• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس
... See more
See more
See less

ديوان شعر - نازك الملائكة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • ديوان شعر - نازك الملائكة


    نبذة حول الشاعر: نازك الملائكة
    Click image for larger version

Name:	458.jpg
Views:	1
Size:	9.6 KB
ID:	1359720

    نازك الملائكة شاعرة عراقية تمثل أحد أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث، الذي يكشف عن ثقافة عميقة الجذور بالتراث والوطن والإنسان.

    ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923 وتخرجت في دار المعلمين عام 1944، وفي عام 1949 تخرجت في معهد الفنون الجميلة "فرع العود"،
    لم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد إذ درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك درست اللغة الفرنسية والإنكليزية وأتقنت الأخيرة وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها،
    وفي عام 1959 عادت إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في أمريكا لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد،
    والتحقت عام 1954 بالبعثة العراقية إلى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن،
    وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للاطلاع على اخصب الآداب العالمية،
    فإضافة لتمرسها بالآداب الإنكليزية والفرنسية فقد اطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.

    اشتغلت بالتدريس في كلية التربية ببغداد عام 1957، وخلال عامي 59 و1960 تركت العراق لتقيم في بيروت وهناك أخذت بنشر نتاجاتها الشعرية والنقدية، ثم عادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة

    تكاد تكون نازك الملائكة رائدة للشعر الحديث، بالرغم من إن مسألة السبق في "الريادة" لم تحسم بعد بينها وبين بدر شاكر السياب،
    ولكن نازك نفسها تؤكد على تقدمها في هذا المجال عندما تذكر في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" بأنها أول من قال قصيدة الشعر الحر، وهي قصيدة "الكوليرا" عام 1947. أما الثاني -في رأيها- فهو بدر شاكر السياب في ديوانه "أزهار ذابلة" الذي نشر في كانون الأول من السنة نفسها.

    لنازك الملائكة العديد من المجاميع الشعرية والدراسات النقدية منها ما ضمها كتاب ومنها ما نشر في المجلات والصحف الأدبية،

    أما مجاميعها الشعرية فهي على التوالي:

    عاشقة الليل 1947،
    شظايا ورماد‍ 1949،
    قرار الموجة 1957،
    شجرة القمر1968،
    مأساة الحياة وأغنية الإنسان "ملحمة شعرية" 1970،
    يغير ألوانه البحر1977، وللصلاة والثورة 1978.

    ونازك الملائكة ليست شاعرة مبدعة حسب، بل ناقدة مبدعة أيضاً، فآثارها النقدية: (قضايا الشعر المعاصر1962)،
    (الصومعة والشرفة الحمراء1965)
    و(سيكولوجية الشعر 1993)
    تدل على إنها جمعت بين نوعين من النقد، نقد النقاد ونقد الشعراء أو النقد الذي يكتبه الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة. فهي الأستاذة الجامعية التي يعرفها الدرس الأكاديمي حق معرفة، وتمارسه بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي لأنها شاعرة ترى الشعر بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود.
    لذلك فنازك الناقدة، ومن خلال آثارها النقدية تستبطن النص الشعري وتستنطقه وتعيش في أجوائه ناقدة وشاعرة على حد سواء بحثاً عن أصول فنية أو تجسيداً لمقولة نقدية أو تحديداً لخصائص شعرية مشتركة.

    يريدون صلب وطني..
    ألا يعلمون أن بعد الصلب


    قيامة مجيدة

    (( وينـــك يــايسـوع وطننـا مـوجـوع
    ))




  • #2
    رد: ديوان شعر - نازك الملائكة

    خمس أغان للألم

    1

    مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ

    ساقي مآقينا كؤوسَ الأرَقْ

    نحنُ وجدناهُ على دَرْبنا

    ذاتَ صباحٍ مَطِيرْ

    ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا

    رَبْتَةَ إشفاقٍ وركنًا صغيرْ

    ينبِضُ في قلبنا

    **

    فلم يَعُد يتركُنا أو يغيبْ

    عن دَرْبنا مَرّهْ

    يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرحيبْ

    يا ليتَنا لم نَسقِهِ قَطْرهْ

    ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ

    مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ

    ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ

    2

    مِن أينَ يأتينا الأَلمْ?

    من أَينَ يأتينا?

    آخَى رؤانا من قِدَمْ

    ورَعى قوافينا

    **

    أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياهْ

    وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرهْ

    لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرهْ

    ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ

    ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا

    أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا

    **

    ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ

    أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ

    ماذا توقّعناهُ فيها? غبطةٌ ورِضًا قريرْ

    لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ

    وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ

    إنّا نحبّك يا ألمْ

    **

    من أينَ يأتينا الألم?

    من أين يأتينا?

    آخى رؤانا من قِدَمْ

    ورَعَى قوافينا

    إنّا له عَطَشٌ وفَمْ

    يحيا ويَسْقينا

    3

    أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ?

    نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ? أو أمْسِيهْ

    نشغُلُهُ? نُقْنعهُ بلعبةٍ? بأغنيهْ?

    بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ?

    **

    ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ?

    طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ

    تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ

    وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ

    **

    يا أصبعًا أهدى لنا الدموع والنَّدَمْ

    مَن غيرهُ أغلقَ في وجه أسانا قلبَهُ

    ثم أتانا باكيًا يسألُ أن نُحبّهُ?

    ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ?

    **

    هذا الصغيرُ... إنّه أبرَأ مَنْ ظَلَمْ

    عدوّنا المحبّ أو صديقنا اللدودْ

    يا طَعْنةً تريدُ أن نمنحَها خُدودْ

    دون اختلاجٍ عاتبٍ ودونما ألمْ

    **

    يا طفلَنا الصغيرَ سَامحْنا يدًا وفَمْ

    تحفِرُ في عُيوننا معابرًا للأدمعِ

    وتَسْتَثيرُ جُرْحَنا في موضعٍ وموضعِ

    إنّا غَفَرْنا الذنبَ والإيذاء من قِدَمْ

    4

    كيف ننسىَ الألَمْ

    كيف ننساهُ?

    من يُضيءُ لنا

    ليلَ ذكراهُ?

    سوف نشربُهُ سوف نأكلُهُ

    وسنقفو شُرودَ خُطَاه

    وإذا نِمنا كان هيكلُهُ

    هو آخرَ شيءٍ نَرَاهْ

    **

    وملامحُهُ هي أوّلَ ما

    سوف نُبْصرُهُ في الصباحْ

    وسنحملُهُ مَعَنا حيثُما

    حملتنا المُنى والجراحْ

    **

    سنُبيحُ له أن يُقيم السُّدودْ

    بين أشواقنا والقَمَرْ

    بين حُرْقتنا وغديرٍ بَرُودْ

    بين أعيننا والنَّظَرْ

    **

    وسنسمح أن يَنْشُر البَلْوى

    والأسَى في مآقينا

    وسنُؤْويه في ثِنْيةٍ نَشْوَى

    من ضلوع أغانينا

    **

    وأخيرًا ستجرفُهُ الوديانْ

    ويوسّدُهُ الصُّبَّيْر

    وسيهبِطُ واديَنَا النسيان

    يا أسانا, مساءَ الخَيْرْ!

    **

    سوف ننسى الألم

    سوف ننساهُ

    إنّنا بالرضا

    قد سقيناهُ

    5

    نحن توّجناكَ في تهويمةِ الفجْرِ إلهَا

    وعلى مذبحكَ الفضيّ مرّغْنَا الجِبَاهَا

    يا هَوانا يا ألَمْ

    ومن الكَتّانِ والسِّمْسِمِ أحرقنا بخورَا

    ثمّ قَدّمْنا القرابينَ ورتّلْنَا سُطورَا

    بابليَّاتِ النَّغَمْ

    **

    نحنُ شَيّدنا لكَ المعبَدَ جُدرانًا شَذيّهْ

    ورَششنا أرضَهُ بالزَّيتِ والخمرِ النَّقيَّهْ

    والدموع المُحرِقهْ

    نحن أشعلنا لكَ النيرانَ من سَعف النخيلِ

    وأسانا وَهشيم القمح في ليلٍ طويلِ

    بشفاهٍ مُطْبَقَهْ

    **

    نحنُ رتّلْنَا ونادَيْنا وقدّمْنا النذورْ:

    بَلَحٌ من بابلِ السَّكْرَى وخُبْزٌ وخمورْ

    وورودٌ فَرِحَهْ

    ثمّ صلّينا لعينيك وقرّبنا ضحيّهْ

    وجَمَعْنا قطَراتِ الأدمُعِ الحرّى السخيّهْ

    وَصنَعْنا مَسْبَحَهْ

    **

    أنتَ يا مَنْ كفُّهُ أعطتْ لحونًا وأغاني

    يا دموعًا تمنحُ الحكمةَ, يا نبْعَ معانِ

    يا ثَرَاءً وخُصوبَهْ

    يا حنانًا قاسيًا يا نقمةً تقطُرُ رحْمَه

    نحنُ خبّأناكَ في أحلامنا في كلّ نغْمهْ

    من أغانينا الكئيبهْ
    يريدون صلب وطني..
    ألا يعلمون أن بعد الصلب


    قيامة مجيدة

    (( وينـــك يــايسـوع وطننـا مـوجـوع
    ))



    Comment


    • #3
      رد: ديوان شعر - نازك الملائكة

      النهر العاشق

      أين نمضي? إنه يعدو إلينا

      راكضًا عبْرَ حقول القمْح لا يَلْوي خطاهُ

      باسطًا, في لمعة الفجر, ذراعَيْهِ إلينا

      طافرًا, كالريحِ, نشوانَ يداهُ

      سوف تلقانا وتَطْوي رُعْبَنا أنَّى مَشَيْنا

      **

      إنه يعدو ويعدو

      وهو يجتازُ بلا صوتٍ قُرَانا

      ماؤه البنيّ يجتاحُ ولا يَلْويه سَدّ

      إنه يتبعُنا لهفانَ أن يَطْوي صبانا

      في ذراعَيْهِ ويَسْقينا الحنانا

      **

      لم يَزَلْ يتبعُنا مُبْتسمًا بسمةَ حبِّ

      قدماهُ الرّطبتانِ

      تركتْ آثارَها الحمراءَ في كلّ مكانِ

      إنه قد عاث في شرقٍ وغربِ

      في حنانِ

      **

      أين نعدو وهو قد لفّ يدَيهِ

      حولَ أكتافِ المدينهْ?

      إنه يعمَلُ في بطءٍ وحَزْمٍ وسكينهْ

      ساكبًا من شفَتَيْهِ

      قُبَلاً طينيّةً غطّتْ مراعيْنا الحزينهْ

      **

      ذلكَ العاشقُ, إنَّا قد عرفناهُ قديما

      إنه لا ينتهي من زحفِهِ نحو رُبانا

      وله نحنُ بنَيْنا, وله شِدْنا قُرَانا

      إنه زائرُنا المألوفُ ما زالَ كريما

      كلَّ عامٍ ينزلُ الوادي ويأتي للِقانا

      **

      نحن أفرغنا له أكواخنا في جُنْح ليلِ

      وسنؤويهِ ونمضي

      إنه يتبعُنا في كل أرضِ

      وله نحنُ نصلّي

      وله نُفْرِغُ شكوانا من العيشِ المملِّ

      **

      إنه الآن إلهُ

      أو لم تَغْسِل مبانينا عليه قَدَمَيْها?

      إنه يعلو ويُلْقي كنزَهُ بين يَدَيها

      إنه يمنحُنا الطينَ وموتًا لا نراهُ

      من لنا الآنَ سواهُ?




      يريدون صلب وطني..
      ألا يعلمون أن بعد الصلب


      قيامة مجيدة

      (( وينـــك يــايسـوع وطننـا مـوجـوع
      ))



      Comment


      • #4
        رد: ديوان شعر - نازك الملائكة

        شجرة القمر

        1

        على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ

        وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ

        وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ

        وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ

        هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ

        إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ

        ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ

        ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

        وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ

        وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ

        وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ

        ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ

        وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ

        يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ

        ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ

        وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ

        وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ

        على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ

        وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا

        أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

        2

        وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ

        خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ

        وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ

        وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ

        وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ

        وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ

        وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ

        ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ

        وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما

        على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما

        ... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ

        وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ

        وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ

        بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ

        وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ

        أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?

        وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ

        وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ

        3

        وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ

        وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"

        "وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"

        "وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"

        ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"

        فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"

        "مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"

        "وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"

        "مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"

        "وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"

        "يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"

        "ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"

        "ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"

        "ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"

        ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ

        فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ

        وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ

        ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ

        وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ

        ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"

        وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ

        إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ

        وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ

        وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ

        وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ

        ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ

        وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"

        فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"

        4

        وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ

        ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"

        وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ

        فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ

        وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ

        ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ

        ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ

        وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ

        ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ

        ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور

        وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?

        ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?

        وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ

        وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?

        ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ

        تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ

        وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ

        ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?

        وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ

        بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ

        5

        وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ

        وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ

        تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ

        فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!

        فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ

        وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ

        جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ

        وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ

        ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ

        وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ

        وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?

        ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?

        وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ

        عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?

        أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ

        وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?

        أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?

        وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?

        أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها

        سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها

        لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ

        وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي

        6

        وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ

        يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ

        يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ

        يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ

        ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ

        ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ

        وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ

        يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ

        وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ

        فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!

        هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ

        تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ

        هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ

        جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ

        رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ

        وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ

        وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ

        وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ

        وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ

        لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ

        وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ

        فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ

        فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ

        سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?

        وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ

        جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ

        7

        ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون

        حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون

        وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ

        وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ

        وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ

        وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ

        يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ

        وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ

        وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ

        يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ


        يريدون صلب وطني..
        ألا يعلمون أن بعد الصلب


        قيامة مجيدة

        (( وينـــك يــايسـوع وطننـا مـوجـوع
        ))



        Comment

        Working...
        X