*نحن على ثقة بأنّ الشعب العربيّ السوريّ على قدرٍ كاملٍ من الفهم والإدراك، بأنّ المؤامرة، لا تستهدف النظام فقط، إنّما الإنسان السوريّ، والأرض السوريّة، هذا الإنسان السوريّ الأصيل لن يسمح للمستعربين من بن جاسم، مرورًا بقابوس، وانتهاءً بالملك الأردنيّ، بانتهاك الأرض الطيّبة. خسئتم يا أعداء الأمّة
أطّل علينا الدكتور برهان غليون، رئيس ما يُطلق عليه المجلس الوطنيّ السوريّ، الذي تأسس في بلد أحفاد العثمانيين، تعبيرًا منه على شكر الأتراك لما فعلوه بالعرب في أيام الإمبراطوريّة، أطّل علينا طبعًا من على شاشة فضائية الجزيرة القطريّة ليُطالب الجامعة العربيّة بتحويل الملف السوريّ إلى مجلس الأمن الدوليّ، وجاء هذا النداء المستعجل في الوقت الذي تقوم فيه بعثة الجامعة بزيارة إلى سوريّة للاطلاع على ما يجري في هذا البلد العربيّ النابض، نميل إلى الترجيح بأنّ السيّد غليون، الذي أشبعنا محاضرات عن الديمقراطيّة، بات يائسًا من العرب، وتصريحه يُفهم على أنّ لا ثقة له بتاتًا بالجامعة العربّة، التي حجّ إليها مستغيثًا إيّاها بالتدخل. ولكي لا نتجنى عليه لا نريد التفكير بأنّه يُعاني من عقدة الخواجا، ولكنّ تصريحه اللافت جاء متزامنًا مع ما قاله، أوّل من أمس، الأربعاء، رئيس بعثة جامعة الدول العربيّة التي تحقق في مدى التزام سوريّة بتنفيذ خطة سلام عربيّة بأنّ الأحوال في بعض المناطق في مدينة حمص لم تكن طيبة، لكنّ أعضاء الوفد لم يروا شيئًا مخيفًا، وأضاف الفريق أول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي، وفق وكالة (رويترز) للأنباء، أنّ هناك بعض الأماكن لم يكن الوضع فيها جيدًا، لكن لم يكن هناك شيء مخيف على الأقل إثناء وجود المراقبين العرب هناك، مشددًا على أنّ الأمور هادئة ولم تقع اشتباكات.
***
أمّا وزير الخارجيّة الروسيّة، سيرغي لافروف، فقد كان أكثر وضوحًا وشفافيةً عندما صرح مطلع الأسبوع بإنّ المجتمع الدوليّ رأى وشاهد ماذا كانت نتائج التدّخل الغربيّ في ليبيا، وبالتالي فإنّ روسيا ترفض رفضًا باتًا العودة إلى السيناريو الليبيّ وتطبيقه في سوريّة، على حد تعبيره. ونرى من الأهميّة بمكان التذكير بأنّ وفدًا من "المجلس الوطنيّ السوريّ" كان قد زار موسكو، ولكنّه عاد بخفي حنين، ذلك أنّ صنّاع القرار في موسكو أبلغوا أعضاء الوفد رفضهم التنازل عن حليفهم الإستراتيجيّ، الرئيس الدكتور بشّار الأسد، ولفتوا انتباههم، إلى أنّهم خلافًا لرأس حربة الإمبرياليّة العالميّة، الولايات المتحدّة الأمريكيّة، لا يتركون الأصدقاء كالأيتام على موائد اللئام، كما فعلت واشنطن مع عميلها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، الرئيس المصريّ المخلوع، حسني مبارك. بربكم وبدينكم، أنظروا ما حدث لليبيا بسبب تدّخل حلف شمال الأطلسيّ، لقد فتتوا البلد، وأججوا النعرة الطائفيّة والعشائريّة والقبليّة، وقسّموا الليبيين إلى لبراليين وإلى إسلاميين متزمتين ومتصلبين ومتشنجين، في ما هم، أيْ عصابة اللصوص من الغرب، بدأت المفاوضات لتقسيم الغنائم، وفي مقدّمتها النفط. وبالتالي نقول: أيُّها العربيّ، قِف وفكّر: هل تريد نفس بؤس المصير لسوريّة؟ أيتُها العربيّة، قِفِي وفكّري: هل ترغبين في أنْ تتحوّل سوريّة إلى العراق؟ حيث تمكن الغزو الأمريكيّ من تفتيت بلاد الرافدين وأشعل النزاعات الطائفيّة والإثنية والقوميّة، وسرق النفط وما زال، وبطبيعة الحال سيبقى.
***
نُقّر ونعترف: شخصنة الأمور لا تصب في مصلحة الموضوعيّة، التي يصبو إليها كلّ مثقف على وجه هذه البسيطة، ولكن مع ذلك، ما يثير لدينا حالة من الاشمئزاز مردها تصريحات د. غليون، المحاضر في جامعة (السوربون) في باريس، فقد صرح لمجلة أمريكيّة بأنّه في حال وصوله وزمرته إلى الحكم فإنّه سيقطع العلاقات الإستراتيجيّة مع إيران ومع حزب الله، وسيقوم بطرد فصائل المقاومة الفلسطينيّة من دمشق الممانعة، التي احتضنتهم وما زالت على الرغم من الإغراءات الأمريكيّة والأوروبيّة، وعلى الرغم من التهديدات بقطع العلاقات معها. السؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: هل سأل السيّد غليون الشعب السوريّ في ما إذا كان موافقًا على مواقفه؟ أمْ أنّ النفاق والرياء للغرب وللدولة الصهيونيّة أغاب صوابه. ولماذا يا دكتور، شمّرت قبل أنْ تصل إلى البحر. بماذا تختلف عن أمريكا وإسرائيل في ما يتعلق بفصائل المقاومة الفلسطينيّة؟ أنت تريد طردهم من دمشق؟ ماذا فعلوا وأيّ جرم اقترفوا؟ هل التزامهم بمبدأ الكفاح المسلح وعدم الانجرار وراء المفاوضات العبثيّة بات سببًا جوهريًا لمعاقبتهم؟ لا، يا دكتور، لا أنت ولا من لف لفك، لا أنت ولا من تسمونه بالمجلس الوطنيّ السوريّ، لا أنت ولا تركيّا وأردوغانها، ولا إسرائيل وأمريكا ودول النفاق الأوروبيّ قادرون على إخراج هذا المخطط إلى حيّز التنفيذ، أولاً لأنّكم لن تصلوا إلى حكم بلاد الشام، وثانيًا، لأنّكم أجبن وأوهن من أنْ تُقدموا على فعلةٍ مشينةٍ ومريبةٍ مثل التي ذكرناها، فهؤلاء قدّموا الغالي والنفيس من أجل فلسطين، ولم يلجئوا للغرب الاستعماريّ والكولونياليّ للحصول على مساعدات ومعونات ومشورات، كما فعلتم وتفعلون حضرتكم.
***
والشيء بالشيء يذكر: يوم الجمعة الماضي اهتزت العاصمة السوريّة دمشق بفعل عمليتين إرهابيتين نُفذّتا، على ما يبدو، من قبل تنظيم القاعدة المأجور، هذا التنظيم الذي لعن سنسفيل العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وحتى كتابة هذه السطور، لم نر، والشكر لربّ العالمين، الشيخ أيمن الظواهري، من على شاشة جزيرة حمد بن جاسم، يتحمّل المسؤولية أوْ ينفيها، ولكنّ أزلام المعارضة السوريّة سبقوا سرعة الضوء في الجلوس على كرسي الاعتراف في أستوديو الجزيرة، ليُحللوا لنا، ويُطلقون الاتهامات الباطلة والزائفة ضدّ النظام السوريّ، لقد اجتاز أحدهم، عمر إدلبي، جميع قواعد اللباقة السياسيّة والأخلاقيّة، فبدأ بشنّ الهجوم على النظام، دون أنْ يترحم على أرواح عشرات الشهداء الذين سقطوا في التفجيرين، لم يتمن الشفاء لمئات الجرحى، ذلك لأنّ كل إنسان يتصرف بحسب أصله. صلف ووقاحة هذا الإدلبي لم تعرف الحدود، فقد اتهم النظام السوريّ بأنّه هو الذي دبّر الهجوميين، لكي يصرف الأنظار عن وصول بعثة المراقبين العرب، زاعمًا، مع أنّه ليس خبيرًا عسكريًا، بأنّ الموقعين اللذين تمت فيهما الحادثة المأساوية تخضعان لحراسة شديدة، ولا يمكن لكائن من كان أنْ يدخلهما سوى رجال النظام. توّقعنا من مقدّم البرنامج أنْ يسأل من منطلق شعار (الجزيرة) الزائف، الرأي والرأي الأخر: القول تبريرًا لهذه النظرية بأنّ المراكز الأمنيّة المستهدفة بالتفجير محروسة بشكل جيد، ويصعب الوصول إليها مبالغ فيه كثيرًا، وعلينا أنْ نتذكر وأيضًا نُذّكّر، هذا إنْ نفعت الذكرى، بأنّ الأمن السوريّ ضعيف ومخترق، بدليل اغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة السوريّة وفي منطقة السفارات الأكثر أمنًا وتحصينًا، ونسف حافلة ركاب لسياح إيرانيين في منطقة السيدة زينب، وقيل وقتها إنّ احد إطاراتها انفجر لرفع الحرج عن تقصير الأجهزة الأمنيّة وضعفها، وكذلك تفجير مقر للأمم المتحدّة. هذه التفجيرات، يا صاحبة الجلالة، الجزيرة، ويا سيّد إدلبي، وقعت كلها قبل الانتفاضة السوريّة وانشغال الأمن والجيش في محاولة قمعها بالقوة، مما اضعف تركيزهما، واستنزف قواتهما، وتحميلهما أكثر من طاقتهما وقدراتهما. هذه الحوادث لم يتم التطرق إليها في فضائية (الجزيرة)، ذلك أنّها لا تتماشى ولا تتماهى مع الأجندة الأمريكيّة-الصهيونيّة، التي تُحاول فضائيّة بن جاسم تمريرها، مستخفةً بعقول المشاهدين العرب.
***
لا نعتقد أنّ النظام السوريّ الذي يُحاول إعطاء انطباع للداخل السوريّ أولاً، وللعالم الخارجيّ ثانيًا، بأنّه مسيطر تمامًا على الأوضاع في البلاد، وأوشك على إنهاء الاحتجاجات بالقوة، يمكن أنْ يُقدم على فبركة مثل هذه التفجيرات، من اجل تضليل وفد مراقبي الجامعة العربية، وحرف مهمته عن مسارها، وهنا يجب الإشارة إلى أنّه عندما تمّ اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، رفيق الحريري، الذي تحوّل إلى أهّم من بلاد الأرز، سارع الخصوم والأعداء والأصدقاء إلى اتهام دمشق بالمسؤوليّة عن العمليّة، وبدأت المحكمة الجنائيّة بالتحقيق، ووصلت إلى نتيجة حازمة وجازمة: النظام السوريّ، لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بعملية الاغتيال، وبالتالي: كيف يُمكن اتهامه بهذا الاتهام وهو على علمٍ بأنّ "الأشقاء العرب" يتربصون، بناءً على أوامر واشنطن وتل أبيب، للمطالبة بالتحقيق؟
***
سوريّة، هكذا نعتقد، أوْ بالأحرى هكذا نتمنى، ستجتاز هذه المحنة، لأنّ ما يجري داخلها هو أكثر من مؤامرةٍ عربيّة وإسلاميّة وغربيّة، هدفها القضاء على أخر حصن للمقاومة والممانعة والقوميّة العربيّة، ونحن على ثقة بأنّ الشعب العربيّ السوريّ على قدرٍ كاملٍ من الفهم والإدراك، بأنّ المؤامرة، لا تستهدف النظام فقط، إنّما الإنسان السوريّ، والأرض السوريّة، هذا الإنسان السوريّ الأصيل لن يسمح للمستعربين من بن جاسم، مرورًا بقابوس، وانتهاءً بالملك الأردنيّ، بانتهاك الأرض الطيّبة. خسئتم يا أعداء الأمّة.
الكاتب زهير اندراوس ( فلسطيني 48 )
أطّل علينا الدكتور برهان غليون، رئيس ما يُطلق عليه المجلس الوطنيّ السوريّ، الذي تأسس في بلد أحفاد العثمانيين، تعبيرًا منه على شكر الأتراك لما فعلوه بالعرب في أيام الإمبراطوريّة، أطّل علينا طبعًا من على شاشة فضائية الجزيرة القطريّة ليُطالب الجامعة العربيّة بتحويل الملف السوريّ إلى مجلس الأمن الدوليّ، وجاء هذا النداء المستعجل في الوقت الذي تقوم فيه بعثة الجامعة بزيارة إلى سوريّة للاطلاع على ما يجري في هذا البلد العربيّ النابض، نميل إلى الترجيح بأنّ السيّد غليون، الذي أشبعنا محاضرات عن الديمقراطيّة، بات يائسًا من العرب، وتصريحه يُفهم على أنّ لا ثقة له بتاتًا بالجامعة العربّة، التي حجّ إليها مستغيثًا إيّاها بالتدخل. ولكي لا نتجنى عليه لا نريد التفكير بأنّه يُعاني من عقدة الخواجا، ولكنّ تصريحه اللافت جاء متزامنًا مع ما قاله، أوّل من أمس، الأربعاء، رئيس بعثة جامعة الدول العربيّة التي تحقق في مدى التزام سوريّة بتنفيذ خطة سلام عربيّة بأنّ الأحوال في بعض المناطق في مدينة حمص لم تكن طيبة، لكنّ أعضاء الوفد لم يروا شيئًا مخيفًا، وأضاف الفريق أول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي، وفق وكالة (رويترز) للأنباء، أنّ هناك بعض الأماكن لم يكن الوضع فيها جيدًا، لكن لم يكن هناك شيء مخيف على الأقل إثناء وجود المراقبين العرب هناك، مشددًا على أنّ الأمور هادئة ولم تقع اشتباكات.
***
أمّا وزير الخارجيّة الروسيّة، سيرغي لافروف، فقد كان أكثر وضوحًا وشفافيةً عندما صرح مطلع الأسبوع بإنّ المجتمع الدوليّ رأى وشاهد ماذا كانت نتائج التدّخل الغربيّ في ليبيا، وبالتالي فإنّ روسيا ترفض رفضًا باتًا العودة إلى السيناريو الليبيّ وتطبيقه في سوريّة، على حد تعبيره. ونرى من الأهميّة بمكان التذكير بأنّ وفدًا من "المجلس الوطنيّ السوريّ" كان قد زار موسكو، ولكنّه عاد بخفي حنين، ذلك أنّ صنّاع القرار في موسكو أبلغوا أعضاء الوفد رفضهم التنازل عن حليفهم الإستراتيجيّ، الرئيس الدكتور بشّار الأسد، ولفتوا انتباههم، إلى أنّهم خلافًا لرأس حربة الإمبرياليّة العالميّة، الولايات المتحدّة الأمريكيّة، لا يتركون الأصدقاء كالأيتام على موائد اللئام، كما فعلت واشنطن مع عميلها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، الرئيس المصريّ المخلوع، حسني مبارك. بربكم وبدينكم، أنظروا ما حدث لليبيا بسبب تدّخل حلف شمال الأطلسيّ، لقد فتتوا البلد، وأججوا النعرة الطائفيّة والعشائريّة والقبليّة، وقسّموا الليبيين إلى لبراليين وإلى إسلاميين متزمتين ومتصلبين ومتشنجين، في ما هم، أيْ عصابة اللصوص من الغرب، بدأت المفاوضات لتقسيم الغنائم، وفي مقدّمتها النفط. وبالتالي نقول: أيُّها العربيّ، قِف وفكّر: هل تريد نفس بؤس المصير لسوريّة؟ أيتُها العربيّة، قِفِي وفكّري: هل ترغبين في أنْ تتحوّل سوريّة إلى العراق؟ حيث تمكن الغزو الأمريكيّ من تفتيت بلاد الرافدين وأشعل النزاعات الطائفيّة والإثنية والقوميّة، وسرق النفط وما زال، وبطبيعة الحال سيبقى.
***
نُقّر ونعترف: شخصنة الأمور لا تصب في مصلحة الموضوعيّة، التي يصبو إليها كلّ مثقف على وجه هذه البسيطة، ولكن مع ذلك، ما يثير لدينا حالة من الاشمئزاز مردها تصريحات د. غليون، المحاضر في جامعة (السوربون) في باريس، فقد صرح لمجلة أمريكيّة بأنّه في حال وصوله وزمرته إلى الحكم فإنّه سيقطع العلاقات الإستراتيجيّة مع إيران ومع حزب الله، وسيقوم بطرد فصائل المقاومة الفلسطينيّة من دمشق الممانعة، التي احتضنتهم وما زالت على الرغم من الإغراءات الأمريكيّة والأوروبيّة، وعلى الرغم من التهديدات بقطع العلاقات معها. السؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: هل سأل السيّد غليون الشعب السوريّ في ما إذا كان موافقًا على مواقفه؟ أمْ أنّ النفاق والرياء للغرب وللدولة الصهيونيّة أغاب صوابه. ولماذا يا دكتور، شمّرت قبل أنْ تصل إلى البحر. بماذا تختلف عن أمريكا وإسرائيل في ما يتعلق بفصائل المقاومة الفلسطينيّة؟ أنت تريد طردهم من دمشق؟ ماذا فعلوا وأيّ جرم اقترفوا؟ هل التزامهم بمبدأ الكفاح المسلح وعدم الانجرار وراء المفاوضات العبثيّة بات سببًا جوهريًا لمعاقبتهم؟ لا، يا دكتور، لا أنت ولا من لف لفك، لا أنت ولا من تسمونه بالمجلس الوطنيّ السوريّ، لا أنت ولا تركيّا وأردوغانها، ولا إسرائيل وأمريكا ودول النفاق الأوروبيّ قادرون على إخراج هذا المخطط إلى حيّز التنفيذ، أولاً لأنّكم لن تصلوا إلى حكم بلاد الشام، وثانيًا، لأنّكم أجبن وأوهن من أنْ تُقدموا على فعلةٍ مشينةٍ ومريبةٍ مثل التي ذكرناها، فهؤلاء قدّموا الغالي والنفيس من أجل فلسطين، ولم يلجئوا للغرب الاستعماريّ والكولونياليّ للحصول على مساعدات ومعونات ومشورات، كما فعلتم وتفعلون حضرتكم.
***
والشيء بالشيء يذكر: يوم الجمعة الماضي اهتزت العاصمة السوريّة دمشق بفعل عمليتين إرهابيتين نُفذّتا، على ما يبدو، من قبل تنظيم القاعدة المأجور، هذا التنظيم الذي لعن سنسفيل العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وحتى كتابة هذه السطور، لم نر، والشكر لربّ العالمين، الشيخ أيمن الظواهري، من على شاشة جزيرة حمد بن جاسم، يتحمّل المسؤولية أوْ ينفيها، ولكنّ أزلام المعارضة السوريّة سبقوا سرعة الضوء في الجلوس على كرسي الاعتراف في أستوديو الجزيرة، ليُحللوا لنا، ويُطلقون الاتهامات الباطلة والزائفة ضدّ النظام السوريّ، لقد اجتاز أحدهم، عمر إدلبي، جميع قواعد اللباقة السياسيّة والأخلاقيّة، فبدأ بشنّ الهجوم على النظام، دون أنْ يترحم على أرواح عشرات الشهداء الذين سقطوا في التفجيرين، لم يتمن الشفاء لمئات الجرحى، ذلك لأنّ كل إنسان يتصرف بحسب أصله. صلف ووقاحة هذا الإدلبي لم تعرف الحدود، فقد اتهم النظام السوريّ بأنّه هو الذي دبّر الهجوميين، لكي يصرف الأنظار عن وصول بعثة المراقبين العرب، زاعمًا، مع أنّه ليس خبيرًا عسكريًا، بأنّ الموقعين اللذين تمت فيهما الحادثة المأساوية تخضعان لحراسة شديدة، ولا يمكن لكائن من كان أنْ يدخلهما سوى رجال النظام. توّقعنا من مقدّم البرنامج أنْ يسأل من منطلق شعار (الجزيرة) الزائف، الرأي والرأي الأخر: القول تبريرًا لهذه النظرية بأنّ المراكز الأمنيّة المستهدفة بالتفجير محروسة بشكل جيد، ويصعب الوصول إليها مبالغ فيه كثيرًا، وعلينا أنْ نتذكر وأيضًا نُذّكّر، هذا إنْ نفعت الذكرى، بأنّ الأمن السوريّ ضعيف ومخترق، بدليل اغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة السوريّة وفي منطقة السفارات الأكثر أمنًا وتحصينًا، ونسف حافلة ركاب لسياح إيرانيين في منطقة السيدة زينب، وقيل وقتها إنّ احد إطاراتها انفجر لرفع الحرج عن تقصير الأجهزة الأمنيّة وضعفها، وكذلك تفجير مقر للأمم المتحدّة. هذه التفجيرات، يا صاحبة الجلالة، الجزيرة، ويا سيّد إدلبي، وقعت كلها قبل الانتفاضة السوريّة وانشغال الأمن والجيش في محاولة قمعها بالقوة، مما اضعف تركيزهما، واستنزف قواتهما، وتحميلهما أكثر من طاقتهما وقدراتهما. هذه الحوادث لم يتم التطرق إليها في فضائية (الجزيرة)، ذلك أنّها لا تتماشى ولا تتماهى مع الأجندة الأمريكيّة-الصهيونيّة، التي تُحاول فضائيّة بن جاسم تمريرها، مستخفةً بعقول المشاهدين العرب.
***
لا نعتقد أنّ النظام السوريّ الذي يُحاول إعطاء انطباع للداخل السوريّ أولاً، وللعالم الخارجيّ ثانيًا، بأنّه مسيطر تمامًا على الأوضاع في البلاد، وأوشك على إنهاء الاحتجاجات بالقوة، يمكن أنْ يُقدم على فبركة مثل هذه التفجيرات، من اجل تضليل وفد مراقبي الجامعة العربية، وحرف مهمته عن مسارها، وهنا يجب الإشارة إلى أنّه عندما تمّ اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، رفيق الحريري، الذي تحوّل إلى أهّم من بلاد الأرز، سارع الخصوم والأعداء والأصدقاء إلى اتهام دمشق بالمسؤوليّة عن العمليّة، وبدأت المحكمة الجنائيّة بالتحقيق، ووصلت إلى نتيجة حازمة وجازمة: النظام السوريّ، لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بعملية الاغتيال، وبالتالي: كيف يُمكن اتهامه بهذا الاتهام وهو على علمٍ بأنّ "الأشقاء العرب" يتربصون، بناءً على أوامر واشنطن وتل أبيب، للمطالبة بالتحقيق؟
***
سوريّة، هكذا نعتقد، أوْ بالأحرى هكذا نتمنى، ستجتاز هذه المحنة، لأنّ ما يجري داخلها هو أكثر من مؤامرةٍ عربيّة وإسلاميّة وغربيّة، هدفها القضاء على أخر حصن للمقاومة والممانعة والقوميّة العربيّة، ونحن على ثقة بأنّ الشعب العربيّ السوريّ على قدرٍ كاملٍ من الفهم والإدراك، بأنّ المؤامرة، لا تستهدف النظام فقط، إنّما الإنسان السوريّ، والأرض السوريّة، هذا الإنسان السوريّ الأصيل لن يسمح للمستعربين من بن جاسم، مرورًا بقابوس، وانتهاءً بالملك الأردنيّ، بانتهاك الأرض الطيّبة. خسئتم يا أعداء الأمّة.
الكاتب زهير اندراوس ( فلسطيني 48 )