الموسيقى الأرمنية
تأثرت الموسيقى الأرمنية بالموسيقى السورية والموسيقى اليونانية - البيزنطية, وتأثرت من بعد البيزنطية بالموسيقى التركية التي كانت لها بصماتها الواضحة في شعوب الشرق الأدنى. وتعود جذور الموسيقى الأرمنية إِلى نحو ثلاثة آلاف سنة, ويعود تاريخ النقوش في بعض المواضع الأثرية إِلى الألف الأول قبل الميلاد, إِذ اكتشف في هذه الحقبة بعض الآلات الموسيقية كالناي ذي الخمسة ثقوب المصنوع من الذهب, والصنوج المصنوعة من البرونز. واتخذت الموسيقى عند الأرمن, ما بين القرنين الثالث والرابع ق.م, صبغتها الخاصة من الملاحم المغنّاة التي تعود إِلى القرن السادس ق.م.
وأدى استقرار الدولة زمن الملك ديكران الثاني العظيم Dikran II (95-55ق.م) دوراً مهمّاً في نشوء الموسيقى الأرمنية الوطنيّة, إِذ تطورّت الأناشيد والقصائد. ونشأت فِرَقٌُ موسيقية من سَدَنَةِ المعابد والمرتِّلين ومن المنشدين القوَّالين الذين أسهموا في رفد الموسيقى والغناء بإِبداعاتهم. ويعد العصر الهليني بداية حقيقية للموسيقى والغناء في أرمينية.
بدأ الغناء الأرمني, وهو أحادي الصوت monophonic, بإِنشاد الملاحم على أنغام الآلات الموسيقية. وكان الزجّال أو المنشد يذكر مع القصيدة التي ينشدها النغم الذي سوف ينشد عليه الشعر, كما يعيّن أحياناً الآلة الموسيقية المرافقة, وكانت الأناشيد تلقى في الأعراس والمآتم. وبعد انتشار المسيحية, ظهرت الموسيقى الدينية واختلفت في أدائها وألحانها عن الموسيقى الشعبية. وكانت «المزامير» في البدء هي نصوص الترانيم الطقسية, ثم بدئ بتأليف القصائد الدينية المستوحاة من المزامير ومن حاجات الأرمن الروحية. وتتسم الألحان الأرمنية بنبرة حزينة تصور معاناة الشعب الأرمني في مسيرته التاريخية.
السلالم الموسيقية الأرمنية مبنية على ترابط سلاسل الأجناس (البعد ذو الأربع tetrachord) والعقود (البعد ذو الخمس pentachord) [ر.الموسيقى], شأنها في ذلك شأن ما كان لدى اليونان قديماً. وعلى هذا, فالموسيقى الأرمنية, كالبيزنطية والفارسية والعربية والتركية, هي موسيقى «ميكروتونية» microtonic أي إِنها تعتمد في تركيبها على الجزء الصغير من البعد الطنيني ton, وفيها سلالم شرقية تتصف باستعمال الفاصلة الثنائية المزيدة augmented second, كما هو الشأن في الموسيقى بوجه عام. ومازال الأمر كذلك في الكثير من الموسيقى الشعبية الأرمنية المركزة على السلم الطبيعي لا المعدل. أما الموسيقى الأرمنية المعاصرة, فهي متعددة الأصوات (بوليفونية) polyphonic ويصدق ذلك على الموسيقى الكنسية أيضاً.
وتشير المصادر التاريخية عن الموسيقى, بين القرنين العاشر والخامس عشر, إِلى تطوُّر فنّ صناعة الآلات الموسيقيّة مثل القيثارة الرباعيّة الأوتار والثُّمانية الأوتار, والمُسْتَحدثة كآلة السَنْطِير والقانون والأُرْغَانُونْ, كما تطوَّرَتْ مفاهيم العزف وتأليف القِطَعِ الموسيقيّة.
وظهر نَمَطٌ من الغناء والموسيقى عُرِفَ, في القرنين السابع عشر والثامن عشر بفنِّ العشق بفضل مؤسسة كوتشاغ نهابيد K.Nahabéd وقد انتشر هذا الفنّ مع الأرمن في بلدان المهجر والمُغْتَرَب وسادت موسيقى آلة السَّازْ Saz التي انتشرت بفضلها ألحان شعبيّة أرمنية قديمة يؤدّيها العازف الملحِّن الذي كان في كثير من الأحيان مؤلِّفاً لقصائده المغنّاة أو أحد رواة الشعر الملحميّ الغنائيّ.
وحاول الشمّاس كريكور كَابَاسَاكَلْيان Krikor Kabssakalian إِعادة تشكيل الأوزان الموسيقيّة والألحان القديمة المُعَقَّدة بكتاباتها وعلاماتها, بهدف استحداث أبجديّة موسيقيّة جديدة تشمل كلّ المقامات الموسيقية والألحان القديمة من دمج التدوين الموسيقي الأرمني الشرقي والبيزنطي, وهو وإِنْ لم ينجح في ذلك, فإِنّه وضع لبنة الأساس لعلم الأوزان الموسيقيّة الأرمنيّة الحديث.
سايرت الموسيقى الأرمنية الحديثة الركب الموسيقى الأوربي, وبدأ المؤلفون الموسيقيون الأرمن يصوغون ألحانهم وفق القوالب الموسيقية الغربية؛ منهم: ديكران جُوخَجْيان Dikran Djoukhadjian الذي عاش في اصطنبول (تركية) بين 1830 -1898م, وألّف أوبرا Opera «المِلك أَرْشَاغ الثاني» Le roi Archag II التي تُعد بداية تطوُّر فنّ الأُوبِرا الأوربي عند الأرمن.
وبين أهم الشخصيات في تاريخ الموسيقى الأرمنية: الراهب كوميداس Komitas (1869-1935م), الذي ولد في كوتينة غربي الأناضول وتوفي في باريس, وقد أطلق اسمه على المعهد الموسيقي الوطني في يريفان العاصمة. ويعد كوميداس مؤسس الموسيقى الكلاسيكية الأرمنية, فقد جمع الألحان والأغاني الشعبية ليصوغ منها موسيقى وطنية, وعرف, وهو المتضلع من الموسيقى الشرقية والغربية معاً, كيف يكتشف العناصر الأكثر حيوية, والخطوط الوطنية الأكثر بروزاً, فعمل فيها بدقة فنية عالية ليخرج نماذج حقيقية تعكس عمق الإِبداع الشعبي بنكهتها وحكمتها.
درس كوميداس أولاً في تفليس Tiflis عاصمة جورجية, ثم في برلين حيث تابع دراساته في التأليف والغناء والقيادة وعلم الموسيقى والتربية والفلسفة. وأشهر أعماله «القداس» التي وضع لها تعديلات أو تكييفات arrangements من ألحانه ومن الأغاني الشعبية, فصاغها على أساس الانسجام اللازم للجوقة الغنائية أو للرباعي الوتري أو لمجموعات أخرى.
ومن بين الموسيقيين الأرمن الذي جلّوا في تأليف الأوبرا في أواخر القرن التاسع عشر: أَرْمين ديكران Armenne Dikran في أوبراه «آنُوشْ» Anouch وهي أشهر أوبرا أرمنيّة حديثة تحظى بشعبيِّة واسعة داخل أرمينية وخارجها, وألكسندر سْبِندريان Alexandre Spendarian في أوبرا «ألماست» Almast وقد دعيت دار الأوبرا في يريفان باسمه. كما اشتهر في هذه الحقبة كل من: كارامورزا karamourza, ويكْماليان Yekmalian اللذان برعا باستخدام «الانسجام» harmony وتعدد الأصوات في موسيقى الجوقة الغنائية.
نشطت الأعمال السمفونية والجوقية الغنائية والفرق الموسيقية المختلفة في أرمينية في أوائل القرن العشرين, وأسهم الكثير من الموسيقيين في هذه الأنواع وغيرها من التآليف الموسيقية, فانتقلت مؤلفاتهم من الإقليمية إِلى العالمية. وبين هؤلاء أروتونيان Aroutunian وباباجانيان Babajanian, وخاتشادوريان Khatchatourian [ر], وأوغانسيان Oganessian, وكلهم من مواليد أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. أما خارج أرمينية, فقد لمع هوفهانس Hovhaness الذي ولد عام 1911م في الولايات المتحدة الأمريكية, وكانت أكثر مؤلفاته تحمل عناوين أرمنية, منها حوارية (كونشرتو) للبيانو مع الوتريات بعنوان «سطوع النور» lousadzak, ومنها مؤلفات تحمل أسماء شخصيات أرمنية شهيرة مثل: خيريميان هايريغ khirimian Hairig, وديران Diran, وآفاك Avak. ويُعد شارل أزنافور Ch.Aznavour الذي أقام في فرنسة, من أشهر المغنين والملحنين الأرمن خارج وطنهم.
تشير لفظة «خال» Khal في الفولكلور الأرمني إِلى الغناء والرقص معاً. والأرمن يرقصون عندما يغنون, ويغنون في أثناء الرقص. ويكن تصنيف أغانيهم إِلى: أغاني الحياة, وأغاني العمل وأغاني الأعياد, وذلك إِضافة إِلى اهتمامهم بالأغاني الجوقية والموسيقى الخفيفة والحديثة للفرق الموسيقية. ثم إِن الكثير من الآلات الموسيقية الشعبية لديهم يشبه بالاسم والشكل والوصف تلك المعروفة لدى شعوب شرقية لها طابعها الموسيقى الخاص. ومن بين هذه الآلات, آلات وترية مثل العود والقانون والتار Tar (وصندوقها بشكل 8), والساز (وصندوقها بشكل نصف إِجاصة كالبزق), والسنطور, والكنار Knar, ومن بينها كذلك آلات النفخ مثل الدودوك duduk (بقصبة مزدوجة), والزورنة zourna التي تشبه البومبارد bombard من أسلاف الكلارينيت, والتوتاك toutak التي تشبه الصفارة fifre, والباركابيزوك parkapezouk التي تشبه القربة الاسكتلندية. ومن الآلات الإِيقاعية: الطبل الصغير أو ديهول dehole, والدف duph, ومن أنواعه دف بمقياس كبير كالمزهر, والنقارة naghara.
وأما الرقص الأرمني فقديم جداً كما هو عند باقي الشعوب. وقد نشأ فنّاً يؤدّيه كاهن أو ساحر قبالةَ جمهور المُتَعَبّدين, مرتدياً زيّاً خاصاً من جلد الماعز. ثم أصبح الرقص يؤدى من قبل الجماعة موقَّعاً من آلة إِيقاع لضبط حركات الراقصين. وقد فرض تنوُّعُ الأعمال تنوُّعُ حركات الراقصين مما استدعى وجود إِيقاعات متنوِّعَةً للرقصات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة الروحية المرافقة للعمل.
والراقص عند الأرمن القدماء جزء لا يتجزّأ من طقوس العبادة والشعائر الدينية الوثنية. ثم تحول إِلى اللياقة البدنية عند الشباب لرفد المحاربين, ومنه كانت الرقصة الحربية التي يؤديها شابان يتبارزان بالسيف, وقد جعل منها المؤلف الموسيقي خاتشادوريان «رقصة السيوف» وهي إِحدى الرقصات في مؤلفته باليه «غايانه» Gayaneh.
أما عن الرقص الَجماعي المُخْتَلَط بين الذكور والإِناث فيُعتقد أنَّه نشأ عن الممارسات الاجتماعية المرتبطة بحفلات الأعراس ومراسم الزواج والأعياد وبعض الطقوس الدينية الوثنية الشعائرية, كعيد نافاسارت Navassart, الوثني والاحتفالات المرافقة له.
والرقصات الأرمنية كثيرة ومتعددة المناسبات منها ذات أصل طوطمي كرقصة شجرة البخور, ورقصة شجرة المشمش, ورقصة النَحْس والدفن التي تُعَدُّ من الرقص الجَّنازيّ وكانت تهدف إِلى طرد الأرواح الشريرة التي تتجمّع حول رأس الميت. وقد تطوَّرَ مدلولُ هذه الرقصة فيما بعد إِلى إِحياء ذكرى الأموات أو المفقودين. وهناك رقصة دينية قديمة «ماخوخابري» makhokabri تُؤَدّى في الأعياد والمناسبات الحزينة والطقوس والشعائر والعبادات المرتبطة بالحزن والحداد.
ولم ينحصر الرقص الأرمني الشعبي في أرمينية, فقد حمله المهاجرون واللاجئون الأرمن الُمرَحَّلون من ديارهم إِلى المَهَاجِرِ والمُغْتَرَباتِ, ونشأت فرق للرقص الأرمني في كلِّ من إِيران وسورية ولبنان ومصر وأمريكة الشمالية وغيرها من البلدان؛ حافظت على تراثها الفنيّ, كفرقة الرقص الشعبي الأرمني اللبنانية بقيادة الفنان كيغام, وفرقة جمعية الجيل الجديد الثقافية للرقص الشعبي في سورية بقيادة الفنان السوري أبراهام كوستانيان.
أما الرقص الأرمني الحديث, فقد عني بالرقص التعبيري وهو «الباليه» الذي ظهرت بداياته في أرمينية في منتصف القرن التاسع عشر اعتماداً على المشاهد واللوحات الغنائية الراقصة في المسرحيات الغنائية القصيرة (الأوبريت) Operette ومن الفنانين الأرمن الذين عملوا في تصميم رقصات الباليه: آرباتوف واسمه الحقيقي يغيا يغياي يعقوبيان Yéghia Yéghiai Yacoubian (1884-1967). وقد عمل خارج أرمينية. والفنان ف. آريستاكيسيان V.Aristakéssian الذي أسس المحترف الحكومي Studio لفن الرقص عام 1924 في مدينة يريفان حيث درَّس فن الرقص الشعبي والكلاسيكي وفن الرقص القفقاسي ومن ثم أسَّسَ عام 1937م مع الفنان سيرونيان Sirounian معهد الرقص في يريفان. كذلك صمم الفنان آرباتوف رقصات باليه «السعادة» لخاتشادوريان وضمّنها لوحات شعبيةً راقصة زاوج فيها بين الرقص الشعبي الأرمني والرقص الكلاسيكي التعبيري, في حين صمم آنيسيموفا Anissimova رقصات باليه «غايانه», وصمم ي.تشانكا Yé Tchanga رقصات باليه «سبارتاكوس» لخاتشادوريان أيضاً.
المسرح الأرمني
للمسرح الأرمني تاريخ قديم اكتنفته الأساطير. وكانت الفرق الشعبية تؤدي حفلات تمثيلية في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية. وبعد انتشار المسيحية بدأت تمثل مسرحيات في أفنية الكنائس والمعابد, واقتصر العمل المسرحي على هذا النحو إِلى أن خيّم السكون على المسرح حتى القرن الثامن عشر. وفي القرن التاسع عشر أخذ الأب ميناس المختياري يترجم مسرحيات لتمثل في المدارس, ثم أخذت موسكو تستقطب الحركة المسرحية الأرمنية مع قيام الجمهورية الأرمنية الاشتراكية السوفييتية (سابقاً), وفي يريفان اليوم عدة مسارح هدفها تحويل الفن المسرحي إِلى فن شعبي. وقد تم من أجل ذلك إِنشاء المعاهد المسرحية لتخريج الممثلين والمخرجين والمساعدين في مختلف اختصاصات المسرح. ومن أهم المسارح المعروفة: مسرح يريفان الدرامي (أو المسرح الأرمني), ومسرح يريفان الكوميدي, ومسرح يريفان الحكومي. وهناك مسارح أرمنية معروفة منها مسرح صوندوكيان الكبير.
ومما ساعد على جودة العمارة والنحت في أرمينية غنى البلاد بأنواع الحجارة كونها هضبة واسعة ذات طبيعة جبلية. وتسمّى تلك البلاد باللغة الأرمنية كاراستان Karastan وتعني بلاد الحجر.
Comment