الخمر في المسيحية:
أولا: الفرق بين الخمر والمسكر:
لم تحرم المسيحية الخمر كمادة تستخدم في الأدوية والمستشفيات، كذلك تستخدم الخمر في سر التناول بمواصفات معيتة وبعد مزجها بالماء كما سيتضح لاحقا. كما ترمز الخمر إلى الفرح. لكن الكتاب المقدس حرم المسكر وهو كل ما يذهب بالعقل ومنه بالتأكيد الخمر، وذلك إذا فقد الشخص إتزانه ولم يستطع السيطرة على تصرفاته، وجعل الكتاب المقدس المسكر مساويا لأكبر الخطايا الآثام والتي تحرم مقترفها من دخول ملكوت الله، إذ قال: لا تضلوا لا زناة و لا عبدة اوثان و لا فاسقون و لا مابونون و لا مضاجعو ذكور و لا سارقون و لا طماعون و لا سكيرون و لا شتامون و لا خاطفون يرثون ملكوت الله (1 كورنثوس 6-9:9).
تتضح التفرقة بين الخمر والمسكر من الآيات التالية:
و كلم الرب هرون قائلا خمرا و مسكرا لا تشرب انت و بنوك معك عند دخولكم الى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا فرضا دهريا في اجيالكم (لاويين 10-9:8).
فتراءى ملاك الرب للمراة وقال لها ها انت عاقر لم تلدي ولكنك تحبلين وتلدين ابنا والان فاحذري ولا تشربي خمرا ولا مسكرا و لا تاكلي شيئا نجسا (القضاة 13-4:2).
ليس للملوك يا لموئيل ليس للملوك ان يشربوا خمرا و لا للعظماء المسكر لئلا يشربوا و ينسوا المفروض و يغيروا حجة كل بني المذلة اعطوا مسكرا لهالك و خمرا لمري النفس يشرب و ينسى فقره و لا يذكر تعبه بعد (الأمثال 31-7:4).
لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس (لوقا 1-15).
فالخمر كمادة لم تحرم في المسيحية إذا أخذت لأي غرض خلاف السكر، فملكي صادق بارك ابراهيم الخليل أبو الأنبياء وأعطاه خبزا وخمرا: و ملكي صادق ملك شاليم اخرج خبزا و خمرا و كان كاهنا لله العلي و باركه و قال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات و الارض و مبارك الله العلي الذي اسلم اعداءك في يدك فاعطاه عشرا من كل شيء (تكوين 14-20:18). كذلك حذر الوحي الإلهي من السكر بالخمر الذي فيه الخلاعة: ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل إمتلئوا بالروح (أفسس 5: 18).
ثنيا: استخدام الخمر كدواء:
ذكر السيد المسيح في مثل السامري الصالح الذي وجد انساناً كان قد وقع بين ايدي اللصوص و جرحوه، فضمد جراحاته و صب عليها زيتاً و خمراً ("لوقا 34:10)
وقد أوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس بأن يشرب الخمر كعلاج من الاستسقاء فقال: لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك و أسقامك الكثيرة (تيموثاوس الاولى 5: 3). اذن فوصية بولس لتيموثاوس باستعمال الخمر للعلاج و ليس لمجرد التلذذ بشرب الخمر. أما عبارة (قليل منه يصلح المعدة) فليست من الوحي المعصوم
ثالثا: معجزة تحويل الماء إلى خمر:
ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر قال لها يسوع ما لي و لك يا امراة لم تات ساعتي بعد قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه و كانت ستة اجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين او ثلاثة قال لهم يسوع املاوا الاجران ماء فملاوها الى فوق ثم قال لهم استقوا الان و قدموا الى رئيس المتكا فقدموا فلما ذاق رئيس المتكا الماء المتحول خمرا و لم يكن يعلم من اين هي لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا دعا رئيس المتكا العريس وقال له كل انسان انما يضع الخمر الجيدة اولا و متى سكروا فحينئذ الدون اما انت فقد ابقيت الخمر الجيدة الى الان (يوحنا 2-10:3).
كيف يقول يسوع لأمه العذراء مريم: ما لي و لك يا امراة؟ هل هكذا يتحدث الابن مع أمه؟ السيد المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة و العلم (كولوسي 3-2) هو الذي يعرف البعد الروحي لهذه الكلمة: عندما خلق الله حواء من ضلع آدم ماذا قال آدم: فقال ادم هذه الان عظم من عظامي و لحم من لحمي هذه تدعى امراة لانها من امرء اخذت (التكوين 2-23). إذا آدم سمى هذه البريئة المخلوقة توا امرأة. لكن بعد الخطية وإغواء الشيطان لهما وخروجهما من جنة عدن ماذا سماها آدم: و دعا ادم اسم امراته حواء لانها ام كل حي (التكوين 3-20). فالمسيح عاد بالمؤمنين إلى حالة البراءة الأولى وجعل العذراء الطاهرة أمنا والتي هي مثل أمنا حواء قبل الخطية. هذا هو البعد الروحي العميق الذي يتهم ربنا بسببه.
كيف يحول المسيح الماء إلى خمر وفي ذات الوقت ينهي أتباعه عنها؟ رغم أن وقت ظهوره لم يأت بعد لكن المسيح أطاع أمه بأن خلق خمرا من الماء كما خلق الرب الإله آدم من تراب. إن هذه الخمر هي الخمر الجيدة التي أباحتها المسيحية بدليل ان رئيس المتكأ استطاع أن يميزأنها أجود من الأولى، وخاصة أن حاسة التذوق هي أول الحواس التي تفقد الشعور بالسكر. إنها خمر الفرح. ولها نظير في جنة الإسلام (محمد 15).
رابعا: الخمر في سر التناول:
إذا كيف يتناول المسيحيون الخمر في الكنيسة؟ التناول هو سر مقدس به يتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه يتناوله المؤمنون للثبات في المسيح، ألم يقل الرب: أنا الكرمة الحقيقية (إنجيل يوحنا 15: 1)، وقال عن المؤمنين: أنتم الأغصان (يوحنا 15: 5)، فكما تسري عصارة الكرمة في الأغصان لتغذيها، هكذا اتخذ السيد المسيح عصير العنب ليشير إلى دمه المقدس الذي نتناوله فيسري في عروقنا ليقدسنا. إن كمية الخمر الممزوج بالماء التي يتناولها المؤمن لا يتعدى حجمها سنتيمترا مكعبا واحدا، ولذلك يتناول الرضيع دون خوف عليه من أية أضرار.
قال الحكيم: لا تنظر الى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقوقة (أي حين تبدو جذابة لك) في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان" (أمثال 23: 29 – 32). فمجرد النظر إلى الخمر باشتياق هو عمل خاطيء.
الخمر في الإسلام:
تحت عنوان (هل ثمة تحريم للخمر والنبيذ في الإسلام ؟) يقول الأستاذ على المقري (الحوار المتمدن العدد: 2028 بتاريخ 2007 / 9 / 4): لم يحدد النبي محمد في بداية نشر الاسلام موقفه من شرب الخمر، ففي الطور المكي الذي دام ثلاث عشرة سنة كان المسلمون يشربون كالمشركين واستمروا على ذلك بعد الهجرة سنوات تمتد بين الثلاث والثماني تبعاً لاختلاف الروايات.
وظل المسلمون المعتادون على شرب الخمر قبل الاسلام يشربونها ويتاجرون بها بعده ويصطحبونها في غزواتهم ومعاركهم، كما تورد كتب السير والمصادر، كما ان القرآن مدح في البداية مصادر الخمر: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ان في ذلك لآية لقوم يعقلون (النحل 67) كذلك أغرى القرآن المؤمنين بشراب خاص في الجنة. وبعدما سأل المسلمون النبي في المدينة المنورة عن الخمر جاءت الآية "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس.. واثمهما اكبر من نفعهما" (البقرة 219) فكانت هذه الآية، بياناً لنفع الخمر وضررها ولم تتضمّن اي حكم آخر. لهذا ترك الخمر قوم وشربها قوم. ثم حدث ان شرب جماعة من الصحابة عند عبد الرحمن بن عوف حتى ادركتهم الصلاة فأمهم احد الصحابة فقرأ "قل يا ايها الكافرون اعبد ما تعبدون. فحذف (لا)، فنهاهم القرآن عن الصلاة في حال السكر: يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون (النساء 43) وتعامل المسلمون مع هذه الآية كسابقاتها فترك الخمر بعضهم وشربها البعض الآخر في غير اوقات الصلاة. وكادت احداث بعد هذه الآية ناجمة عن السكر ان تؤدي الى متاعب سياسية كما ناح احد المسلمين على قتلى بدر، والعراك بين الأوس والخزرج الذي كاد يثير فتنة، وخلاف سعد بن ابي وقاص والانصار، هذه الوقائع وغيرها ادت الى قلق النبي ودفعت قادة المسلمين الى التفكير في ايجاد حلّ. فجاءت الآيتان اللتان تدعوان الى اجتناب شرب الخمر: يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون (المائدة 90 -91).
ورأى بعض الفقهاء ان ما جاء في الآيتين دليل على تحريم الاسلام للخمر، غير ان مفهوم التحريم، كما يقول الباحث هادي العلوي، لا يبدو مكتملاً بحسب نص الآيتين ويمكن ان يفهم قوله: فاجتنبوه لعلكم تفلحون على انه تحبيذ للامتناع عن شرب الخمر روعيت فيه الاعتبارات الشخصية للفرد. والمحرمات في القرآن ان تكون جازمة اذا اقترنت باحدى حالين: ان ينطق بلفظ التحريم صراحة كما في تحريم الدم والخنزير والميتة وزواج المحارم او ان يتضمن الفعل المحرّم عقوبة على مرتكبه، كما في عقوبة الزاني والسارق والقاتل، ولا يخلو ذلك من دلالة، لا سيما في ضوء السياق المتدرج الذي انتهى الى الأمر باجتناب الشرب مما يدل في ذاته الى التردد في التحريم.
وهناك آراء تختلف تماماً مع ما يقوله العلوي بل ان اصحابها يرفضون فكرة التردد هذه ويأتون بتأويلات وتفسيرات يرون فيها امر الاجتناب اشد من التحريم، فيما تضيف المصادر مؤكدة ان النبي لم يحدّ شارب الخمر، وقد شربها الجم الغفير في زمانه بعد نزول الآية التي تدعو الى الاجتناب.
والأهم مجيء آية تقول "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا" (المائدة 93) ثم آية ثانية، تقول "قل لا اجد في ما اوحي اليّ محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير" (الأنعام 145) وهي من أواخر الآيات التي جاءت في القرآن، مما يفيد بأن تسامحاً قد حصل بالنسبة الى الموقف من الخمر بعد الآية التي دعت الى اجتنابه او ان ظروفاً اجتماعية وسياسية خاصة بحياة المسلمين وعلاقتهم بغيرهم من اليهود والمسيحيين ادّت الى عدم التشديد في الدعوة الى اجتناب الخمر بل وعدم ادراجه بين الاطعمة المحرمة التي وردت في هذه الآية.(انتهى)
وتحت عنوان ـ بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 4 ) ـ بقول الأستاذ فيصل البيطار ـ الحوار المتمدن بتاريخ 2009 / 12 / 28 ـ ظلت الناس على عهدها في شرب الخمر، إن في زمن محمد أو في زمن خليفته الأول، وحتى شطر من خلافة إبن الخطاب، عمر هذا تميز عن باقي الصحابه بإمتلاكه فهما خاصا للمحمديات القرآنيه والحكواتيه، كان له تميزه في صلح الحديبيه ثم في توزيع الغنائم وفي المؤلفه قلوبهم وقطع يد السارق وصلاة التراويح وغيرها، وها هو يقدم هنا في قضية الخمرة فهما جديدا محكوما بنزواته لا بالنص القرآني ولا بأحاديث نبيه وبعد أن استشرى شربها ليس في أنحاء عاصمته فقط، بل وفي كافة أرجاء دولته، ما اجبر بعض من اصحابه واللاحقين من الفقهاء للهروله خلفه وهو الذي كاد أن يكون نبيا على حد زعمهم لو أن وحي الله لم ينزل على محمد، وهو الذي جاءت بعض الآيات مصداقا لأقواله المعارضه لمحمد، معتبرين الخمرة محرما دينيا بينما لم تكن كذلك حتى ذلك الحين. (انتهى)
ويعتمد من لا يحرم الخمر بطريقة قطعية على عدة عناصر:
منها أن القرآن لم يتضمن عقوبة على شرب الخمر، كذلك لم يرد أن الرسول عاقب شارب الخمر رغم أن الكثيرون قد شربها في زمانه بعد نزول آية الاجتناب. وقال الإمام علي بن ابي طالب: ان الرسول لم يسنن فيه شيئا، انما هو شيء قلناه نحن. وبمثل ذلك قال ابن عباس ان النبي لم يؤقت في الخمر حداً. ويؤكد ابن حزم امام مذهب الظاهرية عدم اقامة النبي الحدّ في شرب الخمر، معتبراً أن حد شارب الخمر مخالفة للقرآن والسنة ولو كان بالاجماع. أيضا لم ترد أحاديث نبوية يستفاد منها تشريع عقوبة محددة لشارب الخمر.
ومنها أيضا أحاديث شريفة عن شرب التبي للنبيذ بل والتوضأ بالخمر ومنها: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بَقِيَ شَىْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ . صحيح مسلم (5344).
حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا إبن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن إبن عباس عن عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله (ص) ليلة الجن فقال له النبي (ص) يا عبد الله أمعك ماء قال معي نبيذ في إداوة فقال اصبب علي فتوضأ قال فقال النبي (ص) يا عبد الله بن مسعود شراب وطهور. مسند أحمد – مسند المكثرين من الصحابة – مسند عبد الله بن مسعود – رقم الحديث: (3594)
حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر بن عبدالله قال كنا مع رسول الله فاستسقى فقال رجل يا رسول
الله ألا نسقيك نبيذاً فقال بلى قال فخرج الرجل بسعى فجاء بقدح فيه نبيذ فقال رسول الله ألا خمرته ولو تعرض
عليه عوداً قال فشرب . مسلم / ج: 6 ص: 105
أخبرنا زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال أنبأنا العوام عن عبد الملك بن نافع قال قال إبن عمر رأيت رجلا جاء إلى رسول الله (ص) بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه فوجده شديدا فرده على صاحبه فقال له رجل من القوم يا رسول الله أحرام هو فقال علي بالرجل فأتي به فأخذ منه القدح ثم دعا بماء فصبه فيه فرفعه إلى فيه فقطب ثم دعا بماء أيضا فصبه فيه ثم قال إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء. سنن النسائي – الأشربة – ذكر الأخبار التي أعتل بها من أباح شراب السكر- رقم الحديث (5599). وغيرها كثير من الأحاديث ذات الصلة.
وقد حكم محمد على من يستحل الخز والحرير والخمر والمعازف بالمسخ إلى قردة وخنازير، فإذا كانت هذه هي العقوبة فلا داعي لعقوبة أخرى: ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم ، فيأتيهم آت لحاجته ، فيقولون له : ارجع إلينا غدا ، فيبعثهم الله ويقع العلم عليهم ، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
ومنها عدم تحريم ابي حنيفة لبعض الأنبذة (وأبو حنيفة النعمان هو أحد أئمة الفقه الأربعة، و يتبع غالبية المصريين مذهبه). وفي هذا الصدد يقول الشيخ سيد سابق في كتابه (فقه السنة) المجلد الثاني: ولم يخالف في ذلك أحد – أي تحريم الخمر بجميع أنواعها – سوى فقهاء العراق, و إبراهيم النخعي, و سفيان الثوري, و ابن أبي ليلى, و شريك, و ابن شبرمة, و سائر فقهاء الكوفيين, و أكثر علماء البصريين, وأبي حنيفة، فإنهم قالوا بتحريم القليل والكثير من عصير العنب، أما ما كان من الأنبذة من غير العنب فإنه يحرم الكثير المسكر منه أما القليل الذي لا يسكر فإنه حلال، وهذا الرأي مخالف تمام المخالفة لما سبق من الأدلة (وهي الأدلة التي يذكرها فقهاء الحجاز).
قال ابن رشد في بداية المجتهد: يتمسك المذهب الحنفي وسائر فقهاء العراق بظاهر الآية: ومن ثمرات النخيل والأعناب منه سكراً ورزقاً حسناً. وبآثار رووها في هذا الباب، وبالقياس المعنوي. أما احتجاجهم بالآية فإنهم قالوا: السكر هو المسكر و لو كان محرم العين, لما سماه الله رزقاً حسناً. وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي, عن عبد الله بن شداد, عن ابن عباس, عن النبي (ص) قال: حرمت الخمر لعينها, والسكر من غيرها. قالوا هذا نص لا يحتمل التأويل, و ضعفه أهل الحجاز, لأن بعض رواته روى (والمسكر من غيرها). ومنها حديث شريك عن سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسوا الله (ص): إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية, فاشربوا فيما بدا لكم و لا تسكروا. وروي عن ابن مسعود أنه قال: شهدت تحريم الخمر كما شهدتم, ثم شهدت تحليله، فحفظت ونسيتم. وروي عن أبي موسى قال: بعثني رسول الله أنا ومعاذاً إلى اليمن فقلنا يا رسول الله: إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير: أحدهما يقال له المزر, والآخر يقال له البتع، فما نشرب؟ فقال: اشربا ولا تسكرا.
ومنها الإفتاء بجواز شرب الخمر الى الحد الذي لا يسكر من بعض المسكرات، وعدم إقامة الحد في البعض الآخر، يقول ابن حزم الأندلسي في المحلى: أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو عنده حلال، ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر، وإن سكر من شيء من ذلك فعليه الحد .وإن شرب نبيذ تين مسكر ، أو نقيع عسل مسكر، أو عصير تفاح مسكر، أو شراب قمح أو شعير أو ذرة مسكر، فسكر من كل ذلك أو لم يسكر، فلا حد في ذلك أصلا .
وبناء على ما تقدم، فإن الخمر التي تسبب السكر وغياب العقل، فهي ممنوعة ومحرمة في الديانات الإبراهيمية، أما تحريم المادة نفسها أو استخدامها في غير أغراض السكر، فلا دليل قطعي على تحريمه
منقول
أولا: الفرق بين الخمر والمسكر:
لم تحرم المسيحية الخمر كمادة تستخدم في الأدوية والمستشفيات، كذلك تستخدم الخمر في سر التناول بمواصفات معيتة وبعد مزجها بالماء كما سيتضح لاحقا. كما ترمز الخمر إلى الفرح. لكن الكتاب المقدس حرم المسكر وهو كل ما يذهب بالعقل ومنه بالتأكيد الخمر، وذلك إذا فقد الشخص إتزانه ولم يستطع السيطرة على تصرفاته، وجعل الكتاب المقدس المسكر مساويا لأكبر الخطايا الآثام والتي تحرم مقترفها من دخول ملكوت الله، إذ قال: لا تضلوا لا زناة و لا عبدة اوثان و لا فاسقون و لا مابونون و لا مضاجعو ذكور و لا سارقون و لا طماعون و لا سكيرون و لا شتامون و لا خاطفون يرثون ملكوت الله (1 كورنثوس 6-9:9).
تتضح التفرقة بين الخمر والمسكر من الآيات التالية:
و كلم الرب هرون قائلا خمرا و مسكرا لا تشرب انت و بنوك معك عند دخولكم الى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا فرضا دهريا في اجيالكم (لاويين 10-9:8).
فتراءى ملاك الرب للمراة وقال لها ها انت عاقر لم تلدي ولكنك تحبلين وتلدين ابنا والان فاحذري ولا تشربي خمرا ولا مسكرا و لا تاكلي شيئا نجسا (القضاة 13-4:2).
ليس للملوك يا لموئيل ليس للملوك ان يشربوا خمرا و لا للعظماء المسكر لئلا يشربوا و ينسوا المفروض و يغيروا حجة كل بني المذلة اعطوا مسكرا لهالك و خمرا لمري النفس يشرب و ينسى فقره و لا يذكر تعبه بعد (الأمثال 31-7:4).
لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس (لوقا 1-15).
فالخمر كمادة لم تحرم في المسيحية إذا أخذت لأي غرض خلاف السكر، فملكي صادق بارك ابراهيم الخليل أبو الأنبياء وأعطاه خبزا وخمرا: و ملكي صادق ملك شاليم اخرج خبزا و خمرا و كان كاهنا لله العلي و باركه و قال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات و الارض و مبارك الله العلي الذي اسلم اعداءك في يدك فاعطاه عشرا من كل شيء (تكوين 14-20:18). كذلك حذر الوحي الإلهي من السكر بالخمر الذي فيه الخلاعة: ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل إمتلئوا بالروح (أفسس 5: 18).
ثنيا: استخدام الخمر كدواء:
ذكر السيد المسيح في مثل السامري الصالح الذي وجد انساناً كان قد وقع بين ايدي اللصوص و جرحوه، فضمد جراحاته و صب عليها زيتاً و خمراً ("لوقا 34:10)
وقد أوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس بأن يشرب الخمر كعلاج من الاستسقاء فقال: لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك و أسقامك الكثيرة (تيموثاوس الاولى 5: 3). اذن فوصية بولس لتيموثاوس باستعمال الخمر للعلاج و ليس لمجرد التلذذ بشرب الخمر. أما عبارة (قليل منه يصلح المعدة) فليست من الوحي المعصوم
ثالثا: معجزة تحويل الماء إلى خمر:
ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر قال لها يسوع ما لي و لك يا امراة لم تات ساعتي بعد قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه و كانت ستة اجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين او ثلاثة قال لهم يسوع املاوا الاجران ماء فملاوها الى فوق ثم قال لهم استقوا الان و قدموا الى رئيس المتكا فقدموا فلما ذاق رئيس المتكا الماء المتحول خمرا و لم يكن يعلم من اين هي لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا دعا رئيس المتكا العريس وقال له كل انسان انما يضع الخمر الجيدة اولا و متى سكروا فحينئذ الدون اما انت فقد ابقيت الخمر الجيدة الى الان (يوحنا 2-10:3).
كيف يقول يسوع لأمه العذراء مريم: ما لي و لك يا امراة؟ هل هكذا يتحدث الابن مع أمه؟ السيد المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة و العلم (كولوسي 3-2) هو الذي يعرف البعد الروحي لهذه الكلمة: عندما خلق الله حواء من ضلع آدم ماذا قال آدم: فقال ادم هذه الان عظم من عظامي و لحم من لحمي هذه تدعى امراة لانها من امرء اخذت (التكوين 2-23). إذا آدم سمى هذه البريئة المخلوقة توا امرأة. لكن بعد الخطية وإغواء الشيطان لهما وخروجهما من جنة عدن ماذا سماها آدم: و دعا ادم اسم امراته حواء لانها ام كل حي (التكوين 3-20). فالمسيح عاد بالمؤمنين إلى حالة البراءة الأولى وجعل العذراء الطاهرة أمنا والتي هي مثل أمنا حواء قبل الخطية. هذا هو البعد الروحي العميق الذي يتهم ربنا بسببه.
كيف يحول المسيح الماء إلى خمر وفي ذات الوقت ينهي أتباعه عنها؟ رغم أن وقت ظهوره لم يأت بعد لكن المسيح أطاع أمه بأن خلق خمرا من الماء كما خلق الرب الإله آدم من تراب. إن هذه الخمر هي الخمر الجيدة التي أباحتها المسيحية بدليل ان رئيس المتكأ استطاع أن يميزأنها أجود من الأولى، وخاصة أن حاسة التذوق هي أول الحواس التي تفقد الشعور بالسكر. إنها خمر الفرح. ولها نظير في جنة الإسلام (محمد 15).
رابعا: الخمر في سر التناول:
إذا كيف يتناول المسيحيون الخمر في الكنيسة؟ التناول هو سر مقدس به يتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه يتناوله المؤمنون للثبات في المسيح، ألم يقل الرب: أنا الكرمة الحقيقية (إنجيل يوحنا 15: 1)، وقال عن المؤمنين: أنتم الأغصان (يوحنا 15: 5)، فكما تسري عصارة الكرمة في الأغصان لتغذيها، هكذا اتخذ السيد المسيح عصير العنب ليشير إلى دمه المقدس الذي نتناوله فيسري في عروقنا ليقدسنا. إن كمية الخمر الممزوج بالماء التي يتناولها المؤمن لا يتعدى حجمها سنتيمترا مكعبا واحدا، ولذلك يتناول الرضيع دون خوف عليه من أية أضرار.
قال الحكيم: لا تنظر الى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقوقة (أي حين تبدو جذابة لك) في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان" (أمثال 23: 29 – 32). فمجرد النظر إلى الخمر باشتياق هو عمل خاطيء.
الخمر في الإسلام:
تحت عنوان (هل ثمة تحريم للخمر والنبيذ في الإسلام ؟) يقول الأستاذ على المقري (الحوار المتمدن العدد: 2028 بتاريخ 2007 / 9 / 4): لم يحدد النبي محمد في بداية نشر الاسلام موقفه من شرب الخمر، ففي الطور المكي الذي دام ثلاث عشرة سنة كان المسلمون يشربون كالمشركين واستمروا على ذلك بعد الهجرة سنوات تمتد بين الثلاث والثماني تبعاً لاختلاف الروايات.
وظل المسلمون المعتادون على شرب الخمر قبل الاسلام يشربونها ويتاجرون بها بعده ويصطحبونها في غزواتهم ومعاركهم، كما تورد كتب السير والمصادر، كما ان القرآن مدح في البداية مصادر الخمر: ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ان في ذلك لآية لقوم يعقلون (النحل 67) كذلك أغرى القرآن المؤمنين بشراب خاص في الجنة. وبعدما سأل المسلمون النبي في المدينة المنورة عن الخمر جاءت الآية "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس.. واثمهما اكبر من نفعهما" (البقرة 219) فكانت هذه الآية، بياناً لنفع الخمر وضررها ولم تتضمّن اي حكم آخر. لهذا ترك الخمر قوم وشربها قوم. ثم حدث ان شرب جماعة من الصحابة عند عبد الرحمن بن عوف حتى ادركتهم الصلاة فأمهم احد الصحابة فقرأ "قل يا ايها الكافرون اعبد ما تعبدون. فحذف (لا)، فنهاهم القرآن عن الصلاة في حال السكر: يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون (النساء 43) وتعامل المسلمون مع هذه الآية كسابقاتها فترك الخمر بعضهم وشربها البعض الآخر في غير اوقات الصلاة. وكادت احداث بعد هذه الآية ناجمة عن السكر ان تؤدي الى متاعب سياسية كما ناح احد المسلمين على قتلى بدر، والعراك بين الأوس والخزرج الذي كاد يثير فتنة، وخلاف سعد بن ابي وقاص والانصار، هذه الوقائع وغيرها ادت الى قلق النبي ودفعت قادة المسلمين الى التفكير في ايجاد حلّ. فجاءت الآيتان اللتان تدعوان الى اجتناب شرب الخمر: يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون (المائدة 90 -91).
ورأى بعض الفقهاء ان ما جاء في الآيتين دليل على تحريم الاسلام للخمر، غير ان مفهوم التحريم، كما يقول الباحث هادي العلوي، لا يبدو مكتملاً بحسب نص الآيتين ويمكن ان يفهم قوله: فاجتنبوه لعلكم تفلحون على انه تحبيذ للامتناع عن شرب الخمر روعيت فيه الاعتبارات الشخصية للفرد. والمحرمات في القرآن ان تكون جازمة اذا اقترنت باحدى حالين: ان ينطق بلفظ التحريم صراحة كما في تحريم الدم والخنزير والميتة وزواج المحارم او ان يتضمن الفعل المحرّم عقوبة على مرتكبه، كما في عقوبة الزاني والسارق والقاتل، ولا يخلو ذلك من دلالة، لا سيما في ضوء السياق المتدرج الذي انتهى الى الأمر باجتناب الشرب مما يدل في ذاته الى التردد في التحريم.
وهناك آراء تختلف تماماً مع ما يقوله العلوي بل ان اصحابها يرفضون فكرة التردد هذه ويأتون بتأويلات وتفسيرات يرون فيها امر الاجتناب اشد من التحريم، فيما تضيف المصادر مؤكدة ان النبي لم يحدّ شارب الخمر، وقد شربها الجم الغفير في زمانه بعد نزول الآية التي تدعو الى الاجتناب.
والأهم مجيء آية تقول "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا" (المائدة 93) ثم آية ثانية، تقول "قل لا اجد في ما اوحي اليّ محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير" (الأنعام 145) وهي من أواخر الآيات التي جاءت في القرآن، مما يفيد بأن تسامحاً قد حصل بالنسبة الى الموقف من الخمر بعد الآية التي دعت الى اجتنابه او ان ظروفاً اجتماعية وسياسية خاصة بحياة المسلمين وعلاقتهم بغيرهم من اليهود والمسيحيين ادّت الى عدم التشديد في الدعوة الى اجتناب الخمر بل وعدم ادراجه بين الاطعمة المحرمة التي وردت في هذه الآية.(انتهى)
وتحت عنوان ـ بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 4 ) ـ بقول الأستاذ فيصل البيطار ـ الحوار المتمدن بتاريخ 2009 / 12 / 28 ـ ظلت الناس على عهدها في شرب الخمر، إن في زمن محمد أو في زمن خليفته الأول، وحتى شطر من خلافة إبن الخطاب، عمر هذا تميز عن باقي الصحابه بإمتلاكه فهما خاصا للمحمديات القرآنيه والحكواتيه، كان له تميزه في صلح الحديبيه ثم في توزيع الغنائم وفي المؤلفه قلوبهم وقطع يد السارق وصلاة التراويح وغيرها، وها هو يقدم هنا في قضية الخمرة فهما جديدا محكوما بنزواته لا بالنص القرآني ولا بأحاديث نبيه وبعد أن استشرى شربها ليس في أنحاء عاصمته فقط، بل وفي كافة أرجاء دولته، ما اجبر بعض من اصحابه واللاحقين من الفقهاء للهروله خلفه وهو الذي كاد أن يكون نبيا على حد زعمهم لو أن وحي الله لم ينزل على محمد، وهو الذي جاءت بعض الآيات مصداقا لأقواله المعارضه لمحمد، معتبرين الخمرة محرما دينيا بينما لم تكن كذلك حتى ذلك الحين. (انتهى)
ويعتمد من لا يحرم الخمر بطريقة قطعية على عدة عناصر:
منها أن القرآن لم يتضمن عقوبة على شرب الخمر، كذلك لم يرد أن الرسول عاقب شارب الخمر رغم أن الكثيرون قد شربها في زمانه بعد نزول آية الاجتناب. وقال الإمام علي بن ابي طالب: ان الرسول لم يسنن فيه شيئا، انما هو شيء قلناه نحن. وبمثل ذلك قال ابن عباس ان النبي لم يؤقت في الخمر حداً. ويؤكد ابن حزم امام مذهب الظاهرية عدم اقامة النبي الحدّ في شرب الخمر، معتبراً أن حد شارب الخمر مخالفة للقرآن والسنة ولو كان بالاجماع. أيضا لم ترد أحاديث نبوية يستفاد منها تشريع عقوبة محددة لشارب الخمر.
ومنها أيضا أحاديث شريفة عن شرب التبي للنبيذ بل والتوضأ بالخمر ومنها: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بَقِيَ شَىْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ . صحيح مسلم (5344).
حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا إبن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن إبن عباس عن عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله (ص) ليلة الجن فقال له النبي (ص) يا عبد الله أمعك ماء قال معي نبيذ في إداوة فقال اصبب علي فتوضأ قال فقال النبي (ص) يا عبد الله بن مسعود شراب وطهور. مسند أحمد – مسند المكثرين من الصحابة – مسند عبد الله بن مسعود – رقم الحديث: (3594)
حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر بن عبدالله قال كنا مع رسول الله فاستسقى فقال رجل يا رسول
الله ألا نسقيك نبيذاً فقال بلى قال فخرج الرجل بسعى فجاء بقدح فيه نبيذ فقال رسول الله ألا خمرته ولو تعرض
عليه عوداً قال فشرب . مسلم / ج: 6 ص: 105
أخبرنا زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال أنبأنا العوام عن عبد الملك بن نافع قال قال إبن عمر رأيت رجلا جاء إلى رسول الله (ص) بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه فوجده شديدا فرده على صاحبه فقال له رجل من القوم يا رسول الله أحرام هو فقال علي بالرجل فأتي به فأخذ منه القدح ثم دعا بماء فصبه فيه فرفعه إلى فيه فقطب ثم دعا بماء أيضا فصبه فيه ثم قال إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء. سنن النسائي – الأشربة – ذكر الأخبار التي أعتل بها من أباح شراب السكر- رقم الحديث (5599). وغيرها كثير من الأحاديث ذات الصلة.
وقد حكم محمد على من يستحل الخز والحرير والخمر والمعازف بالمسخ إلى قردة وخنازير، فإذا كانت هذه هي العقوبة فلا داعي لعقوبة أخرى: ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم ، فيأتيهم آت لحاجته ، فيقولون له : ارجع إلينا غدا ، فيبعثهم الله ويقع العلم عليهم ، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
ومنها عدم تحريم ابي حنيفة لبعض الأنبذة (وأبو حنيفة النعمان هو أحد أئمة الفقه الأربعة، و يتبع غالبية المصريين مذهبه). وفي هذا الصدد يقول الشيخ سيد سابق في كتابه (فقه السنة) المجلد الثاني: ولم يخالف في ذلك أحد – أي تحريم الخمر بجميع أنواعها – سوى فقهاء العراق, و إبراهيم النخعي, و سفيان الثوري, و ابن أبي ليلى, و شريك, و ابن شبرمة, و سائر فقهاء الكوفيين, و أكثر علماء البصريين, وأبي حنيفة، فإنهم قالوا بتحريم القليل والكثير من عصير العنب، أما ما كان من الأنبذة من غير العنب فإنه يحرم الكثير المسكر منه أما القليل الذي لا يسكر فإنه حلال، وهذا الرأي مخالف تمام المخالفة لما سبق من الأدلة (وهي الأدلة التي يذكرها فقهاء الحجاز).
قال ابن رشد في بداية المجتهد: يتمسك المذهب الحنفي وسائر فقهاء العراق بظاهر الآية: ومن ثمرات النخيل والأعناب منه سكراً ورزقاً حسناً. وبآثار رووها في هذا الباب، وبالقياس المعنوي. أما احتجاجهم بالآية فإنهم قالوا: السكر هو المسكر و لو كان محرم العين, لما سماه الله رزقاً حسناً. وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي, عن عبد الله بن شداد, عن ابن عباس, عن النبي (ص) قال: حرمت الخمر لعينها, والسكر من غيرها. قالوا هذا نص لا يحتمل التأويل, و ضعفه أهل الحجاز, لأن بعض رواته روى (والمسكر من غيرها). ومنها حديث شريك عن سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسوا الله (ص): إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية, فاشربوا فيما بدا لكم و لا تسكروا. وروي عن ابن مسعود أنه قال: شهدت تحريم الخمر كما شهدتم, ثم شهدت تحليله، فحفظت ونسيتم. وروي عن أبي موسى قال: بعثني رسول الله أنا ومعاذاً إلى اليمن فقلنا يا رسول الله: إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير: أحدهما يقال له المزر, والآخر يقال له البتع، فما نشرب؟ فقال: اشربا ولا تسكرا.
ومنها الإفتاء بجواز شرب الخمر الى الحد الذي لا يسكر من بعض المسكرات، وعدم إقامة الحد في البعض الآخر، يقول ابن حزم الأندلسي في المحلى: أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو عنده حلال، ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر، وإن سكر من شيء من ذلك فعليه الحد .وإن شرب نبيذ تين مسكر ، أو نقيع عسل مسكر، أو عصير تفاح مسكر، أو شراب قمح أو شعير أو ذرة مسكر، فسكر من كل ذلك أو لم يسكر، فلا حد في ذلك أصلا .
وبناء على ما تقدم، فإن الخمر التي تسبب السكر وغياب العقل، فهي ممنوعة ومحرمة في الديانات الإبراهيمية، أما تحريم المادة نفسها أو استخدامها في غير أغراض السكر، فلا دليل قطعي على تحريمه
منقول
Comment