بقلم عادل درويش
أين فقهاء «خير أمة أخرجت للناس»؟
عن صحيفة الشرق الاوسط
يبدو أن كل محاولات الصحافة الجادة لنقل أي أحداث مرتبطة بالإسلام والمسلمين بحرفية محايدة بعيدا عن الإثارة، هي قطرة تضيع في بحر تهيج أمواجه جرائم بضع مئات من المتطرفين والجماعات الإرهابية التي اختطفت دين الملايين.
في تغطيتنا لأخبار منطقة الشرق الأوسط، وإعلاميا تمتد اليوم من جبال أطلس غربا إلى ممر خيبر شرقا، نبذل أقصى ما يمكننا من جهود لنوضح للمستهلك الإعلامي الفارق بين الإسلام (Islam) كديانة يؤمن بها الملايين من المسالمين؛ والإسلاموية (Islamism) وهي آيديولوجيا، كالماركسية والشيوعية والنازية والفاشية وغيرها من آيديولوجيات، يضيق أفق مروجيها وأتباعهم فلا يرون العالم إلا من خلال نفق كل ما خارجه عدو يقاتلونه.
والقصد التفرقة في الأذهان ما بين المسلمين (Muslims) والإسلاميين الآيديولوجيين (Islamists). وللأسف يضيع جهد السنوات هباء على يد فئات ضالة من المجموعة الأخيرة، ولا تصلح عشرات الكتب أو البرامج الوثائقية لإصلاح ما يشوهونه في لحظات.
خذ مثلا المأساة الإنسانية التي يعيشها قرابة ثلاثة ونصف مليون باكستاني، أغلبهم من الفقراء أمام كارثة طبيعية بهطول الأمطار الأكثر غزارة من المعتاد في موسم المنسون، فتحولت إلى سيول دمرت الممتلكات والمساكن؛ ووجد المتضررون أنفسهم بلا مأوى أو مأكل أو حتى شربة ماء، بسبب التلوث وغياب أواني أو إمكانيات تطهير مياه الشرب ولو بالغليان إذ اجترفت السيول المواقد والأواني. ولأن الطرق والجسور اجتاحتها السيول، فمن الصعب على جيش باكستان - والجيوش تقليديا ما تتولى عمليات الإغاثة - إيصال الخيام والبطاطين والأغذية والأدوية. ولا يبقى إلا طائرات هليكوبتر، وقدرتها على النقل محدودة عادة، فما بالك أثناء هطول الأمطار بغزارة، لدرجة أن الأميركيين حولوا عشرات من طائرات الدفاع من أفغانستان لأعمال الإغاثة في باكستان.
وكعادتها، كانت المنظمات الدولية كالصليب الأحمر وأوكسفام، وهي غربية الأصل، في مقدمة من يصل بأطباء وممرضين وخبراء من الجنسين. وإذا بالأشقياء من زعماء حركة الطالبان الإرهابية، وتلاميذ زعيمهم المشعوذ الملا محمد عمر يصدرون الفتاوى مهددين الفقراء، الذين فقدوا كل شيء، بقطع أيديهم ورقابهم إذا قبلوا المساعدة من «الكفار والصليبيين»؛ بدلا من انتهاز فرصة حلول شهر رمضان فيعلنون التوبة والتكفير عن ذنوبهم بالكف عن عمليات الإرهاب وزرع القنابل في المدارس والمستشفيات والمساجد، ليمنحوا عباد الله الفرصة لمساعدة إخوانهم وأخواتهم في الإنسانية على مواجهة الكارثة.
قبلها بأسبوع نصب طالبان أفغانستان كمينا ذبحوا فيه مجموعة من الأطباء والطبيبات والممرضات الذين أداروا ظهورهم للعمل في أوروبا وبريطانيا وأميركا حيث مستوى معيشة الأطباء من أعلى المستويات الاجتماعية، وذهبوا إلى جبال وأودية أفغانستان متحملين المشقة من أجل أعمال الخير. ومنهم الطبيبة البريطانية النابغة كارين وو، ابنة الـ36 ربيعا، وكان موعد زفافها بعد أسبوع واحد من مصرعها على يد زبانية الطالبان.
وأي شابة في ظروف الدكتورة وو، تراها في ماي فير، أو نايتس بريدج، أو كوفنت غاردن، تتجول بين المحلات والخياطة والكوافير، ومنظمي البوفيه لإعداد فستان العرس، والتزين، وإعداد المشروبات والمأكولات للمدعوين في لندن.
لكن قبل أسبوع فقط من موعد الزفاف، نسيت الإعداد «للفرح» وتجولت بلا ماكياج أو زينة، ترتدي الجينز وتحمل حقيبة أدويتها والسماعة، وجهاز الضغط وحقن المسكنات والمضادات الحيوية، مع زملائها وزميلاتها من أبناء المهنة الإنسانية وسط الحواري المتربة وبيوت الطين، تضع صحة أطفال ونساء وشيوخ أفغانستان في قائمة أولوياتها نازعة من وعيها الاستعداد لـ«ليلة العمر».
وقبلها بأشهر استقالت الدكتورة وو من عملها في مستشفى خاص في بريطانيا لمجموعة «لبوبا» بمرتب يفوق مرتب وزير أفغاني، لتعمل متطوعة بلا أجر مع منظمة إرسالية المساعدة الدولية.
فماذا كانت مكافأتها على هذه التضحية الكبيرة من أجل أطفال أفغانستان؟
ذبحها أعداء الإنسانية، الذين دمروا في نهاية التسعينات أحد أهم الآثار الإنسانية لأنها «أصنام»!
وماذا كان تبرير القتلة لجريمتهم في ذبح الأطباء؟
إن الطالبان يحمون الإسلام من خطر التبشير لأن الإرسالية جذورها مسيحية!!
وكصحافي غطيت عشرات من الحروب، النظامية والأهلية، والكوارث الإنسانية صادفت متطوعين كالدكتورة وو، وأسميهم «superior humanbeings» أو من نوع الإنسان السامي. آخر ما يفكر فيه هؤلاء هو التبشير لأي دين أو عقيدة أو آيديولوجيا سياسية، لأنهم بلا سياسة؛ وعقيدتهم مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، بل ويصرون على التنقل حتى في أماكن القتال بلا حراسة إعلانا لحيادهم التام. ولذا أشهد للتاريخ، وبأمانة، أن البشر من نوع المرحومة الدكتورة كارين وو، كانوا سيقبلون العمل تطوعا مع الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، أو أوكسفام، أو أي إرسالية أو جمعية مهما كان لونها أو دينها أو أصلها، لأنهم يفكرون فقط في الغاية وهي مساعدة المحتاجين.
الطالبان، في إعلانهم المسؤولية عن سفك دماء هؤلاء البشر من صنف الإنسان السامي، تسربلوا بعباءة الدين الحنيف، مبررين ذبح الأطباء بأنهم مسلمون واجبهم «الجهاد ضد صليبيين كفرة» لا يحق لهم لمس أطفال المسلمين، ويتهمونهم بالتبشير. ومما يزيد الطين بلة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين أنني لم أرَ أي مظاهرة احتجاج ضد وحشية وهمجية الطالبان، نظمها مسلمون هنا أو في أي بلد إسلامي.
ولم أسمع عن أمام مسجد استنكر من فوق منبره في صلاة الجمعة هذا العمل غير الإنساني الذي أشك في وجود أي نص أو سابقة في أي دين على وجه الأرض يبيح مثله.
لماذا لم نسمع من أحدهم دعاء بالرحمة على أرواح الأطباء والطبيبات الأبرياء الذين قضوا الساعات الأخيرة من حياتهم في عمل مرهق لمساعدة المحتاجين والمرضى من أطفال المسلمين الأفغان؟
أين ذهب آلاف المسلمين الذين يهاجمون السفارات ويحرقون المسارح ومحلات الكتب إذا جاءهم «فاسق» يتهم مسرحية لم يسمعوا بها، أو رواية لم يقرأوها أو صورة نشرت في صحيفة مجهولة للعالم كله، بأنها «مسيئة للإسلام»؟
في أي جحور دفن هؤلاء الآلاف من المسلمين رؤوسهم وأغلقوا آذانهم وأعينهم عن وحشية الطالبان، فلم يخرجوا، ولو في مظاهرة من عشرة أشخاص، احتجاجا على سرقة القتلة راية الإسلام من الملايين؟
أين الأئمة الذين لعنوا من فوق المنابر المؤلفين والفنانين والموسيقيين وأهدروا دماءهم «عقابا» لهم على تأليف أو رسم أعمال لم يروها أو يقرأوها أو يسمعوا ألحانها؟
أين هم من جريمة الطالبان ضد الأطباء؟
أين فتوى علماء المسلمين في جريمة الطالبان؟
أين.. أي تحرك.. ولو «أضعف الإيمان» من ناحيتكم يا علماء الأزهر وفقهاء «خير أمة أخرجت للناس»
...
........
أين فقهاء «خير أمة أخرجت للناس»؟
عن صحيفة الشرق الاوسط
يبدو أن كل محاولات الصحافة الجادة لنقل أي أحداث مرتبطة بالإسلام والمسلمين بحرفية محايدة بعيدا عن الإثارة، هي قطرة تضيع في بحر تهيج أمواجه جرائم بضع مئات من المتطرفين والجماعات الإرهابية التي اختطفت دين الملايين.
في تغطيتنا لأخبار منطقة الشرق الأوسط، وإعلاميا تمتد اليوم من جبال أطلس غربا إلى ممر خيبر شرقا، نبذل أقصى ما يمكننا من جهود لنوضح للمستهلك الإعلامي الفارق بين الإسلام (Islam) كديانة يؤمن بها الملايين من المسالمين؛ والإسلاموية (Islamism) وهي آيديولوجيا، كالماركسية والشيوعية والنازية والفاشية وغيرها من آيديولوجيات، يضيق أفق مروجيها وأتباعهم فلا يرون العالم إلا من خلال نفق كل ما خارجه عدو يقاتلونه.
والقصد التفرقة في الأذهان ما بين المسلمين (Muslims) والإسلاميين الآيديولوجيين (Islamists). وللأسف يضيع جهد السنوات هباء على يد فئات ضالة من المجموعة الأخيرة، ولا تصلح عشرات الكتب أو البرامج الوثائقية لإصلاح ما يشوهونه في لحظات.
خذ مثلا المأساة الإنسانية التي يعيشها قرابة ثلاثة ونصف مليون باكستاني، أغلبهم من الفقراء أمام كارثة طبيعية بهطول الأمطار الأكثر غزارة من المعتاد في موسم المنسون، فتحولت إلى سيول دمرت الممتلكات والمساكن؛ ووجد المتضررون أنفسهم بلا مأوى أو مأكل أو حتى شربة ماء، بسبب التلوث وغياب أواني أو إمكانيات تطهير مياه الشرب ولو بالغليان إذ اجترفت السيول المواقد والأواني. ولأن الطرق والجسور اجتاحتها السيول، فمن الصعب على جيش باكستان - والجيوش تقليديا ما تتولى عمليات الإغاثة - إيصال الخيام والبطاطين والأغذية والأدوية. ولا يبقى إلا طائرات هليكوبتر، وقدرتها على النقل محدودة عادة، فما بالك أثناء هطول الأمطار بغزارة، لدرجة أن الأميركيين حولوا عشرات من طائرات الدفاع من أفغانستان لأعمال الإغاثة في باكستان.
وكعادتها، كانت المنظمات الدولية كالصليب الأحمر وأوكسفام، وهي غربية الأصل، في مقدمة من يصل بأطباء وممرضين وخبراء من الجنسين. وإذا بالأشقياء من زعماء حركة الطالبان الإرهابية، وتلاميذ زعيمهم المشعوذ الملا محمد عمر يصدرون الفتاوى مهددين الفقراء، الذين فقدوا كل شيء، بقطع أيديهم ورقابهم إذا قبلوا المساعدة من «الكفار والصليبيين»؛ بدلا من انتهاز فرصة حلول شهر رمضان فيعلنون التوبة والتكفير عن ذنوبهم بالكف عن عمليات الإرهاب وزرع القنابل في المدارس والمستشفيات والمساجد، ليمنحوا عباد الله الفرصة لمساعدة إخوانهم وأخواتهم في الإنسانية على مواجهة الكارثة.
قبلها بأسبوع نصب طالبان أفغانستان كمينا ذبحوا فيه مجموعة من الأطباء والطبيبات والممرضات الذين أداروا ظهورهم للعمل في أوروبا وبريطانيا وأميركا حيث مستوى معيشة الأطباء من أعلى المستويات الاجتماعية، وذهبوا إلى جبال وأودية أفغانستان متحملين المشقة من أجل أعمال الخير. ومنهم الطبيبة البريطانية النابغة كارين وو، ابنة الـ36 ربيعا، وكان موعد زفافها بعد أسبوع واحد من مصرعها على يد زبانية الطالبان.
وأي شابة في ظروف الدكتورة وو، تراها في ماي فير، أو نايتس بريدج، أو كوفنت غاردن، تتجول بين المحلات والخياطة والكوافير، ومنظمي البوفيه لإعداد فستان العرس، والتزين، وإعداد المشروبات والمأكولات للمدعوين في لندن.
لكن قبل أسبوع فقط من موعد الزفاف، نسيت الإعداد «للفرح» وتجولت بلا ماكياج أو زينة، ترتدي الجينز وتحمل حقيبة أدويتها والسماعة، وجهاز الضغط وحقن المسكنات والمضادات الحيوية، مع زملائها وزميلاتها من أبناء المهنة الإنسانية وسط الحواري المتربة وبيوت الطين، تضع صحة أطفال ونساء وشيوخ أفغانستان في قائمة أولوياتها نازعة من وعيها الاستعداد لـ«ليلة العمر».
وقبلها بأشهر استقالت الدكتورة وو من عملها في مستشفى خاص في بريطانيا لمجموعة «لبوبا» بمرتب يفوق مرتب وزير أفغاني، لتعمل متطوعة بلا أجر مع منظمة إرسالية المساعدة الدولية.
فماذا كانت مكافأتها على هذه التضحية الكبيرة من أجل أطفال أفغانستان؟
ذبحها أعداء الإنسانية، الذين دمروا في نهاية التسعينات أحد أهم الآثار الإنسانية لأنها «أصنام»!
وماذا كان تبرير القتلة لجريمتهم في ذبح الأطباء؟
إن الطالبان يحمون الإسلام من خطر التبشير لأن الإرسالية جذورها مسيحية!!
وكصحافي غطيت عشرات من الحروب، النظامية والأهلية، والكوارث الإنسانية صادفت متطوعين كالدكتورة وو، وأسميهم «superior humanbeings» أو من نوع الإنسان السامي. آخر ما يفكر فيه هؤلاء هو التبشير لأي دين أو عقيدة أو آيديولوجيا سياسية، لأنهم بلا سياسة؛ وعقيدتهم مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، بل ويصرون على التنقل حتى في أماكن القتال بلا حراسة إعلانا لحيادهم التام. ولذا أشهد للتاريخ، وبأمانة، أن البشر من نوع المرحومة الدكتورة كارين وو، كانوا سيقبلون العمل تطوعا مع الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، أو أوكسفام، أو أي إرسالية أو جمعية مهما كان لونها أو دينها أو أصلها، لأنهم يفكرون فقط في الغاية وهي مساعدة المحتاجين.
الطالبان، في إعلانهم المسؤولية عن سفك دماء هؤلاء البشر من صنف الإنسان السامي، تسربلوا بعباءة الدين الحنيف، مبررين ذبح الأطباء بأنهم مسلمون واجبهم «الجهاد ضد صليبيين كفرة» لا يحق لهم لمس أطفال المسلمين، ويتهمونهم بالتبشير. ومما يزيد الطين بلة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين أنني لم أرَ أي مظاهرة احتجاج ضد وحشية وهمجية الطالبان، نظمها مسلمون هنا أو في أي بلد إسلامي.
ولم أسمع عن أمام مسجد استنكر من فوق منبره في صلاة الجمعة هذا العمل غير الإنساني الذي أشك في وجود أي نص أو سابقة في أي دين على وجه الأرض يبيح مثله.
لماذا لم نسمع من أحدهم دعاء بالرحمة على أرواح الأطباء والطبيبات الأبرياء الذين قضوا الساعات الأخيرة من حياتهم في عمل مرهق لمساعدة المحتاجين والمرضى من أطفال المسلمين الأفغان؟
أين ذهب آلاف المسلمين الذين يهاجمون السفارات ويحرقون المسارح ومحلات الكتب إذا جاءهم «فاسق» يتهم مسرحية لم يسمعوا بها، أو رواية لم يقرأوها أو صورة نشرت في صحيفة مجهولة للعالم كله، بأنها «مسيئة للإسلام»؟
في أي جحور دفن هؤلاء الآلاف من المسلمين رؤوسهم وأغلقوا آذانهم وأعينهم عن وحشية الطالبان، فلم يخرجوا، ولو في مظاهرة من عشرة أشخاص، احتجاجا على سرقة القتلة راية الإسلام من الملايين؟
أين الأئمة الذين لعنوا من فوق المنابر المؤلفين والفنانين والموسيقيين وأهدروا دماءهم «عقابا» لهم على تأليف أو رسم أعمال لم يروها أو يقرأوها أو يسمعوا ألحانها؟
أين هم من جريمة الطالبان ضد الأطباء؟
أين فتوى علماء المسلمين في جريمة الطالبان؟
أين.. أي تحرك.. ولو «أضعف الإيمان» من ناحيتكم يا علماء الأزهر وفقهاء «خير أمة أخرجت للناس»
...
........
Comment