0 انها دمشق
بقلم " فادي عزام "
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدةبيروت، حسد القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدنوعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماءوعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله .
إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرودالقصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أمويةعابرة،"أنى تهطلي خيرك لي " بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريشحالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.
إنها دمشق التي تحملتالجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها مقلميأظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....
رُضِعت حتى جفّ بردى،فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم منبراءتها، حتى باتت هذهمهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتيةكلما شُرِقَ نقي عظامها.
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربةقِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأيٍعلى شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكرقليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بلليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها المحفوظ.
دمشق التي تتقنكل اللغات ولا أحد يفهم عليها
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حررصلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدانوجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلىعلى طريقة دمشق.
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاويةووقحة تركل عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباءالذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً علىجسدها.
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفيلتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق إبطالملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
لديها من الموت مايكفي لينفخ اسرافيل في (الصور) معلناً قيامتهم جميلين، ليعانقوا الموتى الآخرين " للمرة الأولى والأخيرة "
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة معمُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبرما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط " المعلقة في سوق الحميدية مايكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيلالوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهمعلى مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ مايكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما الذين لم يكن لديهم وقت
لديها من الخمرما يكفي كي يثمل العرب جميعاً، ومن النوم ما يكفي كل ما حلم به الأنبياء.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين إلياذة، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيلالحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفاتالتموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
لافضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُيرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
دمشق هي العاصمةالوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامةشاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربيةوشرقية، ولا كما القاهرة أهلي و"زملكاوي " ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثللندن شرق وغرب نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّانفدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشقمكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابي، وإذا أقفل باب مصلىفلديك مفاتيح باب السريجة أضعت طريق الجامع الأموي ، ستدلك عليه " كنيسةالسيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كلاهما من يدعي أنهيحميها ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضهاكلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيءدفعة واحدة.
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع
إنها دمشق يا جهلة......
بقلم " فادي عزام "
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدةبيروت، حسد القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدنوعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماءوعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله .
إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرودالقصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أمويةعابرة،"أنى تهطلي خيرك لي " بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريشحالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.
إنها دمشق التي تحملتالجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها مقلميأظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....
رُضِعت حتى جفّ بردى،فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم منبراءتها، حتى باتت هذهمهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتيةكلما شُرِقَ نقي عظامها.
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربةقِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأيٍعلى شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكرقليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بلليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها المحفوظ.
دمشق التي تتقنكل اللغات ولا أحد يفهم عليها
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حررصلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدانوجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلىعلى طريقة دمشق.
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاويةووقحة تركل عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباءالذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً علىجسدها.
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفيلتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق إبطالملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
لديها من الموت مايكفي لينفخ اسرافيل في (الصور) معلناً قيامتهم جميلين، ليعانقوا الموتى الآخرين " للمرة الأولى والأخيرة "
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة معمُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبرما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط " المعلقة في سوق الحميدية مايكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيلالوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهمعلى مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ مايكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما الذين لم يكن لديهم وقت
لديها من الخمرما يكفي كي يثمل العرب جميعاً، ومن النوم ما يكفي كل ما حلم به الأنبياء.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين إلياذة، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيلالحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفاتالتموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
لافضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُيرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
دمشق هي العاصمةالوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامةشاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربيةوشرقية، ولا كما القاهرة أهلي و"زملكاوي " ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثللندن شرق وغرب نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّانفدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشقمكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابي، وإذا أقفل باب مصلىفلديك مفاتيح باب السريجة أضعت طريق الجامع الأموي ، ستدلك عليه " كنيسةالسيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كلاهما من يدعي أنهيحميها ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضهاكلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيءدفعة واحدة.
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع
إنها دمشق يا جهلة......
Comment