حضرة معالي الوزير المحترم
بدايةً دعني أقدَم اعتذاري عن أسلوبي الذي قد يكون دون المستوى في مخاطبتكم .
بما أنني طالبة في الصف الخامس الابتدائي ، و كما تعلم يا سيدي فالتعليم في مدارسنا بدأ يفقد احترامه و مصداقيته منذ فترة طويله ، مع أنه ما زال يوجد البعضُ من المعلَمين و المعلَمات ممنْ يعتبرون مهنة التعليم واجبٌ قدسي ، فيقدمون لنا ما استطاعوا من العلم ، و مع التحفظ أيضاً على تلك الحالة النفسية التي أعانيها عندما أجلس مع صديقاتي اللواتي يرتدن المدارس الخاصة ، و اللواتي ينتمين إلى أسرٍ قادرةٍ على تلبية احتياجاتهم المدرسية من أقساطٍ باهظة ، و إشباع رغبات طفولتهم بمختلف أشكال الرفاهية بالإضافة إلى جرعات التعليم النمطية و المركزة .
اسمي ( بسمة ) ، و أبلغُ من العمر عشر سنوات ، منذ أيامٍ اجتمعتُ مع إخوتي في غرفة الجلوس لنْ أصفها لك يا معالي الوزير لأنَ بيتنا عبارة عن غرفتين فقط - و أنا أعلمُ أنَ وقتكم ثمين و بالكاد تقرؤون عناوين الكتب الواردة إليكم و اسم الموَقع دون قراءة المضمون فذلك يكفيكم لأن توافقوا أم لا - هي بالكاد تصلح لأن تكون غرفةً توضعُ فيها أدوات رجُلٍ يعملُ في صيانة الحدائق بمنزل شخصٍ غني ، كنَا ننتظرُ أبي بفارغ الصبر - في بيتنا لا يوجد ما يؤكل - و للأمانة يا سيدي نُمضي في كل يومٍ السَاعات من وقتنا و نحنُ نعاني الجوع بشتى أنواعه و أشكاله ، المهم أنهُ في نهاية المطاف أتى أبي يحمل لنا كيساً أسود اللون فيه الرخيصُ من الطعام مع الخبز، علما بأن معاليكم و في أحد القرارات حظرتم وضع الأطعمة في الأكياس السوداء ، إلا أنَ أبي أخبرني أنهم يستخدمونها للفقراء تناسباً مع حظوظهم و أوضاعهم ، المهم أننا تقاسمنا الطعام كإرثٍ ثمينْ لكلٍ نصيبه حسب الشريعة .
اليوم يا سيدي وصل أبي على غيرِ عادته متأخراً ، أخي الرضيع يعاني المرضْ ، فهو لا يتناول الحليب لغلاء ثمنه و طبيب المستوصف قال لأمي أنه بحاجة للكلس و أمي سامحها الله ، يوم توفيت أختي حزنت كثيراً و فجأةً امتنعتْ عن إرضاع أخي الصغير لأنهم يقولون أن حليب الأم يؤذي الرضيع فيما لو تعرضت الأم لخوفٍ أو حزن ، و مع أنَها أرضعتنا كلَنا و هي خائفة من ظلام المستقبل ، إلا أننا و الحمد لله لم نصبْ بفقرِ كلس ، لكن وفاة أختي سبَبتْ لها حزناً شديداً ، اعذرني يا معالي الوزير فأنا لم أخبرك عن أختي .
كان لي أختٌ بعمرِ الوردْ كنتُ أنا في السابعةِ و هي في العاشرة - لنْ أطيل أيضاً يا سيدي ، لأنني أعلم أنكم عندما تجلسون إلى كرسيكم الذي يدور بكافة الاتجاهات تعطون ظهركم للفقراء ووجهكم للمتملقين ، ناسين أو متناسين من المذنب و من الذي يستحق كرمكم - و نعيش في محافظة نسبة التلوث فيها تضاهي نسبة التلوث الموجودة في نفوس أكبر المرتشين ممن يعملون في دوائر الدولة و المتمتعين بجيوب مثقوبة أسوة بغلاف الأوزون ، و نستنشق هواءً مشبعاً بنواتج النفط لوجود مصفاة و معامل كيميائية ملاصقة للمدينة ، لكننا نحظى دائما بتهنئة على الإنتاجية المرتفعة في تكرير النفط و إنتاج السماد و خلافه ، أصابها صداعٌ شديدْ دفع أبي لأن يقترض بعض النقود لإجراء فحوصات متقدمة لها ، ومعاليكم يعلم كيف يُعاملُ الفقراء في المشافي العامة والخاصة كنعاجٍ على باب المسلخ ، و للأسف كانت النتيجة سرطان في المخ ، لمْ أر أبي يوماً و هو يكذب أو يبكي لكن يومها بكى بشدة و بدأ بتأليف قصص كاذبة ما أنزل الله بها من سلطان ، يومها قال لنا ستتحول أختكم إلى طائر في السماء مددت رأسي حينها من النافذة و رحت أبحث عن سربٍ ينتظرها فلمْ أجده ، و بعدها بقليل قال لنا أنَ الله سبحانه و تعالى أرسل في طلبها على عجلْ فأغمضت عيناي و دعوتُ الله أنْ يتركها بيننا ، و ذات مرة قال لنا أنَها أخبرته سراً بأنَها لا ترغبُ بالعيش معنا و أنَها ستنتقل إلى بيتٍ في مكانٍ آمنْ حيث لا تلوث و لا نفاق و لا وعود واهية ، هناك في الجنَة ستستطيع تناول كل أنواع الفواكه دون أن تدفع قيمتها ، و تشرب مما لذ و طاب و تعيش في عدل السماء حيث لا كذب و لا رياء و لا تسويف ، قلت له يا أبي أستحلفك بالله أن تدعني أذهب معها ، يومها ضمني إلى صدره و بكى أحسستُ حينها أنَ ضلوعي على وشك أنْ تتكسر ، لمْ أصدقه فهل تصدق أنت أنه يوجد مكان يأكل الناس فيه الفواكه مجانا ؟؟؟
سيدي معالي الوزير قالت لي صديقتي في المدرسة أنَها تأكلُ دائماً في فصلِ الشتاء فاكهةً اسمها ( الكرمنتينا ) ، فذهبت إلى أمي أسألها من أي دولة يستوردون (الكرمنتينا ) فقالت لي أنها من نتاج بلدنا و أننا بدأنا بزراعتها بعد انقراض ( اليوسف أفندي ) و اندحار الإقطاع و الأفندية من وطننا و بزوغ فجر الحق ، فقلتُ لها يا أمي أمرُنا غريب كيف ننتج أشياء لا نستطيع أكلها بينما ينعمون الآخرون في باقي الدول بما ينتجونه .
سأكملُ لك يا سيدي ، كلَنا يعلم أنَ أبي لا يمتلك مالاً لعلاج أختي ، و نعلمُ أيضاً أنَ مرضى السرطان في مشافي الدولة يعانون من تجارة واحتكار علاجاتهم , و يصبحُ المريض وذووه مكرهاً بالجلوس على مقصلة الواسطة و المحسوبية ، للحصول على جرعة دواء قد تطيل في عمره أياماً لا أكثر ، و بما أن أبي كان فقيراً مُعدماً فلا قريب لنا ذو شأن و لا صديق لنا في منصب ، و صارتْ حظوظُ أختي من الدواء لا تتجاوز حظوظنا من منحة التدفئة .
ذات ليلة أفقت في منتصفها ، فرأيتُ أبي يرفع يديه للسماء يدعو أن يأخذ الله من عمره و يمدَ بعمرِ أختي ، حينها فقط علمت أنَ أجلها قد أوشك على الانتهاء ، صدقني يا سيدي تمنيتُ أنْ أصرخ بأعلى صوتي في وجه أبي و أقول له أنت كاذب ، كيف قلت لنا أنها ستأكل الفواكه و اللحوم و تشرب العصائر مجانا ؟ ، و أنها ستكون في مكان دافئ دون حساب أو قسائم ؟
لكنَه رآني في الظلام فأمسكني ، قال لي :
ماذا تفعلين في منتصف الليل ؟
كنت أراقبك يا أبي فأنين أختي جعلني قلقة و لمْ استطعْ النوم ، لماذا تكذب علينا يا أبي ؟ ، وضع يده على فمي و أجهش بالبكاء .
قال لي : يا ابنتي أختك ستموت لا محالة لكنها لا تعلم ، فدعيها تمضي للدَار الآخرة في سكون .
بعد أيام توفيت أختي ، لكني امتنعت من أن أودعها ، آثرت ألا أراها ترتدي ذاك الثوب الأبيض و هي في عمر الورد ، بينما تتمنى معظم الفتيات اللواتي يقطنَ في حيَنا ممنْ فاتهم قطار الزواج أنْ يلبسنه بسبب الغلاءِ القابعِ خلف ظهوركم يا سيدي ، مرَتْ جنازتها إلى المقبرة بلمحِ البصر ، النعش محمول على الأكتاف لا سيارات فاخرة كتلك التي تركبونها و لا همْ يحزنون ، و أنا لا أزال أحتفظ بورقة نعوتها لأني أعتبرها مقررا دراسيا استوجبتم علي دراسته .
تحولنا يا سيدي بعد وفاتها إلى حلقةٍ من الحنان نتذكر كلماتها و حروفها ، هل تذوقت يا سيدي مرارة ثلاثة بواحد الفقر و المرض و الموت بآن واحد أبعدهم الله عن معاليكم ، و الآن بعد مرور ثلاث سنوات اعتدنا أن نستمد الدفىء من حرارة دموعنا، تخيل يا سيدي مرَ علينا شهران من فصل الشتاء بلمح البصر نحلم بوعودكم ، فهل يمضي عمرنا أيضا بلمح البصر في ظل شحِ كرمكم علينا بالدفىء و الخير .
اسمح لي يا سيدي أن أقول لكم أنني في كل يوم أذهب به إلى المدرسة ، أنظر إلى صورة السيد الرئيس بشار الأسد حفظه الله ، أرى خلفه فجراً ضياؤه لا يزول ، و في بعض الأحيان أرى صور السيدة أسماء حماها الله تعانق الأطفال الأيتام فأحس بقلبي ينبض آلاف المرات في الثانية الواحدة ، فمتى يستطيع معاليكم أن تتعلم منهم ما يكفيكم لأن تديروا كرسيكم و تجعلونا نحن الفقراء بمواجهتكم و بأولوياتكم لا خلف ظهوركم ؟
منذ أيام قرأت إعلاناً في الشارع يقول : مؤسسة الكهرباء تنصح المواطنين بعدم استخدام الكهرباء في التدفئة كيلا يتعرضون لفاتورة عالية القيمة , والتدفئة بالمازوت كما تعلم صارت من المستحيلات الألف فهل تودون القضاءَ علينا بسرطان الفقر ؟
اعذرني يا سيدي إن أطلتْ أو تطاولتْ لكني سمعتُ أنَ أحد الوزراء في (( موزامبيق )) قدَم استقالته لأنه تسبب بوفاةِ طفلٍ في قرارٍ غير صائبْ !! ،
فماذا عنكم يا سيدي ؟ هل أنعي طفولتي في أدراج مكاتبكم ؟ .
أستودعك الله و شكراً
بدايةً دعني أقدَم اعتذاري عن أسلوبي الذي قد يكون دون المستوى في مخاطبتكم .
بما أنني طالبة في الصف الخامس الابتدائي ، و كما تعلم يا سيدي فالتعليم في مدارسنا بدأ يفقد احترامه و مصداقيته منذ فترة طويله ، مع أنه ما زال يوجد البعضُ من المعلَمين و المعلَمات ممنْ يعتبرون مهنة التعليم واجبٌ قدسي ، فيقدمون لنا ما استطاعوا من العلم ، و مع التحفظ أيضاً على تلك الحالة النفسية التي أعانيها عندما أجلس مع صديقاتي اللواتي يرتدن المدارس الخاصة ، و اللواتي ينتمين إلى أسرٍ قادرةٍ على تلبية احتياجاتهم المدرسية من أقساطٍ باهظة ، و إشباع رغبات طفولتهم بمختلف أشكال الرفاهية بالإضافة إلى جرعات التعليم النمطية و المركزة .
اسمي ( بسمة ) ، و أبلغُ من العمر عشر سنوات ، منذ أيامٍ اجتمعتُ مع إخوتي في غرفة الجلوس لنْ أصفها لك يا معالي الوزير لأنَ بيتنا عبارة عن غرفتين فقط - و أنا أعلمُ أنَ وقتكم ثمين و بالكاد تقرؤون عناوين الكتب الواردة إليكم و اسم الموَقع دون قراءة المضمون فذلك يكفيكم لأن توافقوا أم لا - هي بالكاد تصلح لأن تكون غرفةً توضعُ فيها أدوات رجُلٍ يعملُ في صيانة الحدائق بمنزل شخصٍ غني ، كنَا ننتظرُ أبي بفارغ الصبر - في بيتنا لا يوجد ما يؤكل - و للأمانة يا سيدي نُمضي في كل يومٍ السَاعات من وقتنا و نحنُ نعاني الجوع بشتى أنواعه و أشكاله ، المهم أنهُ في نهاية المطاف أتى أبي يحمل لنا كيساً أسود اللون فيه الرخيصُ من الطعام مع الخبز، علما بأن معاليكم و في أحد القرارات حظرتم وضع الأطعمة في الأكياس السوداء ، إلا أنَ أبي أخبرني أنهم يستخدمونها للفقراء تناسباً مع حظوظهم و أوضاعهم ، المهم أننا تقاسمنا الطعام كإرثٍ ثمينْ لكلٍ نصيبه حسب الشريعة .
اليوم يا سيدي وصل أبي على غيرِ عادته متأخراً ، أخي الرضيع يعاني المرضْ ، فهو لا يتناول الحليب لغلاء ثمنه و طبيب المستوصف قال لأمي أنه بحاجة للكلس و أمي سامحها الله ، يوم توفيت أختي حزنت كثيراً و فجأةً امتنعتْ عن إرضاع أخي الصغير لأنهم يقولون أن حليب الأم يؤذي الرضيع فيما لو تعرضت الأم لخوفٍ أو حزن ، و مع أنَها أرضعتنا كلَنا و هي خائفة من ظلام المستقبل ، إلا أننا و الحمد لله لم نصبْ بفقرِ كلس ، لكن وفاة أختي سبَبتْ لها حزناً شديداً ، اعذرني يا معالي الوزير فأنا لم أخبرك عن أختي .
كان لي أختٌ بعمرِ الوردْ كنتُ أنا في السابعةِ و هي في العاشرة - لنْ أطيل أيضاً يا سيدي ، لأنني أعلم أنكم عندما تجلسون إلى كرسيكم الذي يدور بكافة الاتجاهات تعطون ظهركم للفقراء ووجهكم للمتملقين ، ناسين أو متناسين من المذنب و من الذي يستحق كرمكم - و نعيش في محافظة نسبة التلوث فيها تضاهي نسبة التلوث الموجودة في نفوس أكبر المرتشين ممن يعملون في دوائر الدولة و المتمتعين بجيوب مثقوبة أسوة بغلاف الأوزون ، و نستنشق هواءً مشبعاً بنواتج النفط لوجود مصفاة و معامل كيميائية ملاصقة للمدينة ، لكننا نحظى دائما بتهنئة على الإنتاجية المرتفعة في تكرير النفط و إنتاج السماد و خلافه ، أصابها صداعٌ شديدْ دفع أبي لأن يقترض بعض النقود لإجراء فحوصات متقدمة لها ، ومعاليكم يعلم كيف يُعاملُ الفقراء في المشافي العامة والخاصة كنعاجٍ على باب المسلخ ، و للأسف كانت النتيجة سرطان في المخ ، لمْ أر أبي يوماً و هو يكذب أو يبكي لكن يومها بكى بشدة و بدأ بتأليف قصص كاذبة ما أنزل الله بها من سلطان ، يومها قال لنا ستتحول أختكم إلى طائر في السماء مددت رأسي حينها من النافذة و رحت أبحث عن سربٍ ينتظرها فلمْ أجده ، و بعدها بقليل قال لنا أنَ الله سبحانه و تعالى أرسل في طلبها على عجلْ فأغمضت عيناي و دعوتُ الله أنْ يتركها بيننا ، و ذات مرة قال لنا أنَها أخبرته سراً بأنَها لا ترغبُ بالعيش معنا و أنَها ستنتقل إلى بيتٍ في مكانٍ آمنْ حيث لا تلوث و لا نفاق و لا وعود واهية ، هناك في الجنَة ستستطيع تناول كل أنواع الفواكه دون أن تدفع قيمتها ، و تشرب مما لذ و طاب و تعيش في عدل السماء حيث لا كذب و لا رياء و لا تسويف ، قلت له يا أبي أستحلفك بالله أن تدعني أذهب معها ، يومها ضمني إلى صدره و بكى أحسستُ حينها أنَ ضلوعي على وشك أنْ تتكسر ، لمْ أصدقه فهل تصدق أنت أنه يوجد مكان يأكل الناس فيه الفواكه مجانا ؟؟؟
سيدي معالي الوزير قالت لي صديقتي في المدرسة أنَها تأكلُ دائماً في فصلِ الشتاء فاكهةً اسمها ( الكرمنتينا ) ، فذهبت إلى أمي أسألها من أي دولة يستوردون (الكرمنتينا ) فقالت لي أنها من نتاج بلدنا و أننا بدأنا بزراعتها بعد انقراض ( اليوسف أفندي ) و اندحار الإقطاع و الأفندية من وطننا و بزوغ فجر الحق ، فقلتُ لها يا أمي أمرُنا غريب كيف ننتج أشياء لا نستطيع أكلها بينما ينعمون الآخرون في باقي الدول بما ينتجونه .
سأكملُ لك يا سيدي ، كلَنا يعلم أنَ أبي لا يمتلك مالاً لعلاج أختي ، و نعلمُ أيضاً أنَ مرضى السرطان في مشافي الدولة يعانون من تجارة واحتكار علاجاتهم , و يصبحُ المريض وذووه مكرهاً بالجلوس على مقصلة الواسطة و المحسوبية ، للحصول على جرعة دواء قد تطيل في عمره أياماً لا أكثر ، و بما أن أبي كان فقيراً مُعدماً فلا قريب لنا ذو شأن و لا صديق لنا في منصب ، و صارتْ حظوظُ أختي من الدواء لا تتجاوز حظوظنا من منحة التدفئة .
ذات ليلة أفقت في منتصفها ، فرأيتُ أبي يرفع يديه للسماء يدعو أن يأخذ الله من عمره و يمدَ بعمرِ أختي ، حينها فقط علمت أنَ أجلها قد أوشك على الانتهاء ، صدقني يا سيدي تمنيتُ أنْ أصرخ بأعلى صوتي في وجه أبي و أقول له أنت كاذب ، كيف قلت لنا أنها ستأكل الفواكه و اللحوم و تشرب العصائر مجانا ؟ ، و أنها ستكون في مكان دافئ دون حساب أو قسائم ؟
لكنَه رآني في الظلام فأمسكني ، قال لي :
ماذا تفعلين في منتصف الليل ؟
كنت أراقبك يا أبي فأنين أختي جعلني قلقة و لمْ استطعْ النوم ، لماذا تكذب علينا يا أبي ؟ ، وضع يده على فمي و أجهش بالبكاء .
قال لي : يا ابنتي أختك ستموت لا محالة لكنها لا تعلم ، فدعيها تمضي للدَار الآخرة في سكون .
بعد أيام توفيت أختي ، لكني امتنعت من أن أودعها ، آثرت ألا أراها ترتدي ذاك الثوب الأبيض و هي في عمر الورد ، بينما تتمنى معظم الفتيات اللواتي يقطنَ في حيَنا ممنْ فاتهم قطار الزواج أنْ يلبسنه بسبب الغلاءِ القابعِ خلف ظهوركم يا سيدي ، مرَتْ جنازتها إلى المقبرة بلمحِ البصر ، النعش محمول على الأكتاف لا سيارات فاخرة كتلك التي تركبونها و لا همْ يحزنون ، و أنا لا أزال أحتفظ بورقة نعوتها لأني أعتبرها مقررا دراسيا استوجبتم علي دراسته .
تحولنا يا سيدي بعد وفاتها إلى حلقةٍ من الحنان نتذكر كلماتها و حروفها ، هل تذوقت يا سيدي مرارة ثلاثة بواحد الفقر و المرض و الموت بآن واحد أبعدهم الله عن معاليكم ، و الآن بعد مرور ثلاث سنوات اعتدنا أن نستمد الدفىء من حرارة دموعنا، تخيل يا سيدي مرَ علينا شهران من فصل الشتاء بلمح البصر نحلم بوعودكم ، فهل يمضي عمرنا أيضا بلمح البصر في ظل شحِ كرمكم علينا بالدفىء و الخير .
اسمح لي يا سيدي أن أقول لكم أنني في كل يوم أذهب به إلى المدرسة ، أنظر إلى صورة السيد الرئيس بشار الأسد حفظه الله ، أرى خلفه فجراً ضياؤه لا يزول ، و في بعض الأحيان أرى صور السيدة أسماء حماها الله تعانق الأطفال الأيتام فأحس بقلبي ينبض آلاف المرات في الثانية الواحدة ، فمتى يستطيع معاليكم أن تتعلم منهم ما يكفيكم لأن تديروا كرسيكم و تجعلونا نحن الفقراء بمواجهتكم و بأولوياتكم لا خلف ظهوركم ؟
منذ أيام قرأت إعلاناً في الشارع يقول : مؤسسة الكهرباء تنصح المواطنين بعدم استخدام الكهرباء في التدفئة كيلا يتعرضون لفاتورة عالية القيمة , والتدفئة بالمازوت كما تعلم صارت من المستحيلات الألف فهل تودون القضاءَ علينا بسرطان الفقر ؟
اعذرني يا سيدي إن أطلتْ أو تطاولتْ لكني سمعتُ أنَ أحد الوزراء في (( موزامبيق )) قدَم استقالته لأنه تسبب بوفاةِ طفلٍ في قرارٍ غير صائبْ !! ،
فماذا عنكم يا سيدي ؟ هل أنعي طفولتي في أدراج مكاتبكم ؟ .
أستودعك الله و شكراً
Comment