طفت على السطح قضية المقابر في المدن السورية على أكثر من صعيد في ظل المعاناة الشديدة التي يواجهها أهل المتوفين في التكاليف الباهظة التي باتت تترتب على ثمن القبر وتكاليف الدفن والتنقل بموتاهم من مقبرة لأخرى بغية الحصول على "قبر شاغر".
مع ما يصاحب ذلك من تكاليف مادية باهظة الثمن، بينما أقفلت بعض المقابر أبوابها في وجه المواطنين بعد أن امتلأت عن آخرها، وهو ما يضع الجهات المعنية أمام امتحان البحث عن مدافن أخرى لتلبية حاجات المواطنين.
وفي الوقت ذاته يبدي العديد من المواطنين قلقهم من مشكلة نفاذ المقابر الشاغرة، وخاصة أنه حتى في حالة إيجاد مقبرة جديدة، فإنها حتماً ستكون بعيدة عن مساكنهم.
إن المتابع لواقع المقابر في هذه المحافظة أو تلك يلاحظ أن المشكلة تفاقمت حدتها في السنوات الأخيرة وأن مجالس المدن مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإيجاد الحلول المناسبة والبحث عن مقابر جديدة من أجل تلبية حاجات المواطنين، وان هذه القضية لا توجد في جدول أعمال المجالس في الوقت الحالي، ما يعني أن القضية لا تزال بعيدة كل البعد عن صلب اهتمامات تلك المجالس.
الغلاء يطول القبور و موتى يبحثون على مكان
تصاعدت في الآونة الأخيرة أسعار القبور في معظم المدن السورية ولاسيما دمشق، التي يتراوح سعر القبر فيها بين 1110000 – 1480000 ليرة ، وهو رقم باهظ بالنسبة لدخل أي مواطن.
وبحسب السعر المعتمد في مكاتب دفن الموتى، فإن أفضل القبور يجب ألا يتجاوز سعره 20 ألف ليرة، ولكنه تضاعف، دون أن يطرأ أي تغيير على قرارات الجهات المعنية بهذا الخصوص والتي لا يلتزم بها أحد، منذ صدور القرار رقم 43/م عن مجلس محافظة دمشق سنة 1971.
والمقابر في دمشق نشأت مع نشأة المدينة معظمها يتوسط مناطق حيوية ومكتظة كحي المهاجرين وشارع بغداد والمدينة القديمة، وهي مقابر تاريخية وأثرية تضم رفات مئات من الأولياء والشخصيات الدينية والتاريخية والثقافية المهمة على الصعيدين العربي والعالمي، اضافة إلى هذه هناك مقابر، كمقبرة "باب الصغير" التي تقع خلف باب الصغير.
ومقبرة الدحداح خلف "باب الفراديس"، وكذلك مقبرة "شيخ رسلان" خلف باب شرقي، فتعتبر هذه المقابر الثلاث هي المقابر الرئيسية في دمشق وأقدمها، ثم نشأت فيما بعد مقابر جديدة، باتجاه يساير التوسع العمراني لمدينة دمشق، فنجد في دمشق 33 مقبرة موزعة على مختلف الأحياء.
يذكر أنه السنوات الأخيرة تم تخصيص أرض كبيرة في إحدى ضواحي دمشق لإنشاء مقبرة؛ وهي "المقبرة الجنوبية الحديثة" في الحسينية، والتي تعرف باسم "مقبرة نجها"، وتبعد 13كم عن مركز دمشق، وذلك بسبب تزايد عدد الوفيات وعدم قدرة المقابر الموجودة على استيعابها، ويشرف على المقابر "مكتب دفن الموتى"، وهو مسؤول عن مقابر دمشق ،وعن المدافن الخاصة والمقامات الموجودة فيها بالتعاون مع وزارة الأوقاف.
رصد
وفي زحمة الموت المتواصلة مسيرته و في ظل الارتفاع الموحش في كل شيء بدأ أهالي الموتى يلجؤون الى دفن موتاهم فوق بعضهم بعضاً، و من اتيح له الاطلاع عن كثب يلاحظ أنه يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى.
ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل بعض المقابر وغالباً ما يفاجأ زوار المقابر بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر؛ وتكفي الزيارة الميدانية للوقوف على حقيقة الوضع المأساوي الذي تعيشه كل مقابر المدن المكتظة بالسكان كدمشق وحلب .
ويطالب العديد من المواطنين بإيجاد حل بسبب انعدام النظافة وامتلاء القبور بالحشائش والنباتات الطفيلية، والأشواك، والزواحف الخطرة، والكلاب الضالة، فضلا عن اتخاذ هذه المقابر مقار للعصابات المسلحة، حيث يتم اعتراض سبيل المارة والزوار في وضح النهار، والقيام بالسطو على الضحايا.
تحمل المسؤولية
تتداخل الاختصاصات والمسؤوليات في موضوع حماية ونظافة وصيانة المقابر، فالطرف الرئيسي الذي يتحمل مسؤولية الدفاع عن حرمات المقابر ضد الاعتداءات و الإساءات، الأوقاف و مجلس المدينة، اللذان من مهامها أيضا تدبير إشكالية استغلال وإعادة استغلال المقابر القديمة من جديد، وتدبير الوعاء العقاري الذي يحتضن المقابر، إذ تحتاج المدن كل سنة مساحة معينة للمقابر.
250 ليرة فقط للقبر ومراسم الدفن في طرطوس
لم تعان محافظة طرطوس ريفا ومدينة من ظاهرة شراء القبور للأموات أبدا أو تكبد الأموال الطائلة لقاء رسوم الدفن وعند جميع الطوائف وحين طرحنا هذا السؤال على المعنيين في المحافظة وعلى بعض المواطنين استغربوا سؤالنا فهم لم يسمعوا بهذا من قبل وقالوا الحمد لله ما زلنا بألف خير قياساً بالمحافظات الأخرى وخاصة دمشق وحلب.
وعن واقع المقابر في مدينة طرطوس يقول المهندس سامي محمد مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة طرطوس: في السنوات السابقة كان يتم الدفن في مقابر موزعة في وسط مدينة طرطوس وبهدف الحفاظ على الأراضي وعلى المنظر العام لمدينة طرطوس هذه المدينة السياحية عمل مجلس المدينة على إنشاء مقبرة شرق المدينة قرب سوق الهال على مساحة/14 هكتاراً وبدئ باستخدامها عام 2004 وبعدها تم إغلاق جميع المقابر داخل المدينة بشكل نهائي ولا توجد مشكلات حالياً، فالمساحة كبيرة وتكفي عشر سنوات قادمة على الأقل ومؤخراً خصص مجلس المدينة جزءا من المساحة في المقبرة للشهداء.
جميع مراسم الدفن بـ250 ليرة
وأضاف المهندس محمد إن مجلس المدينة يؤمن القبر وجميع مراسم الدفن من دون مقابل إلا أنه يأخذ رسوماً رمزية لا تتجاوز /250/ ليرة سورية فقط من المسلمين وذلك مقابل غسل الميت وتأمين مستلزمات الدفن من (بلوك –اسمنت –شطايح ..) وهي رسوم رمزية حتى إن حفر القبر في المدينة يتم عن طريق الباكر الخاص ببلدية طرطوس إضافة إلى أن سيارة الاسعاف تقدم من البلدية عند الحاجة إليها وكذلك من دون مقابل أما حراس المقبرة فهم من موظفي مجلس المدينة أيضاً.
مراسم من دون مقابل
وفي مدينة بانياس توجد حالياً خمس مقابر ضمن التنظيم إضافة إلى وجود/21/ قرية تابعة لمجلس المدينة ولكل قرية مقبرة خاصة بها وحاليا لا توجد أي صعوبات فالأراضي متوافرة إضافة إلى أنه لا توجد أي رسوم يتقاضاها مجلس المدينة في هذا المجال من تأمين القبر حتى إنهاء جميع مراسم الدفن.
الكل يؤاجر
وكذلك تغيب عن محافظة طرطوس مهنة حفاري القبور فلا يوجد أشخاص محددون لهذا العمل لأنهم يعدون في حفر القبر و دفن الميت أجراً عظيماً من الله تعالى وذلك من دون مقابل مـــادي يقول العم أبو محمـود : يشارك في دفن الميت في قـــرى طرطوس عدد من الشباب وعادة كان يقودهم رجل مسن له باع في هذا المجال ويتميز بقوة القلب والشجاعة وعمل الخير.
ويتم كل شيء بشكل جماعي ومن دون مقابل فقد علمنا أباؤنا وأجدادنا بأن في هذا العمل أجراً عظيماً وما زلنا مستمرين، ويضيف الشاب سامر وهو موظف: عندما تحدث وفاة في قريتنا يأتي الشباب إلى موقع الدفن ونباشر العمل بفتح القبر وتجهيز جميع الإجراءات وهذا كله باندفاع من الشباب الذين تربوا على روح العمل الجماعي والمؤاجرة في سبيل نيل أجر الآخرة...
15 قبراً زيادة شهرية في مدافن حماة وتكلفة الدفن 5 آلاف ليرة
مقولة "التجارة بالأموات عيب وحرام" تكررت على لسان الكثيرين ممن التقتهم تشرين في محافظة حماة مدينة وريفاً لتؤكد أن قيمنا وتراثنا وأخلاقنا العربية ستبقى راسخة على مر الدهور وخاصة في المناسبات الحزينة وعند حدوث الملمات فما زالت القبور مجانية تماماً في القرى والبلدات وهي بأسعار رمزية جداً في المدن، حيث قال مدير أوقاف حماة الدكتور نجم العلي: إن المقابر في محافظة حماة عقارات وقفية تبقى ملكيتها للأوقاف وتخصص كمقاسم بأسعار زهيدة جداً من قبل لجنة الاستبدال في مديرية الأوقاف وتتم إدارتها من قبل مجالس المدن.
وأشار رئيس مجلس مدينة حماة المهندس محمود القيسي الى وجود مقبرتين نظاميتين في مدينة حماة الأولى تسمى مقبرة الخضراء (سريحين) وتعد الأكبر ومقبرة الصفا "الحاضر" وهناك مقبرتان مخالفتان في أطراف المدينة في حيي الضاهرية وكازو يجري العمل على تنظيمهما ومعالجة الوضع المخالف فيهما.
وأضاف القيسي أن أغلب عائلات حماة مخصصة بمقاسم ضمن المقابر مساحة كل منها 60 م2 وهناك مقاسم عامة منها ما يتم تخصيصه ومنها ما هو ذو نفع عام لمصلحة مجلس المدينة يتم فيه دفن مجهولي الهوية ونزلاء دور العجزة واللقطاء والفقراء الذين يحصلون على موافقة المكتب التنفيذي لعدم قدرتهم على دفع تكاليف الدفن.
وذكر القيسي أن تكاليف الدفن محددة بمبلغ 20 ليرة قيمة أرض القبر تعود لمديرية الأوقاف و2500 ليرة لمجلس المدينة كرسم دفن يتضمن أجور الحفر وتجهيزات القبر والغسيل والكفن والتلقين وأجور السيارة التي تنقل النعش الى المقبرة.
رئيس مكتب دفن الموتى في مدينة حماة الدكتور ابراهيم الخليل أكد أن العاملين في المكتب يعملون على مدار أيام الأسبوع من دون أي عطلة، لافتاً الى أن وسطي عدد القبور الشهري في حماة لعام 2011 كان حوالي 150 ارتفع عام 2012 الى ما يقارب 195 وهذا العام تم لحظ زيادة تتراوح بين 10 إلى 15 قبراً جديداً كزيادة شهرية.
وذكر الخليل أن مكتب الدفن يحتاج الى سيارتين حديثتين للدفن على الأقل لكون السيارتين الحاليتين باليتين تماماً وقديمتين جداً وطلب زيادة الكادر العامل حيث يوجد حالياً 10 عاملين فقط في المكتب يغطون وارديتي عمل يضاف الى ذلك حاجة مقبرة الصفا "الحاضر" الى استملاك قطعة الأرض المجاورة الملحوظة على المخطط التنظيمي لإجراء توسعة تمكن المواطنين من فتح قبور جديدة.
أما المواطنون ومنهم مصطفى وهشام والحاج أنور من أبناء مدينة حماة فقد أشاروا الى أن تكلفة القبر الحقيقية تصل الى أكثر من 5 آلاف ليرة من ضمنها رسوم البلدية حيث يقوم الحفار بابتزاز أهل الميت بحجة غلاء المعيشة والجهود التي قدمها وطبعاً هي غير ملزمة ولكن الظرف يفرض على أهل الميت الانصياع لها حسب مقدرتهم المادية.
وفي مناطق ومدن المحافظة الكبيرة يختلف الأمر قليلاً بعدم وجود مكتب للدفن وتقتصر تكلفة القبر على ثمن العقار المحدد بمبلغ 50 ليرة للمتر المربع حسب قول رئيس مجلس مدينة سلمية المهندس عبد الكريم الشمالي وذلك لمن لم تخصص عائلته بمقسم ضمن المقابر ويتكفل مجلس المدينة بمصاريف وتكلفة القبور ولوازم دفن الشهداء والفقراء ومجهولي الهوية على نفقة المجلس بموافقة أعضاء المكتب التنفيذي.
ولفت سكان القرى الى أن القبور وتكاليف الدفن مجانية تماماً ويقوم بها أهل الميت والجيران والأقارب وإذا اقتضى الأمر قد يتم تكليف عامل بحفر القبر ويعطى مبلغ لا يزيد على ألف ليرة.
مقبرة مؤقتة وحدائق تحولت إلى مقابر في حلب
وضع شاذ وغريب أفرزته الأحداث الأخيرة في حلب تمثل في تحول كثير من الحدائق ضمن المناطق السكنية إلى مقابر حيث امتلأ بعضها تماماً بالقبور ولم يتبق فيها أي حيز لقبر جديد.
المقابر ومكتب الدفن خارج السيطرة
بدأت المشكلة منذ عام تقريباً عندما خرجت معظم المقابر عن السيطرة وبات الدخول إليها أمراً بالغ الخطورة وكان لابد من إيجاد البديل فلجأ السكان إلى دفن موتاهم في الحدائق كحل إسعافي وسريع لكن يبدو أنه أصبح الحل الأكثر استمراراً رغم أن مجلس المدينة بادر منذ البداية إلى إيجاد بديل دائم حسب ما أفادنا به محمد أيمن حلاق رئيس المجلس:
في نهاية تموز من العام الماضي استولى المسلحون على مكتب دفن الموتى وتم تفريغه من معظم محتوياته فلم يوفروا مواد تغسيل وتكفين الموتى ولا سيارات الدفن ولا السجلات العائدة للمكتب وكانت النتيجة أن فقد العاملون في المكتب مقرهم والمواد اللازمة للعمل و16 سيارة لدفن الموتى.
ومن أجل استمرار عملية الدفن بشكل نظامي فقد خصص مجلس المدينة قطعة من أملاكه في بقعة خان العسل على طريق حلب- دمشق وخصصت للدفن كمقبرة مؤقتة ويجري فيها دفن المدنيين والعسكريين وتم نقل مكتب الدفن إلى موقع جديد في منطقة حلب الجديدة وضمن الحديقة البيئية حيث يجري استقبال المواطنين الذين لديهم حالات وفاة وتأمين الإجراءات اللازمة للمتوفين من تغسيل وتكفين وتأمين المدافن.
ويجري إرسالهم إلى المقابر الآمنة حيث يتكفل البعض وعلى مسؤوليتهم بإيصال موتاهم إلى المقابر القديمة الآمنة بعد دفع الرسوم في المكتب والتي لم يطرأ عليها أي تعديل مراعاة للأوضاع الصعبة للمواطنين، إذ يجري تقاضي مبلغ 9 آلاف ليرة قيمة القبر الجديد كما أن الدفن في المقبرة المؤقتة في خان العسل مستمر أيضاً ويجري البحث عن مناطق أخرى لتلبية حاجة المدينة في حال امتلاء تلك المقبرة.
مستعدون لإصلاح ما تهدم
ويضيف المهندس حلاق بأن الوضع الجديد أدى إلى عجز في موازنة مكتب الدفن يقدر بـ 10 ملايين ليرة في العام الماضي و12 مليوناً لهذا، العام، كما أن استيلاء المسلحين على المناطق التي تقع فيها المقابر الإسلامية أدى إلى ظهور عدد من الممارسات غير المنضبطة إذ يجري الدفن في كثير من الأحيان دون معاملات ودون تقارير طبية أو رسوم مالية ورمي بعض الجثث في المقابر دون دفنها وترك ذلك لحفاري القبور- قيام أشخاص بالدفن في بعض المقابر دون أي صفة وتقاضي مبالغ من المواطنين وضمن قبور تعود ملكيتها لآخرين بل إن بعض عمليات الدفن تجري ضمن مقاسم مخصصة لأسر ضمن المقبرة الإسلامية الحديثة.
إضافة إلى تعرض بعض المقابر إلى أضرار وتهدم بعض القبور فيها بسبب سقوط القذائف عليها ويختم رئيس المجلس بالقول:
إن مجلس المدينة على استعداد لإصلاح كل ما تهدم وإعادة وضع المقابر إلى سابق عهده بمجرد انتهاء الأزمة.
بقي أن نشير إلى أن وضع المقابر قبل الأزمة كان مستقراً ومقبولاً فإنشاء المقبرة الإسلامية الحديثة خارج المدينة من الجهة الشرقية حل مشكلة الدفن، إذ خصصت مساحة كبيرة جداً قابلة للزيادة لاستقبال الوفيات إضافة إلى المقابر القديمة المنتشرة في أنحاء مختلفة من المدينة وبالأخص في الجهتين الشرقية والجنوبية منها ورغم أن الأحياء السكنية قد تجاوزتها وأحاطت بها إلا أنها أيضاً لم تفقد وظيفتها وكانت عمليات الدفن مستمرة فيها قبل الأزمة وإن كانت أسعار القبور فيها تسجل مبالغ خيالية إلا أن الأسعار عادت إلى وضعها المقبول بعد افتتاح المقبرة الإسلامية الحديثة قبل سنوات.
مع ما يصاحب ذلك من تكاليف مادية باهظة الثمن، بينما أقفلت بعض المقابر أبوابها في وجه المواطنين بعد أن امتلأت عن آخرها، وهو ما يضع الجهات المعنية أمام امتحان البحث عن مدافن أخرى لتلبية حاجات المواطنين.
وفي الوقت ذاته يبدي العديد من المواطنين قلقهم من مشكلة نفاذ المقابر الشاغرة، وخاصة أنه حتى في حالة إيجاد مقبرة جديدة، فإنها حتماً ستكون بعيدة عن مساكنهم.
إن المتابع لواقع المقابر في هذه المحافظة أو تلك يلاحظ أن المشكلة تفاقمت حدتها في السنوات الأخيرة وأن مجالس المدن مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإيجاد الحلول المناسبة والبحث عن مقابر جديدة من أجل تلبية حاجات المواطنين، وان هذه القضية لا توجد في جدول أعمال المجالس في الوقت الحالي، ما يعني أن القضية لا تزال بعيدة كل البعد عن صلب اهتمامات تلك المجالس.
الغلاء يطول القبور و موتى يبحثون على مكان
تصاعدت في الآونة الأخيرة أسعار القبور في معظم المدن السورية ولاسيما دمشق، التي يتراوح سعر القبر فيها بين 1110000 – 1480000 ليرة ، وهو رقم باهظ بالنسبة لدخل أي مواطن.
وبحسب السعر المعتمد في مكاتب دفن الموتى، فإن أفضل القبور يجب ألا يتجاوز سعره 20 ألف ليرة، ولكنه تضاعف، دون أن يطرأ أي تغيير على قرارات الجهات المعنية بهذا الخصوص والتي لا يلتزم بها أحد، منذ صدور القرار رقم 43/م عن مجلس محافظة دمشق سنة 1971.
والمقابر في دمشق نشأت مع نشأة المدينة معظمها يتوسط مناطق حيوية ومكتظة كحي المهاجرين وشارع بغداد والمدينة القديمة، وهي مقابر تاريخية وأثرية تضم رفات مئات من الأولياء والشخصيات الدينية والتاريخية والثقافية المهمة على الصعيدين العربي والعالمي، اضافة إلى هذه هناك مقابر، كمقبرة "باب الصغير" التي تقع خلف باب الصغير.
ومقبرة الدحداح خلف "باب الفراديس"، وكذلك مقبرة "شيخ رسلان" خلف باب شرقي، فتعتبر هذه المقابر الثلاث هي المقابر الرئيسية في دمشق وأقدمها، ثم نشأت فيما بعد مقابر جديدة، باتجاه يساير التوسع العمراني لمدينة دمشق، فنجد في دمشق 33 مقبرة موزعة على مختلف الأحياء.
يذكر أنه السنوات الأخيرة تم تخصيص أرض كبيرة في إحدى ضواحي دمشق لإنشاء مقبرة؛ وهي "المقبرة الجنوبية الحديثة" في الحسينية، والتي تعرف باسم "مقبرة نجها"، وتبعد 13كم عن مركز دمشق، وذلك بسبب تزايد عدد الوفيات وعدم قدرة المقابر الموجودة على استيعابها، ويشرف على المقابر "مكتب دفن الموتى"، وهو مسؤول عن مقابر دمشق ،وعن المدافن الخاصة والمقامات الموجودة فيها بالتعاون مع وزارة الأوقاف.
رصد
وفي زحمة الموت المتواصلة مسيرته و في ظل الارتفاع الموحش في كل شيء بدأ أهالي الموتى يلجؤون الى دفن موتاهم فوق بعضهم بعضاً، و من اتيح له الاطلاع عن كثب يلاحظ أنه يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى.
ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل بعض المقابر وغالباً ما يفاجأ زوار المقابر بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر؛ وتكفي الزيارة الميدانية للوقوف على حقيقة الوضع المأساوي الذي تعيشه كل مقابر المدن المكتظة بالسكان كدمشق وحلب .
ويطالب العديد من المواطنين بإيجاد حل بسبب انعدام النظافة وامتلاء القبور بالحشائش والنباتات الطفيلية، والأشواك، والزواحف الخطرة، والكلاب الضالة، فضلا عن اتخاذ هذه المقابر مقار للعصابات المسلحة، حيث يتم اعتراض سبيل المارة والزوار في وضح النهار، والقيام بالسطو على الضحايا.
تحمل المسؤولية
تتداخل الاختصاصات والمسؤوليات في موضوع حماية ونظافة وصيانة المقابر، فالطرف الرئيسي الذي يتحمل مسؤولية الدفاع عن حرمات المقابر ضد الاعتداءات و الإساءات، الأوقاف و مجلس المدينة، اللذان من مهامها أيضا تدبير إشكالية استغلال وإعادة استغلال المقابر القديمة من جديد، وتدبير الوعاء العقاري الذي يحتضن المقابر، إذ تحتاج المدن كل سنة مساحة معينة للمقابر.
250 ليرة فقط للقبر ومراسم الدفن في طرطوس
لم تعان محافظة طرطوس ريفا ومدينة من ظاهرة شراء القبور للأموات أبدا أو تكبد الأموال الطائلة لقاء رسوم الدفن وعند جميع الطوائف وحين طرحنا هذا السؤال على المعنيين في المحافظة وعلى بعض المواطنين استغربوا سؤالنا فهم لم يسمعوا بهذا من قبل وقالوا الحمد لله ما زلنا بألف خير قياساً بالمحافظات الأخرى وخاصة دمشق وحلب.
وعن واقع المقابر في مدينة طرطوس يقول المهندس سامي محمد مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة طرطوس: في السنوات السابقة كان يتم الدفن في مقابر موزعة في وسط مدينة طرطوس وبهدف الحفاظ على الأراضي وعلى المنظر العام لمدينة طرطوس هذه المدينة السياحية عمل مجلس المدينة على إنشاء مقبرة شرق المدينة قرب سوق الهال على مساحة/14 هكتاراً وبدئ باستخدامها عام 2004 وبعدها تم إغلاق جميع المقابر داخل المدينة بشكل نهائي ولا توجد مشكلات حالياً، فالمساحة كبيرة وتكفي عشر سنوات قادمة على الأقل ومؤخراً خصص مجلس المدينة جزءا من المساحة في المقبرة للشهداء.
جميع مراسم الدفن بـ250 ليرة
وأضاف المهندس محمد إن مجلس المدينة يؤمن القبر وجميع مراسم الدفن من دون مقابل إلا أنه يأخذ رسوماً رمزية لا تتجاوز /250/ ليرة سورية فقط من المسلمين وذلك مقابل غسل الميت وتأمين مستلزمات الدفن من (بلوك –اسمنت –شطايح ..) وهي رسوم رمزية حتى إن حفر القبر في المدينة يتم عن طريق الباكر الخاص ببلدية طرطوس إضافة إلى أن سيارة الاسعاف تقدم من البلدية عند الحاجة إليها وكذلك من دون مقابل أما حراس المقبرة فهم من موظفي مجلس المدينة أيضاً.
مراسم من دون مقابل
وفي مدينة بانياس توجد حالياً خمس مقابر ضمن التنظيم إضافة إلى وجود/21/ قرية تابعة لمجلس المدينة ولكل قرية مقبرة خاصة بها وحاليا لا توجد أي صعوبات فالأراضي متوافرة إضافة إلى أنه لا توجد أي رسوم يتقاضاها مجلس المدينة في هذا المجال من تأمين القبر حتى إنهاء جميع مراسم الدفن.
الكل يؤاجر
وكذلك تغيب عن محافظة طرطوس مهنة حفاري القبور فلا يوجد أشخاص محددون لهذا العمل لأنهم يعدون في حفر القبر و دفن الميت أجراً عظيماً من الله تعالى وذلك من دون مقابل مـــادي يقول العم أبو محمـود : يشارك في دفن الميت في قـــرى طرطوس عدد من الشباب وعادة كان يقودهم رجل مسن له باع في هذا المجال ويتميز بقوة القلب والشجاعة وعمل الخير.
ويتم كل شيء بشكل جماعي ومن دون مقابل فقد علمنا أباؤنا وأجدادنا بأن في هذا العمل أجراً عظيماً وما زلنا مستمرين، ويضيف الشاب سامر وهو موظف: عندما تحدث وفاة في قريتنا يأتي الشباب إلى موقع الدفن ونباشر العمل بفتح القبر وتجهيز جميع الإجراءات وهذا كله باندفاع من الشباب الذين تربوا على روح العمل الجماعي والمؤاجرة في سبيل نيل أجر الآخرة...
15 قبراً زيادة شهرية في مدافن حماة وتكلفة الدفن 5 آلاف ليرة
مقولة "التجارة بالأموات عيب وحرام" تكررت على لسان الكثيرين ممن التقتهم تشرين في محافظة حماة مدينة وريفاً لتؤكد أن قيمنا وتراثنا وأخلاقنا العربية ستبقى راسخة على مر الدهور وخاصة في المناسبات الحزينة وعند حدوث الملمات فما زالت القبور مجانية تماماً في القرى والبلدات وهي بأسعار رمزية جداً في المدن، حيث قال مدير أوقاف حماة الدكتور نجم العلي: إن المقابر في محافظة حماة عقارات وقفية تبقى ملكيتها للأوقاف وتخصص كمقاسم بأسعار زهيدة جداً من قبل لجنة الاستبدال في مديرية الأوقاف وتتم إدارتها من قبل مجالس المدن.
وأشار رئيس مجلس مدينة حماة المهندس محمود القيسي الى وجود مقبرتين نظاميتين في مدينة حماة الأولى تسمى مقبرة الخضراء (سريحين) وتعد الأكبر ومقبرة الصفا "الحاضر" وهناك مقبرتان مخالفتان في أطراف المدينة في حيي الضاهرية وكازو يجري العمل على تنظيمهما ومعالجة الوضع المخالف فيهما.
وأضاف القيسي أن أغلب عائلات حماة مخصصة بمقاسم ضمن المقابر مساحة كل منها 60 م2 وهناك مقاسم عامة منها ما يتم تخصيصه ومنها ما هو ذو نفع عام لمصلحة مجلس المدينة يتم فيه دفن مجهولي الهوية ونزلاء دور العجزة واللقطاء والفقراء الذين يحصلون على موافقة المكتب التنفيذي لعدم قدرتهم على دفع تكاليف الدفن.
وذكر القيسي أن تكاليف الدفن محددة بمبلغ 20 ليرة قيمة أرض القبر تعود لمديرية الأوقاف و2500 ليرة لمجلس المدينة كرسم دفن يتضمن أجور الحفر وتجهيزات القبر والغسيل والكفن والتلقين وأجور السيارة التي تنقل النعش الى المقبرة.
رئيس مكتب دفن الموتى في مدينة حماة الدكتور ابراهيم الخليل أكد أن العاملين في المكتب يعملون على مدار أيام الأسبوع من دون أي عطلة، لافتاً الى أن وسطي عدد القبور الشهري في حماة لعام 2011 كان حوالي 150 ارتفع عام 2012 الى ما يقارب 195 وهذا العام تم لحظ زيادة تتراوح بين 10 إلى 15 قبراً جديداً كزيادة شهرية.
وذكر الخليل أن مكتب الدفن يحتاج الى سيارتين حديثتين للدفن على الأقل لكون السيارتين الحاليتين باليتين تماماً وقديمتين جداً وطلب زيادة الكادر العامل حيث يوجد حالياً 10 عاملين فقط في المكتب يغطون وارديتي عمل يضاف الى ذلك حاجة مقبرة الصفا "الحاضر" الى استملاك قطعة الأرض المجاورة الملحوظة على المخطط التنظيمي لإجراء توسعة تمكن المواطنين من فتح قبور جديدة.
أما المواطنون ومنهم مصطفى وهشام والحاج أنور من أبناء مدينة حماة فقد أشاروا الى أن تكلفة القبر الحقيقية تصل الى أكثر من 5 آلاف ليرة من ضمنها رسوم البلدية حيث يقوم الحفار بابتزاز أهل الميت بحجة غلاء المعيشة والجهود التي قدمها وطبعاً هي غير ملزمة ولكن الظرف يفرض على أهل الميت الانصياع لها حسب مقدرتهم المادية.
وفي مناطق ومدن المحافظة الكبيرة يختلف الأمر قليلاً بعدم وجود مكتب للدفن وتقتصر تكلفة القبر على ثمن العقار المحدد بمبلغ 50 ليرة للمتر المربع حسب قول رئيس مجلس مدينة سلمية المهندس عبد الكريم الشمالي وذلك لمن لم تخصص عائلته بمقسم ضمن المقابر ويتكفل مجلس المدينة بمصاريف وتكلفة القبور ولوازم دفن الشهداء والفقراء ومجهولي الهوية على نفقة المجلس بموافقة أعضاء المكتب التنفيذي.
ولفت سكان القرى الى أن القبور وتكاليف الدفن مجانية تماماً ويقوم بها أهل الميت والجيران والأقارب وإذا اقتضى الأمر قد يتم تكليف عامل بحفر القبر ويعطى مبلغ لا يزيد على ألف ليرة.
مقبرة مؤقتة وحدائق تحولت إلى مقابر في حلب
وضع شاذ وغريب أفرزته الأحداث الأخيرة في حلب تمثل في تحول كثير من الحدائق ضمن المناطق السكنية إلى مقابر حيث امتلأ بعضها تماماً بالقبور ولم يتبق فيها أي حيز لقبر جديد.
المقابر ومكتب الدفن خارج السيطرة
بدأت المشكلة منذ عام تقريباً عندما خرجت معظم المقابر عن السيطرة وبات الدخول إليها أمراً بالغ الخطورة وكان لابد من إيجاد البديل فلجأ السكان إلى دفن موتاهم في الحدائق كحل إسعافي وسريع لكن يبدو أنه أصبح الحل الأكثر استمراراً رغم أن مجلس المدينة بادر منذ البداية إلى إيجاد بديل دائم حسب ما أفادنا به محمد أيمن حلاق رئيس المجلس:
في نهاية تموز من العام الماضي استولى المسلحون على مكتب دفن الموتى وتم تفريغه من معظم محتوياته فلم يوفروا مواد تغسيل وتكفين الموتى ولا سيارات الدفن ولا السجلات العائدة للمكتب وكانت النتيجة أن فقد العاملون في المكتب مقرهم والمواد اللازمة للعمل و16 سيارة لدفن الموتى.
ومن أجل استمرار عملية الدفن بشكل نظامي فقد خصص مجلس المدينة قطعة من أملاكه في بقعة خان العسل على طريق حلب- دمشق وخصصت للدفن كمقبرة مؤقتة ويجري فيها دفن المدنيين والعسكريين وتم نقل مكتب الدفن إلى موقع جديد في منطقة حلب الجديدة وضمن الحديقة البيئية حيث يجري استقبال المواطنين الذين لديهم حالات وفاة وتأمين الإجراءات اللازمة للمتوفين من تغسيل وتكفين وتأمين المدافن.
ويجري إرسالهم إلى المقابر الآمنة حيث يتكفل البعض وعلى مسؤوليتهم بإيصال موتاهم إلى المقابر القديمة الآمنة بعد دفع الرسوم في المكتب والتي لم يطرأ عليها أي تعديل مراعاة للأوضاع الصعبة للمواطنين، إذ يجري تقاضي مبلغ 9 آلاف ليرة قيمة القبر الجديد كما أن الدفن في المقبرة المؤقتة في خان العسل مستمر أيضاً ويجري البحث عن مناطق أخرى لتلبية حاجة المدينة في حال امتلاء تلك المقبرة.
مستعدون لإصلاح ما تهدم
ويضيف المهندس حلاق بأن الوضع الجديد أدى إلى عجز في موازنة مكتب الدفن يقدر بـ 10 ملايين ليرة في العام الماضي و12 مليوناً لهذا، العام، كما أن استيلاء المسلحين على المناطق التي تقع فيها المقابر الإسلامية أدى إلى ظهور عدد من الممارسات غير المنضبطة إذ يجري الدفن في كثير من الأحيان دون معاملات ودون تقارير طبية أو رسوم مالية ورمي بعض الجثث في المقابر دون دفنها وترك ذلك لحفاري القبور- قيام أشخاص بالدفن في بعض المقابر دون أي صفة وتقاضي مبالغ من المواطنين وضمن قبور تعود ملكيتها لآخرين بل إن بعض عمليات الدفن تجري ضمن مقاسم مخصصة لأسر ضمن المقبرة الإسلامية الحديثة.
إضافة إلى تعرض بعض المقابر إلى أضرار وتهدم بعض القبور فيها بسبب سقوط القذائف عليها ويختم رئيس المجلس بالقول:
إن مجلس المدينة على استعداد لإصلاح كل ما تهدم وإعادة وضع المقابر إلى سابق عهده بمجرد انتهاء الأزمة.
بقي أن نشير إلى أن وضع المقابر قبل الأزمة كان مستقراً ومقبولاً فإنشاء المقبرة الإسلامية الحديثة خارج المدينة من الجهة الشرقية حل مشكلة الدفن، إذ خصصت مساحة كبيرة جداً قابلة للزيادة لاستقبال الوفيات إضافة إلى المقابر القديمة المنتشرة في أنحاء مختلفة من المدينة وبالأخص في الجهتين الشرقية والجنوبية منها ورغم أن الأحياء السكنية قد تجاوزتها وأحاطت بها إلا أنها أيضاً لم تفقد وظيفتها وكانت عمليات الدفن مستمرة فيها قبل الأزمة وإن كانت أسعار القبور فيها تسجل مبالغ خيالية إلا أن الأسعار عادت إلى وضعها المقبول بعد افتتاح المقبرة الإسلامية الحديثة قبل سنوات.
Comment