البابا يوحنا بولس الثاني
مولده ونشأته :
ولد البابا يوحنا بولس الثاني رئيس الكنيسة الكاثوليكية على مدى الـ26 عاما يوم 18 مايو 1920 في منزل متواضع ببلدة "فادوفيتش" البولندية، وكان أبوه ضابط صف في صفوف الجيش البولندي، أما أمه فقد ماتت في عام 1929 عندما كان في الثامنة من عمره .
كان البابا يوحنا بولس الثاني يحمل اسم "كارول فويتيلا" ولكنه اشتهر بلقب البابا يوحنا بولس الثاني وهو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس (1522- 1523)، كما أنه اكتسب قوة أكثر من خلال تشجيعه الحوار بين الديانات عبر سلسلة من اللقاءات وفي التقريب بين الكنائس المسيحية.
لم يكن أحد على وجه الأرض يتوقع أن يتولى ( كارول فويتيلا ) مقاليد الكنيسة الكاثوليكية لأنه لم تكن المراحل الأولى من حياته تحمل أي دلائل أو مؤشرات توليه قيادة الفاتيكان معقل المسيحية العالمية في يوم من الأيام إذ كان يحلم هذا الرجل أن يصبح ممثلا وكان في شبابه يهوى كرة القدم والتزلج وكان من عشاق المسرح وكان من أحلامه أن يصبح ممثلاً كبيراً .. الانعطافة الحاسمة في حياة فويتيلا كانت أثناء الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية .
دخوله إلى عالم الباباوية :
في 1938 انتقل "فويتيلا" إلى مدينة "كراكوف" حيث دخل جامعة "جاجلونيان، وأغلق النازيون الجامعة عندما غزوا بولندا عام 1939 ولكي يهرب الطلبة من الموت أو الترحيل اندمجوا مع السكان حيث أصبحوا عمالا، غير أنه درس للحصول على رتبة كهنوتية سرا أثناء الاحتلال حيث أُجبر على التواري عن الأنظار في عام 1944 بعد اتخاذ السلطات إجراءات صارمة في حق التعليم الديني ليصبح بعدها كاهنا بعد الحرب عام 1946 عندما كان البابا يوحنا الثالث والعشرين في السدة البطرسية .
وقد أصبح أسقفا لكراكوف عام 1963، ورقي إلى كردينال عام 1967 حيث أصبح واحدا من أبرز رجال الكنيسة المناوئين للشيوعية في بولندا خلال فترة ما بعد الحرب.
كان عام 1978 وهو العام الذي يعرف بأنه عام البابوات الثلاثة فقد توفي البابا بولس السادس عن سن الثمانين عاما في هذا العام واتخذ خلفه لنفسه اسم ( يوحنا بولس ) والذي انتُخب في يوم واحد، ولكنه بعد 33 يوما، توفي بدوره أيضا، تاركا دوائر الفاتيكان في حيرة كبيرة بسبب الوفاة الغامضة للبابا المنتخب، وثانيهما ضرورة الإسراع في تأمين انتخاب خلف له
ومرة أخرى التأم مجمع الكرادلة لانتخاب البابا في كابيلا البابا سيستوس الخامس واتفقوا بعد يومين على كارول فويتيلا ليكون الخليفة التالي للقديس بطرس.
تولى يوحنا بولص الثاني مقاليد الكنيسة الكاثوليكية في نفس العام 1978 فكان أصغر بابا في القرن العشرين حيث كان عمره آنذاك 58 عاما وجاء ذلك بعد ارتقاء سريع لسلم الكهنوت الكاثوليكي بعد أن أصبح كبير أساقفة كراكوف، رابع أكبر مدن بولندا.
تعرضه لمحاولة اغتيال :
كان البابا يوحنا بولس يحب الاقتراب من الحشود ويحب تجمع الناس والتفافهم حوله وهذا كاد أن يؤدي به إلى ملاقاة حتفه في شهر مايو عام 1981 فقد تعرض لمحاولة اغتيال عندما أُطلقت النار عليه وأصيب بجروح بليغة حيث تلقى نحو ست عشرة رصاصة في بطنه إثر محاولة اغتياله من قبل التركي محمد علي آغا وهو يطل من سيارته في ساحة القديس بطرس ولكن الجميل أنه بعد تماثله للشفاء والذي استغرق وقتا طويلا، قام البابا بزيارة الرجل الذي حاول اغتياله وسامحه في سجنه طالبا إليه أن يصلي لأجله وسارع البابا إلى اتهام الكتلة الشيوعية بتدبير محاولة اغتياله !
آراء وتصريحات تثير الانتقاد :
كان يوحنا بولس الثاني بالنسبة لمنتقديه، محافظا ومن الطراز الأول ومتشبثا برأيه، وكان لتصريحاته حول الإجهاض، وموانع الحمل والطلاق وحقوق المرأة أثر كبير على حياة الملايين من الناس وخصوصاً المسيحيين الذين يرون فيه صوت الإله وأداة إصدار الأوامر على الأرض وقد دعا البابا إلى العمل في سبيل مكافحة الفقر، كما أنه أصر على القول أن موانع الحمل غير مقبولة أخلاقيا ، وقال إنه كان يريد تحسين أوضاع النساء في حين أنه كتب أن الأمومة يجب أن تكون الطموح الطبيعي للمرأة.
الدعوة إلى السلام :
وقد وجه البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان نداء دولياً من أجل السلام، داعيا المسيحيين واليهود والمسلمين للعمل معا لإنهاء "حروب لا تنتهي في العالم" وقال يومها أمام ممثلين عن الأديان: لا يمكن لليهود والمسيحيين والمسلمين أن يقبلوا بأن يستولي الحقد على الأرض، وأن تفتك بالبشرية حروب لا نهاية لها، علينا أن نجد في داخلنا الشجاعة الكافية من أجل السلام .
وقد أبدى هذا البابا مواقف مناصرة للقضايا العربية وخصوصاً اتجاه القضية العربية الأم وهي القضية الفلسطينية حيث فتح لأول مرة أبواب حاضرة الفاتيكان عام 1981 للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهاجم بشدة الجدار العازل الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية كما كان البابا من أشد المعارضين لشن الحرب على العراق عام 2003 حيث أدان الحرب الامريكية البريطانية على العراق ودعا إلى تجنبها، وحذر من أنها ستكون هزيمة للبشرية جمعاء !
وحاول البابا تجنب وقوع الحرب مستخدماً نفوذه ومكانته على مستوى العالم حيث استضاف شخصيات سياسية بارزة مثل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ونائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز كما وجه خطابا شديداً إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أصر على الحرب رغماً عن أنف كل دول العالم وحتى البابا وحتى الأمم المتحدة !!
وبعد الحرب والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق دعا البابا يوحنا بولس الثاني إلى منح الشعب العراقي الدور الرئيسي في إعادة بناء بلاده لتعود العراق كما كانت حاضرة للشرق العربي .
زياراته للدول العربية والأجنبية :
خلال توليه للبابوية جاب يوحنا بولس الثاني العالم 27 مرة زار خلالها أكثر من 100 دولة وحول الفاتيكان لآلة لإنتاج القديسين حيث تم في عهده أكبر عدد من عمليات التقديس و"التطويب" كما أنه سيحتفظ التاريخ لهذا البابا بكونه أول بابا في التاريخ تطأ قدماه مسجدا في بلد مسلم إذ تم ذلك أثناء زيارة البابا لسوريا في مايو/أيار 2001 كما أن هذا البابا كان قد زار عام 1986 البلد العربي المغرب وخرج عشرات الآلاف لاستقباله واستمعوا لخطاب ألقاه في أكبر ملعب لكرة القدم بالمملكة كما زار لبنان من قبل عام 1997 وخرج الآلاف لاستقباله والاحتفال بقدومه كما زار عام 2000 مدينة بيت لحم في فلسطين المحتلة وقام لدى نزوله من المروحية بتقبيل عينة من التراب الفلسطيني وضعت في سلة قدمتها اليه فتاة صغيرة، وتحمل هذه البادرة التقليدية عندما يزور البابا دولة أجنبية بعدا مشبعا بالرموز كما قام باحياء قداس في ساحة المغارة امام كنيسة المهد التي شيدت في المكان الذي ولد فيه السيد المسيح قبل الفي عام، ثم قطع القداس بعد ذلك –في لفتة أشاد بها البعض وقلل من شأنها آخرون- لمدة دقيقتين تقريبا ليرفع المؤذن أذان الظهر من أحد الجوامع القريبة من ساحة المغارة ثم استؤنف بعد ان اعلن ان توقفه ليتاح للمؤذن ان يطلق دعوته الى الصلاة، ويبرهن على الاحترام المتبادل بين الديانتين المسيحية والإسلام.
وفاة البابا يوحنا بولس الثاني :
أصيب البابا بسبب تقدمه في العمر بامراض كثيرة أهمها مرضه في الجهاز التنفسي والذي أدى إلى إجرائه عدة عمليات في القصبة الهوائية كما اصيب أيضا بمرض الشلل الرعاش "باركنسون" وقد بدأت صحة البابا تتدهور في السنوات الأخيرة قبيل وفاته فقد أجريت له جراحة أزيل فيها ورم من القولون عام 1992، وأصيب بنخع في الكتف عام 1993 وكسرت عظمة فخذه عام 1994 وأزيلت الزائدة الدودية منه عام 1996. وفي عام 2001 تأكد تشخيص إصابته بمرض باركنسون.
وأجرى له في السنوات الأخيرة أكثر من عشر عمليات جراحية إلى أن أصيب بوعكة صحية تتمثل في التهاب في جهاز البول نجم عن جفاف ثم بازمة قلبية إلى أن أعلن المتحدث باسم الفاتيكان جواكين نافارو فالس أن البابا يوحنا بولس الثاني توفي عند الساعة 21,37 من مساء السبت 2-2-2005 عن عمر يناهز الرابعة والثمانين إثر نزاع طويل مع المرض .
وخدم إلى الآن خمس باباوات لمعقل الكنيس العالمي في الفاتيكان وهم : بيوس الثاني عشر ويوحنا الثالث والعشرين وبولس السادس ويوحنا بولس الاول ويوحنا بولس الثاني·
وحسب قواعد الكنيسة فان مراسم الحداد على البابا ستستمر تسعة ايام ويدفن جثمانه في سرداب اسفل كنيسة القديس بطرس.
Comment