يوميات المواطن معتر
( استراحة المحارب )
المواطن معتر ، مواطن سوري من الدرجة العادية ، أو ما يمكن أن نقول عنها الدرجة ما تحت العادية !! فهو يقطن منزلاً أو ما يمكن أن نسميه منزلاً في حارة عشوائية ، و لم تفلح فلسفة والده _ رحمه الله _ في تغيير أحوال ذريته ، كما لم تفلح فلسفة جده عندما سمى والده : مرزوق ، علّ الاسم يغير في الأحوال شيئاً ، فجاءت النتيجة عكس ما يشتهي ..
فمرزوق رحمه الله سمى طفله معتر علّ العكس يأتي بالعكس !! و ما كان من معتر إلا أن شب و هو يلبس اسمه ببراعة و حرفية تجاوزت حدود المعقول و المنطق !!
معتر يعمل كموظف في شركة للألبسة الجاهزة يملكها القطاع العام صباحاً ، و كعامل على إحدى آلات شركة خاصة في فترة ما بعد الظهيرة ، و ما بين هذا و ذاك يستنزف معتر قواه كاملة بانتظار أمرين .. أولهما يتكرر أربع مرات في الشهر الواحد .. و ثانيهما لا يثلج صدره إلا مرة واحدة في الشهر و يزيده بؤساً كلما مرت الأيام الخمسة الأولى من الشهر الذي يليه ..
و بالحديث عن أول الأمرين و الذي هو يوم الجمعة أو ما يفضل أن يسميه معتر باستراحة المحارب ، فيبدو من الجدير بالذكر أن نستعرض حادثة تدفع المحارب إلى الحرب حتى في فترة استراحته منها !!
فمعتر يفضل أن ينام يوم الجمعة إلى وقت متأخر ليريح ما بقي من حطام جسده ، و يفضل أيضاً أن يغلق الستائر و النوافذ و كل شيء قد يؤدي بنور الشمس إليه في هذا اليوم العظيم .. فاليوم عطلة و معتر لا نية لديه للحرب في هذا اليوم .. و عجباً مما يحصل في كل مرة .. ففي الساعة الثامنة تماماً تبدأ معركة من نوع آخر يدفع معتر إليها دفعاً دونما أدنى معرفة أو احتساب لعواقبها .. مجموعة من الأطفال خرجوا لتوهم إلى الحارة الضيقة ليمارسوا هوايتهم المفضلة في لعب كرة القدم ضمن مساحة لا تتجاوز المترين عرضاً !! و الكرة ثقيلة .. و وقع اصطدامها بالأرض و نوافذ الجيران و أبواب منازلهم ثقيل أيضاً !! و أن يتمكن معتر من متابعة نومه في ظل المعركة الكروية الجارية خارجاً و التي قد لا تخلو من السباب و الشتائم كنوع من التوابل و التزيين .. أثقل و أثقل ..
ينهض معتر مترنحاً ، يفتح باب منزله ليطلب من الأطفال بكل حسن نية أن ينصرفوا ، و يكون الرد طبعاً بعدم الاكتراث .. يغضب معتر و يعلو صوته عليهم قليلاً .. فيكون الرد مزيداً من عدم الاكتراث .. يفيض الكيل بمعتر و يصيح بهم .. فيهرب الأطفال دونما أن يخلو انسحابهم من بعض الشتائم و لربما بعض الوعيد .. يغلق معتر الباب و يهم بالعودة إلى سريره فيسمع صوت الكرة من جديد .. يخرج و الغضب يتآكله يأخذ الكرة من بين أقدام الأطفال و يدخل إلى منزله منتصراً ..
تمر خمس دقائق من هدنة غير معلنة ، يقطعها فجأة طرق همجي على باب المنزل ! فيسارع معتر لفتح الباب ليصطدم بوالد أحد الأطفال و معه بعض الأقارب !! و بين الأخذ و الرد يصبح معتر هو المسؤول عن عدم تواجد ملاعب للأطفال ، و هو المسؤول أيضاً عن كون الحكومة لا تغطي مناطق السكن العشوائي بمشاريع من هذا النوع ، و تزيد الطين بلة مسؤولية معتر عن إيجاد مكان بديل ليلعب الأطفال فيه ، و مسؤولية معتر في كون هذه الحارة التي لا تتسع لسيارة و دراجتين هوائيتين في آن معاً هي البديل الأنسب !!
يتهادى ما في قلب معتر على لسانه و تنطق شفتاه بالجملة الذهبية : ( لماذا لا تدع أطفالك يلعبون أمام باب منزلك بدلاً من أن ترسلهم ليزعجوا الآخرين ) فيقع المحظور .. و يبدأ السباب و الوعيد ، و يعمد الأقارب إلى تهدئة الرجل والد الطفل حتى لا تمتد يده إلى وجه معتر ، و يبدأ الجيران بالإطلال الواحد تلو الآخر من نوافذ منازلهم .. وقد يتطور الأمر إلى درجة ينزل معها بعض من هؤلاء لتهدئة الخواطر و النفوس فيما يقف معتر واجماً ، فهو معتاد على الحرب بعرقه و لم يعتد يوماً الحرب بلسانه !!
يعيد معتر الكرة إلى والد الطفل و يغلق الباب ، يفكر للحظة في إبلاغ الشرطة لكنه يحتسب لما قد يقع بعد مجيئها و ذهابها .. يتدارك هذا الخاطر و يبدأ بالتفتيش عن حل .. فصوت القذائف الكروية قد عاد من جديد و صيحات التوابل أيضاً قد عادت من جديد .. يتقمص معتر شخصية أرخميدس للحظة ، و ينير مصباح كهربائي فوق رأسه ، يذهب مسرعاً إلى علبة الأدوية و يخرج منها بعض القطن .. يصم أذنيه بإحكام و يدخل إلى غرفته الصغيرة ليكمل استراحة المحارب بعد معركة جانبية .. و تبدأ هدنة جديدة من جانب واحد ، فيما يعلو القصف خارجاً ، و يعتبر الجيران من هزيمة معتر في معركة خاسرة مع من لا يفكر إلا بيديه ، يغلق الجميع النوافذ و الأبواب ، و تغرق الحارة الضيقة في الغبار من جديد .
فمرزوق رحمه الله سمى طفله معتر علّ العكس يأتي بالعكس !! و ما كان من معتر إلا أن شب و هو يلبس اسمه ببراعة و حرفية تجاوزت حدود المعقول و المنطق !!
معتر يعمل كموظف في شركة للألبسة الجاهزة يملكها القطاع العام صباحاً ، و كعامل على إحدى آلات شركة خاصة في فترة ما بعد الظهيرة ، و ما بين هذا و ذاك يستنزف معتر قواه كاملة بانتظار أمرين .. أولهما يتكرر أربع مرات في الشهر الواحد .. و ثانيهما لا يثلج صدره إلا مرة واحدة في الشهر و يزيده بؤساً كلما مرت الأيام الخمسة الأولى من الشهر الذي يليه ..
و بالحديث عن أول الأمرين و الذي هو يوم الجمعة أو ما يفضل أن يسميه معتر باستراحة المحارب ، فيبدو من الجدير بالذكر أن نستعرض حادثة تدفع المحارب إلى الحرب حتى في فترة استراحته منها !!
فمعتر يفضل أن ينام يوم الجمعة إلى وقت متأخر ليريح ما بقي من حطام جسده ، و يفضل أيضاً أن يغلق الستائر و النوافذ و كل شيء قد يؤدي بنور الشمس إليه في هذا اليوم العظيم .. فاليوم عطلة و معتر لا نية لديه للحرب في هذا اليوم .. و عجباً مما يحصل في كل مرة .. ففي الساعة الثامنة تماماً تبدأ معركة من نوع آخر يدفع معتر إليها دفعاً دونما أدنى معرفة أو احتساب لعواقبها .. مجموعة من الأطفال خرجوا لتوهم إلى الحارة الضيقة ليمارسوا هوايتهم المفضلة في لعب كرة القدم ضمن مساحة لا تتجاوز المترين عرضاً !! و الكرة ثقيلة .. و وقع اصطدامها بالأرض و نوافذ الجيران و أبواب منازلهم ثقيل أيضاً !! و أن يتمكن معتر من متابعة نومه في ظل المعركة الكروية الجارية خارجاً و التي قد لا تخلو من السباب و الشتائم كنوع من التوابل و التزيين .. أثقل و أثقل ..
ينهض معتر مترنحاً ، يفتح باب منزله ليطلب من الأطفال بكل حسن نية أن ينصرفوا ، و يكون الرد طبعاً بعدم الاكتراث .. يغضب معتر و يعلو صوته عليهم قليلاً .. فيكون الرد مزيداً من عدم الاكتراث .. يفيض الكيل بمعتر و يصيح بهم .. فيهرب الأطفال دونما أن يخلو انسحابهم من بعض الشتائم و لربما بعض الوعيد .. يغلق معتر الباب و يهم بالعودة إلى سريره فيسمع صوت الكرة من جديد .. يخرج و الغضب يتآكله يأخذ الكرة من بين أقدام الأطفال و يدخل إلى منزله منتصراً ..
تمر خمس دقائق من هدنة غير معلنة ، يقطعها فجأة طرق همجي على باب المنزل ! فيسارع معتر لفتح الباب ليصطدم بوالد أحد الأطفال و معه بعض الأقارب !! و بين الأخذ و الرد يصبح معتر هو المسؤول عن عدم تواجد ملاعب للأطفال ، و هو المسؤول أيضاً عن كون الحكومة لا تغطي مناطق السكن العشوائي بمشاريع من هذا النوع ، و تزيد الطين بلة مسؤولية معتر عن إيجاد مكان بديل ليلعب الأطفال فيه ، و مسؤولية معتر في كون هذه الحارة التي لا تتسع لسيارة و دراجتين هوائيتين في آن معاً هي البديل الأنسب !!
يتهادى ما في قلب معتر على لسانه و تنطق شفتاه بالجملة الذهبية : ( لماذا لا تدع أطفالك يلعبون أمام باب منزلك بدلاً من أن ترسلهم ليزعجوا الآخرين ) فيقع المحظور .. و يبدأ السباب و الوعيد ، و يعمد الأقارب إلى تهدئة الرجل والد الطفل حتى لا تمتد يده إلى وجه معتر ، و يبدأ الجيران بالإطلال الواحد تلو الآخر من نوافذ منازلهم .. وقد يتطور الأمر إلى درجة ينزل معها بعض من هؤلاء لتهدئة الخواطر و النفوس فيما يقف معتر واجماً ، فهو معتاد على الحرب بعرقه و لم يعتد يوماً الحرب بلسانه !!
يعيد معتر الكرة إلى والد الطفل و يغلق الباب ، يفكر للحظة في إبلاغ الشرطة لكنه يحتسب لما قد يقع بعد مجيئها و ذهابها .. يتدارك هذا الخاطر و يبدأ بالتفتيش عن حل .. فصوت القذائف الكروية قد عاد من جديد و صيحات التوابل أيضاً قد عادت من جديد .. يتقمص معتر شخصية أرخميدس للحظة ، و ينير مصباح كهربائي فوق رأسه ، يذهب مسرعاً إلى علبة الأدوية و يخرج منها بعض القطن .. يصم أذنيه بإحكام و يدخل إلى غرفته الصغيرة ليكمل استراحة المحارب بعد معركة جانبية .. و تبدأ هدنة جديدة من جانب واحد ، فيما يعلو القصف خارجاً ، و يعتبر الجيران من هزيمة معتر في معركة خاسرة مع من لا يفكر إلا بيديه ، يغلق الجميع النوافذ و الأبواب ، و تغرق الحارة الضيقة في الغبار من جديد .
( مجرد حادثة ، تروى )
Comment