هذا الموضوع الذي نضعه بين يدي القارئ هو نتاج قلم كاتب استرالي ينتسب للجيل الثاني من المستوطنين الإنجليز لجزيرة "تسمانيا" وتسمى "أرض فان ديمين" الولاية السادسة في الكومنولث الاسترالي الآن.
حيث توفرت لهذا الكاتب كل عناصر الاطلاع على مأساة شعب قديم عريق كانت كل جريمته انه كان يعيش في سلام على جزيرته التي كانت معزولة عن العالم بعد أن أغرقت المياه المعبر، الذي كان يصل هذه الجزيرة بالقارة الأم "استراليا" نتيجة للتغيرات الجيولوجية التي انتابت الكرة الأرضية خلال آلاف من السنين.
آخر كائن حي من الشعب التسماني
حيث توفرت لهذا الكاتب كل عناصر الاطلاع على مأساة شعب قديم عريق كانت كل جريمته انه كان يعيش في سلام على جزيرته التي كانت معزولة عن العالم بعد أن أغرقت المياه المعبر، الذي كان يصل هذه الجزيرة بالقارة الأم "استراليا" نتيجة للتغيرات الجيولوجية التي انتابت الكرة الأرضية خلال آلاف من السنين.
ظل هذا الشعب يعيش في جزيرته الحصينة في أمان لآلاف من السنين حياته القبلية إلى أن حطت سفن المستعمرين الإنجليز على شواطئ تسمانيا، أثناء حمى الصراع الاستعماري في بداية القرن التاسع عشر لكي يتحدد مصير هذه الجزيرة على يد أساطين الاستعمار الإنجليزي القديم والعتيد بضمها للإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، وينتج عن هذا الضم إبادة "الجنس التسماني" ذلك الشعب الفريد في صفاته، خلال خمسة وسبعين عاماً من استعمار الجزيرة والقضاء عليه برمته، فكلهم ماتوا واحداً وراء الآخر البعض اطلق عليه الرصاص، والبعض الآخر هشمت رؤوسهم بمؤخرات البنادق، وآخرون اصيبوا بالأمراض والأوبئة والاغتصاب، واعجزوا جنسياً، وجلدوا، وأُلقوا في النار وهم أحياء.
أولوية وريادة
ربما لم يحدث من قبل أن أبيد جنس بأكمله خلال 75عاماً.
ربما لم يحدث من قبل أن أبيد جنس بأكمله خلال 75عاماً.
هذا الموضوع عن جنس أبيد تماماً ألا وهو السكان الأصليون لجزيرة تسمانيا، أبيد ليس فقط عن طريق التغيير لنمط حياتهم لكن بيد العداوة لمغتصبي أرض هذا الشعب.
حينما كانت تنشط هذه العداوة تجد متنفساً لها في وحشية. وحينما استكانت أسفت على الإبادة.
ان مهمة المؤرخ ليست من السهولة بمكان، فكثير من السجلات الأولى لاستراليا قد محيت بواسطة أشخاص مدركين أن محتوياتها كانت مخجلة لهم أو ربما تثبت ذلك لخلفهم. كذلك كان مصير النشرات الرسمية فيما يتعلق بالسنوات الست الأولى للاستيطان في أرض "فإن ديمين" "تسمانيا" بالرغم من ذلك بقيت مواد كثيرة في كتب وجرائد ووثائق رسمية ومذكرات. تلك الشذرات المتفرقة كانت قادرة على الإيضاح، على نقيض رفات "وليم لانيه" آخر الرجال من السكان الأصليين.وتاريخ السكان الأصليين ل "تسمانيا" كما هي معروفة للعالم الحديث حلقة من مسلسل تاريخ كل الشعوب التي تعرضت للسطو عليها من جانب غزاة أكثر عدداً وبموارد فنية أعظم، ولكن الامتداد الصغير لوطنهم، والقلة النسبية لأعدادهم وعرضتهم للهجوم هي التي عجلت عملية استغرقت سنين طويلة في بلاد أخرى وفي بعض لم تنجز بعد!!
الموقع والتسمية
تسمانيا هذا العالم الصغير في امتداد استعماري، هي في أقصى الجنوب، وهي جزيرة إقليمية لاستراليا الآن وتعد الولاية السادسة من ولايات الكومنولث الاسترالي، كما أنها ثاني أقدم قسم استعمر في مستعمرة "نيو سوث ويلز" تقع بعيداً في أقصى الجنوب وتضطرب بأمواج هادرة باردة، جاءت بحق متأخرة في تاريخ الكشوف.
تسمانيا هذا العالم الصغير في امتداد استعماري، هي في أقصى الجنوب، وهي جزيرة إقليمية لاستراليا الآن وتعد الولاية السادسة من ولايات الكومنولث الاسترالي، كما أنها ثاني أقدم قسم استعمر في مستعمرة "نيو سوث ويلز" تقع بعيداً في أقصى الجنوب وتضطرب بأمواج هادرة باردة، جاءت بحق متأخرة في تاريخ الكشوف.
وتقع على مساحة تقدر ب 26.215ميلاً مربعاً. أما اسم الجزيرة فهو أرض فان ديمين وسميت فيما بعد "تسمانيا" نسبة إلى الربان الهولندي "تاسمان" الذي ارسى سفينته في 1ديسمبر 1642م في الشمالي الغربي من الجزيرة لاستكشافها.
خصائص وصفات سكانها
لا أحد يعلم من أين جاء سكان تسمانيا، ذوو البشرة السوداء، الزنوج ذوو الأنف الأفطس، لقد كانوا نوعاً مميزاً من البابونيين برؤوس عريضة إلى حد ما ذوي شعر أجعد أناس في أدنى الدرجات الحضارية، يعيشون حياة بدائية ويعتمدون على الصيد. يسكنون الأكواخ المخروطية ويستخدمون جلود الكنجارو وسلال البوص. وكانوا عراة لا يستخدمون الملابس ولم تتعقد حياتهم بأي توسعات صناعية أبعد من بعض الآلات البدائية، كانوا مهيئين ليصبحوا ظرفاء من خلال اتصالهم بالأوروبيين في رحلات الاستكشاف التي تصفهم بذلك حيث وجدوهم متحابين وراغبين المشاركة في طعامهم والاستمتاع بأهازيجهم لكنهم أفزعوا بالبنادق، وأنفوا من اغراء الخمور، وأحجمت نساؤهم عن الفحشاء مع البحارة الزائرين، كانوا يجولون أصقاعهم المحلية لأجل الصيد، جالسين القرفصاء حول نارهم ليلاً.
لا أحد يعلم من أين جاء سكان تسمانيا، ذوو البشرة السوداء، الزنوج ذوو الأنف الأفطس، لقد كانوا نوعاً مميزاً من البابونيين برؤوس عريضة إلى حد ما ذوي شعر أجعد أناس في أدنى الدرجات الحضارية، يعيشون حياة بدائية ويعتمدون على الصيد. يسكنون الأكواخ المخروطية ويستخدمون جلود الكنجارو وسلال البوص. وكانوا عراة لا يستخدمون الملابس ولم تتعقد حياتهم بأي توسعات صناعية أبعد من بعض الآلات البدائية، كانوا مهيئين ليصبحوا ظرفاء من خلال اتصالهم بالأوروبيين في رحلات الاستكشاف التي تصفهم بذلك حيث وجدوهم متحابين وراغبين المشاركة في طعامهم والاستمتاع بأهازيجهم لكنهم أفزعوا بالبنادق، وأنفوا من اغراء الخمور، وأحجمت نساؤهم عن الفحشاء مع البحارة الزائرين، كانوا يجولون أصقاعهم المحلية لأجل الصيد، جالسين القرفصاء حول نارهم ليلاً.
وحشية الإبادة
لم تكن مفاجأة أن وحشية الدولة في إنجلترا اعيدت ثانية في المستعمرات الإنجليزية، وان وحشيتها قد زيدت بأساليب مختلفة، حيث تم ارسال المجرمين والذين لديهم ميول راسخة في أساليب القمع والإبادة ولهم صفات تتمثل في الوحشية التي لا تتورع حتى في قتل الأطفال بل وأكل لحوم البشر.خلال 75عاماً تمت التي فيها إبادة هذا الشعب كانت الأساليب والنماذج تختلف وتتلون حسب الظروف والخطط المحكمة للاستعمار واستلاب الأرض من أصحابها وقتلهم جميعاً. أما المعاملة فكانت قاسية من نماذجها الجلد بالسياط يقول ضباط في الجيش البريطاني (مسؤول عن السجون) وأمام لجنة رسمية "ان عشرين جلدة تحت إشرافة خير من مائة جلدة يكلف بها أي فرد آخر، متى أوقعت الجزاء بالكرباج لم أر حاله عندما انتهيت لم يقطع الجلد إلى سلخات أربع".لقد كانت ممارسة القتل والتعذيب تتم في إطار الشراسة والشهوانية لكل ما هو دموي وعنيف، ويورد الكاتب قصصاً عديدة لأناس من جزيرة تسمانيا قتلوا بالفؤوس والسواطير وشويت قلوبهم وأكبادهم وأكلها القتلة.لقد واجه السكان الأصليون القتل والمرض والمجاعة في وقت واحد، لقد استخدم الإنجليز المساجين والمهووسين ليجولوا بالمناطق الداخلية للجزيرة ممارسين هواية صيد الأبرياء متمتعين بحرية مجنونة، كما أن الاغارات على الصيد المحلي بدت تجرد السكان الأصليين من غذائهم الطبيعي. وفي أعماق الغابة دون أن يحاسبهم أحد، الأوروبيون ازدادوا ليكثر عدد رواد المدنية حتى صاروا قادرين على معاملة الوطنيين كما يحلو لهم قتل واغتصاب النساء افقاد الرجال القدرة الجنسية والحرق بالنار وشويهم أحياء. الجرحى سحقت ادمغتهم، القي الأطفال إلى سعير النيران، والنار الجماعية لأي تجمع من قبل السكان الأصليين.أحد الجناة كان يترك بندقيته ليستميل السود (السكان) أن يقدموا تجاهه، بيد انه عند اقترابهم يشد الزناد بأصابع قدمه.
ويقال بأن طعام كلاب الإنجليز كانت من لحوم السكان الأصليين.أرض فان ديمين كانت مستعمرة مذنبين خططت لها السياسة الإنجليزية المشجعة على استيطان الناس الأحرار، وأقامت محكمة عليا وشرعت تلك الوحشية تجاه الوطنيين البائسين المنذهلين الذين عوملوا بأسوأ مما آلت إليه حال أي من القبائل الأمريكية على يد الأسبان، لقد تحملوا المعاملة التي تلقوها من المغتصبين لوطنهم، انتزعت أراضي الصيد منهم وطردوا وشردوا من بيوتهم، تميزوا بالطبيعة السمحة لأنهم مطبوعون على الخير حتى تجاه البيض، ولذلك فاقدوا الضمير احتالوا على دماثة خلقهم إلى أن أبادوهم.
التاريخ يعيد نفسه في صور مختلفة
ليس هناك ما يثبت كم من الزمن عاش أبناء أرض فان ديمين "تسمانيا" على جزيرتهم لكن المؤكد أنه خلال خمسة وسبعين عاماً استؤصلت شأفتهم. ان استعباد وفناء الشعوب الأصلية هو تاريخ قديم حاق الفناء بالمغلوبين بأساليب وصور مختلفة، بحسب اختلاف مصالح الغزاة. والصورة تتكرر مراراً لغاية عصرنا. سكان تسمانيا الأصليون أصبحوا في خبر كان، وسكان فكتوريا الأصليون في طريقهم إلى الزوال، ولا توجد رحمة ولا اهتمام تجاه البقايا البائسة من جانب المجتمع على الاطلاق.
المهازل والمساخر في ساحة القضاء التي عرفتها أرض فان ديمين منذ مائة وثلاثين عاماً مضت نراها تتكرر بأشكال مختلفة ضد الشعوب المستهدفة والمستضعفة!لذلك لا يمكن الافتراض أن تاريخ تسمانيا يسكن بالماضي الذي لا صلة لنا به، أو أن مصيرهم يمكن أن يكون مختلفاً بالضرورة، خاصة وأن الاستعمار ل "أرض فان ديمين" لا يزال يتراءى لنا في أماكن عديدة من هذا العالم.
آخر كائن حي من الشعب التسماني
إمراة اسمها "تروجانيني" توفيت سنة 1876
إن أهم ما يميز قصة إبادة السكان الأصليين لجزيرة تسمانيا هو قدرة الكاتب كليف تورنبل على سرد تاريخ صادق مدعم بالوثائق لوحشية المستعمرين الإنجليز من منظور كاتب واع يحلل باقتدار الدوافع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهؤلاء المستعمرين في عرض شيق، وأسلوب معاملتهم للشعوب التي وقعت تحت براثن استعمارهم باستخدام أحط وأخس الأساليب وأشدها بربرية من نشر الأمراض إلى المجاعات ونشر الفساد من خمور ودعارة حتى الإبادة لهذه الشعوب، مدعين أنهم ينشرون المدنية بين هؤلاء البرابرة.
إن أي منصف لا يمكن له أن يبرئ ساحة هؤلاء المستعمرين من جريمة العنصرية الفائقة فإبادة شعب بأكمله على يد أسوأ أنواع المجرمين الإنجليز الذين ضاقت بهم سجون إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر للتخلص منهم، هي بكل المعايير الإنسانية جريمة يندى لها جبين البشرية بالعار أبد الدهر.كان ذلك يحدث في عصر الاستعمار الزاهر خلال القرون الثلاثة الماضية عن طريق الاستعمار الاستيطاني، حيث لم تكن حركات حقوق الإنسان قد ظهرت بعد، وأظن أن المطلع على أحداث هذا العصر الذي نعيشه اليوم لا يختلف معنا أن هذه الجرائم "جرائم إبادة الشعوب" لم تصبح في ذمة التاريخ وغير قابلة للتكرار ولو بصور مختلفة، حيث تتصاعد حركات حقوق الإنسان، فلسنا بعيدين عن مأساة الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني من حرب إبادة قذرة على يد أسوأ العنصريين الجدد في القرن الحادي والعشرين "الصهاينة" الذين تربوا في أحضان تلك النظم الاستعمارية البالية. وفي الاريزونا بأمريكا الجنوبية حيث تتعرض قبائل الهنود الحمر بوادي الأمازون للطرد والإبادة من جانب الشركات المتعددة الجنسيات التي تزحف على أراضيهم بعد اكتشاف الاحتياطات الهائلة من الخامات (بوكسايت، نحاس، بترول) في أرض الصيد القبلية والاستيلاء على هذه الأراضي دون وجه حق.
وما كان يدور في جنوب أفريقيا على يد العنصريين البيض في جمهورية جنوب أفريقيا وزامبيا ونامبيبا والمدعمين من البيوتات المالية الاحتكارية. وبقايا الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية حيث النموذج الأول في مشوار الإبادة الطويل. ان الشعوب المغلوبة على أمرها محرومة من أبسط حقوق الإنسان، حيث تعيش تلك البقايا من الجماعات الإنسانية في مناطق تشبه حدائق الحيوان البشرية.واليوم يحاول الخلف الصالح لأولئك الاستعماريين القدامى طلاء وجوههم لتغيير ملامحهم ليستمروا في تدمير الشعوب وبوسائل متعددة لعل أوضحها القوة الاقتصادية العاتية ذات النفوذ المتغلغل في كافة المجتمعات.إن قوة الإنسان تكمن في أن هذه البقايا ما زالت تناضل وترفع صوتها ليعيش العالم هذه المأساة ويحس بها، رغم الظروف القاسية والمهينة التي يعيشون فيها مطالبين بعودة أراضيهم إليهم.
إن القضاء على هذه النظم الاستعمارية بشكلها القديم والحديث التي ولدت تلك المآسي هو حلم البشرية والذي سيتحقق من خلال النضال المستمر حتى يتمتع البشر بالسلام والحرية والتقدم في كل بقعة من بقاع المعمورة.
المصدر: حرب قذرة، للكاتب الاسترالي: كليف تورنبل، ترجمة: حسن الأهواني.
Comment