قاعة متواضعة في قلب بيروت جمعت أضداداً ومتناقضات ظلّ التقاؤها ضرباً من الخيال...سليمان يبدأ عهده.. لبنان عربي مقاوم يولد من جديد...السيد نصر اللـه اليوم على شاشات التلفزة
يصحو اللبنانيون صباح اليوم على عهد رئاسي جديد بعد ستة أشهر ويوم واحد من «الفراغ الإرادي» في الرئاسة، قَرُبَ لبنان في ظله من الهاوية، وحكمة قوى المعارضة الوطنية اللبنانية ونجاعة تحركها هما اللتان أفضتا إلى جمع القادة على طاولة حوار واحدة في الدوحة بعد ممانعة مستمرة لفريق السلطة استمرت قرابة العامين.
وأمس حتى الخامسة عصراً أمضى اللبنانيون آخر لحظاتهم من دون رئيس، حتى استمعوا في السادسة مساء إلى رئيسهم المنتخب العماد ميشال سليمان يلقي خطاب قسم الولاية، رئيساً ثاني عشر للجمهورية ورابعاً منذ اتفاق الطائف في العام 1989، في حضور أكبر وأرفع حشد سياسي عربي وغربي يشهد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية منذ العام 1943.
ومع بدء عهد أراده رئيسه «للمصالحة والتفاهم»، يشخص اللبنانيون أملاً إلى أن يستكمل هذا الإنجاز السيادي بفورة اقتصادية مالية تبدو طلائعها بائنة من خلال الوعود المتواصلة بجلب استثمارات مالية هائلة على لبنان تعوضه ما فاته من نمو على امتداد الأعوام الثلاثة الفائتة بعد الفورة النفطية التي شهدتها دول الخليج، وكان من المتوقع أن يتخطى هذا النمو الـ7% سنوياً، على غرار ما حصل في دول عدة مجاورة.
وحملت جلستا الأمس في مجلس النواب اللتان تقاسمتا انتخاب الرئيس ثم إلقاءه خطاب القسم، إشارات سياسية كثيرة ولافتة، فهما جمعتا - في قاعة في وسط بيروت العائد تألقاً وحضوراً - أضداداً ومتناقضات من الوزن الثقيل كان مجرد التقائهم ضرباً من الخيال: من الحضور الأميركي عبر وفد من ستة نواب يمثلون الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى مشاركة إيران وسورية والسعودية عبر وزراء الخارجية لكل منها، ومنها مشاركة رئيس الدبلوماسية الفرنسية برنار كوشنير.
إذاً جمعت القاعة العامة المتواضعة في مبنى البرلمان كل القوى المتصارعة في أكثر من ساحةٍ ومحلة ومنطقة، دليلاً على رعاية دولية وإقليمية لاتفاق الدوحة دحضاً لما روجه بعض الجهات المحلية المتضررة من حملات التشكيكِ في الاتفاق وجعله لا يعدو كونه «مجرد هدنة مؤقتة».
الملف الحكومي
ولم يحجب الابتهاج اللبناني والدولي الاهتمامات الأخرى، كالملفات والعناوين الشائكة التي تنتظر الرئيس العماد في مقدمها هوية حكومة الوحدة الوطنية التي لا تزال تنتظر حسم تيار «المستقبل» قراره إما بترشيح رئيسه سعد الحريري، وإما بإعادة تزكية رئيس الحكومة (المستقيلة بدءاً من السادسة مساء أمس) فؤاد السنيورة. ولا يزال النقاش داخل هذا التيار مكتوماً، على الرغم من أن ثمة من المراقبين من يتوقع أن يكون الحريري قد عاد من الرياض ليل الجمعة السبت باسم الرئيس العتيد للحكومة.
وقالت أوساط رسمية لـ«الوطن»: إن البحث لم يدخل بعد في تفاصيل التركيبة الحكومية المرتقبة، في انتظار أن يرتب الرئيس الجديد ملفاته وأن يحسم تيار «المستقبل» اسم مرشحه لرئاسة الحكومة الجديدة. ولفتت إلى أن فرقاء عدة يخوضون راهناً في بحث ونقاش داخليين، تمهيداً لتقديم مرشحيهم إلى هذه الحكومة، مع توقع تسمية عدد من الأطراف أسماء جديدة، مشيرة إلى أن الاستشارات النيابية الملزمة (كما كشفت «الوطن» أمس) يبدؤها رئيس الجمهورية صباح الثلاثاء.
إحباط عند جعجع
وكان كلام رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع الّذي أدلى به أول من أمس بعد لقائه القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية ميشال سيسون، والذي حمّله تهجماً على قوى في المعارضة، وتشويه الدور الطليعي لزعيم تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب العماد ميشال عون في إصراره على استدراك واسترداد حقوق الناخب المسيحي المسلوبة منذ أن قرر فريق السلطة مصادرتها في ربيع العام 2005، محط تعليقات لبنانية عدة.
ورأى مصدر معارض أن جعجع وصل إلى حال من الإحباط نتيجة التخبّط السياسي الّذي يعيشه منذ قرابة 18 شهراً، إذ لم يستطع تحقيق أي تقدّم أو حضور في مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة، معتبراً أن رصيد جعجع السياسي سيبدأ بالأفول نظراً إلى القراءات الخاطئة للواقع اللبناني والإقليمي والدولي. وذكّر هذا المصدر جعجع بالآتي:
- كيف كان يتحدّث عن إسقاط رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحّود الّذي ظل في قصر بعبدا إلى حين خروجه على وقع الفرقة الموسيقيّة التي أدت له التحيّة في آخر لحظة من عهده.
- كيف دافع دفاعاً مستميتاً عن حكومة فؤاد السنيورة، ولم يرضَ أن تأخذ المعارضة الثلث الضامن، إلى أن انتزعته؟
- كيف كان من المعارضين البارزين لقانون انتخابات العام 1960 وكيف حوّل هذا الموضوع إلى «قميص عثمان»، على اعتبار أنه يقوّض سلطات المسيحيين، وإذا بهذا القانون يتحوّل في مؤتمر الحوار الوطني من قانون المصالح، ليصبح قانوناً يحمي المصالح المسيحيّة ويؤمّن الشراكة الحقيقيّة لهم على عكس ما يسوّق جعجع.
- كيف كان رئيس الهيئة التنفيذيّة في «القوات اللبنانية» رافضاً للحوار خارج لبنان وإذا به يذهب أول من ذهب إلى قطر، وآخر من عاد منها!
- كمّ من مرّة عارض جعجع مجيء العماد سليمان إلى سدّة الرئاسة، إمّا بالتلميح وإما بالإشارة المباشرة وإعلانه تحفّظاً عن هذا الترشيح، وإذ به يذعن.
- كيف كان من المتحمّسين للمجيء بقوّات ردعٍ عربيّة، لكن لا أحد من المعنيين في مؤتمر الحوار أبدى تجاوباً أو إذناً مصغية لإلحاحه.
ولفت المصدر المعارض إلى أن جعجع يعيش حالة إحباط سياسي انسحبت على قاعدته الشعبيّة التي تُطالبه بأخذ مواقف أكثر تشدّداً لحفظ ماء الوجه، بسبب تضرّره على الصعد كافة من الاتّفاق اللبناني في الدوحة والذي أتى على حسابه، في قانون الانتخاب كما في التركيبة الحكومية المنتظرة.
نصر اللـه يطل اليوم
في غضون ذلك، يطل الأمين العام لـ«حزب اللـه» السيد حسن نصر اللـه اليوم على جمهوره عموم اللبنانيين في الذكرى الثامنة للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في الخامس والعشرين من أيار العام 2000، بعدما أرجئت هذه الإطلالة التي كانت مقررة أمس لتزامنها مع جلسة انتخاب الرئيس.
ومن المرتقب أن يكون خطاب السيد نصر اللـه وافياً وشاملاً ويقدم ملخصاً عن مجريات الأمور والأحداث منذ إطلالته الأخيرة في الثامن من أيار، علماً أن هذا الخطاب هو الأول له بعد اتفاق الدوحة.
رئيس الجمهورية طلب من الحكومة
الاستمرار في تصريف الأعمال
طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة وجاء في بيان صادر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية ما يلي:
«عطفاً على أحكام البند (1) من المادة «49» من الدستور المتعلقة بالحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، ولاسيما أحكام الفقرة (د) من البند المذكور، ونظراً لبدء ولاية رئيس الجمهورية، أعرب فخامته عن شكره لدولة رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء، وطلب من الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما تشكل حكومة جديدة.
لقاءات جانبية بين الوفود المشاركة والقيادات اللبنانية
متقي يلتقي الفيصل
في أعقاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية شهد مجلس النواب سلسلة خلوات جانبية، فعقد اجتماع مطول، بين وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية الإيرانية منوشهر متقي، استمر أكثر من نصف ساعة، ووصف بالمهم جداً. كما عقد اجتماع بين رئيس المجلس نبيه بري والرئيس المنتخب ميشال سليمان. وبعد ذلك عقد اجتماع بين الرئيس بري ووزير خارجية مصر أحد أبو الغيط، في حضور رئيس مجلس الشعب المصري أحمد فتحي سرور، وانضم لاحقاً إلى الاجتماع وزيرا خارجية السعودية وإيران، وقد أبدى الوزير الفيصل ارتياحه للأجواء التوافقية التي يشهدها لبنان، والتي تنسحب على العالم العربي، ووصف اجتماعه مع متقي بالمهم والجيد. كذلك عقد اجتماع بين رئيس الحكومة المستقيلة فؤاد السنيورة ووزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل.
كذلك زار رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مقر إقامته في فندق فينيسيا وبحث معه الأوضاع العامة في لبنان والمرحلة التي ستلي البدء بتنفيذ اتفاق الدوحة والأوضاع الإقليمية.
ثم استقبل الحريري في منزله رئيس مجلس الشعب المصري أحمد فتحي سرور ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في حضور النائب بهية الحريري والسفير المصري وتم البحث في آخر التطورات في لبنان بعد اتفاق الدوحة.
هذا وتوقعت مصادر مطلعة في اتصال لـ«الوطن» أن يشهد قصر بعبدا مجموعة لقاءات بين الرئيس المنتخب وعدد من المسؤولين العرب والأجانب الذين شاركوا في جلسة الانتخاب لكنها لفتت إلى عدم وجود مواعيد رسمية في جدول أعمال الرئيس علماً أن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أعلنت في بيان لها أن الرئيس سليمان لن يستقبل الوفود المهنئة. وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أقام ليل أمس مأدبة عشاء تكريمية في قاعة البيال على شرف الرئيس الجديد وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حضرها كبار الشخصيات العربية والأجنبية التي حضرت جلستي الانتخاب والقسم.