عن سيريا ستيبس
عين العرب – خاص لسيريا ستيبس – علي محمود جديد :
أخيراً انتقلت سورية وبقفزةٍ واحدة من نقص بأسواقها لمادة الاسمنت يصل إلى حدود ثلاثة ملايين طن، إلى اكتفاء ذاتي بعد أن تجاوزت " لافارج سورية " مرحلة الإنتاج التجريبي لوليدها الجديد " اسمنت راسخ " ودخلت في السوق بقوّة معلنة قدرتها على إنتاج ثلاثة ملايين طن سنوياً من الاسمنت البورتلاندي الذي أطلقت عليه فعلياً اسم " راسخ " .
فإن حاجة سورية المقدّرة حالياً من الاسمنت في السنة تصل إلى حدود ثمانية ملايين ونصف المليون طن، في حين لا تنتج مصانعها التي كانت ما تزال مقتصرة – قبل لافارج – على مصانع القطاع العام الحكومي، سوى كميات هي أقل من ستة ملايين طن، فالمؤسسة العامة للإسمنت المشرفة على مصانع الاسمنت الحكومية، خططت هذا العام لإنتاج خمسة ملايين و800 ألف طن، ولنفترض أنها استطاعت تنفيذ هذا المخطط كاملاً – وهي عادةً تراوح حوله زيادةً أو نقصاناً وإن بشكل قليل – فإن فجوة السوق النظرية والقريبة جداً من الواقع تبقى مليونين و200 ألف طن، وبدخول لافارج سورية اليوم بملايينها الثلاثة تكون قد غطّت هذه الفجوة وأكثر لتوصل سورية بذلك إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي فعلياً، ولتُشكل لافارج سورية نقطة التحول الحاسمة في هذا الجانب ، ليصير ليس من المبالغة الحديث عن واقع الاسمنت في سورية ما قبل لافارج ، وواقعه ما بعد لافارج .
بالأمس كنّا في أقصى الشمال السوري، بالقرب من مدينة عين العرب على الحدود السورية التركية، لأكون مع مجموعةٍ من الزملاء الصحفيين الأعزاء شهود عيانٍ على ما وصلت إليه " لافارج سورية " حيث أقامت مصنعها الضخم هناك، والذي انطلقنا إليه من مطار حلب باتجاه الشمال الشرقي على طريق منبج – وبالمناسبة تفاجأنا بالجمال العمراني لمدينة منبج ونحن نمر بجوارها – متجهين نحو جرابلس، غير أن الطريق لم يمر بها فقطعنا نهر الفرات على جانب بحيرة سد تشرين الهائلة لنتابع السير هناك إلى جوار عين العرب التي لم ندخلها أيضاً، فالمصنع يقام على بعد نحو عشرين كم عنها بين تلال من الصخور الكلسية وهي المادة الأولية الأساسية لصناعة الاسمنت إلى جانب مواد طبيعية أخرى متوفرة في المكان وتدخل في مكونات حصى الكلنكر الذي لايحتاج إلا إلى طحنٍ ناعم ليصير اسمنتاً.
قبل بداية الجولة سألنا المهندس ممدوح الخالد، نائب المدير التنفيذي للافارج سورية : هل قام أحدكم مرّة بزيارة إلى أحد مصانع الاسمنت ..؟ فأجاب العديد من الزملاء : طبعاً ، وكنتُ أجلس بالقرب من الزميل يعرب العيسى فسمعته وسمعني نجيب بكلمة : طبعاً، وسوف ترون لاحقاً كيف جرى تعديل طريف وواقعي لهذا الجواب.
الخالد بدأ معنا الجولة من بداية عملية الإنتاج وقتما توضع الصخور الكلسية في الكسّارات، وشرح لنا بدقة ووضوح كيف تجري عملية تحوّل الصخور بعد طحنها وشيّها إلى ذلك الكلنكر الذي لايحتاج إلا إلى طحنٍ ناعم ليتجه بسيور تقنية إلى مركز التعبئة حيث يُعبّأ ذلك الطحين الفضي بأكياس الإسمنت فتسير على سيور أخرى لتستقر على ظهر إحدى الشاحنات التي تصطفّ وراء بعضها بانتظار التحميل.
على الرغم من أن كل ما في ذلك المصنع يثير الدهشة، سواء كان بحجم الاستثمار الذي يصل إلى 680 مليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 31 مليار ليرة سورية، أم بحجم الإنتاج، أم بالتقيّد بأدق تفاصيل الأمن الصناعي أم بالمخابر ذات القدرات العالية على تحليل كل ما يخص المواد الدّاخلة بالإنتاج، أم ببرامج التحكم الألكتروني التي يمكن من خلالها الدخول إلى أي قسم واكتشاف أي عطل طارئ أو أي خلل كان، فعلى الرغم من هذا كله فإن أكثر ما أدهشني وأدهش العديد من الزملاء على ما أعتقد هو عدم وجود أي مظهر من مظاهر الغبار لا في المصنع ولا في محيطه، وقد أوضح لنا ممدوح الخالد ذلك عندما مررنا بجوار مبنى الفلتر الذي يلتقط الغبار ويمنعه من التصاعد في الأجواء، وقد قارنت بين هذه التقنية وهذا الفهم الحضاري، وبين الجريمة التي يرتكبها القائمون على مصنع عدرا لصناعة الاسمنت في ريف دمشق، حيث تنطلق على مدار الساعة من مداخنه أطنان من غبار الاسمنت في الجو لتزحف إلى الجوار وتهطل على رؤوس الناس وبيوتهم ومطابخهم وغرف نومهم، وينحشر الغبار في ثنايا الفرش والمخدّات ، ويستقرّ في حلق الكبار وقصبات الأطفال ورئات الصبايا ورغامى الشباب، بينما يبحث المجرمون بين كل ذرّة غبار وأخرى عن منفذ فساد يسلكونه قبل أن يقرروا وضع هذا الفلتر التافه الذي سيقي الناس من أمراض فتّاكة يعيشون في رعبٍ دائم منها.
على كل حال .. بعد أن أنجزنا الجولة وعدنا إلى خيمة ضيافة كانت لافارج قد أعدّتها لنا، نظر الزميل يعرب العيسى إلى نائب المدير التنفيذي للافارج سورية، وقال له:
أستاذ ممدوح .. سألتنا في بداية الجولة : هل قام أحدكم بزيارة إلى مصنع اسمنت..؟ وأجبناك : طبعاً ، ولكن اسمح لي بتعديل إجابتي بعد هذا الذي رأيناه في لافارج سورية اليوم ، وأقول : لا .. أنا آسف جداً إذ يبدو أنني لم أقم بزيارة أي مصنع اسمنت قبل اليوم..!
والزميل يعرب " أبو زمان " معه كل الحق في ذلك، لأن أغلب مصانع الاسمنت الحكومية في سورية لايرفّ للقائمين عليها جفن، وهم ماضون في نشر خراب البيئة وإمراض الناس الذين تُقَضُّ مضاجعهم على مدار الساعة نتيجة الغبار الكثيف الذي يتساقط عليهم انطلاقاً من مداخن مصانع الاسمنت.
شكراً للافارج سورية التي تضع مسألة الحفاظ على البيئة من أولى أولوياتها، وقد أبدى ملك الاسمنت في العالم " برونو لافونت " رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة لافارج الفرنسية العالمية، خلال مؤتمر صحفي عقدناه معه بعد استراحة قصيرة من نهاية الجولة، أبدى اهتماماً بالغاً بمسألة البيئة والحفاظ عليها، واعداً بأنه ليس فقط حريصاً على سلامة البيئة المجاورة للمصنع ، وإنما لن يتردد في منح الناس والقرى المجاورة للمصنع المزيد من الفوائد والعناية والاهتمام ليس فقط في تأمين مئات فرص العمل لأبناء المنطقة وإنما سيكون هناك عناية اجتماعية مركّزة وباستمرار.
نشير أخيراً إلى أن ملامح الغبطة والشعور بالارتياح والنجاح لم تستطع أن تغادر وجه لافونت ملك الاسمنت، ولا وجه الشريك السوري مع لافارج في هذا المصنع الضخم رجل الأعمال السيد فراس طلاس، ومعهما الحق كله، فقد استطاعا اليوم أن يحدثا تحوّلاً مؤثراً وببصمةٍ قوية على الصناعة وعلى الاقتصاد السوري أيضاً، بمفاهيم علمية وتقنية والأهم من ذلك تلك المفاهيم الإنسانية .
عين العرب – خاص لسيريا ستيبس – علي محمود جديد :
أخيراً انتقلت سورية وبقفزةٍ واحدة من نقص بأسواقها لمادة الاسمنت يصل إلى حدود ثلاثة ملايين طن، إلى اكتفاء ذاتي بعد أن تجاوزت " لافارج سورية " مرحلة الإنتاج التجريبي لوليدها الجديد " اسمنت راسخ " ودخلت في السوق بقوّة معلنة قدرتها على إنتاج ثلاثة ملايين طن سنوياً من الاسمنت البورتلاندي الذي أطلقت عليه فعلياً اسم " راسخ " .
فإن حاجة سورية المقدّرة حالياً من الاسمنت في السنة تصل إلى حدود ثمانية ملايين ونصف المليون طن، في حين لا تنتج مصانعها التي كانت ما تزال مقتصرة – قبل لافارج – على مصانع القطاع العام الحكومي، سوى كميات هي أقل من ستة ملايين طن، فالمؤسسة العامة للإسمنت المشرفة على مصانع الاسمنت الحكومية، خططت هذا العام لإنتاج خمسة ملايين و800 ألف طن، ولنفترض أنها استطاعت تنفيذ هذا المخطط كاملاً – وهي عادةً تراوح حوله زيادةً أو نقصاناً وإن بشكل قليل – فإن فجوة السوق النظرية والقريبة جداً من الواقع تبقى مليونين و200 ألف طن، وبدخول لافارج سورية اليوم بملايينها الثلاثة تكون قد غطّت هذه الفجوة وأكثر لتوصل سورية بذلك إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي فعلياً، ولتُشكل لافارج سورية نقطة التحول الحاسمة في هذا الجانب ، ليصير ليس من المبالغة الحديث عن واقع الاسمنت في سورية ما قبل لافارج ، وواقعه ما بعد لافارج .
بالأمس كنّا في أقصى الشمال السوري، بالقرب من مدينة عين العرب على الحدود السورية التركية، لأكون مع مجموعةٍ من الزملاء الصحفيين الأعزاء شهود عيانٍ على ما وصلت إليه " لافارج سورية " حيث أقامت مصنعها الضخم هناك، والذي انطلقنا إليه من مطار حلب باتجاه الشمال الشرقي على طريق منبج – وبالمناسبة تفاجأنا بالجمال العمراني لمدينة منبج ونحن نمر بجوارها – متجهين نحو جرابلس، غير أن الطريق لم يمر بها فقطعنا نهر الفرات على جانب بحيرة سد تشرين الهائلة لنتابع السير هناك إلى جوار عين العرب التي لم ندخلها أيضاً، فالمصنع يقام على بعد نحو عشرين كم عنها بين تلال من الصخور الكلسية وهي المادة الأولية الأساسية لصناعة الاسمنت إلى جانب مواد طبيعية أخرى متوفرة في المكان وتدخل في مكونات حصى الكلنكر الذي لايحتاج إلا إلى طحنٍ ناعم ليصير اسمنتاً.
قبل بداية الجولة سألنا المهندس ممدوح الخالد، نائب المدير التنفيذي للافارج سورية : هل قام أحدكم مرّة بزيارة إلى أحد مصانع الاسمنت ..؟ فأجاب العديد من الزملاء : طبعاً ، وكنتُ أجلس بالقرب من الزميل يعرب العيسى فسمعته وسمعني نجيب بكلمة : طبعاً، وسوف ترون لاحقاً كيف جرى تعديل طريف وواقعي لهذا الجواب.
الخالد بدأ معنا الجولة من بداية عملية الإنتاج وقتما توضع الصخور الكلسية في الكسّارات، وشرح لنا بدقة ووضوح كيف تجري عملية تحوّل الصخور بعد طحنها وشيّها إلى ذلك الكلنكر الذي لايحتاج إلا إلى طحنٍ ناعم ليتجه بسيور تقنية إلى مركز التعبئة حيث يُعبّأ ذلك الطحين الفضي بأكياس الإسمنت فتسير على سيور أخرى لتستقر على ظهر إحدى الشاحنات التي تصطفّ وراء بعضها بانتظار التحميل.
على الرغم من أن كل ما في ذلك المصنع يثير الدهشة، سواء كان بحجم الاستثمار الذي يصل إلى 680 مليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 31 مليار ليرة سورية، أم بحجم الإنتاج، أم بالتقيّد بأدق تفاصيل الأمن الصناعي أم بالمخابر ذات القدرات العالية على تحليل كل ما يخص المواد الدّاخلة بالإنتاج، أم ببرامج التحكم الألكتروني التي يمكن من خلالها الدخول إلى أي قسم واكتشاف أي عطل طارئ أو أي خلل كان، فعلى الرغم من هذا كله فإن أكثر ما أدهشني وأدهش العديد من الزملاء على ما أعتقد هو عدم وجود أي مظهر من مظاهر الغبار لا في المصنع ولا في محيطه، وقد أوضح لنا ممدوح الخالد ذلك عندما مررنا بجوار مبنى الفلتر الذي يلتقط الغبار ويمنعه من التصاعد في الأجواء، وقد قارنت بين هذه التقنية وهذا الفهم الحضاري، وبين الجريمة التي يرتكبها القائمون على مصنع عدرا لصناعة الاسمنت في ريف دمشق، حيث تنطلق على مدار الساعة من مداخنه أطنان من غبار الاسمنت في الجو لتزحف إلى الجوار وتهطل على رؤوس الناس وبيوتهم ومطابخهم وغرف نومهم، وينحشر الغبار في ثنايا الفرش والمخدّات ، ويستقرّ في حلق الكبار وقصبات الأطفال ورئات الصبايا ورغامى الشباب، بينما يبحث المجرمون بين كل ذرّة غبار وأخرى عن منفذ فساد يسلكونه قبل أن يقرروا وضع هذا الفلتر التافه الذي سيقي الناس من أمراض فتّاكة يعيشون في رعبٍ دائم منها.
على كل حال .. بعد أن أنجزنا الجولة وعدنا إلى خيمة ضيافة كانت لافارج قد أعدّتها لنا، نظر الزميل يعرب العيسى إلى نائب المدير التنفيذي للافارج سورية، وقال له:
أستاذ ممدوح .. سألتنا في بداية الجولة : هل قام أحدكم بزيارة إلى مصنع اسمنت..؟ وأجبناك : طبعاً ، ولكن اسمح لي بتعديل إجابتي بعد هذا الذي رأيناه في لافارج سورية اليوم ، وأقول : لا .. أنا آسف جداً إذ يبدو أنني لم أقم بزيارة أي مصنع اسمنت قبل اليوم..!
والزميل يعرب " أبو زمان " معه كل الحق في ذلك، لأن أغلب مصانع الاسمنت الحكومية في سورية لايرفّ للقائمين عليها جفن، وهم ماضون في نشر خراب البيئة وإمراض الناس الذين تُقَضُّ مضاجعهم على مدار الساعة نتيجة الغبار الكثيف الذي يتساقط عليهم انطلاقاً من مداخن مصانع الاسمنت.
شكراً للافارج سورية التي تضع مسألة الحفاظ على البيئة من أولى أولوياتها، وقد أبدى ملك الاسمنت في العالم " برونو لافونت " رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة لافارج الفرنسية العالمية، خلال مؤتمر صحفي عقدناه معه بعد استراحة قصيرة من نهاية الجولة، أبدى اهتماماً بالغاً بمسألة البيئة والحفاظ عليها، واعداً بأنه ليس فقط حريصاً على سلامة البيئة المجاورة للمصنع ، وإنما لن يتردد في منح الناس والقرى المجاورة للمصنع المزيد من الفوائد والعناية والاهتمام ليس فقط في تأمين مئات فرص العمل لأبناء المنطقة وإنما سيكون هناك عناية اجتماعية مركّزة وباستمرار.
نشير أخيراً إلى أن ملامح الغبطة والشعور بالارتياح والنجاح لم تستطع أن تغادر وجه لافونت ملك الاسمنت، ولا وجه الشريك السوري مع لافارج في هذا المصنع الضخم رجل الأعمال السيد فراس طلاس، ومعهما الحق كله، فقد استطاعا اليوم أن يحدثا تحوّلاً مؤثراً وببصمةٍ قوية على الصناعة وعلى الاقتصاد السوري أيضاً، بمفاهيم علمية وتقنية والأهم من ذلك تلك المفاهيم الإنسانية .