رفيق رزق سلوم ..الشهيد الذي سطر اسمه بحروف من ذهب
عندما وصل إلى رأس الميدان ورأى المشنقة الفارغة قال مبتسماً: "يظهر أن مكاني هناك"، وأخذ يسير نحوها ولكنه عندما اقترب ورأى جثة /عبد الحميد الزهراوي/ أستاذه ورفيقه في الجهاد والعلم متدليةً من المشنقة الأولى غلب عليه الجد وحيّاها صائحاً "مرحباً يا أبا الحرية".
هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر هو الشهيد رفيق رزق سلّوم، الذي كتب اسمه بماء الذهب في سجلّ الكرامة والحرية والفداء، وكان من أكثر رجالات الكفاح ضد العثمانيين مكانة وسمو منزلة ومثالية ورباطة جأش حتى وهو يقابل الموت وجهاً لوجه.
ولد الشهيد رفيق رزق سلوم في مدينة حمص سنة 1891 وما إن بلغ رفيق الخامسة من العمر، حتى أدخله والداه المدرسة الروسية التابعة للجمعية الإمبراطورية الفلسطينية في حمص، ولما رأى المطران أثناثيوس نبوغه وعبقريته أرسله إلى المدرسة الإكليريكية في دير البلمند في لبنان في عام 1904 وكان في الثالثة عشرة من عمره، حيث بقي أربع سنوات، تلقى خلالها آداب اللغة العربية وعلوم اللاهوت.
وعندما عاد إلى حمص شجعه أستاذه خالد الحكيم على متابعة دراسته فقصد بيروت والتحق بالجامعة الأميركية وهو في السابعة عشر من العمر حيث درس اللغة الإنكليزية ووضع رواية (أمراض العصر) التي كرسها لمعشوقته الحرية الحمراء، فكان لها أعظم وقع في الطبقة المثقفة النازعة إلى الحرية آنذاك.
وعند عودته إلى حمص عرّفه أستاذه /خالد الحكيم/ بالمرحوم الشهيد /عبد الحميد الزهراوي/الذي بتأثيره اتجه رفيق بنفس العام إلى الأستانة لدراسة الحقوق. وفيها أخذت عبقريته تتفتح وراح في أوقات فراغه يكتب المقالات الرائعة وينشرها في (المقتطف)،(المهذب)،(المقتبس)،(المفيد) و(حمص)، وفي مجلة (لسان العرب) التي كان يصدرها المنتدى الأدبي بالإضافة إلى تحريره في جريدة (الحضارة) لصاحبها الشهيد الزهرواي والتي كانت تصدر في الأستانة باللغة العربية. وخلال مدة إقامته هناك التي امتدت إلى عام 1914 ألّف كتابه الشهير في الاقتصاد (حياة البلاد في علم الاقتصاد) وكان أول كتاب بالعربية يتطرق إلى هذا العلم وكان قد نشر منه بعض الفصول قبل طبعه كاملاً في جريدة (الحضارة) وقد دُرس هذا الكتاب مدة طويلة في الكلية الأرثوذكسية بحمص ومدرسة سلمية الزراعية وعدة مدارس أخر.
كما وضع الشهيد رفيق رزق سلوم أيضاً كتاب (حقوق الدول) الذي نشره على حلقات في جريدة (المهذب) التي كانت تصدر في زحلة ويقع هذا الكتاب في حوالي 800 صفحة ولكنه لم يُنشر وظلّ في حوزة أهله. وكان للشهيد منظومات شعرية رائعة كتب معظمها في الأغراض الوطنية ألقيت في مناسبات قومية مختلفة، كما أولع بالموسيقا فأتقن العزف على القانون والعود والكمان والبيانو.
وكان يصرف أكثر أوقات فراغه في الكتابة والتأليف. وعند انتهائه من دراسة الحقوق عام 1914 كان الشهيد يتقن الروسية واليونانية والفرنسية والتركية والعربية.
وخلال وجوده في الأستانة تسلم رفيق رزق سلوم منصب نائب رئيس النادي الأدبي، الذي ضم مجموعة من النواب والمفكرين والطلاب العرب، ليكون مكاناً يلتقي فيه الزوّار والعرب المقيمون في الأستانة، وكان يرمي إلى ائتلافهم، وحماية حقوقهم والمطالبة باستقلالهم، وإيقاظ الأمة العربية، التي كانت تغط في سبات عميق جراء الاستعباد العثماني، الذي خَيّم عليها طوال أربعة قرون، وكان النادي يقوم بأداء تمثيليات عربية ومنها رواية (السموأل)، وكان رفيق أحد أبطالها حيث ألقى في حفل تقديمها خطاباً بحضور بعض المسؤولين الأتراك بدأه ببيتين شعريين من نظمه قال فيهما:
قبلّتُ حدّ السيف قبلة عاشق
وهتفت ياسلمى افرحي وتهللّي
إن كان في موتي حياة تُرتجى
للعُربِ أَقبل يا حمام وعجّلِ
في عام 1915 وخلال اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي شاركت فيها الدولة العثمانية انتهز جمال باشا السفاح فرصة توليه على الشام وتوسيع حكم الاستبداد في البلاد العربية وكان قائداً للقوات العثمانية فألف الديوان العرفي في عاليه، وحاكم بواسطته عدداً من القادة العرب محاكمة شكلية، وقضى بإعدامهم وكان من بين هؤلاء القادة الشهيد المناضل رفيق رزق سلوم، الذي وُشي به للسلطات التركية فألقي القبض عليه في دمشق في 27 سبتمبر/أيلول عام 1915 وسيق إلى عاليه ليلقى الشهادة، في ساحة البرج ببيروت مع مجموعة من زملائه المناضلين العرب بعد أن عانى العذابات الشديدة على يد سجانيه الأتراك في سجن عاليه كما قال في الرسالة التي كتبها إلى أهله قبل استشهاده بشهر أي في 5 نيسان 1916 ، وما تزال هذه الرسالة في حوزة ابن أخيه هلال رزق سلوم إلى الآن، وفي هذه الرسالة شرح الشهيد سلوم لأهله كيف أُلقي القبض عليه، وما قاساه في سجن عاليه، ولحظات انتظاره للإعدام، وفيها أيضاً يطلب من أهله ألا يحزنوا لموته لأنه يكره الحزن والحزانى -كما يقول- ويضيف " ثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم فأرى كل حركة من حركاتكم، ولا ترونني فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عادةً من عاداتكم".
وعن وزارة الثقافة السورية صدرت فيما بعد الأعمال الكاملة لرفيق رزق سلوم ضمن سلسلة الأعمال الكاملة، وضمت كتب المؤلف ومقالاته. وقد حقق الكتاب الأستاذ عبد الإله أحمد نبهان وأفرد مقدمة عن حياة رفيق سلوم القصيرة.
عندما وصل إلى رأس الميدان ورأى المشنقة الفارغة قال مبتسماً: "يظهر أن مكاني هناك"، وأخذ يسير نحوها ولكنه عندما اقترب ورأى جثة /عبد الحميد الزهراوي/ أستاذه ورفيقه في الجهاد والعلم متدليةً من المشنقة الأولى غلب عليه الجد وحيّاها صائحاً "مرحباً يا أبا الحرية".
هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر هو الشهيد رفيق رزق سلّوم، الذي كتب اسمه بماء الذهب في سجلّ الكرامة والحرية والفداء، وكان من أكثر رجالات الكفاح ضد العثمانيين مكانة وسمو منزلة ومثالية ورباطة جأش حتى وهو يقابل الموت وجهاً لوجه.
ولد الشهيد رفيق رزق سلوم في مدينة حمص سنة 1891 وما إن بلغ رفيق الخامسة من العمر، حتى أدخله والداه المدرسة الروسية التابعة للجمعية الإمبراطورية الفلسطينية في حمص، ولما رأى المطران أثناثيوس نبوغه وعبقريته أرسله إلى المدرسة الإكليريكية في دير البلمند في لبنان في عام 1904 وكان في الثالثة عشرة من عمره، حيث بقي أربع سنوات، تلقى خلالها آداب اللغة العربية وعلوم اللاهوت.
وعندما عاد إلى حمص شجعه أستاذه خالد الحكيم على متابعة دراسته فقصد بيروت والتحق بالجامعة الأميركية وهو في السابعة عشر من العمر حيث درس اللغة الإنكليزية ووضع رواية (أمراض العصر) التي كرسها لمعشوقته الحرية الحمراء، فكان لها أعظم وقع في الطبقة المثقفة النازعة إلى الحرية آنذاك.
وعند عودته إلى حمص عرّفه أستاذه /خالد الحكيم/ بالمرحوم الشهيد /عبد الحميد الزهراوي/الذي بتأثيره اتجه رفيق بنفس العام إلى الأستانة لدراسة الحقوق. وفيها أخذت عبقريته تتفتح وراح في أوقات فراغه يكتب المقالات الرائعة وينشرها في (المقتطف)،(المهذب)،(المقتبس)،(المفيد) و(حمص)، وفي مجلة (لسان العرب) التي كان يصدرها المنتدى الأدبي بالإضافة إلى تحريره في جريدة (الحضارة) لصاحبها الشهيد الزهرواي والتي كانت تصدر في الأستانة باللغة العربية. وخلال مدة إقامته هناك التي امتدت إلى عام 1914 ألّف كتابه الشهير في الاقتصاد (حياة البلاد في علم الاقتصاد) وكان أول كتاب بالعربية يتطرق إلى هذا العلم وكان قد نشر منه بعض الفصول قبل طبعه كاملاً في جريدة (الحضارة) وقد دُرس هذا الكتاب مدة طويلة في الكلية الأرثوذكسية بحمص ومدرسة سلمية الزراعية وعدة مدارس أخر.
كما وضع الشهيد رفيق رزق سلوم أيضاً كتاب (حقوق الدول) الذي نشره على حلقات في جريدة (المهذب) التي كانت تصدر في زحلة ويقع هذا الكتاب في حوالي 800 صفحة ولكنه لم يُنشر وظلّ في حوزة أهله. وكان للشهيد منظومات شعرية رائعة كتب معظمها في الأغراض الوطنية ألقيت في مناسبات قومية مختلفة، كما أولع بالموسيقا فأتقن العزف على القانون والعود والكمان والبيانو.
وكان يصرف أكثر أوقات فراغه في الكتابة والتأليف. وعند انتهائه من دراسة الحقوق عام 1914 كان الشهيد يتقن الروسية واليونانية والفرنسية والتركية والعربية.
وخلال وجوده في الأستانة تسلم رفيق رزق سلوم منصب نائب رئيس النادي الأدبي، الذي ضم مجموعة من النواب والمفكرين والطلاب العرب، ليكون مكاناً يلتقي فيه الزوّار والعرب المقيمون في الأستانة، وكان يرمي إلى ائتلافهم، وحماية حقوقهم والمطالبة باستقلالهم، وإيقاظ الأمة العربية، التي كانت تغط في سبات عميق جراء الاستعباد العثماني، الذي خَيّم عليها طوال أربعة قرون، وكان النادي يقوم بأداء تمثيليات عربية ومنها رواية (السموأل)، وكان رفيق أحد أبطالها حيث ألقى في حفل تقديمها خطاباً بحضور بعض المسؤولين الأتراك بدأه ببيتين شعريين من نظمه قال فيهما:
قبلّتُ حدّ السيف قبلة عاشق
وهتفت ياسلمى افرحي وتهللّي
إن كان في موتي حياة تُرتجى
للعُربِ أَقبل يا حمام وعجّلِ
في عام 1915 وخلال اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي شاركت فيها الدولة العثمانية انتهز جمال باشا السفاح فرصة توليه على الشام وتوسيع حكم الاستبداد في البلاد العربية وكان قائداً للقوات العثمانية فألف الديوان العرفي في عاليه، وحاكم بواسطته عدداً من القادة العرب محاكمة شكلية، وقضى بإعدامهم وكان من بين هؤلاء القادة الشهيد المناضل رفيق رزق سلوم، الذي وُشي به للسلطات التركية فألقي القبض عليه في دمشق في 27 سبتمبر/أيلول عام 1915 وسيق إلى عاليه ليلقى الشهادة، في ساحة البرج ببيروت مع مجموعة من زملائه المناضلين العرب بعد أن عانى العذابات الشديدة على يد سجانيه الأتراك في سجن عاليه كما قال في الرسالة التي كتبها إلى أهله قبل استشهاده بشهر أي في 5 نيسان 1916 ، وما تزال هذه الرسالة في حوزة ابن أخيه هلال رزق سلوم إلى الآن، وفي هذه الرسالة شرح الشهيد سلوم لأهله كيف أُلقي القبض عليه، وما قاساه في سجن عاليه، ولحظات انتظاره للإعدام، وفيها أيضاً يطلب من أهله ألا يحزنوا لموته لأنه يكره الحزن والحزانى -كما يقول- ويضيف " ثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم فأرى كل حركة من حركاتكم، ولا ترونني فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عادةً من عاداتكم".
وعن وزارة الثقافة السورية صدرت فيما بعد الأعمال الكاملة لرفيق رزق سلوم ضمن سلسلة الأعمال الكاملة، وضمت كتب المؤلف ومقالاته. وقد حقق الكتاب الأستاذ عبد الإله أحمد نبهان وأفرد مقدمة عن حياة رفيق سلوم القصيرة.
Comment