لماذا انتشرت العلمانية ؟؟
د . أحمد البغدادي كاتب كويتي و مدرس بجامعة الكويت
كل دول الغرب علمانية تفصل الدين عن الدولة، وكذلك الامر في الهند والصين واليابان وروسيا والدول الاسكندنافية والكوريتين الشمالية والجنوبية ، ودول اوروبا الشرقية سابقا، ودول اميركا اللاتينية كلها، وكثير من الدول الافريقية، وبذلك يطرح السؤال نفسه: هل كل هذه الدول مخطئة؟ لا شك انها ليست كذلك.
ايهما اكثر ثراء وتطورا وتقدما في التقنيات والطب وعلوم المعرفة والعلوم الاجتماعية، الدول العلمانية ام غير العلمانية ? الاجابة، الدول العلمانية.
من الذي يعتاش على الثاني، الدول العلمانية تعتاش على غير العلمانية ام العكس؟
الاجابة: ان الدول غير العلمانية هي التي تعتاش على الدول العلمانية، بل والحق يقال، لولا الدول العلمانية، لهلكت الدول غير العلمانية جوعا ومرضا.
السؤال الاخير : هل تشكل العلمانية الجزئية جانبا من حياة الدولة المسلمة ام لا؟
الاجابة : نعم، انها تشكل جزءا، من خلال التعليم المدني والقوانين الوضعية والبرلمان والدستور والديمقراطية والتعليم الجامعي، والنظام الراسمالي في الاقتصاد والبنوك والاستهلاك الاستقراضي، بل ان البنوك الاسلامية لا تستطيع ان تعمل من دون الارتباط بالبنوك الراسمالية العالمية.
الا يدفعنا كل هذا الاكتساح للعلمانية لكل مناحي الحياة الى التساؤل حول سبب نجاحها ؟
الامر لا يتعلق بمفاهيمنا او بالدين او بالكفر مثلا، قدر تعلقه بحقيقة الواقع، فالعلمانية وبما ادت اليه من عولمة المفاهيم كالديمقراطية والمساواة والدستورية وحقوق الانسان، اصبحت واقعا مفروغا منه، ولا خيار فيه لاي مجتمع او دولة. كل الدول الاسلامية استسلمت لاغراء العولمة، ومحاربتها لا يختلف عن محاربة طواحين الهواء التي تصورها الاسباني دون كيخوته في رائعة المبدع سرفانتس. في العولمة، لا خيار، فاما القبول او الانقراض كالديناصورات، والمكابرة في الموضوع لا تخدم صاحبها. نعود للسؤال المنطقي : لماذا نجحت العلمانية وفرضت نفسها، رغم ان عمر السيطرة الكنسية قبل العلمانية، يقترب من الف عام؟ كيف تمكن العقل الغربي من تدمير بنية الفكر الديني واستبعاده من الحياة وحصره في الجانب الشخصي للفرد؟ كيف انتصرت العقلانية على الغيبية الدينية في الغرب؟
اعتقد - مع كل الاحترام والتقدير للجهود الغربية - ان الاجابة بسيطة. لقد عجز الفكر الديني المسيحي عن تطوير الحياة طوال الف عام، فما كان من الانسان الغربي الا البحث عن حل، فوجده في العقل، والطريف في الامر ان الانسان الغربي وجد العقل في كتابات المفكر ابن رشد الذي حاربت الكنيسة دعوته للعقل، وفشلت رغم احراقها الكتب وكتابها !! اليس غريبا ان فكر هذا المفكر المسلم لا قيمة له عند اهل المشرق والمغرب. وبالمناسبة هل تعلمون كيف تعامل المسلمون مع ابن رشد ؟
(وفي عام 580 هجري، ثار الفقهاء على تعاليم ابن رشد واتهموه بالزندقة فحوكم ونفي واحرقت كتبه الفلسفية) ولا تعليق (خوفا من القانون).
ومنذ تلك اللحظة الفاصلة في تاريخ البشرية، اي منذ القرن الخامس عشر الميلادي، والغرب ينطلق تاركا الجميع وراءه محتارا كيف يلحق به. فالعقل العلماني هو الذي جعل الانسان محور الكون، وسعى الى الخلود الدنيوي لاثبات ذاته، وحقق هذا الامر بالعمل الجاد المادي، فحارب الفقر وانقذ البشرية من الجوع والامراض والفقر، واخترع المنجزات التقنية من تلفاز وتلفون وراديو واشعة ومضادات حيوية وامصال طبية انقذت ملايين الاطفال من الامراض مثل شلل الاطفال والجدري والحصبة، ولا ننسى طيب الذكر الانسولين الذي رفض المسلمون مقاطعته يوم اعلنوا الحرب على الدنمارك، بحجة ان " الضرورات تبيح المحظورات "، حيث رفض المسلمون الموت في سبيل الدين، تحقيقا للمصلحة الذاتية.
لهذه الاسباب مجتمعة لا يمكن الاستغناء عن العلمانية سواء بصورتها الجزئية كما يحدث في بلاد المسلمين، ام بصورة كلية كما يحدث في الغرب وكثير من البلدان الاخرى، مهما جاءنا منها من شر يتمثل في الحريات المدنية المتطرفة المخالفة للفطرة الانسانية. وبالتالي اصبحت العلمانية شر لا بد منه. وساضرب لكم مثلا على هذا الامر من دون مسميات خشية الملاحقة القانونية لكن الجميع سيفهم المقصود. الا يستخدم احدهم القنوات الفضائية المليئة بالفيديو كليبات الفاضحة لتمويل قناة فضائية اسلامية جديدة ? بمثل هذه العقلية المترنحة بين الهوية العلمانية والهوية الدينية، ضاع ويضيع كثير من الناس. ومثل هذه الازدواجية لا تجدها في الدول العلمانية الواضحة كل الوضوح في عملية الفصل بين الدين والدولة، لذلك ليس غريبا ان تجد :
التطور التقني
التطور الطبي
التطور الفكري
التطور التعليمي
التطور الفني
التطور في حقوق الانسان
التطور الاقتصادي
التطور العلمي
كل ذلك لا يحصل الا في الدول العلمانية، بل ان معظم الحاصلين على جوائز نوبل وفي كل المجالات هم من العلمانيين. ويزيد الطين بلة ان المتدينين يتراكضون للدول العلمانية حين يصابون بالمرض، او حين يرغبون في تعليم ابنائهم !
بكل انصاف، لولا العلمانيون لهلك اهل الارض مرضا وجوعا وفقرا. ومما يجب ان يستقر في العقل ان العلمانية لا تحارب الاديان، بل هي الوحيدة التي توفر لمخالفيها الحرية الدينية، والمقارنة بين عدد المساجد في الغرب وعدد الكنائس في البلاد المسلمة تثبت هذه الحقيقة. والساعون للهجرة الى الدول العلمانية اكثر بكثير من الساعين للهجرة الى الدول غير العلمانية. ويترتب على هذه الحقائق ان محاربة العلمانية عبث لا طائل من ورائه. والامانة تقتضي من محاربي العلمانية التجرد من العلمانية الجزئية التي يعيشونها في بلادهم بالهجرة الى الصحراء والعيش بعيدا عن العلمانية، وليتأكدوا بان الفناء سيكون مصيرهم.
ونتحداهم ان يتخلوا عن العلمانية الجزئية، وفي الامثال »صاحب البالين كذاب«، وفي التنزيل الحكيم »ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه«، ومعارضو العلمانية يريدون تحقيق هذا المستحيل
كل دول الغرب علمانية تفصل الدين عن الدولة، وكذلك الامر في الهند والصين واليابان وروسيا والدول الاسكندنافية والكوريتين الشمالية والجنوبية ، ودول اوروبا الشرقية سابقا، ودول اميركا اللاتينية كلها، وكثير من الدول الافريقية، وبذلك يطرح السؤال نفسه: هل كل هذه الدول مخطئة؟ لا شك انها ليست كذلك.
ايهما اكثر ثراء وتطورا وتقدما في التقنيات والطب وعلوم المعرفة والعلوم الاجتماعية، الدول العلمانية ام غير العلمانية ? الاجابة، الدول العلمانية.
من الذي يعتاش على الثاني، الدول العلمانية تعتاش على غير العلمانية ام العكس؟
الاجابة: ان الدول غير العلمانية هي التي تعتاش على الدول العلمانية، بل والحق يقال، لولا الدول العلمانية، لهلكت الدول غير العلمانية جوعا ومرضا.
السؤال الاخير : هل تشكل العلمانية الجزئية جانبا من حياة الدولة المسلمة ام لا؟
الاجابة : نعم، انها تشكل جزءا، من خلال التعليم المدني والقوانين الوضعية والبرلمان والدستور والديمقراطية والتعليم الجامعي، والنظام الراسمالي في الاقتصاد والبنوك والاستهلاك الاستقراضي، بل ان البنوك الاسلامية لا تستطيع ان تعمل من دون الارتباط بالبنوك الراسمالية العالمية.
الا يدفعنا كل هذا الاكتساح للعلمانية لكل مناحي الحياة الى التساؤل حول سبب نجاحها ؟
الامر لا يتعلق بمفاهيمنا او بالدين او بالكفر مثلا، قدر تعلقه بحقيقة الواقع، فالعلمانية وبما ادت اليه من عولمة المفاهيم كالديمقراطية والمساواة والدستورية وحقوق الانسان، اصبحت واقعا مفروغا منه، ولا خيار فيه لاي مجتمع او دولة. كل الدول الاسلامية استسلمت لاغراء العولمة، ومحاربتها لا يختلف عن محاربة طواحين الهواء التي تصورها الاسباني دون كيخوته في رائعة المبدع سرفانتس. في العولمة، لا خيار، فاما القبول او الانقراض كالديناصورات، والمكابرة في الموضوع لا تخدم صاحبها. نعود للسؤال المنطقي : لماذا نجحت العلمانية وفرضت نفسها، رغم ان عمر السيطرة الكنسية قبل العلمانية، يقترب من الف عام؟ كيف تمكن العقل الغربي من تدمير بنية الفكر الديني واستبعاده من الحياة وحصره في الجانب الشخصي للفرد؟ كيف انتصرت العقلانية على الغيبية الدينية في الغرب؟
اعتقد - مع كل الاحترام والتقدير للجهود الغربية - ان الاجابة بسيطة. لقد عجز الفكر الديني المسيحي عن تطوير الحياة طوال الف عام، فما كان من الانسان الغربي الا البحث عن حل، فوجده في العقل، والطريف في الامر ان الانسان الغربي وجد العقل في كتابات المفكر ابن رشد الذي حاربت الكنيسة دعوته للعقل، وفشلت رغم احراقها الكتب وكتابها !! اليس غريبا ان فكر هذا المفكر المسلم لا قيمة له عند اهل المشرق والمغرب. وبالمناسبة هل تعلمون كيف تعامل المسلمون مع ابن رشد ؟
(وفي عام 580 هجري، ثار الفقهاء على تعاليم ابن رشد واتهموه بالزندقة فحوكم ونفي واحرقت كتبه الفلسفية) ولا تعليق (خوفا من القانون).
ومنذ تلك اللحظة الفاصلة في تاريخ البشرية، اي منذ القرن الخامس عشر الميلادي، والغرب ينطلق تاركا الجميع وراءه محتارا كيف يلحق به. فالعقل العلماني هو الذي جعل الانسان محور الكون، وسعى الى الخلود الدنيوي لاثبات ذاته، وحقق هذا الامر بالعمل الجاد المادي، فحارب الفقر وانقذ البشرية من الجوع والامراض والفقر، واخترع المنجزات التقنية من تلفاز وتلفون وراديو واشعة ومضادات حيوية وامصال طبية انقذت ملايين الاطفال من الامراض مثل شلل الاطفال والجدري والحصبة، ولا ننسى طيب الذكر الانسولين الذي رفض المسلمون مقاطعته يوم اعلنوا الحرب على الدنمارك، بحجة ان " الضرورات تبيح المحظورات "، حيث رفض المسلمون الموت في سبيل الدين، تحقيقا للمصلحة الذاتية.
لهذه الاسباب مجتمعة لا يمكن الاستغناء عن العلمانية سواء بصورتها الجزئية كما يحدث في بلاد المسلمين، ام بصورة كلية كما يحدث في الغرب وكثير من البلدان الاخرى، مهما جاءنا منها من شر يتمثل في الحريات المدنية المتطرفة المخالفة للفطرة الانسانية. وبالتالي اصبحت العلمانية شر لا بد منه. وساضرب لكم مثلا على هذا الامر من دون مسميات خشية الملاحقة القانونية لكن الجميع سيفهم المقصود. الا يستخدم احدهم القنوات الفضائية المليئة بالفيديو كليبات الفاضحة لتمويل قناة فضائية اسلامية جديدة ? بمثل هذه العقلية المترنحة بين الهوية العلمانية والهوية الدينية، ضاع ويضيع كثير من الناس. ومثل هذه الازدواجية لا تجدها في الدول العلمانية الواضحة كل الوضوح في عملية الفصل بين الدين والدولة، لذلك ليس غريبا ان تجد :
التطور التقني
التطور الطبي
التطور الفكري
التطور التعليمي
التطور الفني
التطور في حقوق الانسان
التطور الاقتصادي
التطور العلمي
كل ذلك لا يحصل الا في الدول العلمانية، بل ان معظم الحاصلين على جوائز نوبل وفي كل المجالات هم من العلمانيين. ويزيد الطين بلة ان المتدينين يتراكضون للدول العلمانية حين يصابون بالمرض، او حين يرغبون في تعليم ابنائهم !
بكل انصاف، لولا العلمانيون لهلك اهل الارض مرضا وجوعا وفقرا. ومما يجب ان يستقر في العقل ان العلمانية لا تحارب الاديان، بل هي الوحيدة التي توفر لمخالفيها الحرية الدينية، والمقارنة بين عدد المساجد في الغرب وعدد الكنائس في البلاد المسلمة تثبت هذه الحقيقة. والساعون للهجرة الى الدول العلمانية اكثر بكثير من الساعين للهجرة الى الدول غير العلمانية. ويترتب على هذه الحقائق ان محاربة العلمانية عبث لا طائل من ورائه. والامانة تقتضي من محاربي العلمانية التجرد من العلمانية الجزئية التي يعيشونها في بلادهم بالهجرة الى الصحراء والعيش بعيدا عن العلمانية، وليتأكدوا بان الفناء سيكون مصيرهم.
ونتحداهم ان يتخلوا عن العلمانية الجزئية، وفي الامثال »صاحب البالين كذاب«، وفي التنزيل الحكيم »ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه«، ومعارضو العلمانية يريدون تحقيق هذا المستحيل
Comment