المقامة المازوتية.....
حدثنا عيسى بن هشام قال : " فلما عدت إلى مدينة الياسمين والدلال , رأيت الناس
قانتين في أغرب حال , يستعملون في تنقلهم الحمير والبغال , وينقلون حطب التدفئة على الجمال .
سألت بعد عناء التفكير جمَّال : مالي أراكم إخوتي في أبأس حال ؟ فأجابني ودمع عينيه يملأ السِلال :
يا رعاك الله ألم تسمع عن قرارات الدردري , الذي فاقت أحكامه أحكام الأشعري ,وتصريحاته صبت علينا أمراض الضغط والسكري , فلا هجاء الفرزدق ثناه عنها ولا عتاب البحتري .
سألته وغصة الحلق عالقة في المري : ولكن لماذا حِمْلُ جملك كله" قناني "؟
أجابني : ملأتها بالمازوت الذي أبيعه للوجاهات والأعيانِ , بعد أن أذلهم دعم الحكومة مع الزمانِ , الذي لو عاد فيه نزار قباني , لقال :
حكومتي ترقص فاردة القدمين على جثماني
من أين أتيتِ وكيف حسبتِ وكيف عصفتِ بجزداني
قولي لي ماذا أفعل فيك أنا في حالة هيجان.
سهوت قليلا والأسى يسكن أغواري , والفضول لمعرفة ما جرى فاق اصطباري , فالناس حولي مذهولين على اختلاف الأعمارِ , هذا ينظر إلى الأرض وتلك تخفي آساها بالخمارِ.
وتقدمت أخترق جموع الأنام , كأن على رؤوسها الطير فلا كلام , وجلست بجانب فاضل غلفه الاحترام , وسألته:
مالكم قد ركِبكم الهم وساقكم الهيام ؟. فأجابني ودمع العين ينفر مترا إلى
الأمام :
أيها الغريب لقد أماطت الحكومة عن وجهها اللثام , وجعلتنا في حيص بيص نتراكض كالنعام , وجعلت ديارنا حثا بثا تتطاير كالغمام , ركنّا سياراتنا واستبدلناها بالأقدام , وبدل الجوال راجت لدينا رسائل الحمام , وبيوتنا هجرها الدفء وعلى الصحة السلام , وبتنا نخاف على صغارنا من السين واللام ( السل ) , قالوا من كان لديه دكان فهو رجل همام , ومن ملك بيتا فكأنما ملك الأهرام . فحكموا على دعمهم لنا قبل توزيعه بالإعدام . وربما العام القادم – إذا بقينا – ترانا على العظام , وعندها لن تفرق بين سعيد أو عصام .
تابعت مسيري بين الجموع يسكنني الاكتئاب , أرى في الوجوه وجوماً وقسمات عذاب , أتساءل هل يعقل بقرار أن نبني الخراب ؟ ونحول آمال الناس إلى هباء وتراب ؟ أيعقل أن تصم الحكومة أذانها عن الرجاء والعتاب؟ وتجعل من جنباتها صداً وأطناب ؟
وتذكرت في تلك اللحظة بيان الحكومة الفصيح , في إنشاء نظام معلومات صحيح , يؤمن للمواطن دخلاً مريح , يخلصه من عناء فاقته ليستريح , والحد من نهج البيروقراطية القبيح . ولكن كل ذلك ذهب أدراج الريح , فلم يكن بيانها سوى لنيل المديح , وفي الواقع تريد العودة بنا إلى بيوت الصفيح .
فيممت وجهي نحو مجلس الشعب يجللني السواد , مفطور الكبد ومجروح الفؤاد , أسأل أعضاء البرلمان , أاندهاش ما أصابكم أم جماد ؟ أنسيتم ما وعدتم الشعب به أم أصبح ذلك رماد ؟ فسكتم عن غياب المقرِر عنهم ورفعتم رايات الحداد ؟ ترى هل هذا كان أمل الناخب والمراد ؟ أم أنكم كسرتم الدف وأعلنتم الحياد ؟ ولقرارات الحكومة الحكيمة في دعم العباد , رفعتم عرفانكم وآثرتم الانقياد ؟ أيها النواب , اتقوا الله بنا وأعيدوا البسمة لوجوهنا والوداد , فما يعليكم مديح منافق ولا يخفضكم انتقاد , ولا تجعلونا وقودا لغاياتكم ولا عتاد , فما أبقى ولا وذر أخضرا ولا يابسا الجراد , فقد كدنا نكون كذلك أو نكاد .
ووصلت إلى داري الذي تركته قبل سنين , يشدني إلى جدرانه شوق وحنين , فكم عانيت في الغربة وكم مزقني الأنين . سألت بعد العناق أبي :
لم أسمع للجرس رنين .
فأجاب :
الكهرباء مكلفة يا بني وليس لي من معين , وتعلم أني لا أحب العمل المشين , ولو أصابني قهر وفقر وضنين .
ودفء المنزل يلزمه مازوت وكيروسين , وأنا لدعم الحكومة طائع ورهين , ولكنهم أغفلوا اسمي قالوا أني ماديا متين , دخلي ودخل أخويك فوق الخمس والعشرين , وتجاهلوا أني والله للناس مدين .
قتلني أبي بكلامه وتمنيت لو لم أخلق في الحياة , وعرفت لماذا رأيت النساء في الشوارع باكيات , فليس للمواطن من حل سوى تزوير البيانات , ليغتنم الدعم الكبير قبل الفوات , فليس بعد الذل والهوان إلا الممات .
حدثنا عيسى بن هشام قال : " فلما عدت إلى مدينة الياسمين والدلال , رأيت الناس
قانتين في أغرب حال , يستعملون في تنقلهم الحمير والبغال , وينقلون حطب التدفئة على الجمال .
سألت بعد عناء التفكير جمَّال : مالي أراكم إخوتي في أبأس حال ؟ فأجابني ودمع عينيه يملأ السِلال :
يا رعاك الله ألم تسمع عن قرارات الدردري , الذي فاقت أحكامه أحكام الأشعري ,وتصريحاته صبت علينا أمراض الضغط والسكري , فلا هجاء الفرزدق ثناه عنها ولا عتاب البحتري .
سألته وغصة الحلق عالقة في المري : ولكن لماذا حِمْلُ جملك كله" قناني "؟
أجابني : ملأتها بالمازوت الذي أبيعه للوجاهات والأعيانِ , بعد أن أذلهم دعم الحكومة مع الزمانِ , الذي لو عاد فيه نزار قباني , لقال :
حكومتي ترقص فاردة القدمين على جثماني
من أين أتيتِ وكيف حسبتِ وكيف عصفتِ بجزداني
قولي لي ماذا أفعل فيك أنا في حالة هيجان.
سهوت قليلا والأسى يسكن أغواري , والفضول لمعرفة ما جرى فاق اصطباري , فالناس حولي مذهولين على اختلاف الأعمارِ , هذا ينظر إلى الأرض وتلك تخفي آساها بالخمارِ.
وتقدمت أخترق جموع الأنام , كأن على رؤوسها الطير فلا كلام , وجلست بجانب فاضل غلفه الاحترام , وسألته:
مالكم قد ركِبكم الهم وساقكم الهيام ؟. فأجابني ودمع العين ينفر مترا إلى
الأمام :
أيها الغريب لقد أماطت الحكومة عن وجهها اللثام , وجعلتنا في حيص بيص نتراكض كالنعام , وجعلت ديارنا حثا بثا تتطاير كالغمام , ركنّا سياراتنا واستبدلناها بالأقدام , وبدل الجوال راجت لدينا رسائل الحمام , وبيوتنا هجرها الدفء وعلى الصحة السلام , وبتنا نخاف على صغارنا من السين واللام ( السل ) , قالوا من كان لديه دكان فهو رجل همام , ومن ملك بيتا فكأنما ملك الأهرام . فحكموا على دعمهم لنا قبل توزيعه بالإعدام . وربما العام القادم – إذا بقينا – ترانا على العظام , وعندها لن تفرق بين سعيد أو عصام .
تابعت مسيري بين الجموع يسكنني الاكتئاب , أرى في الوجوه وجوماً وقسمات عذاب , أتساءل هل يعقل بقرار أن نبني الخراب ؟ ونحول آمال الناس إلى هباء وتراب ؟ أيعقل أن تصم الحكومة أذانها عن الرجاء والعتاب؟ وتجعل من جنباتها صداً وأطناب ؟
وتذكرت في تلك اللحظة بيان الحكومة الفصيح , في إنشاء نظام معلومات صحيح , يؤمن للمواطن دخلاً مريح , يخلصه من عناء فاقته ليستريح , والحد من نهج البيروقراطية القبيح . ولكن كل ذلك ذهب أدراج الريح , فلم يكن بيانها سوى لنيل المديح , وفي الواقع تريد العودة بنا إلى بيوت الصفيح .
فيممت وجهي نحو مجلس الشعب يجللني السواد , مفطور الكبد ومجروح الفؤاد , أسأل أعضاء البرلمان , أاندهاش ما أصابكم أم جماد ؟ أنسيتم ما وعدتم الشعب به أم أصبح ذلك رماد ؟ فسكتم عن غياب المقرِر عنهم ورفعتم رايات الحداد ؟ ترى هل هذا كان أمل الناخب والمراد ؟ أم أنكم كسرتم الدف وأعلنتم الحياد ؟ ولقرارات الحكومة الحكيمة في دعم العباد , رفعتم عرفانكم وآثرتم الانقياد ؟ أيها النواب , اتقوا الله بنا وأعيدوا البسمة لوجوهنا والوداد , فما يعليكم مديح منافق ولا يخفضكم انتقاد , ولا تجعلونا وقودا لغاياتكم ولا عتاد , فما أبقى ولا وذر أخضرا ولا يابسا الجراد , فقد كدنا نكون كذلك أو نكاد .
ووصلت إلى داري الذي تركته قبل سنين , يشدني إلى جدرانه شوق وحنين , فكم عانيت في الغربة وكم مزقني الأنين . سألت بعد العناق أبي :
لم أسمع للجرس رنين .
فأجاب :
الكهرباء مكلفة يا بني وليس لي من معين , وتعلم أني لا أحب العمل المشين , ولو أصابني قهر وفقر وضنين .
ودفء المنزل يلزمه مازوت وكيروسين , وأنا لدعم الحكومة طائع ورهين , ولكنهم أغفلوا اسمي قالوا أني ماديا متين , دخلي ودخل أخويك فوق الخمس والعشرين , وتجاهلوا أني والله للناس مدين .
قتلني أبي بكلامه وتمنيت لو لم أخلق في الحياة , وعرفت لماذا رأيت النساء في الشوارع باكيات , فليس للمواطن من حل سوى تزوير البيانات , ليغتنم الدعم الكبير قبل الفوات , فليس بعد الذل والهوان إلا الممات .
Comment