صباح الخير !
أقولها لنفسي لحظة خروجي صباحاً إلى الشارع ، متجهة نحو موقف السرفيس الذي يقلني إلى كلية الآداب .. و عندما اقول لنفسي (صباح الخير) أقولها بصدق ، و أشعر بأهميتها ، لأن صباح الخير هذا ما يلبث أن يتحول إلى صباح آخر ، أو شيء آخر .. لا يشبه الصباح .
صباح الانتظار
أخرج في السابعة صباحاً ، لأوقف السرفيس الذي يقلني إلى محاضرة الساعة الثامنة ، و ما أجمل الانتظار على رصيف غص بشباب و صبايا ، بملابس ملونة ، و كتب ضخمة ، موبايلات و ملامح ما زالت مشرقة قبل أن تعكرها غيوم المدينة ،
تمر السرافيس معبأة ، محشوة ، مسرعة ، .. ان لم تكن معبأة نجد سائقيها يصرخون .. عالساحة بس .. مو رايح خيو .. عالساحة .. لا لا مو رايح عالآداب .. (الحمد لله ما في شوفير سرفيس بيقول عداد ونص)
العيون تحملق ، و الأقدام تتأهب ، و الرؤوس تمتد، البعض ييأس و ينفق مصروفه القليل على المعجزة الوطنية المسماة بـ (التكسي) ، و الآخرون ، و هم الكثر .. يؤثرون انتظار السرفيس .
صباح المطاحشة
ها هو يلوح من بعيد ، سرفيس فارغ تماماً ، يتقافز بفرح على زفت الشارع ، يأتينا بكل صخبه و ضجته و استعجاله و نزقه .. بين عجلات السرفيس و مطبات الشارع علاقة عشق مجنونة ، تذكر الجميع بأبطال قصص الحب التي شاهدوها مراراً .. من يراه يتذكر غرندايزر المنطلق ، و رامبو الجبار ، شمشون المنبطح أرضاً .. و غيرهم و غيرهم ..
يصل سرفيسنا الغالي إلينا ، هلموا فعانقوني ، نهرع جميعاً للدخول فيه ، لا يهم ان سبقت رؤوسنا أقدامنا ، و لايهم إن داست أقدامهم رؤوسنا ، و لا يهم ان تشابكت أقدامنا أو تصادمت رؤوسنا .. لا يهم ان نسي الشباب البريستيج القائل (السيدات أولاً) ... لا يهم أن تجلس الفتيات على الكرسي الجانبي أو المعاكس .. بينما الشباب (مستفردين) بالمقاعد النظامية .. لا يهم هذا كله ..إذ أننا قد حققنا حلمنا الأول في هذا الصباح الـ...جميل !
صباح الفضول
أفتح حقيبتي لإخراج الخمس ليرات ، و كوني جالسة في المقعد الجانبي .. أشعر بإحساس الأخوة و الزمالة الجامعية ، فانا جالسة في (حضن) زملائي الأعزاء .. و في موقع استراتيجي جداً .. أفتح الحقيبة لتدخل اليها عيون الموجودين جميعاً ، تشرئب الأعناق و تبحلق العيون ، لتحاول معرفة ما يكشفه السنتيمتر الوحيد المفتوح من سحاب حقيبتي .. (لعلهم يتوقعون عدة مكياج ، و موبايل من نوع نوكيا مليون وسبعميت ألف قاهر دمعة ، للاسف لا يعرفون ان تلك الفتاة التي تشبههم ظاهرياً لا تحمل في حقيبتها سوى رواية ما من الأدب اللاتيني ... و دفتر صغير .. و صورة صديق عزيز) ..
صباح الزعيق
أخرج السماعات من حقيبتي لأكمل محاولتي الفاشلة في الاحساس بالصباح .. و ما هو الصباح دون فيروز ؟؟ أسمع صوت فيروز لأغيب في عشقي لها ، (يا ريت .. انت و أنا بالبيت.. شي بيت أبعد بيت ..)
ياريت (يا صوت فيروز) انت وأنا بالبيت ... لكننا (يا صوت فيروز ) انت و أنا بالسرفيس !
مين ما دفع يا شباب ؟ الشب ورا دفع ولا لسا ؟ ما رجعتلك ؟؟ شلون ما رجعتلك ؟؟ عطيتني خمسين ؟؟
يقف السرفيس وقفته الأولى من اصل سبعمئة وقفة سيقفها لاحقاً ، ليعلن السائق و بإصرار أنه لن يتحرك ان لم يدفع له الجميع .. يتنازل البعض و يدفع ثمن وصوله إلى محاضرته .. يزمجر السائق و ينطلق بسرفيسه بكل قوة و نشاط .. و يدوي صوت المحرك في أذني .. لأحاول أن اتابع ما كنت أستمع إليه .. فيروزي الهادئة ..
صباح التضامن و الوحدة الوطنية
أتقصد أن أغيب في صوت فيروز ... و انجح في ذلك .. أغيب عن وعيي لوهلة .. لأجد نفسي فجأة ملقاة في حضن زميل ما ، نتيجة الوقوف المفاجئ لسرفيسنا المبجل .. أفيق من ذهولي لأفهم الأمر ... إنها فتاة .. جميلة و أنيقة ، يعني زميلة متل ما بيقولوا .. و عمو الشوفير ما بيهون عليه تتأخر البنت عن محاضرتها و يعود الزعيق من جديد :
(تفضلي آنسة تفضلي في محل .. فوتوا انتوا عالصدر ، خود عليك خيو خود عليك .. في محل يا آنسة )
الآنسة ما تزال تفكر .. الشوفير يرجوها باكياً لكن دون دموع لأن الدموع ستعيق تحديقه المتواصل بها ، و الشعب ينتظر .. تمد الآنسة رأسها مرات فتنظر الينا بشفقة و هي تفكر بالموضوع ... يطول انتظارنا لأن تحل قضيتنا الكبرى ، و أخيراً .. تقتنع الآنسة .. و يخرس الشوفير ..
صباح النظام
السرفيس منطلق .. السائق هائج .. الطلاب يتمايلون و يتصادمون بهجة و فرحاً .. تقترب الإشارة و نقف عندها .. يعني .. نعم .. مو تماماً عندها .. ربما .. احممم .. أمامها بقليل .. بخمسة أمتار أو أكثر .. آه .. أقل .. سائقونا لا يرون الإشارات .. خاصة الحمراء منها .. لا يرونها مطلقاً فيتجاوزونها .. لكن أثناء تجاوزها يفاجأون بعمو الشرطي .. عندها فقط تحدث الوقفة المفاجئة ..
تلك الوقفة هي الهدنة الوحيدة في صباحنا اللا منتهي ، عندها .. و فقط عندها .. أستطيع ان أستمع لما تغنيه فيروز بوضوح ..
صباح الكوميديا و خفة الدم
كثيراً ما يصدف ، ان اسمع (أثناء وجودي في السرفيس) الأصوات التالية ، منها ما هو عائد لي ، و منها ما هو عائد لمجتمع الشوفيرية ..
( سألتك حبيبي .. لوين رايحين .... وين رايح أبو محمد ... خلينا خلينا و تسبقنا السنين ... لك اش عم تسابق و الله لخليك تندم .. ؟؟ .... اذا كنا عطول .... هاهاهاهههههههاهاهاهاهاه .. التقينا عطول ... لك روح يلعن .... ليش منتلفت خايفين ..)
ألتفت خائفة إلى عمو الشوفير .. فأجده يناجي عمو الشوفير في السرفيس الآخر ..يعلو صوت الصراخ و الضحك .. و أسمع مع صوت فيروز قصة حياة جميع سائقي خط الدائري الشمالي .. أرى السائقين يتبادلان قناني الماء .. و الشتائم الودية .. و الضحكات اللطيفة .. و نحن .. نهتز و نرتج و ترتطم رؤوسنا بسقف السرفيس .. حيث ان عمو السائق مشغول بواجباته الاجتماعية .. و قد نسي وظيفة الـ (دركسيون) بين يديه ..
صباح الصمم
أحاول من خلال أكداس الزملاء أن أنظر إلى ما يمكن رؤيته من النافذة ، تلوح لي الكلية من بعيد ، فأصرخ (وأقسم أنني أصرخ) .. عالآداب لو سمحت ..
..
عندك إذا بتريد !
..تعلو الأصوات في السرفيس .. أصوات الشباب الرجولية ( عالآداااااااااااااااااااااااااااااااااااااب يا معلم ! )
..
عندك عندك نزل !
..
نزل خاي !
أنزل أخيراً .. انزل كيفما كان .. قفزاً .. قرفصة .. هرولة .. ركضاً إلى الكلية التي صارت بعيدة جداً عني .. و ما هم الكلية ما دام عمو الشوفير كان مشغولاً بأغنية (ناطر بنت المدرسة تررررررررم ..) ولم يسمعني أتوسل إليه باكية لينزلني أمام باب كليتي ؟
أمشي إلى الكلية .. مثواي الأخير – المؤقت في ذلك الصباح .. و ..
صباح الخير يا وطني !
أقولها لنفسي لحظة خروجي صباحاً إلى الشارع ، متجهة نحو موقف السرفيس الذي يقلني إلى كلية الآداب .. و عندما اقول لنفسي (صباح الخير) أقولها بصدق ، و أشعر بأهميتها ، لأن صباح الخير هذا ما يلبث أن يتحول إلى صباح آخر ، أو شيء آخر .. لا يشبه الصباح .
صباح الانتظار
أخرج في السابعة صباحاً ، لأوقف السرفيس الذي يقلني إلى محاضرة الساعة الثامنة ، و ما أجمل الانتظار على رصيف غص بشباب و صبايا ، بملابس ملونة ، و كتب ضخمة ، موبايلات و ملامح ما زالت مشرقة قبل أن تعكرها غيوم المدينة ،
تمر السرافيس معبأة ، محشوة ، مسرعة ، .. ان لم تكن معبأة نجد سائقيها يصرخون .. عالساحة بس .. مو رايح خيو .. عالساحة .. لا لا مو رايح عالآداب .. (الحمد لله ما في شوفير سرفيس بيقول عداد ونص)
العيون تحملق ، و الأقدام تتأهب ، و الرؤوس تمتد، البعض ييأس و ينفق مصروفه القليل على المعجزة الوطنية المسماة بـ (التكسي) ، و الآخرون ، و هم الكثر .. يؤثرون انتظار السرفيس .
صباح المطاحشة
ها هو يلوح من بعيد ، سرفيس فارغ تماماً ، يتقافز بفرح على زفت الشارع ، يأتينا بكل صخبه و ضجته و استعجاله و نزقه .. بين عجلات السرفيس و مطبات الشارع علاقة عشق مجنونة ، تذكر الجميع بأبطال قصص الحب التي شاهدوها مراراً .. من يراه يتذكر غرندايزر المنطلق ، و رامبو الجبار ، شمشون المنبطح أرضاً .. و غيرهم و غيرهم ..
يصل سرفيسنا الغالي إلينا ، هلموا فعانقوني ، نهرع جميعاً للدخول فيه ، لا يهم ان سبقت رؤوسنا أقدامنا ، و لايهم إن داست أقدامهم رؤوسنا ، و لا يهم ان تشابكت أقدامنا أو تصادمت رؤوسنا .. لا يهم ان نسي الشباب البريستيج القائل (السيدات أولاً) ... لا يهم أن تجلس الفتيات على الكرسي الجانبي أو المعاكس .. بينما الشباب (مستفردين) بالمقاعد النظامية .. لا يهم هذا كله ..إذ أننا قد حققنا حلمنا الأول في هذا الصباح الـ...جميل !
صباح الفضول
أفتح حقيبتي لإخراج الخمس ليرات ، و كوني جالسة في المقعد الجانبي .. أشعر بإحساس الأخوة و الزمالة الجامعية ، فانا جالسة في (حضن) زملائي الأعزاء .. و في موقع استراتيجي جداً .. أفتح الحقيبة لتدخل اليها عيون الموجودين جميعاً ، تشرئب الأعناق و تبحلق العيون ، لتحاول معرفة ما يكشفه السنتيمتر الوحيد المفتوح من سحاب حقيبتي .. (لعلهم يتوقعون عدة مكياج ، و موبايل من نوع نوكيا مليون وسبعميت ألف قاهر دمعة ، للاسف لا يعرفون ان تلك الفتاة التي تشبههم ظاهرياً لا تحمل في حقيبتها سوى رواية ما من الأدب اللاتيني ... و دفتر صغير .. و صورة صديق عزيز) ..
صباح الزعيق
أخرج السماعات من حقيبتي لأكمل محاولتي الفاشلة في الاحساس بالصباح .. و ما هو الصباح دون فيروز ؟؟ أسمع صوت فيروز لأغيب في عشقي لها ، (يا ريت .. انت و أنا بالبيت.. شي بيت أبعد بيت ..)
ياريت (يا صوت فيروز) انت وأنا بالبيت ... لكننا (يا صوت فيروز ) انت و أنا بالسرفيس !
مين ما دفع يا شباب ؟ الشب ورا دفع ولا لسا ؟ ما رجعتلك ؟؟ شلون ما رجعتلك ؟؟ عطيتني خمسين ؟؟
يقف السرفيس وقفته الأولى من اصل سبعمئة وقفة سيقفها لاحقاً ، ليعلن السائق و بإصرار أنه لن يتحرك ان لم يدفع له الجميع .. يتنازل البعض و يدفع ثمن وصوله إلى محاضرته .. يزمجر السائق و ينطلق بسرفيسه بكل قوة و نشاط .. و يدوي صوت المحرك في أذني .. لأحاول أن اتابع ما كنت أستمع إليه .. فيروزي الهادئة ..
صباح التضامن و الوحدة الوطنية
أتقصد أن أغيب في صوت فيروز ... و انجح في ذلك .. أغيب عن وعيي لوهلة .. لأجد نفسي فجأة ملقاة في حضن زميل ما ، نتيجة الوقوف المفاجئ لسرفيسنا المبجل .. أفيق من ذهولي لأفهم الأمر ... إنها فتاة .. جميلة و أنيقة ، يعني زميلة متل ما بيقولوا .. و عمو الشوفير ما بيهون عليه تتأخر البنت عن محاضرتها و يعود الزعيق من جديد :
(تفضلي آنسة تفضلي في محل .. فوتوا انتوا عالصدر ، خود عليك خيو خود عليك .. في محل يا آنسة )
الآنسة ما تزال تفكر .. الشوفير يرجوها باكياً لكن دون دموع لأن الدموع ستعيق تحديقه المتواصل بها ، و الشعب ينتظر .. تمد الآنسة رأسها مرات فتنظر الينا بشفقة و هي تفكر بالموضوع ... يطول انتظارنا لأن تحل قضيتنا الكبرى ، و أخيراً .. تقتنع الآنسة .. و يخرس الشوفير ..
صباح النظام
السرفيس منطلق .. السائق هائج .. الطلاب يتمايلون و يتصادمون بهجة و فرحاً .. تقترب الإشارة و نقف عندها .. يعني .. نعم .. مو تماماً عندها .. ربما .. احممم .. أمامها بقليل .. بخمسة أمتار أو أكثر .. آه .. أقل .. سائقونا لا يرون الإشارات .. خاصة الحمراء منها .. لا يرونها مطلقاً فيتجاوزونها .. لكن أثناء تجاوزها يفاجأون بعمو الشرطي .. عندها فقط تحدث الوقفة المفاجئة ..
تلك الوقفة هي الهدنة الوحيدة في صباحنا اللا منتهي ، عندها .. و فقط عندها .. أستطيع ان أستمع لما تغنيه فيروز بوضوح ..
صباح الكوميديا و خفة الدم
كثيراً ما يصدف ، ان اسمع (أثناء وجودي في السرفيس) الأصوات التالية ، منها ما هو عائد لي ، و منها ما هو عائد لمجتمع الشوفيرية ..
( سألتك حبيبي .. لوين رايحين .... وين رايح أبو محمد ... خلينا خلينا و تسبقنا السنين ... لك اش عم تسابق و الله لخليك تندم .. ؟؟ .... اذا كنا عطول .... هاهاهاهههههههاهاهاهاهاه .. التقينا عطول ... لك روح يلعن .... ليش منتلفت خايفين ..)
ألتفت خائفة إلى عمو الشوفير .. فأجده يناجي عمو الشوفير في السرفيس الآخر ..يعلو صوت الصراخ و الضحك .. و أسمع مع صوت فيروز قصة حياة جميع سائقي خط الدائري الشمالي .. أرى السائقين يتبادلان قناني الماء .. و الشتائم الودية .. و الضحكات اللطيفة .. و نحن .. نهتز و نرتج و ترتطم رؤوسنا بسقف السرفيس .. حيث ان عمو السائق مشغول بواجباته الاجتماعية .. و قد نسي وظيفة الـ (دركسيون) بين يديه ..
صباح الصمم
أحاول من خلال أكداس الزملاء أن أنظر إلى ما يمكن رؤيته من النافذة ، تلوح لي الكلية من بعيد ، فأصرخ (وأقسم أنني أصرخ) .. عالآداب لو سمحت ..
..
عندك إذا بتريد !
..تعلو الأصوات في السرفيس .. أصوات الشباب الرجولية ( عالآداااااااااااااااااااااااااااااااااااااب يا معلم ! )
..
عندك عندك نزل !
..
نزل خاي !
أنزل أخيراً .. انزل كيفما كان .. قفزاً .. قرفصة .. هرولة .. ركضاً إلى الكلية التي صارت بعيدة جداً عني .. و ما هم الكلية ما دام عمو الشوفير كان مشغولاً بأغنية (ناطر بنت المدرسة تررررررررم ..) ولم يسمعني أتوسل إليه باكية لينزلني أمام باب كليتي ؟
أمشي إلى الكلية .. مثواي الأخير – المؤقت في ذلك الصباح .. و ..
صباح الخير يا وطني !
Comment