المرحلة التي يعيشها الرئيس بشار الأسد الآن شبيهة بالمرحلة التي عاشها صدام حسين بعد انتهاء حرب العام 1991. وقتها حاولت أميركا إشعال ثورة شعبية في العراق ضد صدام حسين لإسقاطه ثم تراجعت بشكل مفاجئ عن فكرة إسقاط صدام وشنت ضده حملة طويلة من الحصار والعزل وتشويه السمعة عربيا وعالميا، وطبعا كان لآل سعود وقتها الدور الأبرز في تلك الحملة.
الآن أميركا تراجعت بشكل مفاجئ عن فكرة إسقاط الأسد، ولكنها ما زالت ماضية بقوة في سياسة الحصار والعزل وتشويه السمعة.
اجتمع الاتحاد الأوروبي وأصدر عقوبات ضد والدة و زوجة الرئيس الأسد. حتى زوجته لم تسلم من العقوبات وحملة تشويه السمعة.
الاستطلاعات الأميركية قبل الأزمة كانت تظهر أن الأسد هو الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي، ومن هنا يأتي اهتمام أميركا البالغ بتدمير سمعته. أنا نقلت قبل فترة تصريح جيفري فيلتمان الذي تباهى فيه بأننا دمرنا سمعة الأسد في العالم العربي وجعلناها في الحضيض، وما يلي هو نص التصريح مجددا:
قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، أمس، إن خروج منظمة حماس الفلسطينية من سوريا «عرى نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد»، مؤكدا أن الأسد لم يعد يتمتع بشعبية، ليس فقط في سوريا، ولكن أيضا في الدول العربية.. مشيرا إلى أن استفتاء أخيرا (أجراه مركز «زغبي» الأميركي) حول شعبية الرئيس السوري في الدول العربية، أوضح أنها «في الحضيض».
هذه القصة ليست جديدة في العالم العربي بل هي قصة قديمة ومكررة إلى درجة أنها صارت مملة.
في الخمسينات أميركا قطعت المال عن جمال عبد الناصر وحاصرته، والتهمة الموجهة له وقتها كانت أنه “شيوعي” أو “صديق للشيوعيين”، وبناء على هذه التهمة تم تشويه سمعة جمال عبد الناصر في الغرب وتم قطع كل العلاقات معه ومعاداته، ووصل الأمر إلى أن حاولت بريطانيا وفرنسا غزو مصر عسكريا في عام 1956 تحت حجة إسقاط الشيوعي عبد الناصر.
طبعا عبد الناصر لم يكن شيوعيا ولا علاقة له بالشيوعية، بل بالعكس هو كان يعتقل الشيوعيين في مصر ويضطهدهم، وفي السياسة الخارجية هو كان ميالا جدا إلى أميركا وكان في بداية عهده (ونهايته أيضا) يحاول بجهد بالغ أن يتصالح مع أميركا وأن يبتعد عن الاتحاد السوفييتي.
كل جريمة عبد الناصر هي أنه كان معاديا لإسرائيل. هذه هي القصة ببساطة. هو كان يريد تسليح الجيش المصري وتحرير فلسطين، وطبعا أميركا رفضت تزويده بالأسلحة، ولهذا السبب هو اضطر لأن يتقارب مع الاتحاد السوفييتي الذي زوده بالأسلحة عن طريق تشيكوسلوفاكيا. بعد ذلك أميركا استمرت في الضغط عليه ومعاداته وتفاقمت الأمور حتى وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في عام 1956. في ذلك العام الغرب كان عازما على إسقاط عبد الناصر ولولا التدخل الحازم من الاتحاد السوفييتي لكان الغرب أسقطه بالفعل.
أميركا كانت تدعي أن عبد الناصر عميل للشيوعيين لكي تغطي على سبب خلافها الحقيقي معه. هي كانت ترفض موقفه من إسرائيل ولهذا السبب اتخذت من قصة الشيوعية والمد الشيوعي ذريعة لتحطيم سمعته، لأن العالم الغربي كان في ذلك الوقت مشحونا ضد “المد الشيوعي” وهذه القصة كانت صالحة لاستثارة الغربيين ضد عبد الناصر.
طبعا أميركا استعانت وقتها بآل سعود (كالعادة) لتشويه سمعة عبد الناصر في العالم الإسلامي. وقتها السعودية كانت تصدر الفتاوى ضد عبد الناصر وتتهمه بأنه كافر ملحد محارب للإسلام، وكان الرجعيون من الإخوان المسلمين وأشباههم يسيرون في نفس الخط أيضا ويشنون حملة شعواء على عبد الناصر.
كل القصة كانت تدور حول إسرائيل، ولكن أميركا غلفتها بشعارات كاذبة عن التصدي للمد الشيوعي، وآل سعود غلفوها بشعارات كاذبة عن حماية الإسلام والتصدي للكفر والإلحاد.
بعد عبد الناصر جاءت قصة صدام حسين في عام 1990. وقتها أميركا وآل سعود جيشوا العالم ضد صدام حسين تحت حجة “تحرير الكويت”، وآل سعود أصدروا الفتوى المشهورة التي أجازت إحضار الجنود الكفار إلى الجزيرة العربية تحت هذه الحجة، وطبعا كان هناك الكلام المعتاد عن أن حزب البعث كافر ملحد يحارب الإسلام (كل من يهدد إسرائيل هو كافر ملحد محارب للإسلام).
وبعد تدمير العراق بحجة تحرير الكويت فرض الحصار المدمر على العراق بحجة “أسلحة الدمار الشامل”.
كل هذه الخزعبلات الأميركية-السعودية كانت تهدف للتغطية على السبب الحقيقي لتدمير العراق. السبب ببساطة هو حماية إسرائيل وليس أي شيء آخر.
الكويت هي عبارة عن مدينة صغيرة جعلت منها بريطانيا دولة مستقلة لأسباب استعمارية بحتة. لا يوجد شيء في الدين أو المنطق يجيز تدمير العراق بحجة تحرير الكويت. هذا كلام فارغ كان يردده إعلام أميركا وآل سعود للتعمية والتضليل.
الآن نفس القصة تتكرر مع إيران وسورية. آل سعود يشنون منذ سنوات حملة لشيطنة إيران والشيعة، وكأن الشيعة هم اختراع جديد ظهر في القرن العشرين.
الشيعة موجودون في العالم الإسلامي منذ أكثر من ألف عام، ولا يوجد شيء طرأ عليهم حديثا حتى نقول أنهم صاروا الآن تهديدا. كل ما حدث هو أن الخميني رفع شعار تحرير فلسطين. هذه هي كل القصة.
إيران الخمينية لم تطرح نفسها يوما على أنها دولة شيعية. إيران تتحدث دائما عن الوحدة الإسلامية ضد أميركا وإسرائيل ونبذ الخلافات الطائفية والعرقية. هذا هو الخطاب الإيراني الذي يرددونه في إعلامهم وأدبياتهم وشعاراتهم وفي حياتهم لم يقولوا أي كلام غيره.
الخميني لم ينكر أنه شيعي. هو يعترف بأنه شيعي وليس سني، ولكنه يقول أن قضية الخلاف السني-الشيعي يجب تهميشها والتركيز على تحرير العالم الإسلامي من هيمنة أميركا وإسرائيل. هذه هي فلسفة الخميني. ما هو الخطأ في هذه الفلسفة؟
طبعا أي إنسان عربي وطني أو مسلم حقيقي لا بد وأن يؤيد منطق إيران، ولكن أميركا وإسرائيل لهم رأي آخر هو نفس رأي آل سعود. بالنسبة لآل سعود نحن يجب أن ننسى مقاومة أميركا وإسرائيل وأن ننشغل بـ”المد الشيعي” الذي هو إعادة إنتاج “للمد الشيوعي” الذي كانت أميركا تدمر الدول بذريعته في الخمسينات والستينات. أميركا غزت كوريا وفيتنام بحجة المد الشيوعي وصنعت تنظيم القاعدة في أفغانستان بحجة المد الشيوعي وحاصرت كوبا وعبد الناصر والكثير الكثير من المآسي التي سببتها أميركا للعالم بحجة المد الشيوعي. عبارة “المد الشيوعي” هي عبارة اخترعتها أميركا لكي تتدخل في شؤون الدول وتبسط سيطرتها الاستعمارية على العالم تحت حجة أنها تقاوم الشيوعية الشمولية الديكتاتورية. الآن أميركا أعادت إنتاج نفس المصطلح ولكنها حذفت منه حرف واو فصار “المد الشيعي” بدلا من “المد الشيوعي”، والهدف من خلق هذا المد الشيعي المزعوم هو الحفاظ على إسرائيل والحفاظ على سيطرة أميركا على غرب آسيا ومحاولة مد هذه السيطرة إلى قلب آسيا لخنق روسيا والصين.
غرض آل سعود من خطاب “المد الشيعي” واضح. هم يريدون تدمير إيران كما دمروا مصر والعراق من قبل، والسبب هو حماية إسرائيل وإبقاء نظامهم الرجعي الفاسد العميل. هذه هي كل القصة.
الآن الدعاية الأميركية-السعودية امتدت إلى بشار الأسد أيضا. من يراقب الإعلام الخليجي الآن يرى التركيز الفائق على المجازر المزعومة التي يرتكبها بشار الأسد، ناهيك عن التحريض الطائفي واختراع القصص التي لا تنتهي.
الدستور السوري الجديد الذي أقره بشار الأسد هو الأفضل في العالم العربي، والمجازر المزعومة التي يرتكبها بشار الأسد لا وجود لها في الواقع. ما يحدث هو مواجهات بين الأمن السوري ومتمردين مسلحين مدعومين من أميركا ودول الخليج. هذا هو ما يحدث الآن في سورية.
هناك في سورية فئة من الناس تعارض النظام السوري لأسباب متعددة (متأثرون بالشحن الإعلامي الخليجي أو أنهم أصلا أصحاب توجه إسلامي متعصب). هؤلاء هم من يساهمون الآن في حملة التضليل والكذب. لم تتراكم في سورية ثقافة ديمقراطية حضارية والمعارضون يعتبرون أن كل شيء مباح لإسقاط النظام، ولهذا السبب هم يقومون منذ بداية الأزمة بنشر كم هائل من الأكاذيب والمبالغات عما يحدث في سورية ظنا منهم أن هذا شيء مشروع ودعم “للثورة”.
بشار الأسد أصدر منذ الأسبوع الأول للأزمة أمرا بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، وأجهزة الأمن التزمت بهذا الأمر، ولكن المتظاهرين صاروا يهاجمون مقرات الأمن وأجهزة الدولة ويحاولون إحراقها وأحيانا قتل من فيها، وهكذا تطورت الأحداث حتى وصلنا إلى الوضع الحالي. الشعب السوري ليست لديه ثقافة التظاهر السلمي، وأجهزة الأمن لا تعرف كيف تتعامل مع المظاهرات، والمجتمع السوري فيه احتقان طائفي متراكم منذ مئات السنين بين الإسلاميين . لهذه الأسباب فإن الأمور تطورت وأخذت المنحى الصدامي. هذا أمر عادي وهو كان متوقعا منذ البداية لأي شخص يعرف الوضع السوري، ولكن ما حدث هو أن أميركا ودول الخليج سعوا عن عمد لإشعال الأوضاع لأن ما حدث في سورية لم يكن بصراحة إلا مؤامرة أشعلتها جماعات وهابية مرتبطة بالمخابرات السعودية، وبعد أن اشتعلت المؤامرة انتهجت أميركا سياسة صب الزيت على النار وهي ما زالت تطبق هذه السياسة حتى الآن.
الآن بعد أن اشتعل الوضع تسعى أميركا والسعودية لاستغلاله لتخريب سمعة سورية في العالم العربي كما خربوا سمعة إيران، والهدف الوحيد لما يقومون به هو حماية إسرائيل فقط لا غير.
هم يريدون أن يكرروا مع سورية السيناريو العراقي، أي يحاصرون سورية ويضعفونها ويشوهون سمعتها إلى أن تأتي ساعة المواجهة العسكرية ويتخلصوا من سورية كما تخلصوا من العراق , إذا استطاعوا ذلك مستقبلاً (ولن يستطيعوا ) .
أميركا والسعودية تشنان أيضا حملة تشويه ضد روسيا. الآن السعودية تشن حملة تحريض طائفي على روسيا شبيهة بالحملة التي شنتها أيام أفغانستان والشيشان.
بالأمس جريدة الشرق الأوسط السعودية التلمودية الليكودية اقتطفت كلاما لسيرغي لافروف يتحدث عن “حكم السنة لسورية” وأخذت هذا الكلام وحاولت أن تجعل منه وقودا للتحريض الديني ضد روسيا. لافروف كان يتحدث إلى وسيلة إعلام غربية أو روسية واستخدم مصطلحات فجة وكأنه يتحدث في موضوع أكاديمي دون أن يدرك حساسية المصطلحات التي يستخدمها في العالم العربي. ما قاله بالضبط هو أننا لو أسقطنا النظام السوري فستحاول دول في المنطقة (يقصد السعودية) إقامة نظام “سني” في سورية وهذا سوف يسبب مشاكل طائفية. هو يقصد أن المقاربة الطائفية التي تنتهجها السعودية تجاه سورية سوف تسبب صراعا طائفيا في المنطقة، وهذا كلام صحيح لا غبار عليه، ولكن الإعلام السعودي حرف التصريح وصوره على أن لافروف يعارض “حكم السنة” لسورية.
طبعا قضية “حكم السنة لسورية” هي قضية لا معنى لها عند الوطنيين والقوميين لأن من يحكم سورية هو ليس طائفة (سواء سنية أم علوية) وإنما هو حكومة مكونة من مواطنين سوريين. سورية ليست دولة من القرون الوسطى كمملكة آل سعود حتى نقول أن الطائفة الدينية الفلانية تحكم والطائفة الدينية العلانية لا تحكم. الدولة السورية قائمة على نظام المواطنة وموظفوا الدولة لدينا حصلوا على وظائفهم على أساس أنهم مواطنون سوريون وليس على أساس أنهم سنيون أو علويون. هذا هو المنطق الوطني أو القومي، ولكن الوهابيين والإسلاميين المتخلفين لا يفهمون هذا المنطق ولذلك هم سوف يستغلون كلام آل سعود عن لافروف لكي يقيموا مناحة طائفية شبيهة بمناحات القرون الوسطى، وهذا هو ما تريده أميركا ألا وهو إعادة هذه المنطقة للقرون الوسطى.
الأسد وحرب الفضاء الخاسرة
إذن نحن الآن دخلنا في مرحلة من الحرب الإعلامية الطويلة، والرئيس السوري تحدث مؤخرا عن هذه الحرب وقال أنه ينوي ربحها.
ولكن سورية لا تملك المال ولا التقنية المتطورة , دول الخليج تنفق أموالا طائلة (مليارات الدولارات) في مصر لشراء الذمم ووسائل الإعلام وتنفير المصريين من سورية وإيران وفكر المقاومة عموما، ناهيك عما تنفقه أميركا تحت حجة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان (والحقيقة أن هدف أميركا من هذا الإنفاق هو حماية إسرائيل والقضاء على الفكر الوطني لدى المصريين).
كيف يمكن لسورية أن تجابه دول الخليج وأميركا في مصر؟
نفس الكلام ينطبق على المغرب العربي والسودان، وحتى على العراق. أميركا تنفق الكثير من المال على غسل العقول في العراق، ولا شك أن هذا الغسيل يؤتي ثماره . أميركا لا تنفق أموالها هباء. لا شك أن الجيل العراقي الجيد يتأثر بالثقافة الأميركية والغزو الثقافي الأميركي.
هذه الظواهر موجودة أيضا بكثرة في مصر وفي كل العالم العربي، وحتى في السعودية نفسها. من المؤكدّ أن النظام السعودي لا يعمل لمصلحة السعودية كوطن بل هو يدمّر مستقبل السعودية نفسها فقط لكي يحافظ على البنية الفاسدة للنظام السعودي، ولكن كم من السعوديين يفهم هذه الأمور؟
طبعا هناك أيضا لبنان الذي تنفق فيه أميركا ودول الخليج أموالا طائلة، وهذا الأمر كان موجودا حتى في زمن الوجود السوري . أصدقاء سورية في لبنان (بخلاف ما يروج الإعلام المعادي لسورية) هم في معظمهم أصحاب مبدأ وليسوا من هواة المال. لو كانوا من هواة المال لكانوا ذهبوا مع أميركا ودول الخليج كما يفعل ( البهلوان ) جنبلاط مثلا. أصدقاء سورية في لبنان أغلبهم قوميون عرب وقوميون سوريون، أي أنهم يدافعون عن مبادئهم ولا يتحركون من منطلق مادي.
ما الذي يجبر رجلا كسليم الحص مثلا على مصادقة سورية؟ هذا رجل سنيّ المذهب وهو اسم كبير وعريق في لبنان، ولو كان همه المال لكان تصادق مع السعودية وليس مع سورية. هو رجل قومي وصاحب مبدأ. هذه هي كل القصة. ونفس الكلام ينطبق على عمر كرامي وكمال شاتيلا , وأسامة سعد , وعبد الرحيم مراد وبقية أصدقاء سورية من كل الطوائف.
حتى المسيحيون كسليمان فرنجية وميشيل عون هم أصحاب مبدأ. هم متحالفون مع سورية لأنها دولة قريبة من العلمانية وهناك روابط تاريخية بينها وبين لبنان، وبالتالي هم يرون أنها أقرب لهم من السعودية وأميركا. لو كان همّ هؤلاء هو المال لكانوا تحالفوا مع أميركا والسعودية. هم مقتنعون بأن الحلف مع سورية يحقق مصلحة لبنان ولهذا السبب هم متحالفون معها.
إذن يجب قوله هو أن أميركا وأتباعها ينفقون أموالا طائلة في العالم العربي وغيره لغسل العقول، والسعودية تستغل الشحن والتحريض الديني الذي يؤثر في كثير من المسلمين. كيف يمكن لسورية أن تربح حرب الفضاء ضد هؤلاء؟
وسورية إلى الآن لا تمتلك قنوات مهنية بمستوى القنوات الخليجية والغربية، وحتى لو امتلكت قنوات مهنية (بعد عمر طويل) فهذا لن يؤثر كثيرا في ظل الفارق الكبير في موازين القوى المالية والسياسية.
تفجير المسيحيين
التلفزيون السوري أذاع أن السيارة المفخخة التي انفجرت في الحي المسيحي في حلب مؤخرا هي سيارة لشخص حلبي سرقت منه في ريف إدلب، أي أن منفذي التفجير هم من العصابات التي تنشط في إدلب وريف حلب.
هذا الأمر ليس مفاجئا، ولكنه يوحي بتورط المخابرات التركية في التفجير لأن هذه المناطق هي مناطق إشراف المخابرات التركية.
تقوم السعودية بتدبير التفجيرات، ولكن عندما تظهر المعطيات يتبين أن المنفّذ هو على الأرجح تركيا. تركيا هي من يفجر في سورية والعراق، وتهم الإرهاب تليق بالسعودية أكثر من تركيا، ولكن الأدلة الظرفية تشير إلى تركيا , وهذا يؤكد أنه يتم بتنسيق بين السعودية وتركيا.
طبعا تركيا هي أيضا مقر المخابرات الأميركية، ورئيس المخابرات الأميركية يزور تركيا كل بضعة أسابيع لتنسيق الخطط والمواقف. أميركا كانت تشجع تركيا في الآونة الأخيرة على “التقرب من المسيحيين السوريين”، وتركيا كانت بالفعل تحاول التقرب منهم. الكلام التالي قاله داود أوغلو قبل شهر:
وكشف داود اوغلو عن اجتماعات متعددة ستشهدها اسطنبول في الأيام المقبلة، لا سيما ان مؤتمر تونس اتفق على ان يكون الاجتماع المقبل في اسطنبول. لكنه كشف عن انه قبل الاجتماع الثاني هذا سوف ينعقد في اسطنبول اجتماع لممثلي المجتمعات المسيحية في الدول التي تشهد الربيع العربي، وسيكون هذا في إطار حوار ديني في اسطنبول تشارك فيه رئاسة الشؤون الدينية في تركيا. وقال انه سوف يدعى إلى الاجتماع زعماء الأقليات المسيحية في سوريا، معتبرا ان الشرق الأوسط هو مكان يجب ان يعيش فيه كل الأديان.
داود أوغلو كان يريد الاجتماع مع زعماء المسيحيين السوريين لكي يشرح لهم أن تركيا قادرة على حمايتهم.
بالأمس داود أوغلو استقبل وزير الخارجية النمساوي، وبعد اللقاء تطرق الوزير النمساوي الى مسألة وقوف الاقلية المسيحية في سوريا الى جانب نظام بشار الاسد وقال في هذا الخصوص “سنعمل على اقناع المسيحيين في سوريا الذين يقفون بقوة اليوم الى جانب الاسد بالانضمام الى معارضة سورية التي يجري العمل على توحيدها لاننا ندرك بان الاسد ليس له مستقبل في سوريا”.
هذا التصريح أطلقه الوزير النمساوي بعد خروجه من اللقاء مع أوغلو، إذن نستنتج أن أوغلو اشتكى أثناء اللقاء للوزير النمساوي من موقف المسيحيين. هذا يعني أن أوغلو منزعج من موقف المسيحيين السوريين، وبالتالي خطة التقارب معهم التي نصحته بها أميركا لم تنجح.
إذا جمعنا كل هذه المعطيات سوية:
• ∙ طلب أميركا من تركيا أن تستميل المسيحيين
• ∙ محاولة تركيا استمالة المسيحيين وفشلها في ذلك
• ∙ كون السيارة التي انفجرت في السليمانية جاءت من ريف إدلب
إذا جمعنا هذه المعطيات سوية يظهر أن المسؤول عن تفجير السليمانية هو تركيا هي كانت رسالة دموية من تركيا تقول للمسيحيين أن من يحميكم هي تركيا وأميركا وليس النظام السوري.
يجب أن نتذكر أيضا أن تفجير السيارة المفخخة جاء بعد موجة تصعيدية شنها سمير جعجع على بطريرك الموارنة بسبب موقفه من سورية، وأيضا هناك التصعيد السعودي والمصري ضد المسيحيين ( مثلا الفتوى بهدم الكنائس ورفض استقبال بطريرك الموارنة في الأزهر).
كل هذه الظواهر تدل على أن جيفري فيلتمان طلب من أتباعه في المنطقة الضغط على المسيحيين الداعمين للأسد لكي يغيروا موقفهم، ومن هنا جاءت الفتوى السعودية والموقف الأزهري والتهجم الجعجعي والسيارة المفخخة التركية.
طبعا التصعيد الفيلتماني لم يكن ضد المسيحيين فقط وإنما ضد كل الفئات الداعمة للنظام. مثلا هناك تصعيد ضد الدروز قاده جنبلاط وما زال مستمرا حتى الآن، وهناك تصعيد ضد رجال الأعمال (زيارة كوهين إلى المنطقة) وتصعيد ضد زوجة الأسد التي تتعرض الآن لحملة شرسة للغاية . فليستمرّ هؤلاء في غيهّم وضلالهم , وفي بيع الأوهام وشرائها وتسويقها ,وفي تقديم الوجبات الإعلامية المسمومة , إلى ما شاء الله .. ولن يعودوا إلاّ بخفيّ حُنين .. وليستمّر هؤلاء في نطح الصخرة إلى أن تتكسّر رؤسهم .
الآن أميركا تراجعت بشكل مفاجئ عن فكرة إسقاط الأسد، ولكنها ما زالت ماضية بقوة في سياسة الحصار والعزل وتشويه السمعة.
اجتمع الاتحاد الأوروبي وأصدر عقوبات ضد والدة و زوجة الرئيس الأسد. حتى زوجته لم تسلم من العقوبات وحملة تشويه السمعة.
الاستطلاعات الأميركية قبل الأزمة كانت تظهر أن الأسد هو الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي، ومن هنا يأتي اهتمام أميركا البالغ بتدمير سمعته. أنا نقلت قبل فترة تصريح جيفري فيلتمان الذي تباهى فيه بأننا دمرنا سمعة الأسد في العالم العربي وجعلناها في الحضيض، وما يلي هو نص التصريح مجددا:
قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، أمس، إن خروج منظمة حماس الفلسطينية من سوريا «عرى نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد»، مؤكدا أن الأسد لم يعد يتمتع بشعبية، ليس فقط في سوريا، ولكن أيضا في الدول العربية.. مشيرا إلى أن استفتاء أخيرا (أجراه مركز «زغبي» الأميركي) حول شعبية الرئيس السوري في الدول العربية، أوضح أنها «في الحضيض».
هذه القصة ليست جديدة في العالم العربي بل هي قصة قديمة ومكررة إلى درجة أنها صارت مملة.
في الخمسينات أميركا قطعت المال عن جمال عبد الناصر وحاصرته، والتهمة الموجهة له وقتها كانت أنه “شيوعي” أو “صديق للشيوعيين”، وبناء على هذه التهمة تم تشويه سمعة جمال عبد الناصر في الغرب وتم قطع كل العلاقات معه ومعاداته، ووصل الأمر إلى أن حاولت بريطانيا وفرنسا غزو مصر عسكريا في عام 1956 تحت حجة إسقاط الشيوعي عبد الناصر.
طبعا عبد الناصر لم يكن شيوعيا ولا علاقة له بالشيوعية، بل بالعكس هو كان يعتقل الشيوعيين في مصر ويضطهدهم، وفي السياسة الخارجية هو كان ميالا جدا إلى أميركا وكان في بداية عهده (ونهايته أيضا) يحاول بجهد بالغ أن يتصالح مع أميركا وأن يبتعد عن الاتحاد السوفييتي.
كل جريمة عبد الناصر هي أنه كان معاديا لإسرائيل. هذه هي القصة ببساطة. هو كان يريد تسليح الجيش المصري وتحرير فلسطين، وطبعا أميركا رفضت تزويده بالأسلحة، ولهذا السبب هو اضطر لأن يتقارب مع الاتحاد السوفييتي الذي زوده بالأسلحة عن طريق تشيكوسلوفاكيا. بعد ذلك أميركا استمرت في الضغط عليه ومعاداته وتفاقمت الأمور حتى وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في عام 1956. في ذلك العام الغرب كان عازما على إسقاط عبد الناصر ولولا التدخل الحازم من الاتحاد السوفييتي لكان الغرب أسقطه بالفعل.
أميركا كانت تدعي أن عبد الناصر عميل للشيوعيين لكي تغطي على سبب خلافها الحقيقي معه. هي كانت ترفض موقفه من إسرائيل ولهذا السبب اتخذت من قصة الشيوعية والمد الشيوعي ذريعة لتحطيم سمعته، لأن العالم الغربي كان في ذلك الوقت مشحونا ضد “المد الشيوعي” وهذه القصة كانت صالحة لاستثارة الغربيين ضد عبد الناصر.
طبعا أميركا استعانت وقتها بآل سعود (كالعادة) لتشويه سمعة عبد الناصر في العالم الإسلامي. وقتها السعودية كانت تصدر الفتاوى ضد عبد الناصر وتتهمه بأنه كافر ملحد محارب للإسلام، وكان الرجعيون من الإخوان المسلمين وأشباههم يسيرون في نفس الخط أيضا ويشنون حملة شعواء على عبد الناصر.
كل القصة كانت تدور حول إسرائيل، ولكن أميركا غلفتها بشعارات كاذبة عن التصدي للمد الشيوعي، وآل سعود غلفوها بشعارات كاذبة عن حماية الإسلام والتصدي للكفر والإلحاد.
بعد عبد الناصر جاءت قصة صدام حسين في عام 1990. وقتها أميركا وآل سعود جيشوا العالم ضد صدام حسين تحت حجة “تحرير الكويت”، وآل سعود أصدروا الفتوى المشهورة التي أجازت إحضار الجنود الكفار إلى الجزيرة العربية تحت هذه الحجة، وطبعا كان هناك الكلام المعتاد عن أن حزب البعث كافر ملحد يحارب الإسلام (كل من يهدد إسرائيل هو كافر ملحد محارب للإسلام).
وبعد تدمير العراق بحجة تحرير الكويت فرض الحصار المدمر على العراق بحجة “أسلحة الدمار الشامل”.
كل هذه الخزعبلات الأميركية-السعودية كانت تهدف للتغطية على السبب الحقيقي لتدمير العراق. السبب ببساطة هو حماية إسرائيل وليس أي شيء آخر.
الكويت هي عبارة عن مدينة صغيرة جعلت منها بريطانيا دولة مستقلة لأسباب استعمارية بحتة. لا يوجد شيء في الدين أو المنطق يجيز تدمير العراق بحجة تحرير الكويت. هذا كلام فارغ كان يردده إعلام أميركا وآل سعود للتعمية والتضليل.
الآن نفس القصة تتكرر مع إيران وسورية. آل سعود يشنون منذ سنوات حملة لشيطنة إيران والشيعة، وكأن الشيعة هم اختراع جديد ظهر في القرن العشرين.
الشيعة موجودون في العالم الإسلامي منذ أكثر من ألف عام، ولا يوجد شيء طرأ عليهم حديثا حتى نقول أنهم صاروا الآن تهديدا. كل ما حدث هو أن الخميني رفع شعار تحرير فلسطين. هذه هي كل القصة.
إيران الخمينية لم تطرح نفسها يوما على أنها دولة شيعية. إيران تتحدث دائما عن الوحدة الإسلامية ضد أميركا وإسرائيل ونبذ الخلافات الطائفية والعرقية. هذا هو الخطاب الإيراني الذي يرددونه في إعلامهم وأدبياتهم وشعاراتهم وفي حياتهم لم يقولوا أي كلام غيره.
الخميني لم ينكر أنه شيعي. هو يعترف بأنه شيعي وليس سني، ولكنه يقول أن قضية الخلاف السني-الشيعي يجب تهميشها والتركيز على تحرير العالم الإسلامي من هيمنة أميركا وإسرائيل. هذه هي فلسفة الخميني. ما هو الخطأ في هذه الفلسفة؟
طبعا أي إنسان عربي وطني أو مسلم حقيقي لا بد وأن يؤيد منطق إيران، ولكن أميركا وإسرائيل لهم رأي آخر هو نفس رأي آل سعود. بالنسبة لآل سعود نحن يجب أن ننسى مقاومة أميركا وإسرائيل وأن ننشغل بـ”المد الشيعي” الذي هو إعادة إنتاج “للمد الشيوعي” الذي كانت أميركا تدمر الدول بذريعته في الخمسينات والستينات. أميركا غزت كوريا وفيتنام بحجة المد الشيوعي وصنعت تنظيم القاعدة في أفغانستان بحجة المد الشيوعي وحاصرت كوبا وعبد الناصر والكثير الكثير من المآسي التي سببتها أميركا للعالم بحجة المد الشيوعي. عبارة “المد الشيوعي” هي عبارة اخترعتها أميركا لكي تتدخل في شؤون الدول وتبسط سيطرتها الاستعمارية على العالم تحت حجة أنها تقاوم الشيوعية الشمولية الديكتاتورية. الآن أميركا أعادت إنتاج نفس المصطلح ولكنها حذفت منه حرف واو فصار “المد الشيعي” بدلا من “المد الشيوعي”، والهدف من خلق هذا المد الشيعي المزعوم هو الحفاظ على إسرائيل والحفاظ على سيطرة أميركا على غرب آسيا ومحاولة مد هذه السيطرة إلى قلب آسيا لخنق روسيا والصين.
غرض آل سعود من خطاب “المد الشيعي” واضح. هم يريدون تدمير إيران كما دمروا مصر والعراق من قبل، والسبب هو حماية إسرائيل وإبقاء نظامهم الرجعي الفاسد العميل. هذه هي كل القصة.
الآن الدعاية الأميركية-السعودية امتدت إلى بشار الأسد أيضا. من يراقب الإعلام الخليجي الآن يرى التركيز الفائق على المجازر المزعومة التي يرتكبها بشار الأسد، ناهيك عن التحريض الطائفي واختراع القصص التي لا تنتهي.
الدستور السوري الجديد الذي أقره بشار الأسد هو الأفضل في العالم العربي، والمجازر المزعومة التي يرتكبها بشار الأسد لا وجود لها في الواقع. ما يحدث هو مواجهات بين الأمن السوري ومتمردين مسلحين مدعومين من أميركا ودول الخليج. هذا هو ما يحدث الآن في سورية.
هناك في سورية فئة من الناس تعارض النظام السوري لأسباب متعددة (متأثرون بالشحن الإعلامي الخليجي أو أنهم أصلا أصحاب توجه إسلامي متعصب). هؤلاء هم من يساهمون الآن في حملة التضليل والكذب. لم تتراكم في سورية ثقافة ديمقراطية حضارية والمعارضون يعتبرون أن كل شيء مباح لإسقاط النظام، ولهذا السبب هم يقومون منذ بداية الأزمة بنشر كم هائل من الأكاذيب والمبالغات عما يحدث في سورية ظنا منهم أن هذا شيء مشروع ودعم “للثورة”.
بشار الأسد أصدر منذ الأسبوع الأول للأزمة أمرا بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، وأجهزة الأمن التزمت بهذا الأمر، ولكن المتظاهرين صاروا يهاجمون مقرات الأمن وأجهزة الدولة ويحاولون إحراقها وأحيانا قتل من فيها، وهكذا تطورت الأحداث حتى وصلنا إلى الوضع الحالي. الشعب السوري ليست لديه ثقافة التظاهر السلمي، وأجهزة الأمن لا تعرف كيف تتعامل مع المظاهرات، والمجتمع السوري فيه احتقان طائفي متراكم منذ مئات السنين بين الإسلاميين . لهذه الأسباب فإن الأمور تطورت وأخذت المنحى الصدامي. هذا أمر عادي وهو كان متوقعا منذ البداية لأي شخص يعرف الوضع السوري، ولكن ما حدث هو أن أميركا ودول الخليج سعوا عن عمد لإشعال الأوضاع لأن ما حدث في سورية لم يكن بصراحة إلا مؤامرة أشعلتها جماعات وهابية مرتبطة بالمخابرات السعودية، وبعد أن اشتعلت المؤامرة انتهجت أميركا سياسة صب الزيت على النار وهي ما زالت تطبق هذه السياسة حتى الآن.
الآن بعد أن اشتعل الوضع تسعى أميركا والسعودية لاستغلاله لتخريب سمعة سورية في العالم العربي كما خربوا سمعة إيران، والهدف الوحيد لما يقومون به هو حماية إسرائيل فقط لا غير.
هم يريدون أن يكرروا مع سورية السيناريو العراقي، أي يحاصرون سورية ويضعفونها ويشوهون سمعتها إلى أن تأتي ساعة المواجهة العسكرية ويتخلصوا من سورية كما تخلصوا من العراق , إذا استطاعوا ذلك مستقبلاً (ولن يستطيعوا ) .
أميركا والسعودية تشنان أيضا حملة تشويه ضد روسيا. الآن السعودية تشن حملة تحريض طائفي على روسيا شبيهة بالحملة التي شنتها أيام أفغانستان والشيشان.
بالأمس جريدة الشرق الأوسط السعودية التلمودية الليكودية اقتطفت كلاما لسيرغي لافروف يتحدث عن “حكم السنة لسورية” وأخذت هذا الكلام وحاولت أن تجعل منه وقودا للتحريض الديني ضد روسيا. لافروف كان يتحدث إلى وسيلة إعلام غربية أو روسية واستخدم مصطلحات فجة وكأنه يتحدث في موضوع أكاديمي دون أن يدرك حساسية المصطلحات التي يستخدمها في العالم العربي. ما قاله بالضبط هو أننا لو أسقطنا النظام السوري فستحاول دول في المنطقة (يقصد السعودية) إقامة نظام “سني” في سورية وهذا سوف يسبب مشاكل طائفية. هو يقصد أن المقاربة الطائفية التي تنتهجها السعودية تجاه سورية سوف تسبب صراعا طائفيا في المنطقة، وهذا كلام صحيح لا غبار عليه، ولكن الإعلام السعودي حرف التصريح وصوره على أن لافروف يعارض “حكم السنة” لسورية.
طبعا قضية “حكم السنة لسورية” هي قضية لا معنى لها عند الوطنيين والقوميين لأن من يحكم سورية هو ليس طائفة (سواء سنية أم علوية) وإنما هو حكومة مكونة من مواطنين سوريين. سورية ليست دولة من القرون الوسطى كمملكة آل سعود حتى نقول أن الطائفة الدينية الفلانية تحكم والطائفة الدينية العلانية لا تحكم. الدولة السورية قائمة على نظام المواطنة وموظفوا الدولة لدينا حصلوا على وظائفهم على أساس أنهم مواطنون سوريون وليس على أساس أنهم سنيون أو علويون. هذا هو المنطق الوطني أو القومي، ولكن الوهابيين والإسلاميين المتخلفين لا يفهمون هذا المنطق ولذلك هم سوف يستغلون كلام آل سعود عن لافروف لكي يقيموا مناحة طائفية شبيهة بمناحات القرون الوسطى، وهذا هو ما تريده أميركا ألا وهو إعادة هذه المنطقة للقرون الوسطى.
الأسد وحرب الفضاء الخاسرة
إذن نحن الآن دخلنا في مرحلة من الحرب الإعلامية الطويلة، والرئيس السوري تحدث مؤخرا عن هذه الحرب وقال أنه ينوي ربحها.
ولكن سورية لا تملك المال ولا التقنية المتطورة , دول الخليج تنفق أموالا طائلة (مليارات الدولارات) في مصر لشراء الذمم ووسائل الإعلام وتنفير المصريين من سورية وإيران وفكر المقاومة عموما، ناهيك عما تنفقه أميركا تحت حجة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان (والحقيقة أن هدف أميركا من هذا الإنفاق هو حماية إسرائيل والقضاء على الفكر الوطني لدى المصريين).
كيف يمكن لسورية أن تجابه دول الخليج وأميركا في مصر؟
نفس الكلام ينطبق على المغرب العربي والسودان، وحتى على العراق. أميركا تنفق الكثير من المال على غسل العقول في العراق، ولا شك أن هذا الغسيل يؤتي ثماره . أميركا لا تنفق أموالها هباء. لا شك أن الجيل العراقي الجيد يتأثر بالثقافة الأميركية والغزو الثقافي الأميركي.
هذه الظواهر موجودة أيضا بكثرة في مصر وفي كل العالم العربي، وحتى في السعودية نفسها. من المؤكدّ أن النظام السعودي لا يعمل لمصلحة السعودية كوطن بل هو يدمّر مستقبل السعودية نفسها فقط لكي يحافظ على البنية الفاسدة للنظام السعودي، ولكن كم من السعوديين يفهم هذه الأمور؟
طبعا هناك أيضا لبنان الذي تنفق فيه أميركا ودول الخليج أموالا طائلة، وهذا الأمر كان موجودا حتى في زمن الوجود السوري . أصدقاء سورية في لبنان (بخلاف ما يروج الإعلام المعادي لسورية) هم في معظمهم أصحاب مبدأ وليسوا من هواة المال. لو كانوا من هواة المال لكانوا ذهبوا مع أميركا ودول الخليج كما يفعل ( البهلوان ) جنبلاط مثلا. أصدقاء سورية في لبنان أغلبهم قوميون عرب وقوميون سوريون، أي أنهم يدافعون عن مبادئهم ولا يتحركون من منطلق مادي.
ما الذي يجبر رجلا كسليم الحص مثلا على مصادقة سورية؟ هذا رجل سنيّ المذهب وهو اسم كبير وعريق في لبنان، ولو كان همه المال لكان تصادق مع السعودية وليس مع سورية. هو رجل قومي وصاحب مبدأ. هذه هي كل القصة. ونفس الكلام ينطبق على عمر كرامي وكمال شاتيلا , وأسامة سعد , وعبد الرحيم مراد وبقية أصدقاء سورية من كل الطوائف.
حتى المسيحيون كسليمان فرنجية وميشيل عون هم أصحاب مبدأ. هم متحالفون مع سورية لأنها دولة قريبة من العلمانية وهناك روابط تاريخية بينها وبين لبنان، وبالتالي هم يرون أنها أقرب لهم من السعودية وأميركا. لو كان همّ هؤلاء هو المال لكانوا تحالفوا مع أميركا والسعودية. هم مقتنعون بأن الحلف مع سورية يحقق مصلحة لبنان ولهذا السبب هم متحالفون معها.
إذن يجب قوله هو أن أميركا وأتباعها ينفقون أموالا طائلة في العالم العربي وغيره لغسل العقول، والسعودية تستغل الشحن والتحريض الديني الذي يؤثر في كثير من المسلمين. كيف يمكن لسورية أن تربح حرب الفضاء ضد هؤلاء؟
وسورية إلى الآن لا تمتلك قنوات مهنية بمستوى القنوات الخليجية والغربية، وحتى لو امتلكت قنوات مهنية (بعد عمر طويل) فهذا لن يؤثر كثيرا في ظل الفارق الكبير في موازين القوى المالية والسياسية.
تفجير المسيحيين
التلفزيون السوري أذاع أن السيارة المفخخة التي انفجرت في الحي المسيحي في حلب مؤخرا هي سيارة لشخص حلبي سرقت منه في ريف إدلب، أي أن منفذي التفجير هم من العصابات التي تنشط في إدلب وريف حلب.
هذا الأمر ليس مفاجئا، ولكنه يوحي بتورط المخابرات التركية في التفجير لأن هذه المناطق هي مناطق إشراف المخابرات التركية.
تقوم السعودية بتدبير التفجيرات، ولكن عندما تظهر المعطيات يتبين أن المنفّذ هو على الأرجح تركيا. تركيا هي من يفجر في سورية والعراق، وتهم الإرهاب تليق بالسعودية أكثر من تركيا، ولكن الأدلة الظرفية تشير إلى تركيا , وهذا يؤكد أنه يتم بتنسيق بين السعودية وتركيا.
طبعا تركيا هي أيضا مقر المخابرات الأميركية، ورئيس المخابرات الأميركية يزور تركيا كل بضعة أسابيع لتنسيق الخطط والمواقف. أميركا كانت تشجع تركيا في الآونة الأخيرة على “التقرب من المسيحيين السوريين”، وتركيا كانت بالفعل تحاول التقرب منهم. الكلام التالي قاله داود أوغلو قبل شهر:
وكشف داود اوغلو عن اجتماعات متعددة ستشهدها اسطنبول في الأيام المقبلة، لا سيما ان مؤتمر تونس اتفق على ان يكون الاجتماع المقبل في اسطنبول. لكنه كشف عن انه قبل الاجتماع الثاني هذا سوف ينعقد في اسطنبول اجتماع لممثلي المجتمعات المسيحية في الدول التي تشهد الربيع العربي، وسيكون هذا في إطار حوار ديني في اسطنبول تشارك فيه رئاسة الشؤون الدينية في تركيا. وقال انه سوف يدعى إلى الاجتماع زعماء الأقليات المسيحية في سوريا، معتبرا ان الشرق الأوسط هو مكان يجب ان يعيش فيه كل الأديان.
داود أوغلو كان يريد الاجتماع مع زعماء المسيحيين السوريين لكي يشرح لهم أن تركيا قادرة على حمايتهم.
بالأمس داود أوغلو استقبل وزير الخارجية النمساوي، وبعد اللقاء تطرق الوزير النمساوي الى مسألة وقوف الاقلية المسيحية في سوريا الى جانب نظام بشار الاسد وقال في هذا الخصوص “سنعمل على اقناع المسيحيين في سوريا الذين يقفون بقوة اليوم الى جانب الاسد بالانضمام الى معارضة سورية التي يجري العمل على توحيدها لاننا ندرك بان الاسد ليس له مستقبل في سوريا”.
هذا التصريح أطلقه الوزير النمساوي بعد خروجه من اللقاء مع أوغلو، إذن نستنتج أن أوغلو اشتكى أثناء اللقاء للوزير النمساوي من موقف المسيحيين. هذا يعني أن أوغلو منزعج من موقف المسيحيين السوريين، وبالتالي خطة التقارب معهم التي نصحته بها أميركا لم تنجح.
إذا جمعنا كل هذه المعطيات سوية:
• ∙ طلب أميركا من تركيا أن تستميل المسيحيين
• ∙ محاولة تركيا استمالة المسيحيين وفشلها في ذلك
• ∙ كون السيارة التي انفجرت في السليمانية جاءت من ريف إدلب
إذا جمعنا هذه المعطيات سوية يظهر أن المسؤول عن تفجير السليمانية هو تركيا هي كانت رسالة دموية من تركيا تقول للمسيحيين أن من يحميكم هي تركيا وأميركا وليس النظام السوري.
يجب أن نتذكر أيضا أن تفجير السيارة المفخخة جاء بعد موجة تصعيدية شنها سمير جعجع على بطريرك الموارنة بسبب موقفه من سورية، وأيضا هناك التصعيد السعودي والمصري ضد المسيحيين ( مثلا الفتوى بهدم الكنائس ورفض استقبال بطريرك الموارنة في الأزهر).
كل هذه الظواهر تدل على أن جيفري فيلتمان طلب من أتباعه في المنطقة الضغط على المسيحيين الداعمين للأسد لكي يغيروا موقفهم، ومن هنا جاءت الفتوى السعودية والموقف الأزهري والتهجم الجعجعي والسيارة المفخخة التركية.
طبعا التصعيد الفيلتماني لم يكن ضد المسيحيين فقط وإنما ضد كل الفئات الداعمة للنظام. مثلا هناك تصعيد ضد الدروز قاده جنبلاط وما زال مستمرا حتى الآن، وهناك تصعيد ضد رجال الأعمال (زيارة كوهين إلى المنطقة) وتصعيد ضد زوجة الأسد التي تتعرض الآن لحملة شرسة للغاية . فليستمرّ هؤلاء في غيهّم وضلالهم , وفي بيع الأوهام وشرائها وتسويقها ,وفي تقديم الوجبات الإعلامية المسمومة , إلى ما شاء الله .. ولن يعودوا إلاّ بخفيّ حُنين .. وليستمّر هؤلاء في نطح الصخرة إلى أن تتكسّر رؤسهم .
Comment