البعث … ” اليوم يومك ”
عندما بدأت بالكتابة عدت إلى بعض المراجع وبعد قراءة مستفيضة لم أكن أعلم أن ” البعث” مستهدفاً لهذا الحد وبهذا الشكل وقد بدأت الكتابة لانتقاد “البعث ” واستنهاضه ولكن بعد العودة للماضي وبعد ماقرأته من تفاصيل قررت أن أعطي الموضوع مايلزم .. فـ “بعث القائد الخالد حافظ الأسد” يستحق أن نتوقف عنده بأكثر من مقال ويستحق منا أن نعطيه فرصة إضافية هي اليوم ونتمنى أن يكون هذا اليوم يوم ” البعث ” …
خاص الشارع السوري | سومر حاتم
الجزء الأول بعنوان : الأزمة لم تبدأ في 15 آذار 2011
في عام 1961 توقف في حماه باص يقل طلابا من جامعة دمشق قاموا برحلة ترفيهية وتوقفوا لشرب القهوة ولكن المكان الشديد ” المحافظة ” لم يستطع تحمل أن يشاهد فتيات يرتدين ” البنطلونات” فقاموا بطردهم بغضب شديد …
لم تكن أزمة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بين الأخوان المسلمين والحكومة السورية أزمة أو نزاع بين القائد الخالد حافظ الأسد وزعماء ذلك التنظيم الإرهابي,ولم تكن بين طائفتين أو عدة طوائف وحسب.. وإذا استثنينا المؤامرة والتفاف المصالح العراقية الأردنية الإسرائيلية الأميركية يومها فإن صلب الأزمة كانت بين الأصولية وحزب لبعث العربي الاشتراكي بشكل أساسي فلقد اندلعت في عام أزمة مشابهة وخطيرة في حماه اضطر الحزب يومها لاستخدام السلاح للمرة الأولى في قمع الحركة المناوئة له فحركة الأخوان المسلمين و إسرائيل لا يناسبها أن يحكم سورية حزب علماني اشتراكي نهضوي ويحمل أفكارا قومية عروبية فهذه الأفكار تعري الحركة ” الإسلامية ” على حقيقتها وتظهر غاياتها والأهداف التي أنشئت من أجلها … هذه الحركة “الإسلامية ” ذاتها التي غذتها فرنسا عام 1938 وأوصلت زعمائها لقبة البرلمان السوري …
البعث … استطاع أعدائه شقه وشرذمته ولو بأيدي مؤسسيه وقادته ومن دون أن يعلموا ..ولكن لم يتوقع أعداء البعث أن شق تراب البعث الخصب ودس السم في خلاياه سينبت بهذه السرعة شجرة خصبة أزهرت وأثمرت في خريف عربي اعتادت أوراقه على السقوط على مدى عقود…
“بعث “حافظ الأسد بالتأكيد هو “بعث” آخر لا يمت بصلة لـ “بعث ” عفلق والحوراني ومن بعدهم صلاح جديد …
ما “يعيرون ” حزب البعث به هو أنه حزب اعتمد خطابات “خشبية ” و” منطلقات نظرية ” وصياغات أدبية اعتمدت دائما على أن البعث أوصل الكهرباء إلى كل منزل وقام ببناء المستشفيات والمدارس وأقر التعليم المجاني … ونشر القومية العربية وعززها وعزز اللغة العربية ولم يتنازل عن شبر واحد من أرض محتلة واعتمد علم فلسطين علما له …
ربما الأسطر الماضية تشعرك بأن هذا خطاب لأحد قياديي البعث أو أمناء إحدى فرقه ولكن هل أتيت بهذا الكلام من فراغ ؟ هل هذا واقعا أم تزييفا ؟ هل هذه منطلقات نظرية أم عملية ؟
البعث الذي أراده حافظ الأسد وبدأ يمارس منطلقاته على الأرض في كل زاوية وفي كل مجال هذا هو البعث المنفتح بحق, والذي أراد له الأسد أن يكون كذلك حزبا قائدا وخادما للدولة والمجتمع
يعزو البعض قسوة البعث أو قائد البعث في مرحلة ما إلى اضطراره يوم اندلاع أحداث الأخوان المسلمين … أي أن الانفلات والخروج عن النظام هو من أراد للبعث أن يكون كذلك وليس لأن الأسد كان معارضا لأي حراك إسلامي أو لم يتبع الإسلام في حكمه فالأسد علم جيدا أن أي تطرف من أي اتجاه يضر سورية ويفككها ولا يفيدها ولا يقويها ولعل أكبر دليل على ذلك هو تضييقه على الشيوعية السورية و منتسبيها ومدها في المجتمع بالرغم من علاقاته الوطيدة يومها وحاجته الإستراتيجية للاتحاد السوفييتي … يروي باتريك سيل في كتابه الشهير ” الصراع على الشرق الأوسط “:
عندما نشر دستور سورية الجديد في 3 كانون الثاني 1973 ثارت الاحتجاجات ولاسيما في حماه لأن هذه الوثيقة ذات الـ 156 مادة كان قد حذف منها الاشتراط بأن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما وكانت تلك قضية شغلت الرأي العام السوري لأن الدساتير السورية منذ عام 1930 كانت تنص على أن دين رئيس الدولة يجب أن يكون الإسلام فتراجع الأسد بهدوء عن علمانية البعث التقليدية ليتجنب المواجهة فأوعز إلى مجلس الشعب الحديث التكوين آنذاك أن يضيف هذه المادة ولكنه انتهز الفرصة ليعطي رأيه في الإسلام الذي قال إنه يجب أن يكون بعيدا عن التزمت والتعصب المقيت فالإسلام دين المحبة والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع دين يحمي الصغير والكبير والضعيف والقوي ودين يتماشى مع روح العصر
تتفق جميع الروايات والتحليلات على أن أزمة الثمانينات كان من أحد أسبابها أو من بين ما أججها هو ثراء قيادات البعث الفاحش وامتيازاتهم و فوقيتهم بالتعامل مع الآخرين فتتحدث إحدى الروايات مثلا عن أن ابنة أحد القياديين البعثيين كانت تصطحب حراسا شخصيين معها لقاعة الامتحان وحتى أنها كانت تجعل أحد الأساتذة الجامعيين يكتب لها أجوبة الأسئلة ناهيك عن أولاد العديد من القيادات البعثية الذين درسوا في الخارج بينما أولاد حافظ الأسد قرؤوا جميعا في مدارس وجامعات سورية “المجانية” ( ملاحظة : الرئيس بشار الأسد تخرج من كلية الطب من جامعة دمشق وأكمل اختصاصه فقط لمدة عامين في بريطانيا )
انتصرت سورية كلها على أذيال الصهيونية ” الأخوان المسلمون ” في عام 1982 بعد ستة سنوات عصيبة لم تكد تخلو منطقة من آثار الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها عصابات “البيانوني وحديد “وغيرهم من الأصوليين وبالرغم من أن سورية يومها لم تكن بذات القوة التي تمتلكها اليوم من جيش كبير ومتماسك ويمتلك غابة من الصواريخ وبالرغم من الحرب التي كان يخوضها الجيش العربي السوري دفاعا عن لبنان العربي ووحدة وعروبة لبنان وقد دفع ” البعث ” يومها خيرة قياداته وخبراته وطبعا لم يكن البعث وحده المستهدف ولكن كما أسلفت سابقا كان البعثي هدفا دائما لأفراد العصابات الإرهابية وكان سيد سورية حافظ الأسد قاب قوسين أو أدنى من الشهادة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال بقنبلة على باب قصر الضيافة ولكن الله كان حاميا لسورية دائما …
خرج الأسد عشية الذكرى التاسعة عشرة لثورة البعث في 7 آذار 1982 في صورة دراماتيكية في شوارع دمشق حيث حملته الجماهير الصاخبة لساعتين كاملتين من قصر الضيافة إلى البرلمان وفي ذلك اليوم ألقى خطابا حاداً :
أيها الأخوة والأبناء : الموت للإخوان المسلمين المجرمين المأجورين الذين حاولوا نشر الفوضى والدمار في الوطن الموت للإخوان المسلمين الذين استأجرتهم المخابرات الأميركية والرجعية والصهيونية ..
يتبع …
عندما بدأت بالكتابة عدت إلى بعض المراجع وبعد قراءة مستفيضة لم أكن أعلم أن ” البعث” مستهدفاً لهذا الحد وبهذا الشكل وقد بدأت الكتابة لانتقاد “البعث ” واستنهاضه ولكن بعد العودة للماضي وبعد ماقرأته من تفاصيل قررت أن أعطي الموضوع مايلزم .. فـ “بعث القائد الخالد حافظ الأسد” يستحق أن نتوقف عنده بأكثر من مقال ويستحق منا أن نعطيه فرصة إضافية هي اليوم ونتمنى أن يكون هذا اليوم يوم ” البعث ” …
خاص الشارع السوري | سومر حاتم
الجزء الأول بعنوان : الأزمة لم تبدأ في 15 آذار 2011
في عام 1961 توقف في حماه باص يقل طلابا من جامعة دمشق قاموا برحلة ترفيهية وتوقفوا لشرب القهوة ولكن المكان الشديد ” المحافظة ” لم يستطع تحمل أن يشاهد فتيات يرتدين ” البنطلونات” فقاموا بطردهم بغضب شديد …
لم تكن أزمة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بين الأخوان المسلمين والحكومة السورية أزمة أو نزاع بين القائد الخالد حافظ الأسد وزعماء ذلك التنظيم الإرهابي,ولم تكن بين طائفتين أو عدة طوائف وحسب.. وإذا استثنينا المؤامرة والتفاف المصالح العراقية الأردنية الإسرائيلية الأميركية يومها فإن صلب الأزمة كانت بين الأصولية وحزب لبعث العربي الاشتراكي بشكل أساسي فلقد اندلعت في عام أزمة مشابهة وخطيرة في حماه اضطر الحزب يومها لاستخدام السلاح للمرة الأولى في قمع الحركة المناوئة له فحركة الأخوان المسلمين و إسرائيل لا يناسبها أن يحكم سورية حزب علماني اشتراكي نهضوي ويحمل أفكارا قومية عروبية فهذه الأفكار تعري الحركة ” الإسلامية ” على حقيقتها وتظهر غاياتها والأهداف التي أنشئت من أجلها … هذه الحركة “الإسلامية ” ذاتها التي غذتها فرنسا عام 1938 وأوصلت زعمائها لقبة البرلمان السوري …
البعث … استطاع أعدائه شقه وشرذمته ولو بأيدي مؤسسيه وقادته ومن دون أن يعلموا ..ولكن لم يتوقع أعداء البعث أن شق تراب البعث الخصب ودس السم في خلاياه سينبت بهذه السرعة شجرة خصبة أزهرت وأثمرت في خريف عربي اعتادت أوراقه على السقوط على مدى عقود…
“بعث “حافظ الأسد بالتأكيد هو “بعث” آخر لا يمت بصلة لـ “بعث ” عفلق والحوراني ومن بعدهم صلاح جديد …
ما “يعيرون ” حزب البعث به هو أنه حزب اعتمد خطابات “خشبية ” و” منطلقات نظرية ” وصياغات أدبية اعتمدت دائما على أن البعث أوصل الكهرباء إلى كل منزل وقام ببناء المستشفيات والمدارس وأقر التعليم المجاني … ونشر القومية العربية وعززها وعزز اللغة العربية ولم يتنازل عن شبر واحد من أرض محتلة واعتمد علم فلسطين علما له …
ربما الأسطر الماضية تشعرك بأن هذا خطاب لأحد قياديي البعث أو أمناء إحدى فرقه ولكن هل أتيت بهذا الكلام من فراغ ؟ هل هذا واقعا أم تزييفا ؟ هل هذه منطلقات نظرية أم عملية ؟
البعث الذي أراده حافظ الأسد وبدأ يمارس منطلقاته على الأرض في كل زاوية وفي كل مجال هذا هو البعث المنفتح بحق, والذي أراد له الأسد أن يكون كذلك حزبا قائدا وخادما للدولة والمجتمع
يعزو البعض قسوة البعث أو قائد البعث في مرحلة ما إلى اضطراره يوم اندلاع أحداث الأخوان المسلمين … أي أن الانفلات والخروج عن النظام هو من أراد للبعث أن يكون كذلك وليس لأن الأسد كان معارضا لأي حراك إسلامي أو لم يتبع الإسلام في حكمه فالأسد علم جيدا أن أي تطرف من أي اتجاه يضر سورية ويفككها ولا يفيدها ولا يقويها ولعل أكبر دليل على ذلك هو تضييقه على الشيوعية السورية و منتسبيها ومدها في المجتمع بالرغم من علاقاته الوطيدة يومها وحاجته الإستراتيجية للاتحاد السوفييتي … يروي باتريك سيل في كتابه الشهير ” الصراع على الشرق الأوسط “:
عندما نشر دستور سورية الجديد في 3 كانون الثاني 1973 ثارت الاحتجاجات ولاسيما في حماه لأن هذه الوثيقة ذات الـ 156 مادة كان قد حذف منها الاشتراط بأن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما وكانت تلك قضية شغلت الرأي العام السوري لأن الدساتير السورية منذ عام 1930 كانت تنص على أن دين رئيس الدولة يجب أن يكون الإسلام فتراجع الأسد بهدوء عن علمانية البعث التقليدية ليتجنب المواجهة فأوعز إلى مجلس الشعب الحديث التكوين آنذاك أن يضيف هذه المادة ولكنه انتهز الفرصة ليعطي رأيه في الإسلام الذي قال إنه يجب أن يكون بعيدا عن التزمت والتعصب المقيت فالإسلام دين المحبة والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع دين يحمي الصغير والكبير والضعيف والقوي ودين يتماشى مع روح العصر
تتفق جميع الروايات والتحليلات على أن أزمة الثمانينات كان من أحد أسبابها أو من بين ما أججها هو ثراء قيادات البعث الفاحش وامتيازاتهم و فوقيتهم بالتعامل مع الآخرين فتتحدث إحدى الروايات مثلا عن أن ابنة أحد القياديين البعثيين كانت تصطحب حراسا شخصيين معها لقاعة الامتحان وحتى أنها كانت تجعل أحد الأساتذة الجامعيين يكتب لها أجوبة الأسئلة ناهيك عن أولاد العديد من القيادات البعثية الذين درسوا في الخارج بينما أولاد حافظ الأسد قرؤوا جميعا في مدارس وجامعات سورية “المجانية” ( ملاحظة : الرئيس بشار الأسد تخرج من كلية الطب من جامعة دمشق وأكمل اختصاصه فقط لمدة عامين في بريطانيا )
انتصرت سورية كلها على أذيال الصهيونية ” الأخوان المسلمون ” في عام 1982 بعد ستة سنوات عصيبة لم تكد تخلو منطقة من آثار الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها عصابات “البيانوني وحديد “وغيرهم من الأصوليين وبالرغم من أن سورية يومها لم تكن بذات القوة التي تمتلكها اليوم من جيش كبير ومتماسك ويمتلك غابة من الصواريخ وبالرغم من الحرب التي كان يخوضها الجيش العربي السوري دفاعا عن لبنان العربي ووحدة وعروبة لبنان وقد دفع ” البعث ” يومها خيرة قياداته وخبراته وطبعا لم يكن البعث وحده المستهدف ولكن كما أسلفت سابقا كان البعثي هدفا دائما لأفراد العصابات الإرهابية وكان سيد سورية حافظ الأسد قاب قوسين أو أدنى من الشهادة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال بقنبلة على باب قصر الضيافة ولكن الله كان حاميا لسورية دائما …
خرج الأسد عشية الذكرى التاسعة عشرة لثورة البعث في 7 آذار 1982 في صورة دراماتيكية في شوارع دمشق حيث حملته الجماهير الصاخبة لساعتين كاملتين من قصر الضيافة إلى البرلمان وفي ذلك اليوم ألقى خطابا حاداً :
أيها الأخوة والأبناء : الموت للإخوان المسلمين المجرمين المأجورين الذين حاولوا نشر الفوضى والدمار في الوطن الموت للإخوان المسلمين الذين استأجرتهم المخابرات الأميركية والرجعية والصهيونية ..
يتبع …
Comment