كفى إساءة للإسلام، فنحن لا نحتاج إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين الحضارات.
لكن ذلك لا يعني أنه على البابا أن يعتذر لأحد، فهو لم يفعل أكثر من التعبير عن موقفه كإنسان يمكن تحديه ومناقشة آرائه دون خوف أو وجل. في المقابل ما أعتبره مسيئاً للإسلام حقاً، هو ذلك الموقف اتجاه الإسلام والمسلمين الذي يسعى إلى تبنيه اليوم بعض الناس في الغرب، وكأن لسان حالهم يقول: "صه! لا تتفوهوا بشيء عن الإسلام، ألا تدركون أنكم إذا انتقدتم الإسلام، أو طرحتهم أسئلة حول المسلمين فسيضرمون النار في بيوتكم.
لذا اتركوهم وحالهم وإياكم أن تثيروا غضبهم، ذلك أنهم عاجزون عن الدخول في نقاش حضاري وعقلاني بشأن المشاكل التي يواجهونها"! هذا الموقف الأخير هو ما أعتبره محقراً للإسلام والمسلمين، بما أنه يفرض الرقابة على النقاش ويحظر تبادل الآراء. ومع الأسف صار ذلك الموقف جزءاً من النظرة الغربية اتجاه الإسلام، والتي تمنع الحوار وتكرس، من دون وعي، صراع الحضارات الذي تنبأ به صومويل هنتينغتون.
غير أن الجمهور الغربي لا يقتنع بمنطق الحظر والرقابة، فهو يراقب بقلق بالغ العنف المتفجر بين المسلمين أنفسهم ولا يفهم ما يجري. والأهم أن الجمهور الغربي يعتقد أن نخبه السياسية تتفادى الحديث بصراحة عما يجري داخل عالم الإسلام، ما يدفعهم إلى إقامة جدار عازل يقيهم من العنف الناشئ عنه. وبالطبع سيكون الأمر سيئاً للغاية إذا حال هذا المنطق دون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الأمر ليس مستبعداً في ظل ما يجري حالياً.
ولا أرى حلاً لجدار العزل بين الإسلام والغرب إلا بمزيد من الحوار الصريح والشفاف، لكنه ليس من نوع الحوار الذي أشار إليه البابا بين الإسلام والمسيحية. إذ يحتاج المسلمون اليوم إلى إجراء حوار صريح مع أنفسهم وبين بعضهم بعضاً. وعليَّ أن أعترف في هذا السياق بأني كشخص عاش لفترة في العالم الإسلامي ونسج صداقات مع العديد من المسلمين وتسنى له الاطلاع على الجانب المشرق للإسلام، مازلت غير قادر على فهم بعض ما يحدث هناك.
إنني لم أفهم مثلاً لماذا قام مسلم سُني، السنة الماضية، بتنفيذ هجوم انتحاري استهدف مسجداً شيعياً في الحلة بالعراق، موقعاً 25 قتيلاً في حفل ديني للشيعة! وهو الأمر الذي تكرر هذه السنة، حيث قام مسلم سُني آخر بتفجير نفسه، مخلفاً 35 قتيلاً في بغداد كانوا يصطفون في حي شيعي لشراء الوقود.
وفي اليوم ذاته تم العثور شمال بغداد على تسعة رؤوس مفصولة عن أجسادها تعود لرجال شرطة عراقيين.
إنني لا أفهم كيف يمكن للمسلمين أن يُمعنوا في قتل مسلمين آخرين، ولا أحد في عموم العالم الإسلامي يحرك ساكناً أو يحتج علانية على ما يجري؟ بينما تسببت الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دانمركية، أو التصريحات الأخيرة للبابا، في إثارة موجة عارمة من الاحتجاجات العنيفة.
وإذا كان قتل المسلمين بعضهم لبعض في السودان والعراق ومصر وباكستان والأردن... لا يثير أي رد فعل يذكر في العالم الإسلامي، فلماذا أدت رسوم كاريكاتورية، أو تصريحات بابوية إلى احتجاجات عنيفة في عموم العالم الإسلامي؟ وكيف لا يحق لنا أن نتساءل عن المعنى الحقيقي للإسلام في ظل هذا العنف الداخلي، وكيف لا نطالب بألا يفهم ذلك على أنه إساءة؟
قد يرد المسلمون بالقول: "لكن ماذا عما ترتكبونه أنتهم في أبوغريب، وجوانتانامو وفلسطين؟ دعونا نتكلم عن العنف الذي تمارسونه أنتهم ضد الآخرين".
وفي هذا الحالة سأجيب: "حسناً، لكننا على الأقل نتحدث عن ذلك ونتحاور بشأنه دون مواربة أو رقابة".
وأنا أعترف بأن الغرب أيضاً لا يستطيع فتح حوار جاد مع نفسه يطال تصرفاته العنيفة دون فتح المجال لممارسة النقد الذاتي، وهو ما ينطبق على المسلمين، إذ بدون القدرة على مواجهة الذات ونقدها لن يتم هناك حوار وسيستمر العنف في أكل الأخضر واليابس دون هوادة.
ولعل جزءاً من مشكلة الحصول على أجوبة مُقنعة لتلك الأسئلة هو عدم وجود هرمية في الإسلام، إذ لا توجد مؤسسة شبيهة بالبابا تعرِّف الإسلام وتحدد ماهيته.
ورغم مراكز التعليم الديني المنتشرة في البلدان الإسلامية، فإنها تبدو في أعين الجماهير أداة في أيدي الأنظمة.
وفي ظل هذا الوضع يبقى المجال مفتوحاً لدعاة متشددين يكتسبون الشرعية عبر خطاب العنف والكراهية الذي يروجون له ويحرضون عليه، سواء كان ضد أنظمة الحكم في بلدانهم، أو ضد الدول الغربية التي تدعم تلك الأنظمة. والنتيجة وجود عدد كبير من المسلمين اللذين يصعب تصنيفهم، فهم من جهة يظلون بمنأى عن المتطرفين المروجين للعنف، لكنهم ليسوا علمانيين كما يريد الغرب.
ورغم رغبتهم الدفينة في التوفيق بين الإسلام والحداثة، فإن لا يكاد يوجد مجال اليوم في العالم الإسلامي لتحقيق ذلك، وسط الاستقطاب السائد بين الدعاة الإسلاميين، وبين أتباع نظم الحكم. وشخصياً تمنيت أن يكون العراق ذلك الفضاء الذي يلتقي فيه الإسلام والحداثة ليثمر خطاباً حضارياً بعيداً عن العنف والقتل. وكلما سألني أحدهم: كيف سننتصر في العراق؟ أجيبه: عندما يتمكن سلمان رشدي من إلقاء محاضرة في بغداد!
وإذ ألحُّ على ضرورة فتح قنوات الحوار بين الإسلام والغرب، فإنني أركز أكثر على الحاجة الماسة لإجراء حوار داخل العالم الإسلامي وبين المسلمين أنفسهم.
لكن ذلك لا يعني أنه على البابا أن يعتذر لأحد، فهو لم يفعل أكثر من التعبير عن موقفه كإنسان يمكن تحديه ومناقشة آرائه دون خوف أو وجل. في المقابل ما أعتبره مسيئاً للإسلام حقاً، هو ذلك الموقف اتجاه الإسلام والمسلمين الذي يسعى إلى تبنيه اليوم بعض الناس في الغرب، وكأن لسان حالهم يقول: "صه! لا تتفوهوا بشيء عن الإسلام، ألا تدركون أنكم إذا انتقدتم الإسلام، أو طرحتهم أسئلة حول المسلمين فسيضرمون النار في بيوتكم.
لذا اتركوهم وحالهم وإياكم أن تثيروا غضبهم، ذلك أنهم عاجزون عن الدخول في نقاش حضاري وعقلاني بشأن المشاكل التي يواجهونها"! هذا الموقف الأخير هو ما أعتبره محقراً للإسلام والمسلمين، بما أنه يفرض الرقابة على النقاش ويحظر تبادل الآراء. ومع الأسف صار ذلك الموقف جزءاً من النظرة الغربية اتجاه الإسلام، والتي تمنع الحوار وتكرس، من دون وعي، صراع الحضارات الذي تنبأ به صومويل هنتينغتون.
غير أن الجمهور الغربي لا يقتنع بمنطق الحظر والرقابة، فهو يراقب بقلق بالغ العنف المتفجر بين المسلمين أنفسهم ولا يفهم ما يجري. والأهم أن الجمهور الغربي يعتقد أن نخبه السياسية تتفادى الحديث بصراحة عما يجري داخل عالم الإسلام، ما يدفعهم إلى إقامة جدار عازل يقيهم من العنف الناشئ عنه. وبالطبع سيكون الأمر سيئاً للغاية إذا حال هذا المنطق دون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الأمر ليس مستبعداً في ظل ما يجري حالياً.
ولا أرى حلاً لجدار العزل بين الإسلام والغرب إلا بمزيد من الحوار الصريح والشفاف، لكنه ليس من نوع الحوار الذي أشار إليه البابا بين الإسلام والمسيحية. إذ يحتاج المسلمون اليوم إلى إجراء حوار صريح مع أنفسهم وبين بعضهم بعضاً. وعليَّ أن أعترف في هذا السياق بأني كشخص عاش لفترة في العالم الإسلامي ونسج صداقات مع العديد من المسلمين وتسنى له الاطلاع على الجانب المشرق للإسلام، مازلت غير قادر على فهم بعض ما يحدث هناك.
إنني لم أفهم مثلاً لماذا قام مسلم سُني، السنة الماضية، بتنفيذ هجوم انتحاري استهدف مسجداً شيعياً في الحلة بالعراق، موقعاً 25 قتيلاً في حفل ديني للشيعة! وهو الأمر الذي تكرر هذه السنة، حيث قام مسلم سُني آخر بتفجير نفسه، مخلفاً 35 قتيلاً في بغداد كانوا يصطفون في حي شيعي لشراء الوقود.
وفي اليوم ذاته تم العثور شمال بغداد على تسعة رؤوس مفصولة عن أجسادها تعود لرجال شرطة عراقيين.
إنني لا أفهم كيف يمكن للمسلمين أن يُمعنوا في قتل مسلمين آخرين، ولا أحد في عموم العالم الإسلامي يحرك ساكناً أو يحتج علانية على ما يجري؟ بينما تسببت الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دانمركية، أو التصريحات الأخيرة للبابا، في إثارة موجة عارمة من الاحتجاجات العنيفة.
وإذا كان قتل المسلمين بعضهم لبعض في السودان والعراق ومصر وباكستان والأردن... لا يثير أي رد فعل يذكر في العالم الإسلامي، فلماذا أدت رسوم كاريكاتورية، أو تصريحات بابوية إلى احتجاجات عنيفة في عموم العالم الإسلامي؟ وكيف لا يحق لنا أن نتساءل عن المعنى الحقيقي للإسلام في ظل هذا العنف الداخلي، وكيف لا نطالب بألا يفهم ذلك على أنه إساءة؟
قد يرد المسلمون بالقول: "لكن ماذا عما ترتكبونه أنتهم في أبوغريب، وجوانتانامو وفلسطين؟ دعونا نتكلم عن العنف الذي تمارسونه أنتهم ضد الآخرين".
وفي هذا الحالة سأجيب: "حسناً، لكننا على الأقل نتحدث عن ذلك ونتحاور بشأنه دون مواربة أو رقابة".
وأنا أعترف بأن الغرب أيضاً لا يستطيع فتح حوار جاد مع نفسه يطال تصرفاته العنيفة دون فتح المجال لممارسة النقد الذاتي، وهو ما ينطبق على المسلمين، إذ بدون القدرة على مواجهة الذات ونقدها لن يتم هناك حوار وسيستمر العنف في أكل الأخضر واليابس دون هوادة.
ولعل جزءاً من مشكلة الحصول على أجوبة مُقنعة لتلك الأسئلة هو عدم وجود هرمية في الإسلام، إذ لا توجد مؤسسة شبيهة بالبابا تعرِّف الإسلام وتحدد ماهيته.
ورغم مراكز التعليم الديني المنتشرة في البلدان الإسلامية، فإنها تبدو في أعين الجماهير أداة في أيدي الأنظمة.
وفي ظل هذا الوضع يبقى المجال مفتوحاً لدعاة متشددين يكتسبون الشرعية عبر خطاب العنف والكراهية الذي يروجون له ويحرضون عليه، سواء كان ضد أنظمة الحكم في بلدانهم، أو ضد الدول الغربية التي تدعم تلك الأنظمة. والنتيجة وجود عدد كبير من المسلمين اللذين يصعب تصنيفهم، فهم من جهة يظلون بمنأى عن المتطرفين المروجين للعنف، لكنهم ليسوا علمانيين كما يريد الغرب.
ورغم رغبتهم الدفينة في التوفيق بين الإسلام والحداثة، فإن لا يكاد يوجد مجال اليوم في العالم الإسلامي لتحقيق ذلك، وسط الاستقطاب السائد بين الدعاة الإسلاميين، وبين أتباع نظم الحكم. وشخصياً تمنيت أن يكون العراق ذلك الفضاء الذي يلتقي فيه الإسلام والحداثة ليثمر خطاباً حضارياً بعيداً عن العنف والقتل. وكلما سألني أحدهم: كيف سننتصر في العراق؟ أجيبه: عندما يتمكن سلمان رشدي من إلقاء محاضرة في بغداد!
وإذ ألحُّ على ضرورة فتح قنوات الحوار بين الإسلام والغرب، فإنني أركز أكثر على الحاجة الماسة لإجراء حوار داخل العالم الإسلامي وبين المسلمين أنفسهم.
NewYork Times
Comment