بقلم: نارام سرجون
يجب علينا أن نسمي الأشياء كما هي ودون تجميل أو ديبلوماسية ربطات العنق والمساعي الحميدة ..فما نحن فيه الآن هو حرب سورية تركية ..وأعتقد أن من أهم الاصلاحات التي يجب أن نعمل عليها هو اصلاح المصطلحات والتسميات .. وعلى رأسها اصلاح اسم الثورة السورية والكشف عن الاسم الواقعي لها في كل الم
راحل .. فقد بدأت بالمرحلة القطرية (غزوة بني تميم) التي احترقت .. وتلتها مرحلة الحملة الفرنسية (ساركوزي) ثم وصلت الآن الى مرحلة الحملة التركية التي وصلت الى ذروتها عبر انطلاق فعاليات (الحرب السورية التركية) .. فما يحدث هو حرب حقيقية تدور بيننا وبين الأتراك .. ويبدو أن كلا الطرفين السوري والتركي يفضل عدم الاعتراف بوجود حرب بينهما ولكل منهما أسبابه الا أن واقع الحال هو أن الطرفين يتطاحنان في معركة كبرى .. وهذا الاحتدام في المعارك في الشمال هو حرب بلاهوادة .. لكل تكتيكاته واستراتيجياته العسكرية وحلفاؤه .. وسيخطئ كثيرا من يظن أن ميليشيا الجيش الحر المبعثرة وبغاثه المستنسرة في تركيا هي التي تقاتل الجيش السوري النظامي .. لأن مايدور في الشمال هو حرب استنزاف مع تركيا الدولة .. تعمل فيها التكنولوجيا والأقمار الصناعية وطائرات التجسس والاستطلاع وكل تقنيات الحرب الالكترونية والاستخبارات..
ووصول الثورة السورية الى مرحلة الحرب السورية التركية علنا (دون مستوى اعلان الحرب) يعني بالنسبة للمراقبين أن الثورة السورية قد فشلت نهائيا بعد مرور كل هذه المراحل الا في بعض التفجيرات المتنقلة .. ولجوء تركيا الى المخاطرة بالتلويح بالتدخل بعصبية يدل على أن الوضع الميداني للمقاتلين ليس على مايرام .. فالمنطق العسكري يقتضي أن تلزم تركيا الصمت ماأمكن وتقوم بدور اللامبالي اذا كان الوضع العسكري ميالا لصالح المعارضة بحيث تكتفي تركيا بتوجيه النصائح للطرفين دون أن تهز (بدنها) .. لكن ردود الأفعال المتوترة التركية مؤخرا تشير الى أن الأداء العسكري لميليشيا المعارضة ليس مقبولا على الاطلاق وأن مايقال عن ابادة كتائب كاملة منها حقيقي وليس دعاية حربية .. ولابد من تخفيف الضغط عليها عبر مايسمى تطوير الهجوم ..
ولذلك فقد تم تطوير الهجوم على مستويين لتخفيف الضغط الهائل على الميليشيا المترنحة .. الأول هو رفع نسبة التفجيرات في العاصمة والمدن السورية ورفع نسب العمليات المبعثرة لتشتيت انتباه الدولة والجيش وجهاز الاستخبارات عن معارك الشمال الحاسمة ومحاولة الزج ببعض المسلحين بكميات كبيرة داخل العاصمة لارباك القيادة السورية .. والثاني هو الزج بقوات تركية صرفة مؤازرة في الخطوط الخلفية للمعارضة تعمل على مد كل أنواع الامداد وتأمين الخطوط الخلفية والاتصالات للمسلحين والذخائر بكل انواعها لتمكين الميليشيات من الصمود ماأمكن .. ومما يشير الى ذلك ماتتناقله أوساط تركية عن اصطياد العشرات من الجنود والضباط الاتراك الذين وصلوا الى الخطوط الأمامية لتوجيه العمليات العسكرية .. وهذا مالايريد الطرفان الاشارة اليه كما يبدو لتجنب استثارة الرأي العام على الطرفين الذي قد يضغط نحو اعلان حرب حقيقي لايرغب فيها الأتراك قبل السوريين..
ولاشك أن مصطلح تطوير الهجوم (أو ماتسميه مناورات أردوغان اللفظية تغيير قواعد الاشتباك) لاتعمل به القيادات العسكرية الا عند وجود انهيار أو ضغط مكثف على جبهة صديقة لامتصاص قوات العدو بعيدا عنها عبر فتح جبهة أخرى أو جبهات .. وربما كان اكثر (تطوير هجوم) شهرة سمعنا به هو الذي اخترعه الرئيس السادات بتطوير هجوم قواته في سيناء لتخفيف ماقال انه الضغط الاسرائيلي عن الجبهة السورية التي تلقت في يوم واحد مئات الغارات الجوية الاسرائيلية مقابل 25 غارة على الجيش المصري .. وبالرغم من اللغط والجدل الشديد حول مبرر تطوير الهجوم الذي بالغ به السادات بشكل غير مفهوم وسط اعتراض القادة العسكريين المصريين فانه تسبب في كشف الجيش المصري الثالث .. وقدم ثغرة الدفرسوار هدية لمفاوضات الكيلو 101 التي منها بدأ الحمل باتفاقية كامب ديفيد .. التي ولد من رحمها المولود الأول (عهد حسني مبارك) .. ووضعت وليدها الثاني مؤخرا في مرحلة (الاخوان المسلمين) ورسالتهم الى صديقهم العظيم بيريز..
تطوير الهجوم التركي عبر تفجيرات الداخل وعبر الاستماتة لكسب ميداني على الأرض في الشمال قد كشف ثغرة دفرسوار تركية كما يلاحظ محللون عسكريون .. أي دفرسوار سياسي وعسكري .. فالمخاطرة بزج قوات تركية في الخطوط الخلفية للمقاتلين جعل الحرب مع المعارضة حربا تخرج من اطار الحرب بين (السوريين ومعارضيهم) الى الحرب مع (تركيا وموالاتها) .. وهذا انقلاب هام في المعادلة النفسية في نظر الكثير من العسكريين الذين صاروا أقدر على تمييز العدو ..وتمكن الحكم الوطني السوري ببراعة لافتة من نقل اللعبة النفسية التي جهد الغرب والجزيرة لنحتها من نزاع مع معارضة مسلحة سورية وقوات نظامية الى نزاع دولة وطنية مع ذراع تركي وميليشيا تشبه ميليشيا أنطوان لحد ..
ويجادل الكثيرون بأن تورط تركيا في معارك الشمال قد يكون سببا في فتح ثغرة دفرسوار لاتردم .. فهناك تقارير عن عشرات آلاف المقاتلين الاكراد الذين ينتظرون انشغال الجيش التركي بشكل أكبر وانغماسه في المواجهة مع سورية .. لتوجيه ضربة قاسية له سيوفر لهم كل عناصرها التحالف الجديد في المنطقة الذي لم يعد يطيق أو يحتمل سلوك تركيا الراهنة..وهناك من يخشى أن يجد الجيش التركي نفسه يمتص الى ثغرة عسكرية تكون لها تأثيرات ثغرة الدفرسوار على النزاع مع سورية ..
في العديد من التحليلات العسكرية للموقف العسكري في الشمال السوري لايوجد أي احتمال لانتصار ميليشيا المعارضة في هذه المعركة في غياب الغطاء الجوي الذي تحاول القيادة التركية تعويضه ببرامج تشويش أميريكية (عبر طائرات الاواكس) واسرائيلية على الطيران السوري والاتصالات السورية وربما ببعض مضادات الطيران .. لكن لايبدو أن هذه البرامج قد اتت أكلها أو انها أثرت على أداء الطيران السوري الذي يدك تجمعات مدافع الهوان والرشاشات الثقيلة .. ويخشى غربيون واسرائيليون أن فشل هذه البرامج قد يعني أن لدى السوريين بالفعل مفاجآت الكترونية متفوقة حصلوا عليها من حلفائهم الروس والايرانيين وربما كان الهنود والصينيون مساهمين فيها .. وهذه احدى الخيبات الكبيرة التي جعلت تركيا مترددة كثيرا في اعلان حرب مباشرة لأن العقيدة العسكرية التركية مستمدة من العقيدة الغربية والتي تعتمد على سلاح الجو وسلاح تشويش دفاعات العدو الاكترونية .. وكانت كل مساعي الاتراك عبر استهداف الدفاع الجوي السوري وكوادره أو عبر استجلاب منشقين أو أسر أو اختطاف كوادر عسكرية هي بغاية الحصول على اختراق الكتروني يمكن الجيش التركي من التشويش على سلاح الصواريخ والطيران والدفاع الجوي .. لكن عددا من المناسبات والاحتكاكات المباشرة أكدت للأتراك أن اللاعبين السوريين تجنبوا هذه الفخاخ .. وأن عملية خرق الرموز والاشارات أواطلاق التشويش ليست مرضية على الاطلاق ..وأنها محمية بطريقة صلبة جدا ومرنة جدا بآن معا..ولايزال بعض القادة الأتراك يعتقدون أن برامج التشويش الأمريكية الحديثة لن يوقفها أحد .. ولكن لايجرؤ واحد منهم على اعطاء جواب قاطع وضمانة مطلقة بذلك بل يبقى الجواب مسبوقا ب (ربما).. ..
معركة الشمال لاتزال ثانوية للجيش السوري الذي يترقب بحذر العدو الكبير في الجنوب (اسرائيل) الذي يتهيأ لاحتمال حرب مع ايران .. لكن عملية اجتياح الشمال حيث تنتشر الميليشيا في رأي كل من يتابع الوضع الميداني ستكون أسرع مما يتوقعه البعض عندما ينطلق الجيش السوري بكتلة كبيرة الى مرحلة التنفيذ ..لأن الجيش السوري لايتحرك الا عندما تكتمل خارطة معلوماته وبنك أهدافه ..وهو يستعمل -كما يقال - تقنيات طائرات استطلاع خفيفة من دون طيار .. وهي التي كشفت له أكبر رتل من سيارات كبيرة محملة بمدافع ثقيلة ومضادات طيران متطورة في جبال ادلب المحاذية لتركيا .. حيث تولت قاذفتان سوريتان مهمة مرافقة الرتل الى الجحيم وتوديعه بحرارة فائقة في منصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) .. والذي تم تصوير عرباته بطائرات الاستطلاع فوق ادلب وقد ظهرت تلك العربات تقذف الى السماء بعنف الانفجارات وتصل الى ارتفاعات شاهقة وكأنها علب كبريت صغيرة يتساقط منها ضباط أتراك (؟؟) كما تتساقط أعواد الثقاب منها..
الحرب السورية التركية وليست رحلات الأخضر الابراهيمي المكوكية هي التي ستقرر مصير الأزمة السورية .. فقد انتهت فاعلية الدور القطري وانكشافه في انتهازيته ومحاولته التمدد السياسي بطموحات غير واقعية ولاتنسجم مع واقع قطر كجزيرة صغيرة لامحل لها سياسيا أو عسكريا ولاتستطيع قطر فعل أكثر مما فعلته ومالها وحده دون تركيا عاجز .. وتم تفجير جامعة الدول العربية نهائيا باللغم السوري حيث لم تعد لها فاعلية بعد أن أخفقت في آخر مهمة لها في تحطيم الحكم في سورية..وظهرت أنها مؤسسة من مؤسسات الناتو لاغير ..أما مجلس الأمن فقد وضع الروس له لجاما لافكاك منه ..اما السعودية فهي ستضطر للتراجع حال تعثر تركيا ..لأنها تدرك أنها من حيث الفاعلية هي قطر (كبرى) ..قطر الصغرى عندها غاز واخوان مسلمون وقرضاوي .. وقطر الكبرى (السعودية) لديها نفط وقاعدة وظواهري ..وكلاهما تنتظران تركيا ماذا هي فاعلة ..
أردوغان والمعارضة السورية بقي لهم أمل كاذب واحد وهو فوز (ميت رومني) الذي يعتقد هؤلاء الأغبياء أنه سيكون أكثر شراسة من اوباما وسينهي المهمة التي طالت والتي لن يقدر عليها الا جمهوري أخرق وصعب المراس ولايحترم مجلس الأمن .. ولكن ماذا يستطيع رومني أن يفعل؟؟ كل الخيارات أمامه وضعت ذاتها أمام أوباما ولم يقدر على اتخاذ قرار .. فرومني بالتأكيد لا يخيف بوتين طبعا .. وهو لن يحرر فم مجلس الأمن من اللجامين الروسي والصيني الفولاذيين .. ورومني لن يغامر بحرب يعرف الكل سلفا أن ايران طرف فيها وأن الروس لن يقفوا متفرجين وهم يرون الاسلاميين يسقطون سورية ليصلوا فورا الى روسيا .. واذا قرر رومني تزويد المعارضة بأسلحة نوعية فسيرد محور سورية وايران وروسيا بشكل واضح لالبس فيه .. وهو: على نفسها جنت براقش .. لأن الكثيرين من خصوم تركيا واميريكا سيحصلون على نفس السلاح ..دون حدود ..
أول الربيع اذا ليس كآخره ..وآخر الربيع ليس كأوله .. فأول الربيع هو آخر الشتاء .. وآخر الربيع هو أول الصيف .. فالوضع في تركيا لم يعد كما كان في اول الربيع .. وهناك تأرجح واضح وتجاذبات سياسية وعسكرية واجتماعية لايمكن اخفاؤها .. والوضع في المنطقة لم يعد كما كان .. .. الثورة ومجالسها تتفكك .. وتتكاثر حكوماتها الانتقالية كالجراثيم .. ويتكاثر المعارضون على المعارضين ..والمتمردون على المتمردين .. وينتشر قلق عميق في تونس ومصر من عواصف قادمة ..ومعركة الشمال السوري تنتظر الدفرسوار ..انها أواخر الربيع ..
دفرسوار سيناء أنجزها شارون باندفاعه جنوبا وهو وان كان لعدو أكرهه انجاز عسكري يحسب له .. حيث حاصر الجيش الثالث المصري .. وفرض شروطه التي لاتزال سارية حتى اليوم ..وتجعله صديقا عظيما لمحمد مرسي ولحية محمد مرسي..
وهذه المرة تسير مجموعة من الدبابات السورية من طراز ت 82 نحو الشمال .. لاحداث الدفرسوار التركي في جسم المعارضة المسلحة ..
دفرسوار مصر أخرج جيشها منذ ذلك التاريخ من خارطة المعارك في الشرق الاوسط .. والدفرسوار التركي في الشمال على عكس ذلك سيكرس الجيش السوري سيدا من سادة المعارك في كل معارك الشرق الأوسط .. القادمة لامحالة ..