الصيد العجائبي
قصيدة كتبها المطران غريغوار حداد
"بدوني لا تستطيعون شيئًا" (يوحنّا 5:15)
"إتبعوني فأجعلكم صيّادي الناس للخلاص" (مرقس 16:1)
قصيدة كتبها المطران غريغوار حداد
"بدوني لا تستطيعون شيئًا" (يوحنّا 5:15)
"إتبعوني فأجعلكم صيّادي الناس للخلاص" (مرقس 16:1)
وفي ذلك الزمان المستريح بجلبابه الأقدس الفستقي
على بحر "كنّارة" الوحي طافت عيون عطاش على الزورق
هو الليل رغدٌ وعرس السماءِ مع الماء: رهج السنى الأزرق
وما بالفضا غير سري السكون ورجع صدى الصمت في الأفق
وتطفو الأماني على زورقٍ وتغطس في شبكٍ أشوقِ
تمرُّ الشباك ببال الظلامِ مرور انتفاضةِ طفلٍ شقيّ
همُ منذ أمسٍ أصيلا جهودٌ وعزمٌ يشقّون صدر المياه
فرأد العشيّةِ اغنيةٌ يهيمنها أملٌ وصلاه
صلاةٌ إلى رازقِ الكائنات تتمتمها ظامئاتُ الشفاه
وينبثق العزم من نغمٍ ومن ثقةٍ بهبات الإله
فتطفو الجهود على زورقٍ وتغطس في شبكٍ أشوقِ
تمرُّ الشباك ببال الظلامِ مرورَ انتفاضةِ طفلٍ شقيّ
لمَ الإمتناعُ ورفضُ الجوابِ من البحرةِ الحلوةِ الإفترارْ؟
فجرٌ حميمٌ وكلّ الطبيعةِ عرضٌ ووعدٌ... ومثلُ انتظارْ
وصفو المياه غنًى مترفٌ يحثّ الجهود ويدعو الحوار!
لمَ الصمت والشبك المستبيحُ سؤالاتُ أيدٍ كواها الأوار؟!
ويطفو التضرّع في زورقٍ ويغطس في شبكٍ أشوقِ
على بحرة الوجد كلّت أيادٍ وطلتْ عيونٌ من الأفق
ومات النشيدُ رويدًا رويدًا على فمِ صادة "بيت صدا"
وغاضتْ صلاةُ التعلات يأسًا وحقدًا لسفحِ الوعود سدى
فلملم كلّ أخٍ جهدهُ وآماله واستفاق الصدى
مريرًا يجدّفُ وجه الصباحِ ووجه المياه ووجه المدى
وفاضت بقعر السفين الشباكُ دموعَ انتحابةِ طفل شقيّ
هوا الصبح رغدٌ وعرس السماء مع الماء رهج سنى فستقي
لدى شاطئ البحر المستفيق على انمل السَحَرِ الساحرِ
وبين ارتجاف الضياءِ النحيلِ خيالٌ كَمِنْ عالمٍ آخر
أصيادُ سعدٍ حبتهُ المياهُ؟ ولكنّها مشيةُ الفاكر،
تمهَّل... لا عن ضنًى، فكأنَّ خُطاه انتظارُ فتًى عابر،
كأن الزمان المخفَّ استراح بجلبابه الأقدس الفستقي
وأن خطاه حفيف دعاء ورجع صداه على الزورق
وقفَ السائرُ الغريب وأومى نحوهم فالقلوب وجفٌ وخفقُ
وتعالت في هداة الفجر أناتُ نداءٍ يسبي النُّهى ويشقُّ
عرفوه!... "يا ربُّ هيّا إلينا أين أليلتَ يا ضياءٌ وشرق؟
"قد تعبنا يا ربّ كلَّ ظلامِ الليل نشقى لوحدنا، وندقّ.
"كم قرعنا فما أجاب انفتاحٌ وسألنا وما عطاءٌ يرق"
واعتلى الزورق الهزوجَ، جبينًا ساطعًا، فالضيا شعاعُ جبينهْ
وتلاشى موجُ التذمّر والشّك خضوعًا على شواطي عيونهْ
وتملّى منه الفؤاد المعنَّى فاضمحلتْ للحالِ باقي شجونه
... قبل أن تفتح الفمَ المتاني حكمةُ الكون وانعتاقُ جنونه،
قبل أن ترسمَ الإشارةَ يُمناه ويسري الإيعازُ بين جفونه،
قال: "ألقوا الشباك للصيد يمينًا يا عجب قولٍ... وريبه
"قد تعبنا الليل الطويل ولم نصطدْ سوى خيبةٍ على إثر خيبه
" أو ما البحرُ عاقرٌ، وحقول الماءِ قحلٌ، مذ يمزُقٌ الصبحُ جيبه؟
"إنما قلَ فالكيان امتثالٌ: يُخصب الغمرَ من يكوِّن غيبه."
أنصت الموجُ، والقلوب اقشعرّتْ وعرا الجوَّ وجمُ قدسٍ وهيبه
ومرّت ببال الصباح شباك مرور ارتقاصة طفل شقيّ
وطافت عيونُ عطاش وغابت مع الشبك النَّهم الأشوق
وكان العُجاب العَجبْ فيا لمحة كالكذابْ
قشعريرةٌ كاللهب سرت بالمياه العِذاب
ونهر لُجينٍ جرى في البحيرةِ يملأ فراغَ الشباكِ المريرْ
وكاد الشراعُ يغور فجاءت سواعد أُخرى تَقلُّ الخيور
وصفّقَ موجَ اللجبْ ورشَّ الفضاءَ حَبابْ
وصكّ الذهولُ الركبْ وهزَّ الجميعَ اضطراب
فجثا بطرسٌ يقول: "إلهي أنا عبدٌ خاطٍ، تباعدْ عنّي"
وجثوا يقرعونَ أصدرهم خوفًا ووجفا، وتوبةَ المتجنّي
ويسوعٌ، في مَبثِقِ الصبح، صبحٌ يتجلّى، وروعة في تمني
قوّةُ الرب رأفة الأمِّ تحنو، تُغدقُ العفوَ والقِوى في تأنّي
قال: "قوموا غلى المجاذيف للعبر وخلّو الاسماع تقرب مني"
باطلاً يتعب البناةُ إذا لم يبنهِ الآبُ، لا يقوم البناءُ،
باطلاً تُحرسُ المدينةُ إن لم يحفظِ الآب، فالسهاد هباء،
باطلاً يسهرُ الدجى صائدو الأسماكِ يحدو التمنيّاتِ رجاء
إن تغاضى الآب الحبيبُ عن الردِّ، تغاضى عن العطاء العطاء،
ويمرُّ الليل البهيم بهيما، هزهزته النَّعمى أَمِ الأنواء،
هبةُ الآب مأكلُ الطائرِ المسكين، لم يزرعِ البراريَ حبّا،
هبة الآب بُردّة الزنبق المياسِ، لا حاكها ولا الغزلَ كبا،
هبة الآب ضَمّةُ الشبكِ المشتاقِ، مهما فلّى المياهَ وغبا،
هبة الآب حصدةَ الأنفسِ العطشى تَرجى حُبًّا وتنشد ربّا...
إن تغاضى، فالكون جوعٌ وعريٌ، وشباكُ الصيّاد تنشقّ جدبا
إن تغاضى، فالكونُ جوعٌ وعريٌ وشباك الصياد تنشق جدبا!!
إنّما، سَهرةُ الليالي جزافًا، في صلاةٍ حَرَّى بقربِ الآبِ
بذَرات مُثلى لصبحِ غدٍ، تنمو فتحبو الأضعافَ دون حسابِ:
كلّ سُؤالٍ يُعطى، وكلّ سؤالٍ يتلقّى أقصى وأوفى صواب!
كل جهد يُحصى، فيربى ويُربي كخميرٍ، من عجنة الوهاب!
لا هباء،
لا خيبةٌ،
لا قنوطٌ،
ملكوت السماء ردّ جواب!"
وفي ذلك الزمن المستريح بجلبابه الأقدس الفستقي
على شاطئ البحرة المستحمِّ بنور الضحى المُترع الشيّق
رسا زورقٌ. وآفاق التلاميذ من نشوة العالم الأزرق.
فقال يسوع: "دعوا كل شيءٍ وهيّا اتبعوني مدى الطرق
نجوب ونزرع وعدَ الشباكِ لكُمْ، للغد الصائد الأشوق
تصيدون ناسًا لأجل الخلاص إلى ملكوت السما المشرق".
نحن، ربّي، أبناءُ صادتكَ الأبطالِ، نهوى العلى ونهوى الجهود
إنّما نرهب الحياةَ هباءً والليالي السهداءَ بخلا صديدا
عدمٌ كلّها العوالم إن لم تَبسُط الكفَّ خالقًا ومخُريدا
عدمٌ سعينا بدونكَ فامنحنا وأكثرْ، حقًّا وقُدسًا وجودا
إن أردتَ الحياة قحلا، فلبيّكَ، إلهي، وإن أردتَ مزيدا
ربّ، هذي حياتُنا، طوعُ ماشئتَ، فَخذها ذبيحةً... ووقودا.
منقول من الموقع
http://gregoirehaddad.com
على بحر "كنّارة" الوحي طافت عيون عطاش على الزورق
هو الليل رغدٌ وعرس السماءِ مع الماء: رهج السنى الأزرق
وما بالفضا غير سري السكون ورجع صدى الصمت في الأفق
وتطفو الأماني على زورقٍ وتغطس في شبكٍ أشوقِ
تمرُّ الشباك ببال الظلامِ مرور انتفاضةِ طفلٍ شقيّ
همُ منذ أمسٍ أصيلا جهودٌ وعزمٌ يشقّون صدر المياه
فرأد العشيّةِ اغنيةٌ يهيمنها أملٌ وصلاه
صلاةٌ إلى رازقِ الكائنات تتمتمها ظامئاتُ الشفاه
وينبثق العزم من نغمٍ ومن ثقةٍ بهبات الإله
فتطفو الجهود على زورقٍ وتغطس في شبكٍ أشوقِ
تمرُّ الشباك ببال الظلامِ مرورَ انتفاضةِ طفلٍ شقيّ
لمَ الإمتناعُ ورفضُ الجوابِ من البحرةِ الحلوةِ الإفترارْ؟
فجرٌ حميمٌ وكلّ الطبيعةِ عرضٌ ووعدٌ... ومثلُ انتظارْ
وصفو المياه غنًى مترفٌ يحثّ الجهود ويدعو الحوار!
لمَ الصمت والشبك المستبيحُ سؤالاتُ أيدٍ كواها الأوار؟!
ويطفو التضرّع في زورقٍ ويغطس في شبكٍ أشوقِ
على بحرة الوجد كلّت أيادٍ وطلتْ عيونٌ من الأفق
ومات النشيدُ رويدًا رويدًا على فمِ صادة "بيت صدا"
وغاضتْ صلاةُ التعلات يأسًا وحقدًا لسفحِ الوعود سدى
فلملم كلّ أخٍ جهدهُ وآماله واستفاق الصدى
مريرًا يجدّفُ وجه الصباحِ ووجه المياه ووجه المدى
وفاضت بقعر السفين الشباكُ دموعَ انتحابةِ طفل شقيّ
هوا الصبح رغدٌ وعرس السماء مع الماء رهج سنى فستقي
لدى شاطئ البحر المستفيق على انمل السَحَرِ الساحرِ
وبين ارتجاف الضياءِ النحيلِ خيالٌ كَمِنْ عالمٍ آخر
أصيادُ سعدٍ حبتهُ المياهُ؟ ولكنّها مشيةُ الفاكر،
تمهَّل... لا عن ضنًى، فكأنَّ خُطاه انتظارُ فتًى عابر،
كأن الزمان المخفَّ استراح بجلبابه الأقدس الفستقي
وأن خطاه حفيف دعاء ورجع صداه على الزورق
وقفَ السائرُ الغريب وأومى نحوهم فالقلوب وجفٌ وخفقُ
وتعالت في هداة الفجر أناتُ نداءٍ يسبي النُّهى ويشقُّ
عرفوه!... "يا ربُّ هيّا إلينا أين أليلتَ يا ضياءٌ وشرق؟
"قد تعبنا يا ربّ كلَّ ظلامِ الليل نشقى لوحدنا، وندقّ.
"كم قرعنا فما أجاب انفتاحٌ وسألنا وما عطاءٌ يرق"
واعتلى الزورق الهزوجَ، جبينًا ساطعًا، فالضيا شعاعُ جبينهْ
وتلاشى موجُ التذمّر والشّك خضوعًا على شواطي عيونهْ
وتملّى منه الفؤاد المعنَّى فاضمحلتْ للحالِ باقي شجونه
... قبل أن تفتح الفمَ المتاني حكمةُ الكون وانعتاقُ جنونه،
قبل أن ترسمَ الإشارةَ يُمناه ويسري الإيعازُ بين جفونه،
قال: "ألقوا الشباك للصيد يمينًا يا عجب قولٍ... وريبه
"قد تعبنا الليل الطويل ولم نصطدْ سوى خيبةٍ على إثر خيبه
" أو ما البحرُ عاقرٌ، وحقول الماءِ قحلٌ، مذ يمزُقٌ الصبحُ جيبه؟
"إنما قلَ فالكيان امتثالٌ: يُخصب الغمرَ من يكوِّن غيبه."
أنصت الموجُ، والقلوب اقشعرّتْ وعرا الجوَّ وجمُ قدسٍ وهيبه
ومرّت ببال الصباح شباك مرور ارتقاصة طفل شقيّ
وطافت عيونُ عطاش وغابت مع الشبك النَّهم الأشوق
وكان العُجاب العَجبْ فيا لمحة كالكذابْ
قشعريرةٌ كاللهب سرت بالمياه العِذاب
ونهر لُجينٍ جرى في البحيرةِ يملأ فراغَ الشباكِ المريرْ
وكاد الشراعُ يغور فجاءت سواعد أُخرى تَقلُّ الخيور
وصفّقَ موجَ اللجبْ ورشَّ الفضاءَ حَبابْ
وصكّ الذهولُ الركبْ وهزَّ الجميعَ اضطراب
فجثا بطرسٌ يقول: "إلهي أنا عبدٌ خاطٍ، تباعدْ عنّي"
وجثوا يقرعونَ أصدرهم خوفًا ووجفا، وتوبةَ المتجنّي
ويسوعٌ، في مَبثِقِ الصبح، صبحٌ يتجلّى، وروعة في تمني
قوّةُ الرب رأفة الأمِّ تحنو، تُغدقُ العفوَ والقِوى في تأنّي
قال: "قوموا غلى المجاذيف للعبر وخلّو الاسماع تقرب مني"
باطلاً يتعب البناةُ إذا لم يبنهِ الآبُ، لا يقوم البناءُ،
باطلاً تُحرسُ المدينةُ إن لم يحفظِ الآب، فالسهاد هباء،
باطلاً يسهرُ الدجى صائدو الأسماكِ يحدو التمنيّاتِ رجاء
إن تغاضى الآب الحبيبُ عن الردِّ، تغاضى عن العطاء العطاء،
ويمرُّ الليل البهيم بهيما، هزهزته النَّعمى أَمِ الأنواء،
هبةُ الآب مأكلُ الطائرِ المسكين، لم يزرعِ البراريَ حبّا،
هبة الآب بُردّة الزنبق المياسِ، لا حاكها ولا الغزلَ كبا،
هبة الآب ضَمّةُ الشبكِ المشتاقِ، مهما فلّى المياهَ وغبا،
هبة الآب حصدةَ الأنفسِ العطشى تَرجى حُبًّا وتنشد ربّا...
إن تغاضى، فالكون جوعٌ وعريٌ، وشباكُ الصيّاد تنشقّ جدبا
إن تغاضى، فالكونُ جوعٌ وعريٌ وشباك الصياد تنشق جدبا!!
إنّما، سَهرةُ الليالي جزافًا، في صلاةٍ حَرَّى بقربِ الآبِ
بذَرات مُثلى لصبحِ غدٍ، تنمو فتحبو الأضعافَ دون حسابِ:
كلّ سُؤالٍ يُعطى، وكلّ سؤالٍ يتلقّى أقصى وأوفى صواب!
كل جهد يُحصى، فيربى ويُربي كخميرٍ، من عجنة الوهاب!
لا هباء،
لا خيبةٌ،
لا قنوطٌ،
ملكوت السماء ردّ جواب!"
وفي ذلك الزمن المستريح بجلبابه الأقدس الفستقي
على شاطئ البحرة المستحمِّ بنور الضحى المُترع الشيّق
رسا زورقٌ. وآفاق التلاميذ من نشوة العالم الأزرق.
فقال يسوع: "دعوا كل شيءٍ وهيّا اتبعوني مدى الطرق
نجوب ونزرع وعدَ الشباكِ لكُمْ، للغد الصائد الأشوق
تصيدون ناسًا لأجل الخلاص إلى ملكوت السما المشرق".
نحن، ربّي، أبناءُ صادتكَ الأبطالِ، نهوى العلى ونهوى الجهود
إنّما نرهب الحياةَ هباءً والليالي السهداءَ بخلا صديدا
عدمٌ كلّها العوالم إن لم تَبسُط الكفَّ خالقًا ومخُريدا
عدمٌ سعينا بدونكَ فامنحنا وأكثرْ، حقًّا وقُدسًا وجودا
إن أردتَ الحياة قحلا، فلبيّكَ، إلهي، وإن أردتَ مزيدا
ربّ، هذي حياتُنا، طوعُ ماشئتَ، فَخذها ذبيحةً... ووقودا.
منقول من الموقع
http://gregoirehaddad.com
Comment