقد بان الموشحات أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية أي خرجات أعجمية وهذا ما سينقلنا إلى عدة احتمالات هل هي أندلسية أم فارسية أم سريانية .. من يدرس الموشحات سيجد ان كثير من الوشاحين (وحتى غير الوشاحين امثال ابونواس ) يخرجون قصائدهم بابيات لاشهر الشعراء من العرب والاجانب او الفاظ دخيلة الا انها قد تكون مالوفة لديهم . حيث روى ابو فرج الاصفهاني (تولد 356هـ - 936م ) مقطعة من اربعة ابيات لابراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الاتي
فقال ( إزل بشينا ) حين ودعني وقد لعمرك زلنا عنه بالشين
نجد ان الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة ( ازل بشينا ـ إزل بشينا ) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (اّزلنا . زِلنا ) بمعنى ذهبنا و(بشينا ـ بالشين) بمعنى بالسلامة .
رابعا : واخرون يعتقدون أمثال الأستاذ مقداد رحيم إن الموشحات التي نسمعها اليوم مغناة بشكل جماعي ليست أندلسية في طريقة الغناء والألحان بل هي مشرقية . فهي مزيج من الحان مشرقية والحان أندلسية كنسية . ويعتقد الأستاذ مقداد إن الموشحات كانت في السابق يغنيها شخص واحد مع جوقة تردد بدلا من جوقتين ... كما يعتقد ان الموشحات مرت بثلاث ادوار وما وصلنا منها كانت بالدور الثالث اي متكاملة
خامسا : هناك من يذهب أمثال المستشرق فيليكروسا بان الموشحات العربية قد تأثرت بالموشحات العبرية
سادسا : أما الأستاذ سلمان علي التكريتي يقول :
ولا نغالي إذا قلنا ان الموسيقى السريانية بواسطة الكنيسة الشرقية قد تمكنت من فرض فنية ترانيمها الشرقية على عموم أوربا عن طريق مدرسة الرها ونصيبين ، وان الموسيقى الأندلسية والموشحات الأندلسية هي موسيقى الكنيسة الشرقية التي انطلقت من وادي الرافدين وبلاد الكنعانيين والفينيقين وشبه الجزيرة العربية . ويعتقد الأستاذ سلمان علي بان الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ( سوريا ، عراق ، لبنان ، اردن ، مصر) قد تأثرت تأثيرا واضحا بايقاعات الغناء الشعبي من ناحية وتأثيرات الموسيقى التركية من ناحية ثانية فافتقدت الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ميزتها التراثية الأصلية لكننا نجد العكس في المغرب العربي ( تونس ، مغرب ، جزائر) اذ ان الموشحات الاندلسية صارت هي الاساس الذي يستلهم منه الغناء الشعبي لان الموشحات في الاصل كانت هي الغناء الشعبي والتقليدي في ان واحد والدليل على هذه الاصالة والنقاء هو قربها ومشابهتها لاداء الغناء الكنسي المشرقي الذي ما زال يؤدي على شاكلته على مر القرون ومنذ ظهوره وخلال تطوره باسلوب مار افرام .
سابعا : أنا اتفق مع الأستاذ سلمان علي التكريتي على إن الموشحات هــــي مشرقيـــة الأصل ذات جذور كنسية سريانية ، فهذا الفن وجد في الأدب السرياني قبل أن يوجد عند جماعة التروبادور والجنكر بقرون ويرجع السبب في ظهوره في الاندلس بدلا من العراق وبلاد الشام :
1- كون بغداد والشام هي مركز الخلافة الإسلامية وكان الأدب العربي لايزال يشكل امتدادا لببيئته الصحراوية في الجزيرة وكان تمسك الخلفاء بتراثهم وانشغالهم في الفتوحات أدت إلى عدم تشجيعهم لأي قصيدة تخرج من اطارها التقليدي .
2- أما الأندلس فلبعدها عن المركز وانفتاحهم على مجتمع شاع فيه الترف واللهو والغناء شيوعا عظيما أضعفت سيطرتهم لا بل جذبتهم الطبيعة الأندلسية وجعلتهم ينسون طبيعتهم الصحراوية وأوزانها التقليدية الآمر الذي أدى بالأمراء في الأندلس إلى تشجيع هذا اللون من الشعر . فبدأت حركـــة التحرر في القـرن الحادي عشـــر فأخذ الشعراء العرب يمثلون بيئتهم الجديدة من غير أن يهملــــوا التقليـــد إهمالا تامــا ، أمثال الشاعر ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وغيرهم .
أما كيف انتقل هذا الفن من المدراش السرياني الى الموشح العربي فيكون:
1- من خلال المدارس والجامعات السريانية في الكنائس والاديرة التي كان يتلقى فيها الكثير من الادباء والمفكرين العرب علومهم فيها ومن بينها المداريش والسوغيتات ، ومن خلال ما نقله المترجمون السريان من الاداب والعلوم السريانية الى العربية . فتشبعت الاذن العربية بهـــذه التراتيل التي كانت ترتل باستمرار في الكنائس والاديرة بالحان شتى . وكانت بغداد ودمشق زاخرة بشعر عربي اصيل يشكل امتدادا للشعر في الجزيرة ويتطرب بنغمات المدينة الحاضرة ، فليس من المستبعد ان تكون بغداد ودمشق قد شقت طريقها نحو التجدد الشعري ، وكان محقا من اعتبر بشار بن البرد وأبا نواس ومسلم بن الوليد اول دعاة التجدد ، في حين كان الشــعر في الاندلس لا يجـرؤ ان يـذرع مثـل هــذه الخطـوات لانشغال العرب هناك بالدفاع عن انفسهم والتفكير بالتوســـع ، الا في اواخر عهد الامارة الاموية في القرن العاشر الميلادي. فليس مستبعدا ان تكون هناك عشرات الموشحات تغنى سرا او علنا في العراق او الشام واختفت لعدم تشجيعها من قبل الخلفاء
2- عندما دخلت الجيوش العربية الاسلامية بلاد الاندلس واستقرت هناك كان من بينهم او من بين الذين توافدوا اليها لاحقا الكثير من الادباء الذين تلقوا علومهم في المدارس السريانية في العراق او بلاد الشام فنقلوا معهم اشعارهم وافكارهم التجددية في الشعر ، فعندما سنحت لهم الفرصة اظهروها هناك .حيث كانت العلاقات وثيقة بين طرفي العالم العربي ، والرحالة الكثيرون يذهبون الى الشرق للتزود بعلمه وياتون الى الاندلس طلبا للرزق او الشهرة . فوفد زرياب ( تلميذ اسحق الموصلي )الى الاندلس عام 822 م وكان له اثر بليغ في فن الغناء والموسيقى وجلبت المغنيات من الشرق فحملت معها الى الاندلس فنها وادبها ومن اشهر هؤلاء المغنيات القيان قمر البغدادية .
3- ومن المحتمل ان يكون هذا الفن قد انتقل اليهم من خلال اليهود القاطنين في بلاد الاندلس ( كما يقول المستشرق فيليكروسا ) الذي انتقل اليهم هذا الفن من الادب السرياني حيث استمدوا (اليهود) الكثير من ادابهم وعلومهم من السريان كما يقول بذلك الباحث اسرائيل ابراهام . ومن الاسباب التى دعتني الى ذلك :
1- ان الجيوش الاسلامية احتلت بلاد الاندلس سنة 711م ودامت الدولة الاسلامية هناك حتى سنة 1492 في حين ان اقدم الموشحات ظهرت فـــي القرن العاشر او الحادي عشر . في حين كان احتكاك المفكرين والادباء العرب في المشرق منذ القرن السابع الميلادي حين نزلوا الى ساحات العمل في التأليف والترجمة جنبا الى جنب اخوانهم السريان .
2- كانت باستطاعة الاذن العربية ان تتقبل اللغة السريانية وادابها والحانها بصورة اسهل بكثير من تقبلها للغة اعجمية بعيدة كل البعد عن لغتها وتراثها .
3-ان ما يجمع من صفات مشتركة بين المدراش السرياني (القرن الثالث الميلادي) والموشحات العربية (القرن الحادي عشر) يجعلنا نؤكد جازمين أن الموشح مشرقي الاصل سرياني المولد . فالمدراش الذي هو عبارة عن منظوم جدلي في قالب شعري يمثل النوع الغنائي من الوزن يمتاز والموشحات بـ :
1- ان ابياتها لاتكون على نمط واحد اي تتساوى عدد مقاطعه حينا وتختلف حينا اخر.
2- ان ابياتها تكون قائمة بذاتها ولا صلة لها بالبيت السابق ( اي تاتي مستقلة اي كل بيت في المدراش قائم بذاته ) وتفصل هذه الابيات ( ويسمى في الموشحات الدور حيث يشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض) ردة ( قفل بالعربية الذي هو عبارة عن بيت واحد او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات وتتكرر ويشترط فيها التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية وذات موسيقى واحدة ) ترتلها الجوقة بعد كل بيت او اكثر يقوم فرد بترتيله ، اي ان :
* الجوقة الاولى ( الشماس في الغالب) ترتل الابيات الطويلة
*الجوقة الثانية ترتل الابيات القصيرة التي تؤلف الردة ( التي هي عبارة عن حمدلة او صلاة ما ) . ومن شروط هذه الابيات (باستثناء الردة /القفل) ان تكون متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، وباستطاعة الراوي تنويعها .
3- للمداريش انغام شتى وكانت الالحان تتغير بموجب انواع المداريش فالمونسنيور لامي اكد وجود 75 ضربا من الالحان في الاناشيد الصحيحة او المنحولة لمار افرام . وتاتي على الاغلب على شكل حوار وكان ذلك سببا دفع البعض بتسمية المداريش بالموشحات ، واول من صنفها هو برديصان (+154م) واسونا (القرن الرابع الميلادي) ومار افرام (+306) ومار اسحق وبالاي و.. . وقد دخلت عليها وعلى الموشحات بعض الفنون في كتابتها. وتفرع من المدراش السوغيت ، حيث يستعمل في صياغة الماسي الدينية ويكون على شكل حوار بين منشدين او جماعتين . فبعد مقدمة مؤلفة من 5-10 أبيات ذات اربعة اشعار من الوزن السباعي ( الغالب ) تبدا المحاورة بين شخصين او جوقتين كما في انشودة الميلاد (محاورة بين العذراء والمجوس ) وانشودة البشارة ( محاورة بين الملاك جبرائيل والعذراء ) وهي من قصائد نرساي ( 399 -503 م) .
اما الموشحات فهي تتالف من اسماط ( اقفال ـ يقابلها الردة ) ومن ابيات تتفرع الى اغصان ( اجزاء ـ يقابلها دعامات ) وهي كالاتي :
1- القفل ( الاسماط) : هو بيت او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات في اغلب الاحيان ، وتتكرر قبل كل بيت منها ، ويسمى القفل سمطا ويشترط في الاقفال التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية . وهكذا تكون كلها في الموشحة ذات موسيقى لفظية وتلحينية واحدة . والقفل لا يكون اقل من جزأين ( دعامتين ) ويصل الى ثمانية اجزاء عند البعض وهي قليلة .فمثلا
* القفل المركب من جزاين
شمس قارنت بدرا راح ونديم 7+5 حركات
* القفل المركب من ثلاث اجزاء
حلت يد الامطار ازرة النوار فياخذني 7+7+5 حركات
* القفل المركب من اربعة اجزاء
ادر لنا اكواب ينسى بها الوجد واستحضر الجلاس كما اقتضى الؤد
7+6+7+7 وهكذا
2-البيت : هو ما نظم بين القفلين من ابيات شعرية (ويسمى الدور) ويشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض والمذاهب . وقد يتالف البيت من جزاين او ثلاثة اجزاء . ومن شروط الابيات ان تكون كلها متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، واما الروي فيحسن تنويعه ، ومن عادة الموشح ان يبدا بقفل وينتهي بقفل ويسمى بالتام وعادة يتردد ست مرات . اما اذا تردد خمس مرات ( اي لا يبدا بقفل) يسمى بالاقرع .
وقد قسم ابن سناء الملك الموشحات الى قسمين :
1- ما جاء على اوزان العرب وهي تشبه المدراش السرياني ذو الوزن المتساوي
2- الخالية من العروض كما يقول : ( اردت ان اقيم لها عروضا يكون دفترا لحسابها وميزانا لاوتارها واسبابها فعز ذلك واعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكلف ... واكثرها مبني على تأليف الارغن ...) يقصد بها ابن سناء العروض الخليلي لانها كما يقول هو نفسه مبنيــة على الايقـاع. وهي نفسها في المداريش الموزنة على الوزن المركب كأن تكــــون منظومة على البحر الخامس والسابع او السابع والثامن او ... وهذا ما نلاحظه في الموشحات ايضا ، فهي مبنية ( ومـن ضمنها الموزونــة على اوزان العـرب ) على الايقاع اكثر من بنائها على التفعيلة الخليلية .
الوزن: من حيث الوزن نجد ان الموشحات تستخدم نفس اسلوب الوزن السرياني وهذا الوزن يختلف عن اوزان الشعر العربي الخليلي ذات التفعيلة الواحدة ، كما ان الشعر العربي لا يحتوي على دعامات متساوية كما سنجدها في الموشحات ، وذلك لتدوير الايقاع بين التفعيلات في اوزان الخليل وهذا لا يجوز في الشعر السرياني وما لا نجده في الموشحات الاصلية . فعلى سبيل المثال نجد ان قصيدة صفي الدين الحلي(750هـ) والتي مطلعها:
شق جيب الليل عن فجر الصباح ايها السامون
وزنها ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلان فاعلن فاعلن) هذا الوزن سوف لن تجده في اوزان الخليل الصافية . كونها موزونة على اساس الايقاع الموسيقي كما الحال في المدراش وهي على الشكل الاتي:
6حركات + 5 حركات 5 حركات
اي الشطر 11 حركة والعجز 5 حركات
وهكذا في القصيدة الغنائية ( سكن الليل) لجبران خليل جبران التي يقول فيها :
سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الاحلام
وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الايام
نجدها موزونة على وزن ( فعلاتن فعلاتن فاعلان فاعلن فعلان ) هذا الوزن ايضا لا تجده في الاوزان الصحيحة عند الخليل بل تجدها موزنة وبشكل صحيح كما في المدراش فوزنها( 5 حركات +6 حركات في الشطر و5 حركات في العجز ) . وهكذا الحال في قصيدة ابن بقي (المولود سنة 1145م ) والتي مطلعها :
انما يحيى سليل الكرام واجد الدنيا ومعنى الانام
نجده يستخدم الدعامة الخماسية اي 5+5+5+5 وعلى مدار القصيدة .
وهي تشبه قصيدة لانطون التكريتي (المتوفي سنة 840م) يقول فيها :
وكذا الحال لدى شاعر آخر :
ليل طويل وما معين يا قلب بعض الناس اما تلين
يستعمل اربع دعامات (4+4+6+4)
وهي تشبه قصيدة بالاي (توفي سنة 432م) :
محدا دنشقه
شِنيت نوشه
فقدلا مريا
فقدلا لصِفرا
فقدلا ليونا
وهناك قصيدة تنسب لسلم الخاسر (180هـ) تتكون من مجموعة دعامات (سلم موسيقي) على وزن مستفعلن ، يتكون البيت الواحد من اربع دعامات وكل دعامة من اربع حركات كما في قوله:
موسى المطر. غيث بكر. ثم انهمر.الوى المرر
كم اعتسر. ثم ابتسر. وكم قدر . ثم غفر
عدل اليسر. باقي الاثر. خير وشر . نفع وضر
خير البشر. فرع مضر . بدر بدر . والمفتخر
وهذا اللون لا نجده الا في الموروث السرياني الذي اشتهر فيه كل من نرساي (+399م) ويعقوب السروجي (+451م) .وكما في المدراش الذي نيشه ( بيلدى دمارن ـ ميلاد المسيح ) او كقول او كقول نرساي (399م) :
رش حَخِمتا / حِخمَت لقوشتا / دحيل بارويا
نجد ان البيت الشعري يتكون من ثلاث دعامات ( بدلا من اربع ) وكل دعامة تتكون من اربع حركات . او كقول انطون التكريتي :
كَد غون يَصرَت / بلبي رِنيَت / دكنسا دناشا / من كدو شيطا / وزونا شغيشا
نجد ان البيت الشعري وكما عند سلم الخاسر يتكون من عدة دعامات وكل دعامة تحوي اربع حركات.
اما القافيـــة
فنجدها في المدراش اســوة بالموشـح تختلف من مقطع لاخر واحيانا تستعمل قافيــــة موحـــدة فـــي الدعامات الداخلية كما في موشحة ابي عبــد اللـــه محمـــد بن عبـــادة المعروف بابن قزاز :
بدرتم . شمس ضحا غصن نقا . مسك شم
ما اتم . ما اوضحا ما اورقا . ما اتم
لا جرم . من لمحا قد عشقا .قد حرم
نجد ان المقطع يتكون من دعامتين ذات ثلاث واربع حركات اي بمجموع سبع حركات وعلى وتيرة واحدة خالية من التدوير ذات قافية مقطعية . ومثل هذا الاسلوب لا نجده الا في الموروث السرياني . كما في قصيدة يعقوب السروجي ( تولد 521م). يقول فيها:
قالِه دَحلين / حِزوه تميهين / رعما رهيوين / طَقسا سديرين / تَغما شويحين
المصادر :
1- د رضا محسن القريشي /الموشحات العراقية منذ نشاتها وحتى القرن التاسع عشر
2- الموشحات / د مجدي شمس الدين ـ مجلة الافاق العربية 3-4/اذار 1999
3- سلمان علي التكريتي / مجالي تطور الموسيقى العربية / مجلة افاق عربية عدد 12/اب/1983
4- مقداد رحيم / الموشحات الاندلسية وعلاقتها بالغناء / افاق عربية عدد 9/مايس/1984
5- نزار حنا / الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين العربية والسريانية
نزار حنا الديراني
رئيس اتحاد الادباء و الكتاب السريان
منقول.............
Comment