ومضات: نزار قباني في نثره المموسق الجميل : في الذكرى العاشرة لرحيله
عبدالعزيز المقالح
لقد كتب عن شعر نزار قباني الكثير وحظي حتى الآن بدراسات كثيرة متنوعة التناول بينما ظل نثره البديع خارج الاهتمام ولم يحظ في حدود ما أعلم بدراسة تذكر مع أنه جدير بالبحث شأن شعره تماماً لا لانه ينطلق من الينابيع نفسها التي انطلق منها شعره ويطرح كثيراً من القضايا التي طرحتها قصائده وحسب، وانما لكونه نثراً فانه يأتي اكثر وضوحاً وقدرة على تحديد الكثير من مواقف الشاعر الكبير واهتماماته العامة ومعاركه المباشرة، وكما ان لشعر نزار خصوصيته التي تميزه عن سائر شعراء عصره فان لنثره الخصوصية نفسها ايضاً.
ويبدو ان اللغة في مفهوم نزار قباني ليست أداة توصيل جامدة تنقل المعنى عارياً وخالياً من الاضواء والظلال، وانما هي كائن جميل يتم التعامل معه بانفعال صادق واشراقة روحية تؤدي الي استخراج ما في قراراته من معطيات ايقاعية وموسيقية، ولذلك فاسلوبه في كتابة القصيدة لايكاد يختلف كثيراً عن اسلوبه في كتابة المقالة او الرسالة والسيرة الذاتية. ولنا ان نقول دون حذر انه مسكون بالشعر الى درجة يصعب معها تخليه عن شروط هذا الفن ومقوماته في كل ما يكتب على الرغم من وجود فوارق لا تخفى بين شعره و نثره ابرزها الانضباط الشديد في النثر والانطلاق الاشد في الشعر المفتوح على عوالم واسعة من الانفعال والعفوية والخيال.
لست في حاجة الي ايراد نماذج من شعر نزار تأكيداً لما اذهب اليه، ومن هنا فسوف تقتصر النماذج المحدودة على نثره فقط، وهنا مقتطف من مقال له بعنوان طريف ومثير هو "اتو بوسات الشعر" ومما جاء فيه : "الكتابة هي فن التورط ولا كتابة حقيقية خارج "التورط". الكتابة ليست سجادة فارسية يمشي عليها الكاتب كما يقول جان كوكتو ولا مقعداً مغلفاً ب "لأوبوسون "، ولا مخدة من ريش العصافير تغوص رؤوسنا فيها ، ولا يختاً خاصاً نتشمس على ظهره.. ونشرب البيرة الدنماركية المثلجة.. ان الكاتب يجب ان يظل في اعماقه بدوياً يتعامل مع الشمس والملح، والعطش .. يجب ان يبقى حافي القدمين حتى يتحسس حرارة الارض ونتوءاتها ووجع حجارتها.. يجب ان يبقى عارياً كحصان متوحش، ورافضاً كل السروج التي تحاول الانظمة وضعها على ظهره. ومتى فقد الكاتب بداوته ، وتوحشه وقدرته علي الصهيل، ومتى فتح فمه للجام الحديدي، ومنح ظهره للبراكين، تحول الى "اوتوبوس حكومي" مضطر الي الوقوف على جميع المحطات والخضوغ لصفارة قاطع التذاكر ."الكتابة عمل انقلابي ص15".
لقد اسس نزار قباني اسلوباً في الكتابة النثرية هي الى الشعر اقرب منها الي النثر ويمكن لنا ان نقول ان بعض كتاباته النثرية تفوق في شاعريتها بعض قصائده السياسية خاصة حين يهبط التعبير الشعري الى درجة الكلام العادي بينما يرتفع نبض اللغة في بعض الكتابات النثرية الى مناخ الشعر.
وليس نزار قباني الوحيد في هذا المنحى، شعراء آخرون يشاركونه في ذلك الا انه يظل اكثرهم حرصاً على ان يكتب المقالة النثرية تحت شروط تشبه الى حد ما شروط كتابة القصيدة. كما انه يحتشد لكتابة المقال احتشاده لكتابة القصيدة تماماً فتأتي نابضة بالصور، مترعة باعمق المشاعر ، كما في حديثه على سبيل المثال عن الحرية : "اتصور ، انه لابد من ان نتفق على تعريف مبدئي لمعنى الحرية حتى لا تتداخل حدود الاشياء وتضطرب الرؤية، ويختلط اللون الابيض باللون الاسود واول ما اتصوره هو ان الحرية هي حركة فردية داخل دائرة الجماعة هذه الجماعة يمكن ان تكون اسرة او قبيلة، او جمعية ، او مدرسة او وطناً . ومعنى هذا ان الحرية هي خط هندسي ضمن دائرة، وليست ابداً حركة في الفراغ او المطلق.. وكما ان البحر محدود بالشواطئ والريح محدودة بالجبال، والانهار محدودة بضفافها ، والطائرات محدودة بمدارج الصعود والهبوط، والعصافير محدودة بمساحة اجنحتها فان الانسان هو الآخر محدود بمسؤوليته واستعمال الحرية كاستعمال المستحضرات والعقاقير الطبية، لايمكن ان يكون بغير مقاييس ومعايير وضوابط والا كانت الحرية قاتلة". "المصدر نفسه ص31".
ان في هذين النموذجين من نثر نزار قباني والمختارين عشوائياً ما يؤكد تفرده بحساسية شعرية خارقة تجاه اللغة التي يكتب بها وتجاه المفردات التي يتعامل معها قبل ان يضعها في اطارها المموسق الجميل.
لقد كتب عن شعر نزار قباني الكثير وحظي حتى الآن بدراسات كثيرة متنوعة التناول بينما ظل نثره البديع خارج الاهتمام ولم يحظ في حدود ما أعلم بدراسة تذكر مع أنه جدير بالبحث شأن شعره تماماً لا لانه ينطلق من الينابيع نفسها التي انطلق منها شعره ويطرح كثيراً من القضايا التي طرحتها قصائده وحسب، وانما لكونه نثراً فانه يأتي اكثر وضوحاً وقدرة على تحديد الكثير من مواقف الشاعر الكبير واهتماماته العامة ومعاركه المباشرة، وكما ان لشعر نزار خصوصيته التي تميزه عن سائر شعراء عصره فان لنثره الخصوصية نفسها ايضاً.
ويبدو ان اللغة في مفهوم نزار قباني ليست أداة توصيل جامدة تنقل المعنى عارياً وخالياً من الاضواء والظلال، وانما هي كائن جميل يتم التعامل معه بانفعال صادق واشراقة روحية تؤدي الي استخراج ما في قراراته من معطيات ايقاعية وموسيقية، ولذلك فاسلوبه في كتابة القصيدة لايكاد يختلف كثيراً عن اسلوبه في كتابة المقالة او الرسالة والسيرة الذاتية. ولنا ان نقول دون حذر انه مسكون بالشعر الى درجة يصعب معها تخليه عن شروط هذا الفن ومقوماته في كل ما يكتب على الرغم من وجود فوارق لا تخفى بين شعره و نثره ابرزها الانضباط الشديد في النثر والانطلاق الاشد في الشعر المفتوح على عوالم واسعة من الانفعال والعفوية والخيال.
لست في حاجة الي ايراد نماذج من شعر نزار تأكيداً لما اذهب اليه، ومن هنا فسوف تقتصر النماذج المحدودة على نثره فقط، وهنا مقتطف من مقال له بعنوان طريف ومثير هو "اتو بوسات الشعر" ومما جاء فيه : "الكتابة هي فن التورط ولا كتابة حقيقية خارج "التورط". الكتابة ليست سجادة فارسية يمشي عليها الكاتب كما يقول جان كوكتو ولا مقعداً مغلفاً ب "لأوبوسون "، ولا مخدة من ريش العصافير تغوص رؤوسنا فيها ، ولا يختاً خاصاً نتشمس على ظهره.. ونشرب البيرة الدنماركية المثلجة.. ان الكاتب يجب ان يظل في اعماقه بدوياً يتعامل مع الشمس والملح، والعطش .. يجب ان يبقى حافي القدمين حتى يتحسس حرارة الارض ونتوءاتها ووجع حجارتها.. يجب ان يبقى عارياً كحصان متوحش، ورافضاً كل السروج التي تحاول الانظمة وضعها على ظهره. ومتى فقد الكاتب بداوته ، وتوحشه وقدرته علي الصهيل، ومتى فتح فمه للجام الحديدي، ومنح ظهره للبراكين، تحول الى "اوتوبوس حكومي" مضطر الي الوقوف على جميع المحطات والخضوغ لصفارة قاطع التذاكر ."الكتابة عمل انقلابي ص15".
لقد اسس نزار قباني اسلوباً في الكتابة النثرية هي الى الشعر اقرب منها الي النثر ويمكن لنا ان نقول ان بعض كتاباته النثرية تفوق في شاعريتها بعض قصائده السياسية خاصة حين يهبط التعبير الشعري الى درجة الكلام العادي بينما يرتفع نبض اللغة في بعض الكتابات النثرية الى مناخ الشعر.
وليس نزار قباني الوحيد في هذا المنحى، شعراء آخرون يشاركونه في ذلك الا انه يظل اكثرهم حرصاً على ان يكتب المقالة النثرية تحت شروط تشبه الى حد ما شروط كتابة القصيدة. كما انه يحتشد لكتابة المقال احتشاده لكتابة القصيدة تماماً فتأتي نابضة بالصور، مترعة باعمق المشاعر ، كما في حديثه على سبيل المثال عن الحرية : "اتصور ، انه لابد من ان نتفق على تعريف مبدئي لمعنى الحرية حتى لا تتداخل حدود الاشياء وتضطرب الرؤية، ويختلط اللون الابيض باللون الاسود واول ما اتصوره هو ان الحرية هي حركة فردية داخل دائرة الجماعة هذه الجماعة يمكن ان تكون اسرة او قبيلة، او جمعية ، او مدرسة او وطناً . ومعنى هذا ان الحرية هي خط هندسي ضمن دائرة، وليست ابداً حركة في الفراغ او المطلق.. وكما ان البحر محدود بالشواطئ والريح محدودة بالجبال، والانهار محدودة بضفافها ، والطائرات محدودة بمدارج الصعود والهبوط، والعصافير محدودة بمساحة اجنحتها فان الانسان هو الآخر محدود بمسؤوليته واستعمال الحرية كاستعمال المستحضرات والعقاقير الطبية، لايمكن ان يكون بغير مقاييس ومعايير وضوابط والا كانت الحرية قاتلة". "المصدر نفسه ص31".
ان في هذين النموذجين من نثر نزار قباني والمختارين عشوائياً ما يؤكد تفرده بحساسية شعرية خارقة تجاه اللغة التي يكتب بها وتجاه المفردات التي يتعامل معها قبل ان يضعها في اطارها المموسق الجميل.
عن سبتمبر نت
عبدالعزيز المقالح
لقد كتب عن شعر نزار قباني الكثير وحظي حتى الآن بدراسات كثيرة متنوعة التناول بينما ظل نثره البديع خارج الاهتمام ولم يحظ في حدود ما أعلم بدراسة تذكر مع أنه جدير بالبحث شأن شعره تماماً لا لانه ينطلق من الينابيع نفسها التي انطلق منها شعره ويطرح كثيراً من القضايا التي طرحتها قصائده وحسب، وانما لكونه نثراً فانه يأتي اكثر وضوحاً وقدرة على تحديد الكثير من مواقف الشاعر الكبير واهتماماته العامة ومعاركه المباشرة، وكما ان لشعر نزار خصوصيته التي تميزه عن سائر شعراء عصره فان لنثره الخصوصية نفسها ايضاً.
ويبدو ان اللغة في مفهوم نزار قباني ليست أداة توصيل جامدة تنقل المعنى عارياً وخالياً من الاضواء والظلال، وانما هي كائن جميل يتم التعامل معه بانفعال صادق واشراقة روحية تؤدي الي استخراج ما في قراراته من معطيات ايقاعية وموسيقية، ولذلك فاسلوبه في كتابة القصيدة لايكاد يختلف كثيراً عن اسلوبه في كتابة المقالة او الرسالة والسيرة الذاتية. ولنا ان نقول دون حذر انه مسكون بالشعر الى درجة يصعب معها تخليه عن شروط هذا الفن ومقوماته في كل ما يكتب على الرغم من وجود فوارق لا تخفى بين شعره و نثره ابرزها الانضباط الشديد في النثر والانطلاق الاشد في الشعر المفتوح على عوالم واسعة من الانفعال والعفوية والخيال.
لست في حاجة الي ايراد نماذج من شعر نزار تأكيداً لما اذهب اليه، ومن هنا فسوف تقتصر النماذج المحدودة على نثره فقط، وهنا مقتطف من مقال له بعنوان طريف ومثير هو "اتو بوسات الشعر" ومما جاء فيه : "الكتابة هي فن التورط ولا كتابة حقيقية خارج "التورط". الكتابة ليست سجادة فارسية يمشي عليها الكاتب كما يقول جان كوكتو ولا مقعداً مغلفاً ب "لأوبوسون "، ولا مخدة من ريش العصافير تغوص رؤوسنا فيها ، ولا يختاً خاصاً نتشمس على ظهره.. ونشرب البيرة الدنماركية المثلجة.. ان الكاتب يجب ان يظل في اعماقه بدوياً يتعامل مع الشمس والملح، والعطش .. يجب ان يبقى حافي القدمين حتى يتحسس حرارة الارض ونتوءاتها ووجع حجارتها.. يجب ان يبقى عارياً كحصان متوحش، ورافضاً كل السروج التي تحاول الانظمة وضعها على ظهره. ومتى فقد الكاتب بداوته ، وتوحشه وقدرته علي الصهيل، ومتى فتح فمه للجام الحديدي، ومنح ظهره للبراكين، تحول الى "اوتوبوس حكومي" مضطر الي الوقوف على جميع المحطات والخضوغ لصفارة قاطع التذاكر ."الكتابة عمل انقلابي ص15".
لقد اسس نزار قباني اسلوباً في الكتابة النثرية هي الى الشعر اقرب منها الي النثر ويمكن لنا ان نقول ان بعض كتاباته النثرية تفوق في شاعريتها بعض قصائده السياسية خاصة حين يهبط التعبير الشعري الى درجة الكلام العادي بينما يرتفع نبض اللغة في بعض الكتابات النثرية الى مناخ الشعر.
وليس نزار قباني الوحيد في هذا المنحى، شعراء آخرون يشاركونه في ذلك الا انه يظل اكثرهم حرصاً على ان يكتب المقالة النثرية تحت شروط تشبه الى حد ما شروط كتابة القصيدة. كما انه يحتشد لكتابة المقال احتشاده لكتابة القصيدة تماماً فتأتي نابضة بالصور، مترعة باعمق المشاعر ، كما في حديثه على سبيل المثال عن الحرية : "اتصور ، انه لابد من ان نتفق على تعريف مبدئي لمعنى الحرية حتى لا تتداخل حدود الاشياء وتضطرب الرؤية، ويختلط اللون الابيض باللون الاسود واول ما اتصوره هو ان الحرية هي حركة فردية داخل دائرة الجماعة هذه الجماعة يمكن ان تكون اسرة او قبيلة، او جمعية ، او مدرسة او وطناً . ومعنى هذا ان الحرية هي خط هندسي ضمن دائرة، وليست ابداً حركة في الفراغ او المطلق.. وكما ان البحر محدود بالشواطئ والريح محدودة بالجبال، والانهار محدودة بضفافها ، والطائرات محدودة بمدارج الصعود والهبوط، والعصافير محدودة بمساحة اجنحتها فان الانسان هو الآخر محدود بمسؤوليته واستعمال الحرية كاستعمال المستحضرات والعقاقير الطبية، لايمكن ان يكون بغير مقاييس ومعايير وضوابط والا كانت الحرية قاتلة". "المصدر نفسه ص31".
ان في هذين النموذجين من نثر نزار قباني والمختارين عشوائياً ما يؤكد تفرده بحساسية شعرية خارقة تجاه اللغة التي يكتب بها وتجاه المفردات التي يتعامل معها قبل ان يضعها في اطارها المموسق الجميل.
لقد كتب عن شعر نزار قباني الكثير وحظي حتى الآن بدراسات كثيرة متنوعة التناول بينما ظل نثره البديع خارج الاهتمام ولم يحظ في حدود ما أعلم بدراسة تذكر مع أنه جدير بالبحث شأن شعره تماماً لا لانه ينطلق من الينابيع نفسها التي انطلق منها شعره ويطرح كثيراً من القضايا التي طرحتها قصائده وحسب، وانما لكونه نثراً فانه يأتي اكثر وضوحاً وقدرة على تحديد الكثير من مواقف الشاعر الكبير واهتماماته العامة ومعاركه المباشرة، وكما ان لشعر نزار خصوصيته التي تميزه عن سائر شعراء عصره فان لنثره الخصوصية نفسها ايضاً.
ويبدو ان اللغة في مفهوم نزار قباني ليست أداة توصيل جامدة تنقل المعنى عارياً وخالياً من الاضواء والظلال، وانما هي كائن جميل يتم التعامل معه بانفعال صادق واشراقة روحية تؤدي الي استخراج ما في قراراته من معطيات ايقاعية وموسيقية، ولذلك فاسلوبه في كتابة القصيدة لايكاد يختلف كثيراً عن اسلوبه في كتابة المقالة او الرسالة والسيرة الذاتية. ولنا ان نقول دون حذر انه مسكون بالشعر الى درجة يصعب معها تخليه عن شروط هذا الفن ومقوماته في كل ما يكتب على الرغم من وجود فوارق لا تخفى بين شعره و نثره ابرزها الانضباط الشديد في النثر والانطلاق الاشد في الشعر المفتوح على عوالم واسعة من الانفعال والعفوية والخيال.
لست في حاجة الي ايراد نماذج من شعر نزار تأكيداً لما اذهب اليه، ومن هنا فسوف تقتصر النماذج المحدودة على نثره فقط، وهنا مقتطف من مقال له بعنوان طريف ومثير هو "اتو بوسات الشعر" ومما جاء فيه : "الكتابة هي فن التورط ولا كتابة حقيقية خارج "التورط". الكتابة ليست سجادة فارسية يمشي عليها الكاتب كما يقول جان كوكتو ولا مقعداً مغلفاً ب "لأوبوسون "، ولا مخدة من ريش العصافير تغوص رؤوسنا فيها ، ولا يختاً خاصاً نتشمس على ظهره.. ونشرب البيرة الدنماركية المثلجة.. ان الكاتب يجب ان يظل في اعماقه بدوياً يتعامل مع الشمس والملح، والعطش .. يجب ان يبقى حافي القدمين حتى يتحسس حرارة الارض ونتوءاتها ووجع حجارتها.. يجب ان يبقى عارياً كحصان متوحش، ورافضاً كل السروج التي تحاول الانظمة وضعها على ظهره. ومتى فقد الكاتب بداوته ، وتوحشه وقدرته علي الصهيل، ومتى فتح فمه للجام الحديدي، ومنح ظهره للبراكين، تحول الى "اوتوبوس حكومي" مضطر الي الوقوف على جميع المحطات والخضوغ لصفارة قاطع التذاكر ."الكتابة عمل انقلابي ص15".
لقد اسس نزار قباني اسلوباً في الكتابة النثرية هي الى الشعر اقرب منها الي النثر ويمكن لنا ان نقول ان بعض كتاباته النثرية تفوق في شاعريتها بعض قصائده السياسية خاصة حين يهبط التعبير الشعري الى درجة الكلام العادي بينما يرتفع نبض اللغة في بعض الكتابات النثرية الى مناخ الشعر.
وليس نزار قباني الوحيد في هذا المنحى، شعراء آخرون يشاركونه في ذلك الا انه يظل اكثرهم حرصاً على ان يكتب المقالة النثرية تحت شروط تشبه الى حد ما شروط كتابة القصيدة. كما انه يحتشد لكتابة المقال احتشاده لكتابة القصيدة تماماً فتأتي نابضة بالصور، مترعة باعمق المشاعر ، كما في حديثه على سبيل المثال عن الحرية : "اتصور ، انه لابد من ان نتفق على تعريف مبدئي لمعنى الحرية حتى لا تتداخل حدود الاشياء وتضطرب الرؤية، ويختلط اللون الابيض باللون الاسود واول ما اتصوره هو ان الحرية هي حركة فردية داخل دائرة الجماعة هذه الجماعة يمكن ان تكون اسرة او قبيلة، او جمعية ، او مدرسة او وطناً . ومعنى هذا ان الحرية هي خط هندسي ضمن دائرة، وليست ابداً حركة في الفراغ او المطلق.. وكما ان البحر محدود بالشواطئ والريح محدودة بالجبال، والانهار محدودة بضفافها ، والطائرات محدودة بمدارج الصعود والهبوط، والعصافير محدودة بمساحة اجنحتها فان الانسان هو الآخر محدود بمسؤوليته واستعمال الحرية كاستعمال المستحضرات والعقاقير الطبية، لايمكن ان يكون بغير مقاييس ومعايير وضوابط والا كانت الحرية قاتلة". "المصدر نفسه ص31".
ان في هذين النموذجين من نثر نزار قباني والمختارين عشوائياً ما يؤكد تفرده بحساسية شعرية خارقة تجاه اللغة التي يكتب بها وتجاه المفردات التي يتعامل معها قبل ان يضعها في اطارها المموسق الجميل.
عن سبتمبر نت
Comment