بما ان الكثيرين بهذه الايام يقولون شعره بحثت عن تفاصيل حياته و احب ان اشارك من يحب بالتعرف عليه
شاعر التمرد على الاستبداد و الظلم ، برغم من حياته القصيرة لكن ابياته تتردد بكل المدارس العربية
ولد أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن إبراهيم الشابي، في مارس 1909، وهذا التاريخ لميلاده هو المرجح حتى الآن، وهو محل خلاف بين بعض الباحثين وكانت ولادته في بلدة "الشابية"، إحدى ضواحي مدينة "توزر" كبرى بلاد الجريد في الجنوب التونسي.
وهي بلاد جميلة فاتنة، لِما حوته من مناظر طبيعية رائعة. فهي واقعة بين بساتين البرتقال، ووسط واحات شاسعة من شجر النخيل، ومن حولها عيون ذات ماء زاخر عذب. وإلى الجنوب الغربي من ذلك تمتد الصحراء ذات الرمال الذهبية الحمراء، ومن الجنوب الشرقي فالغربي يبدو شط الجريد بمائه الهادئ العميق، فيتراءى للنظار كبحيرة حالمة بآمال الأجيال وأحداث السنين. في هذه المنطقة من الأراضي التونسية الساحرة، التي كان لها "بجمالها وفتنتها"، أثر بعيد المدى في شاعريته نشأ الشابي وترعرع. وقد تحدث عنها الشاعر بشوق بالغ وحنين فياض في قصيدته "الجنة الضائعة". ولئن انتقل بعد ذلك، إلى أن مدن كثيرة من القطر التونسي مرافقاً لأبيه، فإن آثارها بقيت حية في نفسه، يتغنى بها في أشعاره وقصائده ..
بدأ الشاعر (أبو القاسم الشابّي) رحلة الأدب، فقرأ (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، و (صبح الأعشى) للقلقشندي، و (كتاب الصناعتين) لأبي هلال العسكري، و (العمدة) لابن الرشيق القيرواني، و (الأماليّ) لأبيّ عليّ القالي، و (المثل السائر) لابن الأثير، و (الكامل) للمبرّد، و (نفح الطيب) للمقريّ. وكان ولوعاً بالقواميس، وبخاصة (لسان العرب) لابن منظور، و (القاموس المحيط) للفيروز آبادي. كما اطلع على شعراء العربية قديمهم وحديثهم، وكان يتقرب من شعر (المعري) و (ابن الفارض) وأُعجب من شعراء المهجر بشعر (جبران خليل جبران).كما كان (الشابّي) متأثراً أو ميالاً إلى الحركة الرومانسية في الأدب العالمي, ومنذ دخول الشاعر (الشابّي) جامعة الزيتونة، برزت نزعته الإصلاحية. فقد برز في حركة الطلبة المطالبة بالإصلاح الإداري والتعليمي.
لقد ترك (الشابّي)، العديد من الأعمال الشعرية والدراسات التي تناولت نظرية نقد الشعر،ولم ينشر ديوانه، إلاّ بعد وفاته بأربعة وعشرين عاما، والذي اختار له عنوان (أغاني الحياة).و لم يقف انتشار شعره عند حدود الوطن العربي في مشرقه ومغربه بل تجاوزه إلى أفق العالمية.
و في غرّة فيفري 1929 القى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشّعري عند العرب" (...) وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كلّ البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس واتّضح، من خلال سعيه إلى تحديد تصوّره الشّعر وإلى بلورة رؤية شعريّة، أنّه ناقد على ثقة بنفسه وإن لقي صعوبة في إقناع سامعيه الذين صدمهم أكثر ممّا استمالهم.
وفي عام /1929/ وبعد سنة من وفاة والده. أُصيب الشابّي بداء تضخم القلب، الذي قاده سريعاً إلى حتفه،ووصل إلى تونس العاصمة يوم 26 أوت 1934 ودخل يوم 3 أكتوبر 1934 المستشفى الإيطالي بتونس [مستشفى الحبيب ثامر]، وفيه توفي بعد بضعة أيّام، يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1934 ساعة الفجر .و بعد ثمان سنوات نقل رفاته إلى توزرحيث دفن في "ضريح الشابّي " وذلك في عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف.
دواوينه : أشهر دواوينه ديوان أغاني الحياة
اعتزم الشابي نشر شعره منذ عام 1929. فعندما نُشر كتابه "الخيال الشعري" عند العرب، أعلن في صفحة غلافه الأخيرة، عن قرب صدور ديوانه "أغاني الحياة". الذي يبدو أن نشرة لم يتم لأسباب قد تكون مادية. ولكن بعد ذلك بأربع سنوات ظهرت إعلانات متتالية عن قرب صدور الديوان، في مجلة "أبولو" المصرية، ومجلة "العالم الأدبي" التونسية. وقد فتح باب الاشتراك في الديوان أمام القراء، مما يدل على أن حالة الشاعر المادية، كانت لا تكفي وحدها لطبع الديوان.
وكان الشاعر قد اختار لديوانه عنوان "أغاني الحياة"، واعتزم طبعه في مصر تحت إشراف وبتقديم صديقه الدكتور أحمد زكي أبي شادي، ولكن الموت عاجله قبيل تحقيق أمنيته بساعات معدودات، فقد قيل إن الشاعر كان ينوي إرسال مخطوطة الديوان بالبريد صبيحة اليوم، الذي توفي في فجره. ومنذ أن مات الشابي عام 1934، والقراء عامة والأدباء خاصة يترقبون صدور الديوان، الذي لم يتح له أن يظهر إلاّ في عام 1955، أي بعد واحد وعشرين عاماً. وعندما ظهر الديوان لاحظ أصدقاء الشابي والمتفرغون لبحث أدبه، أو حياته، أنه جاء خالياً من جميع الميزات الضرورية لطبع أي ديوان، فضلاً عن مميزات أخرى كانت موجودة في مخطوطة الديوان، فاستبعدت لأسباب كانت مجهولة.
ولعل أهم ما افتُقد في طبعة الديوان هو تاريخ القصائد، وقد كانت كل قصيدة في مخطوطة الديوان، مرقمة بتاريخ هجري، يشمل العام والشهر واليوم، وأحياناً بملحوظات أخرى.
وليس التاريخ والترتيب وحدهما المفقودين في طبعة الديوان، بل طريقة إخراجه التي تلفت النظر وتثير الاستغراب، فعلى الرغم من تسمية الديوان بـ"أغاني الحياة" فإن الرسوم التي وضعت على غلافه لا توحي بأي معنى من معاني الحياة، فالعنكبوت، والجمجمة المعلقة، وغصن الشجرة المتكسر، واليد المقطوعة، ومظاهر العدم والفناء الأخرى البارزة في الغلاف … كلها لا ترمز قط، في أي مذهب من مذاهب الفن، إلى الحياة الدافقة، والشباب الجسور، اللذين يملآن قصائد الديوان، ويوحي بهما عنوانه بوجه خاص.
وعلى كلٍ، فإن ديوان الشابي وهو أهم مصدر لدراسة حياته، وهو إلى ذلك أمجد أثر وأعزه من آثاره، وخير وأعمق ما يدل عن عبقريته ونبوغه، جاءت طبيعية الأولى مشوهة مما حرم الباحثين والقراء من طبعة علمية دقيقة، من شأنها ـ لو ظهرت ـ أن تسهم إلى حد بعيد في رفع شأن الشابي، وتقدير شاعريته التقدير المنهجي الصحيح.
بعض من قصائده الشهيرة
إلى طغاة العالم
ألا أيها الظالم المستبد ******* حبيب الظلام عدو الحياه
سخرت بأنّات شعب ضعيف ******* و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود ******* و تبذر شوك الأسى في رباه
رويدك لا يخدعنْك الربيع ******* و صحو الفضاء و ضوء الصباح
ففي الأفق الرحب هول الظلام ******* و قصف الرعود و عصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب ******* و من يبذر الشوك يجن الجراح
تأمل هنالك أنّى حصدت ******* رؤوس الورى و زهور الأمل
و رويّت بالدم قلب التراب ******* وأشربته الدمع حتى ثمل
سيجرفك السيل سيل الدماء ******* و يأكلك العاصف المشتعل
إرادة الحياة
إذا الشَّعْـبُ يـومـاً أرادَ الحيـاةَ ******* فـلا بُـدَّ أنْ يَسْتَجيـبَ القـدرْ
ولا بُـدَّ للَّيْــلِ أنْ ينجلـــي ******* ولا بُـدَّ للقيــدِ أن يَنْكَسِــرْ
وَمَنْ لـم يعانقْـهُ شَـوْقُ الحيـاةِ ******* تَبَخَّـرَ فِـي جَوِّهـا، وانـدَثَـرْ
فويلٌ لِمَـنْ لَـمْ تَشُقْـهُ الحيـاةُ ******* مـن صَفْعَـةِ العَـدَمِ الـمنتصـرْ
كـذلك قالـتْ لـيَ الكائنـاتُ ******* وحـدَّثَنِـي رُوحُهَـا الـمُستَتِـرْ
وَدَمْدَمَتِ الرِّيـحُ بيـن الفِجـاجِ ******* وفوقَ الجبـالِ وَتَحْـتَ الشَّجـرْ
إذا مـا طَمحْـتُ إلـى غَـايـةٍ ******* رَكبِتُ المنـى ، وَنَسِيـتُ الحَـذرْ
ولـم أتجنَّـبْ وُعُـورَ الشِّعـابِ ******* ولا كُـبَّـةَ اللّهَـبِ المُستَعِــرْ
وَمَنْ لا يـحبُّ صُعُـودَ الجبـالِ ******* يَعِشْ أبَـدَ الدَّهْـرِ بيـنَ الحُفَـرْ
فَعَجَّتْ بقلبـي دمـاءُ الشَّبـابِ ******* وضجَّت بصـدري ريـاحٌ أُخَـرْ
وأطرقتُ ، أُصغي لقصفِ الرُّعـودِ ******* وعزفِ الرّيـاحِ ، وَوَقْـعِ المَطَـرْ
وَقَالتْ ليَ الأرضُ ، لـما سألـتُ ******* أيـا أمُّ هـل تكرهيـنَ البَشَـرْ ؟
أُباركُ في النَّـاسِ أهـلَ الطُّمـوحِ ******* ومَـنْ يَسْتَلِـذُّ ركـوبَ الخطـرْ
وألْعـنُ مَـنْ لا يماشـي الزَّمـانَ ******* ويقنـعُ بالعيْـشِ عيـشِ الحجـرْ
هو الكونُ حيٌّ ، يـحبُّ الحيـاةَ ******* ويحتقـرُ الميْـتَ ، مَهْمَـا كَبُـرْ
فلا الأفْقُ يحضُـنُ ميْـتَ الطُّيـورِ ******* ولا النَّحْـلُ يلثِـم ميْـتَ الزَّهَـرْ
ولولا أمُومةُ قلبـي الـرّؤومُ لَمَـا ******* ضمَّـتِ الـميْتَ تلـكَ الحُفـرْ
فويلٌ لِمَـنْ لـم تَشُقْـهُ الحَيـاةُ ******* مـنْ لعنـةِ العَـدَمِ الـمنتصـرْ
أيها الحب
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي ******* وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي
وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي ******* وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي
أيها الحب أنت سرُّ وُجودي ******* وحياتي ، وعِزَّتي، وإبائي
وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري ******* وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي
يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي ******* في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي!
ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ ******* ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ؟
أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ ******* نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ ******* ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي: ******* مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ؟
مما قاله:
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ
كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً
بالسُّحْبِ والأَمطارِ والأَنواءِ
لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيبَ ولا أرَى
مَا في قَرارِ الهُوَّةِ السَّوداءِ
وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعرِ حالِماً
غَرِداً وتلكَ سَعادةُ الشعَراءِ
أُصْغي لمُوسيقى الحَياةِ وَوَحْيِها
وأذيبُ روحَ الكَوْنِ في إنْشَائي
Comment