أحياء مع وقف التنفيذ.. وأعراس خرساء تنتهي بقتل مدوٍ
مختلفو الدين لا تزوجهم المحاكم الروحية للطوائف المسيحية، ولا المحكمة المذهبية لطائفة الموحدين(الدروز)، وقانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953 يعتبر زواجهم باطل، المادة 48(زواج المسلمة بغير المسلم باطل).
فأي مصير يواجهون؟ وفي ظل أية قوانين؟ وماذا إن تعرضوا للمطاردة أو القتل؟.
القانون السوري ليس الوحيد الذي بمنع الزواج المختلط، فكل الدول العربية تمنعه، باستثناء تونس التي تعمل بقانون مدني موحد يطبق على الجميع، وأيضا تركيا كواحدة من الدول الإسلامية التي تعتمد الزواج المدني.
لذا يلجأ البعض إلى إشهار إسلامهم والزواج لدى المحاكم الشرعية، وقد قام بإجراء تغيير الدين 450 شخص في عام 2006 وفقاً لدائرة الشؤون المدنية بوزارة الداخلية،( قامت بالإحصاء مشكورة للمرة الأولى، بناء على طلب من كاتب المادة).
لكن ماذا عن الذين رفضوا تغيير دينهم؟ كيف تتعامل معهم المحاكم؟ هل تشرعن زواجهم، أم أنهم سيواجهون أحكاما بالتفريق ويقعون في نزاعات قانونية تتعلق بالإرث وحضانة الأولاد وأي دين يتبعون..؟.
يقتلون..
على مشارف ضيعتها دُفنت (ثناء)27 سنة دون صلاة، واحرق ذويها كل ما يخصها من أغراض وثياب وصور، يقول شقيقها(ع) 29 سنه: "نحن لا نتحدث بالأمر مطلقاً في البيت.." يصمت لبرهةٍ ثم يضيف:" إصبعي عاب وقطعته".
بهذه الكلمات الحاسمة يصف قتله لشقيقته بسبب زواجها من شاب ينتمي لدين آخر، مسدلاً الستار مرة واحدة وأخيرة على حياتها. ليقضى بعدها ستة اشهر في السجن، هي مجمل العقوبة التي حُكم بها.
" قانون العقوبات السوري يعفي الأهل في حالة القتل باسم الشرف، ويدرجون عمليات القتل لنساء تزوجن من دين مختلف تحت هذه التسمية" الكلام للمحامية دعد موسى المهتمة بقضايا المرأة، وتضيف:" يجب شطب المواد الثلاث، المادة 192 والمادة 242 والمادة 548.
تتابع موسى:"الحماية القانونية هي لبنة أساسية لمنعها، فحين تصدر أحكام تتناسب مع فظاعة الجرائم المرتكبة، ستشكل درساً للآخرين ورادعاً للفاعلين المحتملين".
وتؤكد موسى:"مع وجود هذه القوانين هناك خروقات ترتكب في التطبيق، المادة تشترط الجرم المشهود أو ثورة الغضب، والقاتل يكيف أقواله كما يريد طالما الضحية ماتت، وتقرير الشرطة يعتمد بلاغ الجيران، والتحقيق يكون سطحيا، فأي استفزاز أو أي زنا مشهود حين يستدرج الأهل ابنتهم، أوحين يتربصون بها اشهراً وسنوات..!؟".
المحامي والقاضي السابق نزيه معلوف له رأي مختلف، حيث قال:" الأحكام المخففة تعود لاجتهادات القضاة وتقديراتهم، المادة 192 لا تقول إن تلك الجرائم هي بدافع شريف، ولا يوجد بالقانون ما يحدد بان هذا الفعل شريف أو غير شريف..! لكن القضاء حصر عبر الممارسة الدافع الشريف بقتل النساء ".
وانتقد معلوف اجتهادات القضاة ووصفها بـ "الرجعية والمتخلفة هدفها السيطرة على المرأة وإخضاعها " وأضاف:" يأتي قاضٍ يحمل عقلية متزمتة ورجعية، فيفسر ويجتهد وفق عقليته ويصبح ذلك قانوناً يتبعه الآخرون".
فيما قال احد قضاة التحقيق الجنائي/رفض ذكر اسمه/: " إذا ثبت بان القاتل قتل لدافع شريف يستفيد من العذر المخفف، حتى لو تبيّن فيما بعد أن ظنونه غير صحيحة".
ويطاردون..
"أحياء مع وقف التنفيذ"عبارة قالتها (س) 40 سنه، لتكثف من خلالها معاناتها منذ غادرت بيت أهلها قبل 14 سنه، لتقترن بشاب من طائفة مختلفة.
تعيش الآن مع زوجها وطفليها بكثير من السرية والحيطة، في حين يعتقد أهلها أنها مسافرة لبلد أجنبي.
تقول:"بالبداية كنت لا اخرج إلا نادراً، ولا ارتاد مناطق أتوقع وجود أهلي او أقاربي بها".
تتابع:" كنت اعرف المخاطر المترتبة على زواجي، لكني لم اعرف بالضبط ماذا سيكون عليه موقف إخوتي الشباب، الخروج على قيم مجتمعٍ بكاملة ليس بالأمر السهل، القوانين لا تحميني ولا تحمي عائلتي".
أما (ر) الطالبة الجامعية التي تزوجت بشاب من طائفة أخرى، فقد تعقبها والدها لسنوات بقصد قتلها إلا انه لم يتمكن، يقول ابن عمها(رامز) 40سنه:"تعرفت بالجامعة على شاب من طائفة أخرى، تزوجا و"هربت" معه إلى (حلب) وعاشا وسط بيئة أهل الزوج، لكن والد (ر) وصل إلى العنوان بعد بحث سنوات، لكن زوجها اكتشف الأمر وهدده بمساعدة معارف متنفذين، وجعلوه يعود أدراجه".
مستشار قضائي في وزارة العدل /رفض الكشف عن اسمه/ قال" جريمة الشرف ليس لها وقت محدد، يمكن أن ترتكب في أي وقت..!".
ويشهرون إسلامهم..
ليس كل طلبات تغيير الدين تلقى الموافقة، السيدة سلوى نحاس أمينة سر المجلس في محافظة ريف دمشق (مجلس تغيير الأديان) قالت:"لدينا في ريف دمشق 54 طلب إشهار إسلام عام 2006 رُفض منهم 21 طلب لأسباب متعددة، بالجلسة الماضية رُفض طلب لرجل مسيحي، والسبب انه لا يحفظ حتى سورة واحدة من القرآن..".
وهذا ما جرى مع السيد (ن)42 سنه، الذي تقدم بطلب إشهار إسلام نزولا عند رغبة أهل زوجته، ووافق مجلس بلدته(قطنا) على طلبه(يشكل عادة من شيخ دين مسلم وطبيب ومدير المنطقة، ويدعى إليه الممثل الروحي لطائفة مقدم الطلب الذي لم يحضر وفقاً للنص الحرفي لصيغة الطلب). لكن الجهات الأمنية لم توافق على طلبه، وبما أن تغيير الدين لا يتم دون الموافقة الأمنية، فان زواجه يعتبر غير شرعي وقضيتهما ما زالت أمام القضاء!
أما ما حصل مع السيد (رزق الله حنوش) فهو العكس تماما، حيث "أصبح مسلما رغماً عنه" هذا ما تؤكده المحامية ركنية شحاذه وتضيف:" أقامت عليه زوجته (المسلمة) دعوى لتثبيت زواجها منه، ادعت أنه نطق بالشهادتين أمام أشقائها. وبالرغم من إنكاره لذلك وإعلانه أمام المحكمة الشرعية أنه (نصراني) ومتمسك (بنصرانيته)، فقد خسر دعواه، نتيجة زعم الأشقاء أنه نطق بالشهادتين أمامهم، وقضت المحكمة الشرعية بتثبيت إسلامه وبتسجيله مسلماً رغماً عنه، ولم يستفيد لا من الطعن ولا من دعوى المخاصمة.
وجاء في حيثيات القرار الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض رقم 197 أساس 352 تاريخ 14/6/1999 (.. أن النطق بالشهادتين يكفي لإشهار الإسلام، وان الشرائط الواجب توافرها بتسجيل الطاعن مسلماً في قيود الأحوال المدنية لا تحول دون اعتباره مسلماً ولو لم تتوفر لأن مجرد النطق بالشهادتين يجعل المدعي بالمخاصمة مسلماً)
لا يتوقف الأمر على الطوائف المسيحية، أيضا الموحدون الدروز تطلب منهم المحاكم الشرعية وثيقة تغيير المذهب للسماح لهم بالزواج من باقي الطوائف الإسلامية. وهذا ما انتقده الباحث في مذهب التوحيد السيد نبيه السعدي واعتبره:"ثغرة قانونية كبيرة" وأضاف" إن المادة 49 تقول (زواج المسلمة من غير المسلم باطل) فكيف يطلب ذلك من الموحدين وهم مسلمون بموجب القانون رقم 411 الذي يحدد الطوائف الإسلامية ومن ضمنهم الموحدون..!"
ويطلقون رغماً عنهم..
يعرض المحامي (خليل معتوق) أوراق إحدى القضايا التي حكمت فيها المحكمة الشرعية بدمشق، بانفصال زوجين رغماً عنهما، يقول معتوق:" ( رقم القضية 997 أساس 8741/96 ) رجل مسيحي تزوج بامرأة مسلمة، دون أن يغير دينه، أنجبا طفلتين، لكن دوائر النفوس الرسمية رفضت أن تسجل الزواج كما رفضت تسجيل الطفلتين أو الاعتراف بهما..!؟ نصحهما قاضٍ بان ترفع الزوجة دعوة على زوجها، تقول فيها إن زوجها خدعها بالقول انه اعتنق الإسلام. وفعلا قامت الزوجة بذلك، فحكمت المحكمة الشرعية بدمشق بفساد الزواج، وليس ببطلانه كي لا يعتبر كل ما نتج عنه باطل، واعترفت بالطفلتين كنتيجة لزواجٍ فاسد، ونُسبتْهما إلى والدهما وجنسيته العربية السورية، لكنها بالمقابل حكمت بانفصال الزوجين فورا..!؟ وبإلحاق الطفلتين بدين أمهما وهو الإسلام لأنه (دين اشرف الأبوين دينا)كما جاء حرفيا بصيغة الحكم".
ويستغرب معتوق هذه الأحكام بهذه الصيغة التي درجت المحكمة الشرعية على استخدامها في القضايا المماثلة، قائلا: "المادة44 من الدستور تنص على أن (تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه..) مضيفا:"إن هذا يخالف أبسط الحقوق والحريات الشخصية".
السيد(أ) يصف قانون الأحوال الشخصية بـ "القراقوشي" فالكنيسة رفضت تزويجه من (ر) لاختلاف الدين، وكذلك المحكمة الشرعية، لكنه تزوج بطريقته الخاصة يقول (أ): " أرفض أن أجبر على تغيير ديني لأتزوج المرأة التي أحب، أليس من حقنا أن نتزوج ويبقى كلٍ منّا على دينه؟". لقد وجد الزوجين طريقةً تحايلا بها على قانون الأحوال الشخصية لكنهما يخشيان التصريح بها، خوفا من دعوة تفريق: "يستطيع أي شخص أن يرفعها عليهما" كما يقولان.
زوجته (ر)/ماجستير علم اجتماع/ تقول:" لم يكن هناك مشكلة لدى أهلي، فليس لدى طائفتي نص ديني يمنع الزواج من دين مختلف، لكن المحاكم الشرعية، تمنع ذلك، وهنا المفارقة بان النصوص الدينية متطورة على قانون الأحوال الشخصية..!"
ما خشيّ منه الزوجين، حصل في الدعوى رقم5245 لعام 2006 والتي رفعها مسؤول كبير لتفريق زوجين مضى على زواجهما 22 سنه..! وذلك بحجة اختلاف الدين، لكن الدعوة سقطت بالتقادم.
ويحرمون من التوارث ..
"المرأة المسلمة ترث زوجها المسلم، لكن إن كانت مسيحية وزوجها مسلم فلا تستطيع أن ترثه، وهذا تمييز بين امرأة وأخرى"، هذا ما تقوله المحامية موسى منتقدةً المادة(264) من قانون الأحوال الشخصية(المسيحي لا يرث مسلم والمسلم لا يرث مسيحي).
في ذات السياق يروي المحامي خليل معتوق ما جرى مع قريبه(جورج) 23 سنه، الذي أصبح لا يستطيع أن يرث والده: "اكتشف انه مسلم بالصدفة عند إجراء معاملة في دائرة النفوس- فوالده المسيحي أسلم منذ زمنٍ بعيد ليتمكن من تطليق زوجته السابقة، ثم تزوج بمسيحية فأصبح رسميا مسلم متزوج بمسيحية، وبالتالي أولاده مسلمون –
(جورج) لم يتخيل نفسه يوما إلا مسيحيا، فتقدم بدعوى أمام القضاء وأتى بشهود وقدم دلائل على أن دراسته بالمدرسة كانت للديانة المسيحية، ويذهب إلى الكنيسة باستمرار، فصدر الحكم بتغيير دينه إلى المسيحية، وشكّل ذلك سابقةً بالقضاء السوري، ولكن نص الحكم أيضاً على بقاء والده مسلماً، وبالنتيجة أصبح لا يحقه لـه أن يرث والده وفقاً للمادة المذكورة "
وبذات الاتجاه، يشير مستشارٌ قضائي في محكمة السويداء /رفض ذكر اسمه/ إلى النزاع القائم حاليا بين ورثة الفنان الراحل فهد بلان على التركة، فالمرحوم/بسبب زواجه مرة من داخل طائفته ومرة من خارجها/ لديه أولاد من طائفتين مختلفتين، وكلاً منهما يحاول أن يثبت بان والدهم كان ينتمي للطائفة التي ينتمون لها، كي يستأثروا بالتركة وفقا القاعدة القانونية التي تقول "لا توارث مع اختلاف الدين".
بغياب الزواج المدني..
يتعايش بسوريا أكثر من 13 مذهب ودين، وفيها 7 محاكم للزواج( المحاكم الشرعية والمحكمة المذهبية الدرزية والمحكمة الروحية للروم الأرثوذكس ومحكمة للكاثوليك ومحكمة للسريان ومحكمة للإنجيليين، ومحكمة للطائفة الموسوية..) تختلف أحكامها وقوانينها باختلاف مذهبها الديني .
تقول المحامية موسى:" قانوناً الزواج في سوريا ديني، وبدون وجود قانون مدني غير ديني، لا يمكننا الحديث عن زواج مختلط، قانون الأحوال الشخصية لا يميز فقط بين الرجل والمرأة، بل يميز بين امرأة وأخرى، فالمرأة المسلمة لا تستطيع الزواج من رجل مسيحي، بينما تستطيع المرأة المسيحية أن تتزوج من رجلٍ مسلمٍ، المرأة المسلمة ترث زوجها المسلم، لكن المرأة المسيحية لا ترث زوجها المسلم..!حتى من يتزوجون بالخارج من أجنبيات بعقدٍ مدني فإن المحاكم السورية لا تعترف به، مما يسبب مشاكل ومنازعات، خاصة ما يتعلق منها بحضانة الأولاد والإرث وغيرها، في لبنان أو تونس يعترفون بتلك العقود، وفي سوريا يوجد قوانين للزواج المدني لكنها لا تطبق إلا على الأجانب فقط..!"
تتابع موسى" لماذا نكره الأشخاص على أمرٍ يناقض حرية المعتقد والزواج، وهما مكفولين بالدستور؟ ويناقض اتفاقية سيداو(مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة) والتي تعطي نفس الحقوق للرجل والمرأة بالزواج وما يتفرع عنه بصرف النظر عن الدين!
رجال الدين لدينا لا يريدون أن يتنازلوا عن سلطاتهم وامتيازاتهم، بيدهم الزواج والطلاق كما في المحاكم الروحية للطوائف المسيحية حتى دون أن يكونوا قضاة أو دارسين للقانون ".
ممثلو الأديان يرفضون القتل..
رغم الاعتقاد السائد بان رجال الدين يقفون وراء جرائم الشرف أو يشجعونها فان تصريحاتهم تخالف ذلك، ففي حديث مع شيخ عقل طائفة الموحدين حسين جربوع قال: "نحن كمذهب إسلامي لنا خصوصية، وقد أقرتها النصوص القانونية النافذة، المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية تمنع المصاهرة مع الغير، وتعدد الزوجات، وإرجاع المطلقة... نظامنا المقدس عمره أكثر من ألف عام ولا احد مخول بتغيره".
وتابع قائلاً:"من يخرج على المذهب له الحرية لا نلاحقه ولا نعاقبه، نحن ضد القتل إن كان بحالة الزواج من خارج الطائفة أو بغيرها، ولا حتى عن طريق القانون أو عن طريق العشائر، لدينا نصاً شريفاً يقول( القتل لا يستحسنه أحدا إلا إذا كان كافرا) ".
ويرفض جربوع الزواج المدني الاختياري ويعتبره أسلوبا للتفكك الأخلاقي والانحلال.
أما مفتي الجمهورية الشيخ احمد بدر الدين حسون، فقد أدان الجرائم التي ترتكب بسبب الزواج من خارج الدين، ورفع الغطاء عن مرتكبيها قائلا: "لا تسمح الشريعة بشكل من الأشكال لشخص أن يقيم الحدود الشرعية من خلال نفسه إن كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً، إنما إقامة الحدود من خلال الحاكم".
وطالب وزارة العدل بتشكيل لجنة لتعديل القوانين التي تعفي او تخفف عقوبة القاتل.
وحول حظر زواج المسلمة من مسيحي إلا إذا اشهر إسلامه باعتباره ذميا، قال(1) حسون: "هذه قضية القانون السوري والشريعة وحتى في أوروبا المرأة المسلمة لا تتزوج برجل مسيحي إلا إذا آمن بدينها".
من جهته يقول الأب انطون مصلح(رجل دين مسيحي): "نحن ضد القتل إنسانياً ودينياً، وصية الله تعالى تقول:"لا تقتل".الله وحده واهب الحياة ووحده يملك سلطان أخذها".
كما طالب بإلغاء المادة 548 واستنكر جرائم القتل بسبب الزواج المختلط، ودعا إلى: "إلغاء قانون الأحوال الشخصية لتعارضه مع الدستور الذي يضمن المساواة في الحقوق والواجبات للجميع دون أي تمييز لأي سبب كان".
والشباب يستنكرون ويساندون..
في استبيان قام به موقع سيريانيوز(2) مطلع هذا العام لمعرفة اتجاهات الرأي حول الزواج من خارج الدين أو المذهب، وطرح فيه أسئلة على 500 شخص اختيروا عشوائيا من بين طلاب الجامعات في دمشق واللاذقية وحمص ودير الزور والسويداء، أظهرت النتائج:
ان41% منهم يشجعون ويساندون الزواج من خارج الدين او الطائفة، بينما يقبل بهذا الزواج كأمر واقع 33%، ويرفضه21%، ويفضل قطع العلاقة مع من يقدم عليه 4% بينما يدعو 1% للملاحقة والقتل لهذه الحالات.
ونسبة العائلات(المقصود العائلة الكبيرة–الكنيه- وليس العائلة الصغيرة المؤلفة من أب وأم وأولاد) السورية التي فيها على الأقل شخص واحد متزوج من خارج طائفته او دينه31%، أعلى نسبة في اللاذقية 38% تليها السويداء 34% ثم حمص 33% ودمشق 31% ودير الزور 20%.
النسبة العامة لمن سبق له/لها التفكير بالاقتران بشريك من دين او طائفة مختلفة 41%، أعلى نسبة كانت في محافظة اللاذقية 54% تلتها حمص 52% ثم دمشق 39% ثم السويداء 38% ثم دير الزور 21%.
وحول سؤال عن العامل الأكثر أهمية الذي يحول دون الإقدام على هكذا زواج فقد أجاب 35% بأنه المحيط الاجتماعي و30% ربطوا الأمر بموقف الأسرة، بينما 18 % ردوا الأمر إلى عدم مساندة القانون لهكذا زواج والخوف من جرائم الشرف، و17% عزوا الأمر إلى موقف رجال الدين.
وعن الموقف من جرائم الشرف التي ترتكب بسبب الزواج من خارج الدين او المذهب،فقد أجاب 79.4% بأنهم يرفضون ويستنكرون ويدينون تلك الجرائم، بينما من يؤيدها 5.6%. ومن يقف على الحياد 14% .
وبلغت نسبة من سيسمحون لأبنائهم بالزواج من خارج الدين او الطائفة 43% بينما أجاب 38% بأنهم لن يسمحوا، و19% سيسمحون لأبنائهم الذكور فقط.
وحول وجود قانون للزواج المدني الاختياري(لمن يرغب) إلى جانب القوانين والمحاكم الشرعية والروحية المعمول بها، فقد بلغت نسبة المؤيدين 64%، وكانت أعلى نسبة في السويداء84 % تليها اللاذقية 64% ثم حمص 63%.
الإعلام يكسر حاجز الصمت..
خلافا للحوادث السابقة شكل مقتل (هدى ابو عسلي) آب/2005 على يد شقيقها (ف)53 سنة، نقطة تحول في تعاطي وسائل الإعلام المحلية مع أخبار تلك الجرائم.
أقيمت الندوات، واتخذ موقع نساء سوريا من مقتلها بداية لحملة بعنوان "أوقفوا قتل النساء..أوقفوا جرائم الشرف"، شارك فيها العديد من المنظمات الأهلية والحقوقية(3). وأشارت بعض التقارير إلى وقوع ما بين (200 - 300) جريمة شرف سنويا في سوريا، والتي احتلت المرتبة الرابعة عربيا والخامسة عالميا(4).
فيما شكك وزير العدل السيد محمد الغفري بهذه الأرقام قائلا:"ليس لدى الوزارة إحصائية" مشيرا إلى أن:"قانون العقوبات وغيره من القوانين بما فيها الناظمة لجرائم الشرف قيد البحث وإعادة النظر" لكنه أضاف:"الأمر يحتاج إلى تمهيد".
كما رفضت د.ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تلك الجرائم بالقول:"القتل بسبب الزواج من خارج الدين هي جرائم غير مبررة، لا يقبل بها أي إنسان يتمتع بالحدود الدنيا من التفكير السليم".
بغياب الدراسات، قام موقع سيريانيوز بإحصاء عدد حالات الزواج المختلط في إحدى قرى السويداء(عريقة) حوالي 6 ألاف نسمة، فوجد أن هناك 36 حالة، بينهم 9 نساء، لكن أي منهن لم تتعرض لأذى، بل قام بعضهن بهذه الخطوة بموافقة ذويهم.
إلا أن المحامية موسى تقول:" رغم التعايش بين جميع الطوائف والأديان، وكل الكلام عن لوحة الموزاييك، تبقى مسألة الزواج المختلط غير مقبولة لدى كل الطوائف، وان بدرجات مختلفة، وتلقى المرأة لهذا السبب معاملة سيئة ومقاطعة، وفي اغلب الحالات هي التي تتعرض للأذى أو القتل من قبل أهلها ".
مختلفو الدين لا تزوجهم المحاكم الروحية للطوائف المسيحية، ولا المحكمة المذهبية لطائفة الموحدين(الدروز)، وقانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953 يعتبر زواجهم باطل، المادة 48(زواج المسلمة بغير المسلم باطل).
فأي مصير يواجهون؟ وفي ظل أية قوانين؟ وماذا إن تعرضوا للمطاردة أو القتل؟.
القانون السوري ليس الوحيد الذي بمنع الزواج المختلط، فكل الدول العربية تمنعه، باستثناء تونس التي تعمل بقانون مدني موحد يطبق على الجميع، وأيضا تركيا كواحدة من الدول الإسلامية التي تعتمد الزواج المدني.
لذا يلجأ البعض إلى إشهار إسلامهم والزواج لدى المحاكم الشرعية، وقد قام بإجراء تغيير الدين 450 شخص في عام 2006 وفقاً لدائرة الشؤون المدنية بوزارة الداخلية،( قامت بالإحصاء مشكورة للمرة الأولى، بناء على طلب من كاتب المادة).
لكن ماذا عن الذين رفضوا تغيير دينهم؟ كيف تتعامل معهم المحاكم؟ هل تشرعن زواجهم، أم أنهم سيواجهون أحكاما بالتفريق ويقعون في نزاعات قانونية تتعلق بالإرث وحضانة الأولاد وأي دين يتبعون..؟.
يقتلون..
على مشارف ضيعتها دُفنت (ثناء)27 سنة دون صلاة، واحرق ذويها كل ما يخصها من أغراض وثياب وصور، يقول شقيقها(ع) 29 سنه: "نحن لا نتحدث بالأمر مطلقاً في البيت.." يصمت لبرهةٍ ثم يضيف:" إصبعي عاب وقطعته".
بهذه الكلمات الحاسمة يصف قتله لشقيقته بسبب زواجها من شاب ينتمي لدين آخر، مسدلاً الستار مرة واحدة وأخيرة على حياتها. ليقضى بعدها ستة اشهر في السجن، هي مجمل العقوبة التي حُكم بها.
" قانون العقوبات السوري يعفي الأهل في حالة القتل باسم الشرف، ويدرجون عمليات القتل لنساء تزوجن من دين مختلف تحت هذه التسمية" الكلام للمحامية دعد موسى المهتمة بقضايا المرأة، وتضيف:" يجب شطب المواد الثلاث، المادة 192 والمادة 242 والمادة 548.
تتابع موسى:"الحماية القانونية هي لبنة أساسية لمنعها، فحين تصدر أحكام تتناسب مع فظاعة الجرائم المرتكبة، ستشكل درساً للآخرين ورادعاً للفاعلين المحتملين".
وتؤكد موسى:"مع وجود هذه القوانين هناك خروقات ترتكب في التطبيق، المادة تشترط الجرم المشهود أو ثورة الغضب، والقاتل يكيف أقواله كما يريد طالما الضحية ماتت، وتقرير الشرطة يعتمد بلاغ الجيران، والتحقيق يكون سطحيا، فأي استفزاز أو أي زنا مشهود حين يستدرج الأهل ابنتهم، أوحين يتربصون بها اشهراً وسنوات..!؟".
المحامي والقاضي السابق نزيه معلوف له رأي مختلف، حيث قال:" الأحكام المخففة تعود لاجتهادات القضاة وتقديراتهم، المادة 192 لا تقول إن تلك الجرائم هي بدافع شريف، ولا يوجد بالقانون ما يحدد بان هذا الفعل شريف أو غير شريف..! لكن القضاء حصر عبر الممارسة الدافع الشريف بقتل النساء ".
وانتقد معلوف اجتهادات القضاة ووصفها بـ "الرجعية والمتخلفة هدفها السيطرة على المرأة وإخضاعها " وأضاف:" يأتي قاضٍ يحمل عقلية متزمتة ورجعية، فيفسر ويجتهد وفق عقليته ويصبح ذلك قانوناً يتبعه الآخرون".
فيما قال احد قضاة التحقيق الجنائي/رفض ذكر اسمه/: " إذا ثبت بان القاتل قتل لدافع شريف يستفيد من العذر المخفف، حتى لو تبيّن فيما بعد أن ظنونه غير صحيحة".
ويطاردون..
"أحياء مع وقف التنفيذ"عبارة قالتها (س) 40 سنه، لتكثف من خلالها معاناتها منذ غادرت بيت أهلها قبل 14 سنه، لتقترن بشاب من طائفة مختلفة.
تعيش الآن مع زوجها وطفليها بكثير من السرية والحيطة، في حين يعتقد أهلها أنها مسافرة لبلد أجنبي.
تقول:"بالبداية كنت لا اخرج إلا نادراً، ولا ارتاد مناطق أتوقع وجود أهلي او أقاربي بها".
تتابع:" كنت اعرف المخاطر المترتبة على زواجي، لكني لم اعرف بالضبط ماذا سيكون عليه موقف إخوتي الشباب، الخروج على قيم مجتمعٍ بكاملة ليس بالأمر السهل، القوانين لا تحميني ولا تحمي عائلتي".
أما (ر) الطالبة الجامعية التي تزوجت بشاب من طائفة أخرى، فقد تعقبها والدها لسنوات بقصد قتلها إلا انه لم يتمكن، يقول ابن عمها(رامز) 40سنه:"تعرفت بالجامعة على شاب من طائفة أخرى، تزوجا و"هربت" معه إلى (حلب) وعاشا وسط بيئة أهل الزوج، لكن والد (ر) وصل إلى العنوان بعد بحث سنوات، لكن زوجها اكتشف الأمر وهدده بمساعدة معارف متنفذين، وجعلوه يعود أدراجه".
مستشار قضائي في وزارة العدل /رفض الكشف عن اسمه/ قال" جريمة الشرف ليس لها وقت محدد، يمكن أن ترتكب في أي وقت..!".
ويشهرون إسلامهم..
ليس كل طلبات تغيير الدين تلقى الموافقة، السيدة سلوى نحاس أمينة سر المجلس في محافظة ريف دمشق (مجلس تغيير الأديان) قالت:"لدينا في ريف دمشق 54 طلب إشهار إسلام عام 2006 رُفض منهم 21 طلب لأسباب متعددة، بالجلسة الماضية رُفض طلب لرجل مسيحي، والسبب انه لا يحفظ حتى سورة واحدة من القرآن..".
وهذا ما جرى مع السيد (ن)42 سنه، الذي تقدم بطلب إشهار إسلام نزولا عند رغبة أهل زوجته، ووافق مجلس بلدته(قطنا) على طلبه(يشكل عادة من شيخ دين مسلم وطبيب ومدير المنطقة، ويدعى إليه الممثل الروحي لطائفة مقدم الطلب الذي لم يحضر وفقاً للنص الحرفي لصيغة الطلب). لكن الجهات الأمنية لم توافق على طلبه، وبما أن تغيير الدين لا يتم دون الموافقة الأمنية، فان زواجه يعتبر غير شرعي وقضيتهما ما زالت أمام القضاء!
أما ما حصل مع السيد (رزق الله حنوش) فهو العكس تماما، حيث "أصبح مسلما رغماً عنه" هذا ما تؤكده المحامية ركنية شحاذه وتضيف:" أقامت عليه زوجته (المسلمة) دعوى لتثبيت زواجها منه، ادعت أنه نطق بالشهادتين أمام أشقائها. وبالرغم من إنكاره لذلك وإعلانه أمام المحكمة الشرعية أنه (نصراني) ومتمسك (بنصرانيته)، فقد خسر دعواه، نتيجة زعم الأشقاء أنه نطق بالشهادتين أمامهم، وقضت المحكمة الشرعية بتثبيت إسلامه وبتسجيله مسلماً رغماً عنه، ولم يستفيد لا من الطعن ولا من دعوى المخاصمة.
وجاء في حيثيات القرار الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض رقم 197 أساس 352 تاريخ 14/6/1999 (.. أن النطق بالشهادتين يكفي لإشهار الإسلام، وان الشرائط الواجب توافرها بتسجيل الطاعن مسلماً في قيود الأحوال المدنية لا تحول دون اعتباره مسلماً ولو لم تتوفر لأن مجرد النطق بالشهادتين يجعل المدعي بالمخاصمة مسلماً)
لا يتوقف الأمر على الطوائف المسيحية، أيضا الموحدون الدروز تطلب منهم المحاكم الشرعية وثيقة تغيير المذهب للسماح لهم بالزواج من باقي الطوائف الإسلامية. وهذا ما انتقده الباحث في مذهب التوحيد السيد نبيه السعدي واعتبره:"ثغرة قانونية كبيرة" وأضاف" إن المادة 49 تقول (زواج المسلمة من غير المسلم باطل) فكيف يطلب ذلك من الموحدين وهم مسلمون بموجب القانون رقم 411 الذي يحدد الطوائف الإسلامية ومن ضمنهم الموحدون..!"
ويطلقون رغماً عنهم..
يعرض المحامي (خليل معتوق) أوراق إحدى القضايا التي حكمت فيها المحكمة الشرعية بدمشق، بانفصال زوجين رغماً عنهما، يقول معتوق:" ( رقم القضية 997 أساس 8741/96 ) رجل مسيحي تزوج بامرأة مسلمة، دون أن يغير دينه، أنجبا طفلتين، لكن دوائر النفوس الرسمية رفضت أن تسجل الزواج كما رفضت تسجيل الطفلتين أو الاعتراف بهما..!؟ نصحهما قاضٍ بان ترفع الزوجة دعوة على زوجها، تقول فيها إن زوجها خدعها بالقول انه اعتنق الإسلام. وفعلا قامت الزوجة بذلك، فحكمت المحكمة الشرعية بدمشق بفساد الزواج، وليس ببطلانه كي لا يعتبر كل ما نتج عنه باطل، واعترفت بالطفلتين كنتيجة لزواجٍ فاسد، ونُسبتْهما إلى والدهما وجنسيته العربية السورية، لكنها بالمقابل حكمت بانفصال الزوجين فورا..!؟ وبإلحاق الطفلتين بدين أمهما وهو الإسلام لأنه (دين اشرف الأبوين دينا)كما جاء حرفيا بصيغة الحكم".
ويستغرب معتوق هذه الأحكام بهذه الصيغة التي درجت المحكمة الشرعية على استخدامها في القضايا المماثلة، قائلا: "المادة44 من الدستور تنص على أن (تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه..) مضيفا:"إن هذا يخالف أبسط الحقوق والحريات الشخصية".
السيد(أ) يصف قانون الأحوال الشخصية بـ "القراقوشي" فالكنيسة رفضت تزويجه من (ر) لاختلاف الدين، وكذلك المحكمة الشرعية، لكنه تزوج بطريقته الخاصة يقول (أ): " أرفض أن أجبر على تغيير ديني لأتزوج المرأة التي أحب، أليس من حقنا أن نتزوج ويبقى كلٍ منّا على دينه؟". لقد وجد الزوجين طريقةً تحايلا بها على قانون الأحوال الشخصية لكنهما يخشيان التصريح بها، خوفا من دعوة تفريق: "يستطيع أي شخص أن يرفعها عليهما" كما يقولان.
زوجته (ر)/ماجستير علم اجتماع/ تقول:" لم يكن هناك مشكلة لدى أهلي، فليس لدى طائفتي نص ديني يمنع الزواج من دين مختلف، لكن المحاكم الشرعية، تمنع ذلك، وهنا المفارقة بان النصوص الدينية متطورة على قانون الأحوال الشخصية..!"
ما خشيّ منه الزوجين، حصل في الدعوى رقم5245 لعام 2006 والتي رفعها مسؤول كبير لتفريق زوجين مضى على زواجهما 22 سنه..! وذلك بحجة اختلاف الدين، لكن الدعوة سقطت بالتقادم.
ويحرمون من التوارث ..
"المرأة المسلمة ترث زوجها المسلم، لكن إن كانت مسيحية وزوجها مسلم فلا تستطيع أن ترثه، وهذا تمييز بين امرأة وأخرى"، هذا ما تقوله المحامية موسى منتقدةً المادة(264) من قانون الأحوال الشخصية(المسيحي لا يرث مسلم والمسلم لا يرث مسيحي).
في ذات السياق يروي المحامي خليل معتوق ما جرى مع قريبه(جورج) 23 سنه، الذي أصبح لا يستطيع أن يرث والده: "اكتشف انه مسلم بالصدفة عند إجراء معاملة في دائرة النفوس- فوالده المسيحي أسلم منذ زمنٍ بعيد ليتمكن من تطليق زوجته السابقة، ثم تزوج بمسيحية فأصبح رسميا مسلم متزوج بمسيحية، وبالتالي أولاده مسلمون –
(جورج) لم يتخيل نفسه يوما إلا مسيحيا، فتقدم بدعوى أمام القضاء وأتى بشهود وقدم دلائل على أن دراسته بالمدرسة كانت للديانة المسيحية، ويذهب إلى الكنيسة باستمرار، فصدر الحكم بتغيير دينه إلى المسيحية، وشكّل ذلك سابقةً بالقضاء السوري، ولكن نص الحكم أيضاً على بقاء والده مسلماً، وبالنتيجة أصبح لا يحقه لـه أن يرث والده وفقاً للمادة المذكورة "
وبذات الاتجاه، يشير مستشارٌ قضائي في محكمة السويداء /رفض ذكر اسمه/ إلى النزاع القائم حاليا بين ورثة الفنان الراحل فهد بلان على التركة، فالمرحوم/بسبب زواجه مرة من داخل طائفته ومرة من خارجها/ لديه أولاد من طائفتين مختلفتين، وكلاً منهما يحاول أن يثبت بان والدهم كان ينتمي للطائفة التي ينتمون لها، كي يستأثروا بالتركة وفقا القاعدة القانونية التي تقول "لا توارث مع اختلاف الدين".
بغياب الزواج المدني..
يتعايش بسوريا أكثر من 13 مذهب ودين، وفيها 7 محاكم للزواج( المحاكم الشرعية والمحكمة المذهبية الدرزية والمحكمة الروحية للروم الأرثوذكس ومحكمة للكاثوليك ومحكمة للسريان ومحكمة للإنجيليين، ومحكمة للطائفة الموسوية..) تختلف أحكامها وقوانينها باختلاف مذهبها الديني .
تقول المحامية موسى:" قانوناً الزواج في سوريا ديني، وبدون وجود قانون مدني غير ديني، لا يمكننا الحديث عن زواج مختلط، قانون الأحوال الشخصية لا يميز فقط بين الرجل والمرأة، بل يميز بين امرأة وأخرى، فالمرأة المسلمة لا تستطيع الزواج من رجل مسيحي، بينما تستطيع المرأة المسيحية أن تتزوج من رجلٍ مسلمٍ، المرأة المسلمة ترث زوجها المسلم، لكن المرأة المسيحية لا ترث زوجها المسلم..!حتى من يتزوجون بالخارج من أجنبيات بعقدٍ مدني فإن المحاكم السورية لا تعترف به، مما يسبب مشاكل ومنازعات، خاصة ما يتعلق منها بحضانة الأولاد والإرث وغيرها، في لبنان أو تونس يعترفون بتلك العقود، وفي سوريا يوجد قوانين للزواج المدني لكنها لا تطبق إلا على الأجانب فقط..!"
تتابع موسى" لماذا نكره الأشخاص على أمرٍ يناقض حرية المعتقد والزواج، وهما مكفولين بالدستور؟ ويناقض اتفاقية سيداو(مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة) والتي تعطي نفس الحقوق للرجل والمرأة بالزواج وما يتفرع عنه بصرف النظر عن الدين!
رجال الدين لدينا لا يريدون أن يتنازلوا عن سلطاتهم وامتيازاتهم، بيدهم الزواج والطلاق كما في المحاكم الروحية للطوائف المسيحية حتى دون أن يكونوا قضاة أو دارسين للقانون ".
ممثلو الأديان يرفضون القتل..
رغم الاعتقاد السائد بان رجال الدين يقفون وراء جرائم الشرف أو يشجعونها فان تصريحاتهم تخالف ذلك، ففي حديث مع شيخ عقل طائفة الموحدين حسين جربوع قال: "نحن كمذهب إسلامي لنا خصوصية، وقد أقرتها النصوص القانونية النافذة، المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية تمنع المصاهرة مع الغير، وتعدد الزوجات، وإرجاع المطلقة... نظامنا المقدس عمره أكثر من ألف عام ولا احد مخول بتغيره".
وتابع قائلاً:"من يخرج على المذهب له الحرية لا نلاحقه ولا نعاقبه، نحن ضد القتل إن كان بحالة الزواج من خارج الطائفة أو بغيرها، ولا حتى عن طريق القانون أو عن طريق العشائر، لدينا نصاً شريفاً يقول( القتل لا يستحسنه أحدا إلا إذا كان كافرا) ".
ويرفض جربوع الزواج المدني الاختياري ويعتبره أسلوبا للتفكك الأخلاقي والانحلال.
أما مفتي الجمهورية الشيخ احمد بدر الدين حسون، فقد أدان الجرائم التي ترتكب بسبب الزواج من خارج الدين، ورفع الغطاء عن مرتكبيها قائلا: "لا تسمح الشريعة بشكل من الأشكال لشخص أن يقيم الحدود الشرعية من خلال نفسه إن كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً، إنما إقامة الحدود من خلال الحاكم".
وطالب وزارة العدل بتشكيل لجنة لتعديل القوانين التي تعفي او تخفف عقوبة القاتل.
وحول حظر زواج المسلمة من مسيحي إلا إذا اشهر إسلامه باعتباره ذميا، قال(1) حسون: "هذه قضية القانون السوري والشريعة وحتى في أوروبا المرأة المسلمة لا تتزوج برجل مسيحي إلا إذا آمن بدينها".
من جهته يقول الأب انطون مصلح(رجل دين مسيحي): "نحن ضد القتل إنسانياً ودينياً، وصية الله تعالى تقول:"لا تقتل".الله وحده واهب الحياة ووحده يملك سلطان أخذها".
كما طالب بإلغاء المادة 548 واستنكر جرائم القتل بسبب الزواج المختلط، ودعا إلى: "إلغاء قانون الأحوال الشخصية لتعارضه مع الدستور الذي يضمن المساواة في الحقوق والواجبات للجميع دون أي تمييز لأي سبب كان".
والشباب يستنكرون ويساندون..
في استبيان قام به موقع سيريانيوز(2) مطلع هذا العام لمعرفة اتجاهات الرأي حول الزواج من خارج الدين أو المذهب، وطرح فيه أسئلة على 500 شخص اختيروا عشوائيا من بين طلاب الجامعات في دمشق واللاذقية وحمص ودير الزور والسويداء، أظهرت النتائج:
ان41% منهم يشجعون ويساندون الزواج من خارج الدين او الطائفة، بينما يقبل بهذا الزواج كأمر واقع 33%، ويرفضه21%، ويفضل قطع العلاقة مع من يقدم عليه 4% بينما يدعو 1% للملاحقة والقتل لهذه الحالات.
ونسبة العائلات(المقصود العائلة الكبيرة–الكنيه- وليس العائلة الصغيرة المؤلفة من أب وأم وأولاد) السورية التي فيها على الأقل شخص واحد متزوج من خارج طائفته او دينه31%، أعلى نسبة في اللاذقية 38% تليها السويداء 34% ثم حمص 33% ودمشق 31% ودير الزور 20%.
النسبة العامة لمن سبق له/لها التفكير بالاقتران بشريك من دين او طائفة مختلفة 41%، أعلى نسبة كانت في محافظة اللاذقية 54% تلتها حمص 52% ثم دمشق 39% ثم السويداء 38% ثم دير الزور 21%.
وحول سؤال عن العامل الأكثر أهمية الذي يحول دون الإقدام على هكذا زواج فقد أجاب 35% بأنه المحيط الاجتماعي و30% ربطوا الأمر بموقف الأسرة، بينما 18 % ردوا الأمر إلى عدم مساندة القانون لهكذا زواج والخوف من جرائم الشرف، و17% عزوا الأمر إلى موقف رجال الدين.
وعن الموقف من جرائم الشرف التي ترتكب بسبب الزواج من خارج الدين او المذهب،فقد أجاب 79.4% بأنهم يرفضون ويستنكرون ويدينون تلك الجرائم، بينما من يؤيدها 5.6%. ومن يقف على الحياد 14% .
وبلغت نسبة من سيسمحون لأبنائهم بالزواج من خارج الدين او الطائفة 43% بينما أجاب 38% بأنهم لن يسمحوا، و19% سيسمحون لأبنائهم الذكور فقط.
وحول وجود قانون للزواج المدني الاختياري(لمن يرغب) إلى جانب القوانين والمحاكم الشرعية والروحية المعمول بها، فقد بلغت نسبة المؤيدين 64%، وكانت أعلى نسبة في السويداء84 % تليها اللاذقية 64% ثم حمص 63%.
الإعلام يكسر حاجز الصمت..
خلافا للحوادث السابقة شكل مقتل (هدى ابو عسلي) آب/2005 على يد شقيقها (ف)53 سنة، نقطة تحول في تعاطي وسائل الإعلام المحلية مع أخبار تلك الجرائم.
أقيمت الندوات، واتخذ موقع نساء سوريا من مقتلها بداية لحملة بعنوان "أوقفوا قتل النساء..أوقفوا جرائم الشرف"، شارك فيها العديد من المنظمات الأهلية والحقوقية(3). وأشارت بعض التقارير إلى وقوع ما بين (200 - 300) جريمة شرف سنويا في سوريا، والتي احتلت المرتبة الرابعة عربيا والخامسة عالميا(4).
فيما شكك وزير العدل السيد محمد الغفري بهذه الأرقام قائلا:"ليس لدى الوزارة إحصائية" مشيرا إلى أن:"قانون العقوبات وغيره من القوانين بما فيها الناظمة لجرائم الشرف قيد البحث وإعادة النظر" لكنه أضاف:"الأمر يحتاج إلى تمهيد".
كما رفضت د.ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تلك الجرائم بالقول:"القتل بسبب الزواج من خارج الدين هي جرائم غير مبررة، لا يقبل بها أي إنسان يتمتع بالحدود الدنيا من التفكير السليم".
بغياب الدراسات، قام موقع سيريانيوز بإحصاء عدد حالات الزواج المختلط في إحدى قرى السويداء(عريقة) حوالي 6 ألاف نسمة، فوجد أن هناك 36 حالة، بينهم 9 نساء، لكن أي منهن لم تتعرض لأذى، بل قام بعضهن بهذه الخطوة بموافقة ذويهم.
إلا أن المحامية موسى تقول:" رغم التعايش بين جميع الطوائف والأديان، وكل الكلام عن لوحة الموزاييك، تبقى مسألة الزواج المختلط غير مقبولة لدى كل الطوائف، وان بدرجات مختلفة، وتلقى المرأة لهذا السبب معاملة سيئة ومقاطعة، وفي اغلب الحالات هي التي تتعرض للأذى أو القتل من قبل أهلها ".
Comment