رد: قصة الحضارة (ول ديورانت)
3- النحت
خاض النحت في تلك الحقبة معركة مريرة في محاولة للاعتراف به فناً هاماً كبيراً. وكانت مهمته قد اقتصرت لعهد طويل على أن تكون زخرفية أو تزيينية. وفي عهد لويس الرابع عشر أقيمت التماثيل لتضفي زينة وبهاء على القصور الفخمة والحدائق الشاسعة. أما الآن فقد قل الاهتمام بالنحت لأن الولع بالبناء قد استنفد أغراضه كما استنزف فرنسا، وقبع الأغنياء في مبان أصغر حجماً، ولم تجد التماثيل الضخمة لها مكاناً في قاعات الاستقبال أو النوم. وشكا المثالون من ان الأكاديمية الملكية للرسم والنحت منحت معظم جوائزها للرسامين. واقترح بيجال أن يكون هناك مثال ملكي على غرار الرسام أو المصور الملكي، وأيد بشخصه حملة طائفة سان ميشيل لكسر التقليد الذي جرى عليه العمل وهو تكريم الرسامين وحدهم بمثل هذه المهمة. وانصرف المثالون على كره منهم إلى زخرفة البيوت بقطع صغيرة وبالزهريات والنقوش البارزة، وسعوا إلى منافسة رسامي الأشخاص بأن يشكلوا الجسم الفاني في صورة خداعة من البرونز أو الحجر الذي لا يبلى، ما داموا يتقاضون الأجر. ولما تهيأ لبعض هؤلاء المثالين مزيد
من الفرص للعمل اختاروا طراز الروكوكو الرشيق الطبيعي اللعوب المرح على حين ظلوا يحبذون وقار الخطوط الكلاسيكية.
وكما هو الحال مع الرسامين والحرفيين مال فن النحت إلى أن ينموا في أسرات بعينها. وساعد نيقولا كوستو أستاذه أنطوان كويسيفوكس في تزيين القصور الملكية في مارلي وفرساي، وصمم الشخصيات العظيمة، رامزاً إلى أنهار فرنسا، وهي الآن في البلدية دار البلدية في ليون. ولا يزال تمثاله "النزول من الصليب" في كنيسة نوتردام دي باريس، و "الراعي الصياد" واحداً من اثنا عشر تمثالاً رائعاً تغالب الزمن والجو في حدائق التويللري. ونحت غليوم كوستو الأول الأخ الأصغر لنقولا، تمثالاً من المرمر لماري لزكز نسكا، مثل تمثال جونو(4) (زوجة جوبيتر في الأساطير الرومانية) كما نحت تمثال "جياد مارلي" القوية (1740-1745) لذلك القصر أساساً، ولكنها الآن متمردة على اللجام في المدخلين الغربي والشرقي لقصر الكونكورد. أما ابنه غليوم كوستو الثاني، فقد حفر للدوفين مقبرة في كاتدرائية سنس.
وأنجبت مدينة نانسي أسرة أخرى من الفنانين فورث جاكوب سجسبرت آدم أبناءه الثلاثة النحت والعمارة، وقضى لمبرت سجسبرت آدم عشر سنوات في الدرس والتحصيل في روما، عاد بعدها إلى باريس، حيث تعاون مع أخيه الأصغر نقولا سباستيان في إقامة نافورة "نبتيون وامفتريت" (إله وإلهة البحر) ف يحدائق فرساي ثم قصد إلى بوتسدام حيث حفر لفردريك الأكبر-هدية من لويس الخامس عشر-مجموعتين من الرخام-صيد الحيوان وصيد السمك-لقصر سان سوسي. ثم رجع نقولا سباستيان إلى نانسي وشاد مقبرة كثرين أو بالنسكا في كنيسة نوتردام دي بون سيكور، وثمة أخ ثالث، وهو فرانسوا بلتازار جسبار، أسهم في تزيين عاصمة ستانسلاس.
وهناك أسرة ثالثة من النحاتين بدأت بالمثال فيلبوكافييري الذي غادر لإيطاليا في 1660 ليعمل مع ابنه فرانسوا شارل في خدمة لويس الرابع عشر.
وثمة ابن آخر هو جاك كافييري الذي بلغ بعبقرية الأسرة إلى الذروة متفوقاً على كل معاصريه في أشغال البرونز. وتنافست القصور الملكية كلها تقريباً في الإفادة من فنه في زمانه. وفي قصر فرساي اشترك مع ابنه فيليب في المدفأة في جناح الدوفين وفي صنع قاعدة برونزية من طراز الروكوكو لساعة الملك الفلكية المشهورة الآن. وتعد التركيبات والسنادات البرونزية التي صنعها للأثاث أثمن وأغلى قيمة من الأثاث نفسه(5).
وارتضى آدم بوشاردون-الذي أسماه فولتير "فيداس" فرنسا(6) (نحات أغريقي في القرن الخامس ق.م)-ارتضى تماماً كل القواعد الكلاسيكية التي نادى بها راعيه كونت دي كايلوس. وجد لعدة سنين مناناً لتمثال بيجال خيل لهذا الأخير أنه غلب على أمره. وأورد ديدرو ذكر بوشاردون في قوله "لم أدخل قط إلى مرسم (ستوديو) إلا خرجت منه بشعور من القنوط سيطر علي لعدة أسابيع"(7)ورأى ديدرو أن تمثال "الحب-كيوبيد"(8)الذي صنعه بوشاردون مكتوب له الخلود، ولكنه لا يكاد يتلظى بنار الحب، وخير منه النافورة التي أقامها المثال نفسه في شارع جرينل في باريس، وهي تحفة رائعة في جلالها الكلاسيكي وعظمتها وفي 1749 عهدت إليه المدينة بصنع تمثال فارس للملك لويس الخامس عشر، وأكب على العمل فيه لمدة تسع سنين، وصبه في 1758، ولكن لم يمهله القدر ليراه قائماً وطلب إلى السلطات البلدية، وهو على فراش الموت 1762، أن تكل إلى بيجال إكمال المشروع، وهكذا اختتمت المنافسة التي طال أمدها بين هذين المثالين، فيما ينبئ عن الإعجاب والثقة بينهما، ونصب التمثال في ميدان لويس الخامس عشر، ثم جاءت الثورة الفرنسية فحطمته 1792 باعتباره رمزاً بغيضاً.
ونبذ جان بابتست ليمويين كل القيود والقواعد الكلاسيكية، لأنها تحكم على النحت بالفناء. لماذا لا يعبر الرخام أو البرونز-مثل صور الألوان المائية أو الزيتية عن الحركة والوجدان والضحك والفرح أو الحزن-مما تجرأت التماثيل الهللينية على أن تعبر عنه؟ وبهذه الروح صمم ليمويين
مقبرتي كاردينال فليري والرسام بيير مينارد لكنيسة سان روش، وكذلك في تمثال مونتسكيو الذي نحته لمدينة بوردو، أبرز المثال المؤلف "روح للقوانين" ساخراً مكتئباً شكاكاً، وسطاً بين سناتور روماني وفيلسوف إقليمي يسخر من أساليب الباريسين في حياتهم. وأصبحت تلك البسمة العابرة هي العلامة المميزة للعديد من التماثيل النصفية التي صنعها ليمويين بأمر من الملك لكثير من رجال فرنسا البارزين. وانتصر هذا الأسلوب التعبيري الممتع على كلاسيكية بوشاردون، وانتقل إلى بيجال وباجو وهودون وفالكونيه في عصر من اعظم عصور النحت في فرنسا.
3- النحت
خاض النحت في تلك الحقبة معركة مريرة في محاولة للاعتراف به فناً هاماً كبيراً. وكانت مهمته قد اقتصرت لعهد طويل على أن تكون زخرفية أو تزيينية. وفي عهد لويس الرابع عشر أقيمت التماثيل لتضفي زينة وبهاء على القصور الفخمة والحدائق الشاسعة. أما الآن فقد قل الاهتمام بالنحت لأن الولع بالبناء قد استنفد أغراضه كما استنزف فرنسا، وقبع الأغنياء في مبان أصغر حجماً، ولم تجد التماثيل الضخمة لها مكاناً في قاعات الاستقبال أو النوم. وشكا المثالون من ان الأكاديمية الملكية للرسم والنحت منحت معظم جوائزها للرسامين. واقترح بيجال أن يكون هناك مثال ملكي على غرار الرسام أو المصور الملكي، وأيد بشخصه حملة طائفة سان ميشيل لكسر التقليد الذي جرى عليه العمل وهو تكريم الرسامين وحدهم بمثل هذه المهمة. وانصرف المثالون على كره منهم إلى زخرفة البيوت بقطع صغيرة وبالزهريات والنقوش البارزة، وسعوا إلى منافسة رسامي الأشخاص بأن يشكلوا الجسم الفاني في صورة خداعة من البرونز أو الحجر الذي لا يبلى، ما داموا يتقاضون الأجر. ولما تهيأ لبعض هؤلاء المثالين مزيد
من الفرص للعمل اختاروا طراز الروكوكو الرشيق الطبيعي اللعوب المرح على حين ظلوا يحبذون وقار الخطوط الكلاسيكية.
وكما هو الحال مع الرسامين والحرفيين مال فن النحت إلى أن ينموا في أسرات بعينها. وساعد نيقولا كوستو أستاذه أنطوان كويسيفوكس في تزيين القصور الملكية في مارلي وفرساي، وصمم الشخصيات العظيمة، رامزاً إلى أنهار فرنسا، وهي الآن في البلدية دار البلدية في ليون. ولا يزال تمثاله "النزول من الصليب" في كنيسة نوتردام دي باريس، و "الراعي الصياد" واحداً من اثنا عشر تمثالاً رائعاً تغالب الزمن والجو في حدائق التويللري. ونحت غليوم كوستو الأول الأخ الأصغر لنقولا، تمثالاً من المرمر لماري لزكز نسكا، مثل تمثال جونو(4) (زوجة جوبيتر في الأساطير الرومانية) كما نحت تمثال "جياد مارلي" القوية (1740-1745) لذلك القصر أساساً، ولكنها الآن متمردة على اللجام في المدخلين الغربي والشرقي لقصر الكونكورد. أما ابنه غليوم كوستو الثاني، فقد حفر للدوفين مقبرة في كاتدرائية سنس.
وأنجبت مدينة نانسي أسرة أخرى من الفنانين فورث جاكوب سجسبرت آدم أبناءه الثلاثة النحت والعمارة، وقضى لمبرت سجسبرت آدم عشر سنوات في الدرس والتحصيل في روما، عاد بعدها إلى باريس، حيث تعاون مع أخيه الأصغر نقولا سباستيان في إقامة نافورة "نبتيون وامفتريت" (إله وإلهة البحر) ف يحدائق فرساي ثم قصد إلى بوتسدام حيث حفر لفردريك الأكبر-هدية من لويس الخامس عشر-مجموعتين من الرخام-صيد الحيوان وصيد السمك-لقصر سان سوسي. ثم رجع نقولا سباستيان إلى نانسي وشاد مقبرة كثرين أو بالنسكا في كنيسة نوتردام دي بون سيكور، وثمة أخ ثالث، وهو فرانسوا بلتازار جسبار، أسهم في تزيين عاصمة ستانسلاس.
وهناك أسرة ثالثة من النحاتين بدأت بالمثال فيلبوكافييري الذي غادر لإيطاليا في 1660 ليعمل مع ابنه فرانسوا شارل في خدمة لويس الرابع عشر.
وثمة ابن آخر هو جاك كافييري الذي بلغ بعبقرية الأسرة إلى الذروة متفوقاً على كل معاصريه في أشغال البرونز. وتنافست القصور الملكية كلها تقريباً في الإفادة من فنه في زمانه. وفي قصر فرساي اشترك مع ابنه فيليب في المدفأة في جناح الدوفين وفي صنع قاعدة برونزية من طراز الروكوكو لساعة الملك الفلكية المشهورة الآن. وتعد التركيبات والسنادات البرونزية التي صنعها للأثاث أثمن وأغلى قيمة من الأثاث نفسه(5).
وارتضى آدم بوشاردون-الذي أسماه فولتير "فيداس" فرنسا(6) (نحات أغريقي في القرن الخامس ق.م)-ارتضى تماماً كل القواعد الكلاسيكية التي نادى بها راعيه كونت دي كايلوس. وجد لعدة سنين مناناً لتمثال بيجال خيل لهذا الأخير أنه غلب على أمره. وأورد ديدرو ذكر بوشاردون في قوله "لم أدخل قط إلى مرسم (ستوديو) إلا خرجت منه بشعور من القنوط سيطر علي لعدة أسابيع"(7)ورأى ديدرو أن تمثال "الحب-كيوبيد"(8)الذي صنعه بوشاردون مكتوب له الخلود، ولكنه لا يكاد يتلظى بنار الحب، وخير منه النافورة التي أقامها المثال نفسه في شارع جرينل في باريس، وهي تحفة رائعة في جلالها الكلاسيكي وعظمتها وفي 1749 عهدت إليه المدينة بصنع تمثال فارس للملك لويس الخامس عشر، وأكب على العمل فيه لمدة تسع سنين، وصبه في 1758، ولكن لم يمهله القدر ليراه قائماً وطلب إلى السلطات البلدية، وهو على فراش الموت 1762، أن تكل إلى بيجال إكمال المشروع، وهكذا اختتمت المنافسة التي طال أمدها بين هذين المثالين، فيما ينبئ عن الإعجاب والثقة بينهما، ونصب التمثال في ميدان لويس الخامس عشر، ثم جاءت الثورة الفرنسية فحطمته 1792 باعتباره رمزاً بغيضاً.
ونبذ جان بابتست ليمويين كل القيود والقواعد الكلاسيكية، لأنها تحكم على النحت بالفناء. لماذا لا يعبر الرخام أو البرونز-مثل صور الألوان المائية أو الزيتية عن الحركة والوجدان والضحك والفرح أو الحزن-مما تجرأت التماثيل الهللينية على أن تعبر عنه؟ وبهذه الروح صمم ليمويين
مقبرتي كاردينال فليري والرسام بيير مينارد لكنيسة سان روش، وكذلك في تمثال مونتسكيو الذي نحته لمدينة بوردو، أبرز المثال المؤلف "روح للقوانين" ساخراً مكتئباً شكاكاً، وسطاً بين سناتور روماني وفيلسوف إقليمي يسخر من أساليب الباريسين في حياتهم. وأصبحت تلك البسمة العابرة هي العلامة المميزة للعديد من التماثيل النصفية التي صنعها ليمويين بأمر من الملك لكثير من رجال فرنسا البارزين. وانتصر هذا الأسلوب التعبيري الممتع على كلاسيكية بوشاردون، وانتقل إلى بيجال وباجو وهودون وفالكونيه في عصر من اعظم عصور النحت في فرنسا.
Comment