المصدر : رياض إبراهيم أحمد
20/01/2010
منذ السبعينات وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، كان من النادر أن يخلو منزل سوري من المنتجين الوطنيين؛ براد «بردى» وتلفاز «سيرونيكس»، وكانت منتجات أخرى حال بسكوت وألبان «الشرق» ماركة معروفة ومتداولة، ومازالت مرتبطة بذاكرة العديد حتى تاريخه. لتتحوَّل اليوم هذه المنتجات إلى إطلالة في دفتر ذكريات وزارة الصناعة، التي تطرح قطاعاتها الصناعية تباعاً للاستثمار تحت مبرّر الخسارة المتكرِّرة، وانفتاح الأسواق وإغراقها بالمنتجات المثيلة، وانعدام القدرة التنافسية.
20/01/2010
منذ السبعينات وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، كان من النادر أن يخلو منزل سوري من المنتجين الوطنيين؛ براد «بردى» وتلفاز «سيرونيكس»، وكانت منتجات أخرى حال بسكوت وألبان «الشرق» ماركة معروفة ومتداولة، ومازالت مرتبطة بذاكرة العديد حتى تاريخه. لتتحوَّل اليوم هذه المنتجات إلى إطلالة في دفتر ذكريات وزارة الصناعة، التي تطرح قطاعاتها الصناعية تباعاً للاستثمار تحت مبرّر الخسارة المتكرِّرة، وانفتاح الأسواق وإغراقها بالمنتجات المثيلة، وانعدام القدرة التنافسية.
طبعاً، المسألة ليست مسألة منافسة، لجهة أنَّ هذه المنتجات كانت منافسة وتستطيع الاستمرار، بدليل إبقاء شركة «الشرق» على خط إنتاج البيرة الرابح والمنافس بقوة، رغم توافر المنتجات المثيلة؛ ما يعني وجود أسباب أخرى، أهمها رغبة القيمين على الصناعة الوطنية، في طرح هذه القطاعات للاستثمار وخصخصتها، وتحقيق راحة البال؟!.
¶رصاصة الرحمة
جاء قرار وزارة الصناعة بعد دراسة قامت بها مديرية تخطيطها، بإيقاف خطي إنتاج شركة «الشرق» (ألبان وبسكويت الشرق)، على قاعدة عدم وجود جدوى اقتصادية من استمرارهما، وتحوُّلهما إلى عبء ثقيل على الشركة التي استطاعت تحقيق توازن لسنوات طويلة من خلال معادلة الربح في مكان والخسارة في مكان آخر. في حين أكَّدت وزارة الصناعة أنَّ شركة «بردى» لاتزال قائمة، وخطوط إنتاجها تعمل، خلاف إدارة الشركة التي أكَّدت من خلال ضبابية أجوبتها وعزوفها عن تقديم الأرقام، أنَّ الشركة تترنَّح، وهي قاب قوسين بين رصاصة الرحمة والتوقُّف عن الإنتاج، وبين طرحها للاستثمار، مبيِّنة أنَّ السبب الرئيس في ما آلت إليه حال الشركة، هو المنافسة القوية التي تتعرَّض لها في الأسواق المحلية، وعدم وجود منافذ بيع خارجية، إلا أنَّ مؤشرات أرض الواقع تفضي إلى تخلُّف منتجات الشركة، تقنياً وفنياً وجمالياً، عن باقي المنتجات المثيلة، حيث لم يطلها التطوير والتحديث منذ بداية إطلاقها كمنتج؛ لا في خطوط إنتاجها، ولا جودة منتجها؛ ما جعلها خارج لعبة الأسواق.. وخارج حسابات المستهلك الذي تعدَّدت الخيارات أمامه.
¶ عقلية تسويقية
سرَّ لي صديق يعمل على خطوط إنتاج شركة «سيرونيكس»، أنَّ إنتاج الشركة منذ خمس سنوات كان يصل إلى حوالي 600 جهاز في اليوم الواحد، وبعد هذه السنوات الطويلة من الخبرة والعراقة، أصبح إنتاج الشركة حوالي 50 جهازاً في اليوم الواحد، مع لحظ تكدُّس الإنتاج في المستودعات وعدم قدرة الشركة على بيع الخمسين جهازاً؛ حصيلة إنتاجها اليومي، بسبب ضياع الأسواق المحلية المغرقة بأنواع مثيلة منافسة من حيث الجودة والسعر، وعدم وجود عقود تصدير وبيع خارجي.
وعليه، أصبحت حصيلة العمل اليومي الفعلي للعامل في شركة «سيرونيكس» قرابة النصف ساعة يومياً، ومن بعدها يتَّجه عمال خطوط الإنتاج إلى تناول وجبات الطعام وشرب المتة والتسلية، ومنهم مَن يصعد إلى الطوابق العليا للنوم بعد أن تحوَّلت طاولات التطبيق الصناعي إلى أسرَّة نوم، حال صديقنا الذي يعمل طوال الليل ويخلد للنوم في شركة «سيرونيكس» من الساعة العاشرة وحتى نهاية الدوام. وبعد كلِّ ما تقدَّم، هل المشكلة في موظف القطاع الحكومي الذي تراجعت حوافزه، وندرت مكافآته وأصابه الملل والعجز الفكري والانتاجي، أم المشكلة في المُنتج والأسواق، أم في خطوط الإنتاج والتقانة.. قد تكون المشكلة في كلِّ ذلك، ولكنها تعتبر مشكلات ثانوية في حال المقارنة بين القطاع الصناعي الخاص، والقطاع الصناعي العام، الوطنيين، لنجد الفرق في العقلية الاقتصادية والمؤسساتية، وتمتُّع الخاص بالديناميكية والمقدرة على المناورة، واختلاق الفرص والاستفادة من الطاقات البشرية، واستثمار أدقِّ المقومات المحيطة. إذاً، تتبلور المشكلة في العقلية الإدارية للقطاع الصناعي العام؟!.
¶ التطوير
هناك العديد من الشركات الإنتاجية، حال «بردى»، لم يطلها التحديث والتطوير منذ سبعينات القرن الماضي، فكلُّ شيء في الشركة بقي على حاله؛ من خطوط الإنتاج، إلى المعدات والتقانة، والمواد الخام، وطريقة التسويق والعرض، مروراً بنوعية المنتج وجودته وميزاته وشكله؛ وقد باتت هذه الأمور بمجملها عبئاً ثقيلاً على المنتج، وأحد أسباب كساده. وأما السبب، فهو كما المضحك المبكي؛ لجهة أنَّ هذه الشركات التي تبلغ تكلفتها مليارات الليرات السورية لاتوجد فيها مكاتب تصميم ودراسات لتطوير مواصفات وميزات منتجها، بحيث يغدو منتجاً سلعياً منافساً، يقول غسان طيارة، وزير الصناعة الأسبق: «شركة بردى متخلّفة في أمرين؛ التسويق والتطوير والتصميم الجيد، ففي العام 1983 كنت في المجلس الأعلى للتخطيط، وقتها طرح وزير الصناعة بأن يأخذوا براءة اختراع صناعي من إحدى الشركات العالمية العريقة في صناعة البرادات، وطلبت حينها أن يتمَّ إحداث مكاتب تصميم ودراسات في شركاتنا لإنتاج أفضل البرادات، ورغم إعجاب الحكومة بالطرحين، إلا أنه لم يتم العمل بهما. واستمرَّ إنتاج البراد بأشكال متخلّفة، تبعه تخلُّف الإمكانات تباعاً؛ الأمر الذي أوصلها إلى هذه النهاية، فهذه الشركة وغيرها من الشركات الأخرى لن يكتب لها الاستمرار إن لم يكن هناك قسم متخصِّص بالتصميم والتطوير، ولا أدري أسباب إسقاط هذا المكتب من حساب الشركات الإنتاجية». ويتابع طيارة: «تحتاج شركة برادات بردى إلى 300 مليون ليرة كحدٍّ أدنى، وبقرض طويل الأمد. ويجب أن ينشأ مكتب متميِّز للتصميم يقوم بوضع تصاميم منافسة للبرادات وفق مواصفات عالمية. إذاً، يجب أن ترصد أموال واعتمادات كافية لهذه الشركات».
¶ 45 مليوناً.. الأرباح
يقول مدير شركة «الشرق»، المهندس ناصر حنينو: «بلغت أرباحنا السنوية من البيرة للعام 2008، بعد المنافسة التي فرضت خفض الأسعار، وتقليص هامش الربح، بحدود 45 مليون ليرة سورية، وانخفض الرقم في العام 2009، نتيجة وضع الشركة ككل.. والدراسات التي تمَّت نية تطوير الأنشطة الإنتاجية الخاسرة، بيَّنت أنَّ الأمر يتطلَّب استثمارات كبيرة جداً، فعمر جهاز تعقيم الحليب 59 عاماً، واستبداله يكلِّف قرابة 150 مليون ليرة، ومع التوجيهات التي تنصُّ على عدم الاستثمار في القطاعات الخاسرة، كان الحلُّ في إيقاف النشاطين الخاسرين. والبحث عن كيفية الحفاظ على هذا القطاع وتضمينه مقومات الحياة من خلال البحث عن منتجات بديلة».
¶ الإنقاذ ممكن
يبقى السؤال المهم: هل هناك إمكانية لتطوير هذه الشركات وتحويلها إلى رابحة؟.. يقول الهندس طيارة: «لكلِّ شركة من هذه الشركات مشكلة.. فمثلاً شركة «الشرق» معاملها قديمة جداً، و»بردى» أيضاً.. لكن بشكل عام، معظم شركاتنا تفتقد الخبرة التسويقية؛ فخلال الفترة السابقة كان التسويق مقتصراً على مؤسسات الدولة مثل الاستهلاكية وغيرها، أما الآن فشراء المؤسسات الاستهلاكية من مواقع مختلفة ممكن، وما يهمُّها هو أن تربح، لذلك أصبح عالة عليها أن تتعاقد مع بعض المؤسسات الإنتاجية العامة، لتسويق منتجاتها، حيث يرتبط التسويق مباشرة بعناصر الجودة والشكل، وكيفية التعامل مع الزبون، ومعظم هذه العناصر تفتقدها شركاتنا.. إلا أنَّ هذه المشكلات ليست الوحيدة، بدليل سماح الدولة لشركة الإسمنت بالقيام بعمليات بيع مباشرة للمستهلك، وهنا هرعت الشركة للاستعانة بالوكلاء لشراء بضاعتها، ومن ثم بيعها للمستهلك، علماً بأنَّ الإسمنت مادة مطلوبة ووحيدة لا تحتاج إلى وكلاء، والمواطن يجب أن يذهب إلى الشركة مباشرة لشراء الاسمنت، خلاف شركة «تاميكو» مثلاً التي تحتاج إلى مسوِّقين نتيجة تعدُّد أصنافها؛ ما يعني أنَّ التسويق قد أصبح بعيداً عن عقول المديرين العامين، مع تأكيدي على أنَّ لكلِّ شركة ظروفها التي قد تساعدها لتصبح رابحة وبإمكانات مادية محدودة. والسؤال: هل يمكن أن تتطوَّر هذه الشركات دون أن تنفق المال؟، أعتقد أنَّ الإنفاق مطلوب، والسرعة في العمل مطلوبة، فالشركات تحتاج إلى قوانين فنية وتسويقية وجودة، وسبر ما يحتاج إليه المستهلك. ومن دون الحديث عن التسويق والتصميم والجودة، من الصعب إنقاذ القطاع العام.. مع الإشارة إلى أنَّ الآلات القديمة قادرة على أن تصنع وأن تربح».
¶ شركة «الشرق».. تبحث عن مقومات استمرارها
يقول مدير شركة «بردى»، المهندس حنينو: «لشركة بردى ثلاثة نشاطات إنتاجية (البيرة، البسكويت، الألبان)، وكان نشاطا البسكويت والألبان يعرِّضانها لخسائر كبيرة، يغطّيها هامش ربح منتج البيرة، ولكن الموقف تبدَّل كلياً؛ فخلال السنوات الخمس الأخيرة، وتحديداً بعد تواضع قدرة مؤسسة المباقر على تلبية احتياجاتنا، وارتفاع أسعار الحليب، زادت خسائرنا في خطوط إنتاج البسكويت والألبان، أضف إليها عوامل قدم الآلات والتجهيزات؛ ما حرمنا من المقدرة التنافسية في الأسواق الداخلية. مجمل هذه الأسباب لم تكن عاملاً مباشراً في اتخاذ قرار إيقاف هذين الخطين، إنما أيضاً دخول كميات كبيرة مخالفة من البيرة المستوردة، وضع منتجنا أمام منافسة كبيرة منته بخسائر كبيرة، وباتت تؤثِّر سلباً في قدرة البيرة على تغطية خسائر الخطوط الإنتاجية الأخرى للشركة، حيث بلغت الخسائر المالية لكلِّ خط إنتاجي 20 مليوناً سنوياً؛ ما دفع الوزارة من خلال مديرية تخطيطها إلى إجراء دراسة اقتصادية، وعلى ضوئها كان هناك قرار بوقف نشاطي الألبان والبسكويت».
¶ أنشطة إنتاجية جديدة
أكَّد المهندس حنينو، أنَّ إغلاق خطوط ألبان وبسكويت «الشرق»، سيقابله إطلاق خطوط إنتاج أخرى، وهناك دراسة تمَّ التوقيع عليها والموافقة على بدء تنفيذها، وتتعلَّق بإنتاج شركة «الشرق» لمنتج مشروب الشعير، والمتوقّع بدء إنتاجه بداية العام الحالي. وفي ما يتعلَّق بمستقبل العمال، يقول حنينو: «حتى تاريخه، لم نفكِّر في نقل عمالنا وتحويلهم إلى شركات أخرى، إنما كان قرارنا بتغطية نقص معمل البيرة باليد العاملة، والجزء الآخر منهم سيتمُّ فرزهم لمصلحة المشروع الجديد، والمتبقّي منهم سيتمُّ نقلهم إلى قطاعات أخرى.. بمطلق الأحوال، هذا القرار أثره الاقتصادي إيجابي، فمن خلال عملية حسابية بسيطة نجد أنَّ خسائر الخطين السنوية بلغت 40 مليوناً؛ منها 25 مليوناً في الرواتب والأجور؛ ما يعني أننا نستطيع تحقيق وفر سنوي مقداره 15 مليوناً بمجرد إيقاف الخطين، وأما الأثر الاجتماعي فنجد أنه لم يتضرَّر أيُّ عامل، على أننا فتحنا مجالاً للنقل الطوعي».
¶ نسب ورسوم
يتابع حنينو: «هناك فكرة لطرح المعامل الخاسرة للاستثمار، وقد تمَّ إعداد الشروط التي تمكِّن المستثمر من إضافة ميزات جديدة إلى المعمل، وفي حال تحقَّق الأمر، فهذا يعني إيراداً إضافياً للشركة. أما البيرة، فتمتلك مقومات المنافسة في الجودة، ولكنها غير متعادلة مع المنتجات المستوردة بطرق غير نظامية في موضوع نسب الضرائب ورسوم الإنفاق الاستهلاكي التي ندفعها، والتي تبلغ 35 % زيادة على التكلفة الحقيقية، وسنوياً نحوِّل لوزارة المالية بين 60 - 70 مليون ليرة رسوم إنفاق استهلاكي، وخلال شهر 12 من العام 2009 حوَّلنا قرابة 6.5 مليون ليرة، علماً بأنَّ الخطة أقل مما هي..
العقلية التسويقية.. مشكلة عالقة
تتصدَّر العقلية التسويقية قائمة المشكلات العالقة التي تعتبر حجر عثرة أمام شركات القطاع العام؛ يقول المهندس طيارة: «في أوروبا الطبيب يشتري الدواء بقيمة 10 % من سعر المبيع، فهل تستطيع شركة تاميكو الدوائية أن تتعامل مع الأطباء بهذه الطريقة». أيضاً أشارت الصيدلانية ديالا إلى أنَّ شركات دواء القطاع الخاص تمنح عروضاً مغرية في منافذ التسويق، ويصل هذا العرض إلى تقديم علبة دواء مجانية إضافة إلى هامش الربح عند شراء صنف معين من منتجاتها الدوائية.
ويضيف الدكتور محسن: «مندوبو شركات الأدوية يقومون بالتسويق المجاني لمنتجاتهم الجديدة، من خلال منح عبوات كُتب عليها غير مخصص للبيع للأطباء، كما يقومون بمنح مكافآت وهدايا دورية للأطباء، مقابل إدراج منتجاتهم في وصفات علاج مرضاهم».
إذاً المرونة والديناميكية والعقلية التسويقية الجديدة، جميعها مفاهيم بعيدة عن عقلية القطاع العام الصناعي. وهذا أمر غاية في الأهمية؛ فتحمل المسؤولية والشعور بالانتماء حيال هذا القطاع والتعامل معه وفق آلية وعقلية السوق يجب أن يحتلَّ المرتبة الأولى، ومن بعدها تأتي العقلية المؤسساتية الروتينية. ويضيف طيارة: «كانت هناك محاولات لزيادة مخصصات الدعاية لشركة تاميكو؛ لزيادة مرونتها. ولكن فشل الأمر لعدم وجود صلاحيات». من هنا يتبيَّن لنا أنَّ موضوع الحلقات الإدارية وتسلسل الصلاحيات هو من أكبر عقبات القطاع الصناعي والاقتصادي العام.
ويتابع حنينو: «المشكلة في القطاع العام هي آليات العمل التي تحكمه، والإجراءات التي تجعله في منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، في جوانب تأمين المواد الأولية، وواقع البطالة المقنعة والعمالة، وموضوع المرونة في تطوير الإنتاج والديناميكة في التسويق.. جميع هذه الأسباب وغيرها إن لم تتم إعادة النظر فيها ستوصل القطاع العام الإنتاجي حكماً إلى نفس النتيجة، فمن غير المنطقي أن يكون القطاع العام محكوماً بمخزون المستودع؟».
¶ «بردى» متوقِّفة ومطروحة للاستثمار
من جانبه، يقول مدير شركة «بردى»: «خط إنتاج برادات «بردى» يعمل، وحجم الإنتاج اليومي يبلغ الحجم المقرَّر في خطة الإنتاج المخفضة، على أننا متوقِّفون حالياً عن الإنتاج لجهة أعمال الصيانة، وسنعاود الإنتاج نهاية الشهر الحالي»..
ويتابع: «منذ مدة طويلة أصبنا بضعف في العملية الإنتاجية نتيجة ضعف السيولة، وعدم توافر المواد الأولية، وقدم الآلات التي لم تُجدَّد منذ افتتاح الشركة في العام 1970، والمنافسة الشديدة التي نتعرَّض لها في الجودة والسعر.. وجميعها عوامل أدَّت إلى خفض إنتاجنا إلى حدوده الدنيا، وعرَّضتنا لخسارات مستمرَّة متلاحقة منذ العام 1996؛ الأمر الذي أدَّى إلى طرح الشركة للاستثمار.. ومع ذلك، نحن مستمرُّون في العمل حتى يوقَّع عقد استثمارها».
ومع هذا التصريح، يتبيَّن لنا التباين في تقديم المعلومة، فوزارة الصناعة أكَّدت استمرار الشركة في الإنتاج، لتأتي وتؤكِّد لنا إدارة الشركة توقُّفها بسبب أعمال الصيانة، ثم تعاود القول بوجود طرح استثماري للشركة، إلا أنَّ هناك عمَّالاً من داخل الشركة أكَّدوا لنا عدم وجود أيّ أعمال صيانة، وخطوط إنتاج برادات «بردى» متوقِّفة عن الإنتاج بالمطلق
¶رصاصة الرحمة
جاء قرار وزارة الصناعة بعد دراسة قامت بها مديرية تخطيطها، بإيقاف خطي إنتاج شركة «الشرق» (ألبان وبسكويت الشرق)، على قاعدة عدم وجود جدوى اقتصادية من استمرارهما، وتحوُّلهما إلى عبء ثقيل على الشركة التي استطاعت تحقيق توازن لسنوات طويلة من خلال معادلة الربح في مكان والخسارة في مكان آخر. في حين أكَّدت وزارة الصناعة أنَّ شركة «بردى» لاتزال قائمة، وخطوط إنتاجها تعمل، خلاف إدارة الشركة التي أكَّدت من خلال ضبابية أجوبتها وعزوفها عن تقديم الأرقام، أنَّ الشركة تترنَّح، وهي قاب قوسين بين رصاصة الرحمة والتوقُّف عن الإنتاج، وبين طرحها للاستثمار، مبيِّنة أنَّ السبب الرئيس في ما آلت إليه حال الشركة، هو المنافسة القوية التي تتعرَّض لها في الأسواق المحلية، وعدم وجود منافذ بيع خارجية، إلا أنَّ مؤشرات أرض الواقع تفضي إلى تخلُّف منتجات الشركة، تقنياً وفنياً وجمالياً، عن باقي المنتجات المثيلة، حيث لم يطلها التطوير والتحديث منذ بداية إطلاقها كمنتج؛ لا في خطوط إنتاجها، ولا جودة منتجها؛ ما جعلها خارج لعبة الأسواق.. وخارج حسابات المستهلك الذي تعدَّدت الخيارات أمامه.
¶ عقلية تسويقية
سرَّ لي صديق يعمل على خطوط إنتاج شركة «سيرونيكس»، أنَّ إنتاج الشركة منذ خمس سنوات كان يصل إلى حوالي 600 جهاز في اليوم الواحد، وبعد هذه السنوات الطويلة من الخبرة والعراقة، أصبح إنتاج الشركة حوالي 50 جهازاً في اليوم الواحد، مع لحظ تكدُّس الإنتاج في المستودعات وعدم قدرة الشركة على بيع الخمسين جهازاً؛ حصيلة إنتاجها اليومي، بسبب ضياع الأسواق المحلية المغرقة بأنواع مثيلة منافسة من حيث الجودة والسعر، وعدم وجود عقود تصدير وبيع خارجي.
وعليه، أصبحت حصيلة العمل اليومي الفعلي للعامل في شركة «سيرونيكس» قرابة النصف ساعة يومياً، ومن بعدها يتَّجه عمال خطوط الإنتاج إلى تناول وجبات الطعام وشرب المتة والتسلية، ومنهم مَن يصعد إلى الطوابق العليا للنوم بعد أن تحوَّلت طاولات التطبيق الصناعي إلى أسرَّة نوم، حال صديقنا الذي يعمل طوال الليل ويخلد للنوم في شركة «سيرونيكس» من الساعة العاشرة وحتى نهاية الدوام. وبعد كلِّ ما تقدَّم، هل المشكلة في موظف القطاع الحكومي الذي تراجعت حوافزه، وندرت مكافآته وأصابه الملل والعجز الفكري والانتاجي، أم المشكلة في المُنتج والأسواق، أم في خطوط الإنتاج والتقانة.. قد تكون المشكلة في كلِّ ذلك، ولكنها تعتبر مشكلات ثانوية في حال المقارنة بين القطاع الصناعي الخاص، والقطاع الصناعي العام، الوطنيين، لنجد الفرق في العقلية الاقتصادية والمؤسساتية، وتمتُّع الخاص بالديناميكية والمقدرة على المناورة، واختلاق الفرص والاستفادة من الطاقات البشرية، واستثمار أدقِّ المقومات المحيطة. إذاً، تتبلور المشكلة في العقلية الإدارية للقطاع الصناعي العام؟!.
¶ التطوير
هناك العديد من الشركات الإنتاجية، حال «بردى»، لم يطلها التحديث والتطوير منذ سبعينات القرن الماضي، فكلُّ شيء في الشركة بقي على حاله؛ من خطوط الإنتاج، إلى المعدات والتقانة، والمواد الخام، وطريقة التسويق والعرض، مروراً بنوعية المنتج وجودته وميزاته وشكله؛ وقد باتت هذه الأمور بمجملها عبئاً ثقيلاً على المنتج، وأحد أسباب كساده. وأما السبب، فهو كما المضحك المبكي؛ لجهة أنَّ هذه الشركات التي تبلغ تكلفتها مليارات الليرات السورية لاتوجد فيها مكاتب تصميم ودراسات لتطوير مواصفات وميزات منتجها، بحيث يغدو منتجاً سلعياً منافساً، يقول غسان طيارة، وزير الصناعة الأسبق: «شركة بردى متخلّفة في أمرين؛ التسويق والتطوير والتصميم الجيد، ففي العام 1983 كنت في المجلس الأعلى للتخطيط، وقتها طرح وزير الصناعة بأن يأخذوا براءة اختراع صناعي من إحدى الشركات العالمية العريقة في صناعة البرادات، وطلبت حينها أن يتمَّ إحداث مكاتب تصميم ودراسات في شركاتنا لإنتاج أفضل البرادات، ورغم إعجاب الحكومة بالطرحين، إلا أنه لم يتم العمل بهما. واستمرَّ إنتاج البراد بأشكال متخلّفة، تبعه تخلُّف الإمكانات تباعاً؛ الأمر الذي أوصلها إلى هذه النهاية، فهذه الشركة وغيرها من الشركات الأخرى لن يكتب لها الاستمرار إن لم يكن هناك قسم متخصِّص بالتصميم والتطوير، ولا أدري أسباب إسقاط هذا المكتب من حساب الشركات الإنتاجية». ويتابع طيارة: «تحتاج شركة برادات بردى إلى 300 مليون ليرة كحدٍّ أدنى، وبقرض طويل الأمد. ويجب أن ينشأ مكتب متميِّز للتصميم يقوم بوضع تصاميم منافسة للبرادات وفق مواصفات عالمية. إذاً، يجب أن ترصد أموال واعتمادات كافية لهذه الشركات».
¶ 45 مليوناً.. الأرباح
يقول مدير شركة «الشرق»، المهندس ناصر حنينو: «بلغت أرباحنا السنوية من البيرة للعام 2008، بعد المنافسة التي فرضت خفض الأسعار، وتقليص هامش الربح، بحدود 45 مليون ليرة سورية، وانخفض الرقم في العام 2009، نتيجة وضع الشركة ككل.. والدراسات التي تمَّت نية تطوير الأنشطة الإنتاجية الخاسرة، بيَّنت أنَّ الأمر يتطلَّب استثمارات كبيرة جداً، فعمر جهاز تعقيم الحليب 59 عاماً، واستبداله يكلِّف قرابة 150 مليون ليرة، ومع التوجيهات التي تنصُّ على عدم الاستثمار في القطاعات الخاسرة، كان الحلُّ في إيقاف النشاطين الخاسرين. والبحث عن كيفية الحفاظ على هذا القطاع وتضمينه مقومات الحياة من خلال البحث عن منتجات بديلة».
¶ الإنقاذ ممكن
يبقى السؤال المهم: هل هناك إمكانية لتطوير هذه الشركات وتحويلها إلى رابحة؟.. يقول الهندس طيارة: «لكلِّ شركة من هذه الشركات مشكلة.. فمثلاً شركة «الشرق» معاملها قديمة جداً، و»بردى» أيضاً.. لكن بشكل عام، معظم شركاتنا تفتقد الخبرة التسويقية؛ فخلال الفترة السابقة كان التسويق مقتصراً على مؤسسات الدولة مثل الاستهلاكية وغيرها، أما الآن فشراء المؤسسات الاستهلاكية من مواقع مختلفة ممكن، وما يهمُّها هو أن تربح، لذلك أصبح عالة عليها أن تتعاقد مع بعض المؤسسات الإنتاجية العامة، لتسويق منتجاتها، حيث يرتبط التسويق مباشرة بعناصر الجودة والشكل، وكيفية التعامل مع الزبون، ومعظم هذه العناصر تفتقدها شركاتنا.. إلا أنَّ هذه المشكلات ليست الوحيدة، بدليل سماح الدولة لشركة الإسمنت بالقيام بعمليات بيع مباشرة للمستهلك، وهنا هرعت الشركة للاستعانة بالوكلاء لشراء بضاعتها، ومن ثم بيعها للمستهلك، علماً بأنَّ الإسمنت مادة مطلوبة ووحيدة لا تحتاج إلى وكلاء، والمواطن يجب أن يذهب إلى الشركة مباشرة لشراء الاسمنت، خلاف شركة «تاميكو» مثلاً التي تحتاج إلى مسوِّقين نتيجة تعدُّد أصنافها؛ ما يعني أنَّ التسويق قد أصبح بعيداً عن عقول المديرين العامين، مع تأكيدي على أنَّ لكلِّ شركة ظروفها التي قد تساعدها لتصبح رابحة وبإمكانات مادية محدودة. والسؤال: هل يمكن أن تتطوَّر هذه الشركات دون أن تنفق المال؟، أعتقد أنَّ الإنفاق مطلوب، والسرعة في العمل مطلوبة، فالشركات تحتاج إلى قوانين فنية وتسويقية وجودة، وسبر ما يحتاج إليه المستهلك. ومن دون الحديث عن التسويق والتصميم والجودة، من الصعب إنقاذ القطاع العام.. مع الإشارة إلى أنَّ الآلات القديمة قادرة على أن تصنع وأن تربح».
¶ شركة «الشرق».. تبحث عن مقومات استمرارها
يقول مدير شركة «بردى»، المهندس حنينو: «لشركة بردى ثلاثة نشاطات إنتاجية (البيرة، البسكويت، الألبان)، وكان نشاطا البسكويت والألبان يعرِّضانها لخسائر كبيرة، يغطّيها هامش ربح منتج البيرة، ولكن الموقف تبدَّل كلياً؛ فخلال السنوات الخمس الأخيرة، وتحديداً بعد تواضع قدرة مؤسسة المباقر على تلبية احتياجاتنا، وارتفاع أسعار الحليب، زادت خسائرنا في خطوط إنتاج البسكويت والألبان، أضف إليها عوامل قدم الآلات والتجهيزات؛ ما حرمنا من المقدرة التنافسية في الأسواق الداخلية. مجمل هذه الأسباب لم تكن عاملاً مباشراً في اتخاذ قرار إيقاف هذين الخطين، إنما أيضاً دخول كميات كبيرة مخالفة من البيرة المستوردة، وضع منتجنا أمام منافسة كبيرة منته بخسائر كبيرة، وباتت تؤثِّر سلباً في قدرة البيرة على تغطية خسائر الخطوط الإنتاجية الأخرى للشركة، حيث بلغت الخسائر المالية لكلِّ خط إنتاجي 20 مليوناً سنوياً؛ ما دفع الوزارة من خلال مديرية تخطيطها إلى إجراء دراسة اقتصادية، وعلى ضوئها كان هناك قرار بوقف نشاطي الألبان والبسكويت».
¶ أنشطة إنتاجية جديدة
أكَّد المهندس حنينو، أنَّ إغلاق خطوط ألبان وبسكويت «الشرق»، سيقابله إطلاق خطوط إنتاج أخرى، وهناك دراسة تمَّ التوقيع عليها والموافقة على بدء تنفيذها، وتتعلَّق بإنتاج شركة «الشرق» لمنتج مشروب الشعير، والمتوقّع بدء إنتاجه بداية العام الحالي. وفي ما يتعلَّق بمستقبل العمال، يقول حنينو: «حتى تاريخه، لم نفكِّر في نقل عمالنا وتحويلهم إلى شركات أخرى، إنما كان قرارنا بتغطية نقص معمل البيرة باليد العاملة، والجزء الآخر منهم سيتمُّ فرزهم لمصلحة المشروع الجديد، والمتبقّي منهم سيتمُّ نقلهم إلى قطاعات أخرى.. بمطلق الأحوال، هذا القرار أثره الاقتصادي إيجابي، فمن خلال عملية حسابية بسيطة نجد أنَّ خسائر الخطين السنوية بلغت 40 مليوناً؛ منها 25 مليوناً في الرواتب والأجور؛ ما يعني أننا نستطيع تحقيق وفر سنوي مقداره 15 مليوناً بمجرد إيقاف الخطين، وأما الأثر الاجتماعي فنجد أنه لم يتضرَّر أيُّ عامل، على أننا فتحنا مجالاً للنقل الطوعي».
¶ نسب ورسوم
يتابع حنينو: «هناك فكرة لطرح المعامل الخاسرة للاستثمار، وقد تمَّ إعداد الشروط التي تمكِّن المستثمر من إضافة ميزات جديدة إلى المعمل، وفي حال تحقَّق الأمر، فهذا يعني إيراداً إضافياً للشركة. أما البيرة، فتمتلك مقومات المنافسة في الجودة، ولكنها غير متعادلة مع المنتجات المستوردة بطرق غير نظامية في موضوع نسب الضرائب ورسوم الإنفاق الاستهلاكي التي ندفعها، والتي تبلغ 35 % زيادة على التكلفة الحقيقية، وسنوياً نحوِّل لوزارة المالية بين 60 - 70 مليون ليرة رسوم إنفاق استهلاكي، وخلال شهر 12 من العام 2009 حوَّلنا قرابة 6.5 مليون ليرة، علماً بأنَّ الخطة أقل مما هي..
العقلية التسويقية.. مشكلة عالقة
تتصدَّر العقلية التسويقية قائمة المشكلات العالقة التي تعتبر حجر عثرة أمام شركات القطاع العام؛ يقول المهندس طيارة: «في أوروبا الطبيب يشتري الدواء بقيمة 10 % من سعر المبيع، فهل تستطيع شركة تاميكو الدوائية أن تتعامل مع الأطباء بهذه الطريقة». أيضاً أشارت الصيدلانية ديالا إلى أنَّ شركات دواء القطاع الخاص تمنح عروضاً مغرية في منافذ التسويق، ويصل هذا العرض إلى تقديم علبة دواء مجانية إضافة إلى هامش الربح عند شراء صنف معين من منتجاتها الدوائية.
ويضيف الدكتور محسن: «مندوبو شركات الأدوية يقومون بالتسويق المجاني لمنتجاتهم الجديدة، من خلال منح عبوات كُتب عليها غير مخصص للبيع للأطباء، كما يقومون بمنح مكافآت وهدايا دورية للأطباء، مقابل إدراج منتجاتهم في وصفات علاج مرضاهم».
إذاً المرونة والديناميكية والعقلية التسويقية الجديدة، جميعها مفاهيم بعيدة عن عقلية القطاع العام الصناعي. وهذا أمر غاية في الأهمية؛ فتحمل المسؤولية والشعور بالانتماء حيال هذا القطاع والتعامل معه وفق آلية وعقلية السوق يجب أن يحتلَّ المرتبة الأولى، ومن بعدها تأتي العقلية المؤسساتية الروتينية. ويضيف طيارة: «كانت هناك محاولات لزيادة مخصصات الدعاية لشركة تاميكو؛ لزيادة مرونتها. ولكن فشل الأمر لعدم وجود صلاحيات». من هنا يتبيَّن لنا أنَّ موضوع الحلقات الإدارية وتسلسل الصلاحيات هو من أكبر عقبات القطاع الصناعي والاقتصادي العام.
ويتابع حنينو: «المشكلة في القطاع العام هي آليات العمل التي تحكمه، والإجراءات التي تجعله في منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، في جوانب تأمين المواد الأولية، وواقع البطالة المقنعة والعمالة، وموضوع المرونة في تطوير الإنتاج والديناميكة في التسويق.. جميع هذه الأسباب وغيرها إن لم تتم إعادة النظر فيها ستوصل القطاع العام الإنتاجي حكماً إلى نفس النتيجة، فمن غير المنطقي أن يكون القطاع العام محكوماً بمخزون المستودع؟».
¶ «بردى» متوقِّفة ومطروحة للاستثمار
من جانبه، يقول مدير شركة «بردى»: «خط إنتاج برادات «بردى» يعمل، وحجم الإنتاج اليومي يبلغ الحجم المقرَّر في خطة الإنتاج المخفضة، على أننا متوقِّفون حالياً عن الإنتاج لجهة أعمال الصيانة، وسنعاود الإنتاج نهاية الشهر الحالي»..
ويتابع: «منذ مدة طويلة أصبنا بضعف في العملية الإنتاجية نتيجة ضعف السيولة، وعدم توافر المواد الأولية، وقدم الآلات التي لم تُجدَّد منذ افتتاح الشركة في العام 1970، والمنافسة الشديدة التي نتعرَّض لها في الجودة والسعر.. وجميعها عوامل أدَّت إلى خفض إنتاجنا إلى حدوده الدنيا، وعرَّضتنا لخسارات مستمرَّة متلاحقة منذ العام 1996؛ الأمر الذي أدَّى إلى طرح الشركة للاستثمار.. ومع ذلك، نحن مستمرُّون في العمل حتى يوقَّع عقد استثمارها».
ومع هذا التصريح، يتبيَّن لنا التباين في تقديم المعلومة، فوزارة الصناعة أكَّدت استمرار الشركة في الإنتاج، لتأتي وتؤكِّد لنا إدارة الشركة توقُّفها بسبب أعمال الصيانة، ثم تعاود القول بوجود طرح استثماري للشركة، إلا أنَّ هناك عمَّالاً من داخل الشركة أكَّدوا لنا عدم وجود أيّ أعمال صيانة، وخطوط إنتاج برادات «بردى» متوقِّفة عن الإنتاج بالمطلق