مازن خير بك : الوطن السورية
07/ 10/ 2010
كثيرة هي أشكال وموديلات اللحوم التي تقدم على موائدنا، متنوعة بين البقر والغنم والدجاج وفي حالات نادرة لحم الجمل، متنقلة بين المنزل والمطعم والمقصف وسواها، بأسعار فوضوية يتحكم بها تراخي واستهتار وزارة الاقتصاد بالدرجة الأولى ومزاجية الجزار والمطعم بالدرجة الثانية، ولكن السؤال الأبرز هنا: هل يعلم أي منكم ما نوعية اللحوم التي يتناولها؟ وما مصدرها ومدى جودتها وصلاحيتها للاستهلاك؟ بل ما مدى الضرر الذي تسببه بعض أنواع منها؟
جلنا على جملة من الباعة والتجار وأصحاب الرأي المتصل بهذه المسألة، وكانت حصيلتها أن النسبة العظمى من اللحوم التي يتناولها المواطن السوري هي لحوم مستوردة من دول عدة أبرزها الهند ثم البرازيل وأستراليا وفي بعض الأحيان الإكوادور، على حين يتراجع اللحم الوطني إلى المراتب الأخيرة لجملة من الأسباب أبرزها استنزاف القطيع السوري من غنم العواس، وقلة عدد المباقر في القطر نتيجة لارتفاع أسعار الخلطات العلفية عالمياً.
أحد تجار اللحوم في مسلخ الزبلطاني – رفض ذكر اسمه- قال: إن نسبة لا بأس بها من اللحوم التي تباع في المسلخ هي من اللحوم المستوردة على اعتباره أصبح مكاناً مركزياً لتوزيع اللحوم وتجارتها، مع التفريق بين حالتين اثنتين أولاهما أن الجزار يعرف ويعي أن ما يشتريه من لحوم هي لحوم مستوردة يبيعها للمواطن، وثانيهما أن الجزار لا يعرف فحين تباع له بضع مئات من الكيلو غرامات من اللحم يكون بعضها وطنياً ويدس بين كمياتها قطع وكتل من اللحم المستورد وفي ذلك غش بين الجزار يتحمل وحده مسؤوليته أمام المواطن.
وبحسب التاجر نفسه فإن بعض الجزارين يذبحون البقر أسبوعياً في المسلخ وكذلك الأغنام ويتابعون العملية من الذبح إلى التقطيع وهم جزارون نظيفو الكف يبيعون لحماً نظيفاً ممتازاً، أما من يلقي حمله على الآخرين ويترك العملية تتم دون متابعته فهنيئاً له 90% من اللحم المستورد بدلاً من النسبة نفسها من لحم ذبيحته. ويضيف التاجر: إن جميع مطاعم دمشق وريفها تشتري اللحم المستورد سيئ النوعية والجودة وتقدمه على أنه لحم بلدي ممتاز باستثناء مطاعم سبعة في دمشق وريفها تشتري فعلاً اللحم البلدي وتقدمه للمواطن.
أما عن الربح في هذه العملية فيقول التاجر: ربح حلال باركه اللـه لمن يشتري اللحم البلدي ويبيعه للمواطن أو المطاعم مهما كانت نسبته لأن المسألة هنا تعتمد على نسبة الربح ومقداره مع التسليم بنظافة اللحم، أما عن البقية فأمرها مختلف، حيث يُباع كيلو اللحم المستورد سيئ النوعية سواء لقرب فساده أو قساوته تبعاً لكبر عمر الجاموس أو الخروف، يُباع بمبلغ يتراوح بين 100-110 ليرات سورية، على حين يُباع اللحم المهرب الفاسد بمبلغ 90 ليرة سورية، أما اللحم العادي المستورد فيباع بمبلغ 125 ليرة سورية، فتكون نسبة الربح هنا فاحشة وفي حالتين اثنتين، حيث إن الجزار يبيع اللحم للمواطنين بسعر البلدي ولنقل 600 ليرة سورية وهو يشتريه بمبلغ 125 ليرة فيكون ربحه والحال كذلك 475 ليرة سورية في كل كيلو غرام فإن باع 100 كغ فقط من اللحم يكون ربحه يومياً 47.5 ألف ليرة سورية، هذا بالنسبة للجزار، أما بالنسبة للمطاعم فأغلبيتها يشتري اللحم قريب الفساد أو حتى الفاسد فإن قلنا إن المطعم اشترى الكيلو غرام الواحد من اللحم بسعر 100 ليرة سورية.
مصادر الضابطة الجمركية باعتبارها صاحبة اليد الطولى في ضبط ومكافحة دخول اللحوم المهربة إلى الأسواق السورية، أوضحت أن المشكلة ليست في المهرب وحده بل في حلقة كاملة من التعامل يقع العبء الأكبر فيها من المسؤولية على عاتق المطاعم التي تشتري هذه اللحوم، على الرغم من حالتها العضوية السيئة، حيث توجد كميات من اللحوم التي قاربت الفساد أو فسدت خلال نقلها إلى بعض الدول المجاورة وأبرزها لبنان فيشتريها المهرب اللبناني وينتظر اللحظة المناسبة لدفنها على الحدود اللبنانية السورية كما الميت ويعطي الإشارة إلى المهرب السوري الذي ينتظر الفرصة المناسبة بعد يومين أو أربعة أيام لانتشالها وتحميلها وترحيلها إلى مراكز المدن لتباع للمطاعم، ويمكن تخيل ما دب فيها من فساد خلال هذه الفترة دون تبريد أو حفظ وعلى الرغم من ذلك يشتريها المطعم ويبيعها لزبائنه ومرتاديه، وتضيف مصادر الضابطة الجمركية: إن ريف دمشق من النبك إلى قارة والمشرفة وسواها تعتبر أبرز مناطق تهريب اللحوم في سورية باعتبارها محاذية للبنان المصدر الأول لهذه اللحوم.
وبحسب المصادر ذاتها فإن مجموع اللحوم التي ضبطت وصودرت على الحدود وعلى متن الشاحنات باتجاه المدن والمستودعات غير المبردة (والتي كان آخرها في دوما والنشابية) وصل إلى عدة مئات من الأطنان بلغت غراماتها المستحقة لمصلحة الخزينة العامة للدولة عشرات الملايين من الليرات السورية، مع الأخذ بالحسبان أهمية ما يجري مع المخالف لدى القضاء فما أن يدفع الغرامة حتى يخلى سبيله فيعاود الكرة مرة أخرى، فلماذا لا يُصار إلى تشديد العقوبة بحق هذا المخالف حتى يكون هو وسواه عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بصحة وغذاء المواطن...؟
مازن خير بك : الوطن السورية
07/ 10/ 2010
كثيرة هي أشكال وموديلات اللحوم التي تقدم على موائدنا، متنوعة بين البقر والغنم والدجاج وفي حالات نادرة لحم الجمل، متنقلة بين المنزل والمطعم والمقصف وسواها، بأسعار فوضوية يتحكم بها تراخي واستهتار وزارة الاقتصاد بالدرجة الأولى ومزاجية الجزار والمطعم بالدرجة الثانية، ولكن السؤال الأبرز هنا: هل يعلم أي منكم ما نوعية اللحوم التي يتناولها؟ وما مصدرها ومدى جودتها وصلاحيتها للاستهلاك؟ بل ما مدى الضرر الذي تسببه بعض أنواع منها؟
جلنا على جملة من الباعة والتجار وأصحاب الرأي المتصل بهذه المسألة، وكانت حصيلتها أن النسبة العظمى من اللحوم التي يتناولها المواطن السوري هي لحوم مستوردة من دول عدة أبرزها الهند ثم البرازيل وأستراليا وفي بعض الأحيان الإكوادور، على حين يتراجع اللحم الوطني إلى المراتب الأخيرة لجملة من الأسباب أبرزها استنزاف القطيع السوري من غنم العواس، وقلة عدد المباقر في القطر نتيجة لارتفاع أسعار الخلطات العلفية عالمياً.
أحد تجار اللحوم في مسلخ الزبلطاني – رفض ذكر اسمه- قال: إن نسبة لا بأس بها من اللحوم التي تباع في المسلخ هي من اللحوم المستوردة على اعتباره أصبح مكاناً مركزياً لتوزيع اللحوم وتجارتها، مع التفريق بين حالتين اثنتين أولاهما أن الجزار يعرف ويعي أن ما يشتريه من لحوم هي لحوم مستوردة يبيعها للمواطن، وثانيهما أن الجزار لا يعرف فحين تباع له بضع مئات من الكيلو غرامات من اللحم يكون بعضها وطنياً ويدس بين كمياتها قطع وكتل من اللحم المستورد وفي ذلك غش بين الجزار يتحمل وحده مسؤوليته أمام المواطن.
وبحسب التاجر نفسه فإن بعض الجزارين يذبحون البقر أسبوعياً في المسلخ وكذلك الأغنام ويتابعون العملية من الذبح إلى التقطيع وهم جزارون نظيفو الكف يبيعون لحماً نظيفاً ممتازاً، أما من يلقي حمله على الآخرين ويترك العملية تتم دون متابعته فهنيئاً له 90% من اللحم المستورد بدلاً من النسبة نفسها من لحم ذبيحته. ويضيف التاجر: إن جميع مطاعم دمشق وريفها تشتري اللحم المستورد سيئ النوعية والجودة وتقدمه على أنه لحم بلدي ممتاز باستثناء مطاعم سبعة في دمشق وريفها تشتري فعلاً اللحم البلدي وتقدمه للمواطن.
أما عن الربح في هذه العملية فيقول التاجر: ربح حلال باركه اللـه لمن يشتري اللحم البلدي ويبيعه للمواطن أو المطاعم مهما كانت نسبته لأن المسألة هنا تعتمد على نسبة الربح ومقداره مع التسليم بنظافة اللحم، أما عن البقية فأمرها مختلف، حيث يُباع كيلو اللحم المستورد سيئ النوعية سواء لقرب فساده أو قساوته تبعاً لكبر عمر الجاموس أو الخروف، يُباع بمبلغ يتراوح بين 100-110 ليرات سورية، على حين يُباع اللحم المهرب الفاسد بمبلغ 90 ليرة سورية، أما اللحم العادي المستورد فيباع بمبلغ 125 ليرة سورية، فتكون نسبة الربح هنا فاحشة وفي حالتين اثنتين، حيث إن الجزار يبيع اللحم للمواطنين بسعر البلدي ولنقل 600 ليرة سورية وهو يشتريه بمبلغ 125 ليرة فيكون ربحه والحال كذلك 475 ليرة سورية في كل كيلو غرام فإن باع 100 كغ فقط من اللحم يكون ربحه يومياً 47.5 ألف ليرة سورية، هذا بالنسبة للجزار، أما بالنسبة للمطاعم فأغلبيتها يشتري اللحم قريب الفساد أو حتى الفاسد فإن قلنا إن المطعم اشترى الكيلو غرام الواحد من اللحم بسعر 100 ليرة سورية.
مصادر الضابطة الجمركية باعتبارها صاحبة اليد الطولى في ضبط ومكافحة دخول اللحوم المهربة إلى الأسواق السورية، أوضحت أن المشكلة ليست في المهرب وحده بل في حلقة كاملة من التعامل يقع العبء الأكبر فيها من المسؤولية على عاتق المطاعم التي تشتري هذه اللحوم، على الرغم من حالتها العضوية السيئة، حيث توجد كميات من اللحوم التي قاربت الفساد أو فسدت خلال نقلها إلى بعض الدول المجاورة وأبرزها لبنان فيشتريها المهرب اللبناني وينتظر اللحظة المناسبة لدفنها على الحدود اللبنانية السورية كما الميت ويعطي الإشارة إلى المهرب السوري الذي ينتظر الفرصة المناسبة بعد يومين أو أربعة أيام لانتشالها وتحميلها وترحيلها إلى مراكز المدن لتباع للمطاعم، ويمكن تخيل ما دب فيها من فساد خلال هذه الفترة دون تبريد أو حفظ وعلى الرغم من ذلك يشتريها المطعم ويبيعها لزبائنه ومرتاديه، وتضيف مصادر الضابطة الجمركية: إن ريف دمشق من النبك إلى قارة والمشرفة وسواها تعتبر أبرز مناطق تهريب اللحوم في سورية باعتبارها محاذية للبنان المصدر الأول لهذه اللحوم.
وبحسب المصادر ذاتها فإن مجموع اللحوم التي ضبطت وصودرت على الحدود وعلى متن الشاحنات باتجاه المدن والمستودعات غير المبردة (والتي كان آخرها في دوما والنشابية) وصل إلى عدة مئات من الأطنان بلغت غراماتها المستحقة لمصلحة الخزينة العامة للدولة عشرات الملايين من الليرات السورية، مع الأخذ بالحسبان أهمية ما يجري مع المخالف لدى القضاء فما أن يدفع الغرامة حتى يخلى سبيله فيعاود الكرة مرة أخرى، فلماذا لا يُصار إلى تشديد العقوبة بحق هذا المخالف حتى يكون هو وسواه عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بصحة وغذاء المواطن...؟
مازن خير بك : الوطن السورية
Comment