في تقديري أن العرب والمسلمين في واقعنا المعاصر قد وصلوا إلى أقصى مراحل التدجين والمهانة، وأن غزة وأحداثها كانت اختباراً للعرب والمسلمين لم ينجح فيه أحد، لقد فضحتنا جميعاً أحداث غزة الأخيرة.
هذا الآلة العسكرية الإسرائيلية تقتل وتدمر وتنتهك حقوق الإنسان على أرض غزة، والعرب والمسلمون صامتون صمت القبور, بل المصيبة سماعنا لأصواتٍ تعمل على تجريم "حماس"، والحقيقة التي لا يستطيعون الإفصاح عنها أن هذه الأصوات التي نسمعها من بني جلدتنا تجرم المقاومة بأطيافها وأشكالها كافة, وتعمل وفق أجندةٍ غربية عبر وسائل إعلامية مختلفة، مع أن الشرائع والقوانين الأرضية كفلت حق المقاومة لمن وقع عليه الظلم والعدوان.
لقد رسخ الإعلام الغربي وبعض القنوات العربية في الحس العربي ثنائية الفصل والتضاد بين المقاومة والمفاوضات مع أنه ليس ثمة تعارض بين المقاومة والمفاوضات مع العدو، كما كرس هذه الصورة عرّابو أوسلو المهترية مبادئهم.
والحنكة السياسية والتاريخ المعاصر القريب يشهدان أن المقاومة المسلحة، والمفاوضات صنوان يقتضيان معطيات الواقع الموائمة بينهما, وخير شاهد حرب فيتنام إذ كانت المفاوضات تجري وعمليات المقاومة على أشدها لم تتوقف لحظة.
إن الكلمة والمفاوضات سلاح كما هي المقاومة شريطة أن يخالط نفوس أصحابها الإيمان بعدالة القضية. أقول هذا وقد سرنا جميعاً موقف المملكة المتمثل في كلمة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال اجتماع مجلس الأمن على المستوى الوزاري ومطالبته مجلس الأمن بالتعامل مع قضيتنا بعدل وموضوعية و"أن الدول العربية حريصة على الالتزام بقرارات مجلس الأمن لكنها للأسف الشديد تواجه بتسويف شديد، وإما أن يعالج مجلس الأمن هذه القضايا وإلا فإن الدول العربية ستدير ظهورها لمجلس الأمن"، وفي هذا السياق كانت كلمة الأمير تركي الفيصل في افتتاح جلسات منتدى الخليج 2009 تحت عنوان "العلاقات الخليجية الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية": "وبحضور السفير الأمريكي لدى المملكة فورد فريكر، والمدير التنفيذي لمجلس العلاقات العربية ـ الأمريكية جون دوك أنتوني. والتي قال فيها "كلنا اليوم فلسطينيون نتوق إلى الاستشهاد في سبيل الله وفي سبيل فلسطين" ومخاطبته الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما بالقول: "إن إدارة بوش ورطتك وتورطك في إرث تشمئز منه النفس الزكية وفي موقف أرعن لما يحصل في غزة من مجازر وسفك لدماء الأبرياء".
ولعلي بعد هذه التقدمة أسوق لكم موقفا من مواقف المملكة التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، هذا الموقف للملك فيصل ـ رحمه الله ـ, أسوقه لكم كما أورده الدواليبي في مذكراته – وكان مستشاراً للملك فيصل – هذا الموقف هو مقابلة الملك فيصل مع الرئيس الفرنسي شارل ديجول عام 1967 بشأن القضية الفلسطينية، وكان اليهود قد استمالوا ديجول إلى التعاطف مع إسرائيل ودعمها بالسلاح.
وحتى تتضح الصورة لعلي أعُرّف بشارل ديجول ودوره في التاريخ الفرنسي المعاصر بإيجاز لمن لا يعرف ذلك من القراء.
برز ديجول وعُرف عام 1940 إبان الاحتلال الألماني لبلاده إذ كان يقود المقاومة الداخلية بمساعدة رينيه كاسان، وقد دعا الشعب الفرنسي إلى مقاومة الاحتلال ودعا الجيش إلى عدم رمي السلاح ومتابعة قتال القوات النازية، ومقاومة حكومة فيشي المتعاونة مع القوات الألمانية المحتلة، ومن أشهر نداءاتة "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسنناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره".
نعود للمقابلة، كان اللقاء بين الفيصل وديجول في باريس قبل الخامس من (حزيران) 1967، في قصر الإليزية، وكان مع الملك فيصل الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون. وطلع فوراً إلى اللقاء، رأساً لــرأس، ولا يـوجد معهما سوى مترجم من عند ديجول. قال ديجول: يتحدث الناس بلهجة متعالية أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر. إسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع. فأجابه فيصل: يا فخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك; إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت! فانسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلّبتَ عليه. وألمانيا تنتهز الفرصة من وقت لآخر لخلافها معكم على منطقة الألزاس. كلما احتلتها وقف الشعب الفرنسي ينتظر حرباً عالمية ليستعيدها، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ; فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع. والويل عندئذ يا فخامة الرئيس للضعيف من القوي إذا احتلّه القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً. فدهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركّزة بهذا الشكل، وكان ديجول لم يستسلم ويتراجع، وإنما غيّر لهجته متأثراً بما سمع، وقال: يا جلالة الملك، لا تنسَ أن هؤلاء اليهود يقولون: إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل وُلِد هناك. قال فيصل: فخامة الرئيس أنا من الأشخاص الذين يعجبون بك ويحترمونك; لأنك رجل متدين مؤمن بدينك، وأنا يسرني أن ألتقي بمن يخلص لدينه، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس. أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين، حرّقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، ما تركوا مدينة إلا أحرقوها، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون. وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما عندما كانت تحتل فرنسا والبحر الأبيض كله وإنجلترا أيضاً؟ ونحن العرب أمضينا 200 سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى 70 سنة ثم نفوا بعدها. وهذا مثال تاريخي أيضاً. قال ديجول: ولكنهم يقولون: في فلسطين وُلِد أبوهم. قال فيصل: غريب!! عندك الآن 150 دولة لها سفراء في باريس، وأكثر السفراء يولد لهم أولاد في باريس، أفلو رجع هؤلاء السفراء إلى بلادهم، ثم جاءت ظروف صار فيها هؤلاء السفراء رؤساء دول، وجاءوا يطالبونك باسم حق الولادة في باريس، فمسكينة باريس، لا أدري لمن ستكون؟!. هناك، سكت ديجول، وضرب الجرس مستدعياً بومبيدو، وكان جالساً مع الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون في الخارج، وقال له: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدَّر لإسرائيل. وهكذا قُطع السلاح الفرنسي عن إسرائيل منذ ذلك اليوم من عام 1967 قبل الغزو الثلاثي لمصر بأربعة أيام.
ألم أقل لكم أن الكلمة سلاح. رحم الله الفيصل فقد كان شامةً في جبين العصر.
هذا الآلة العسكرية الإسرائيلية تقتل وتدمر وتنتهك حقوق الإنسان على أرض غزة، والعرب والمسلمون صامتون صمت القبور, بل المصيبة سماعنا لأصواتٍ تعمل على تجريم "حماس"، والحقيقة التي لا يستطيعون الإفصاح عنها أن هذه الأصوات التي نسمعها من بني جلدتنا تجرم المقاومة بأطيافها وأشكالها كافة, وتعمل وفق أجندةٍ غربية عبر وسائل إعلامية مختلفة، مع أن الشرائع والقوانين الأرضية كفلت حق المقاومة لمن وقع عليه الظلم والعدوان.
لقد رسخ الإعلام الغربي وبعض القنوات العربية في الحس العربي ثنائية الفصل والتضاد بين المقاومة والمفاوضات مع أنه ليس ثمة تعارض بين المقاومة والمفاوضات مع العدو، كما كرس هذه الصورة عرّابو أوسلو المهترية مبادئهم.
والحنكة السياسية والتاريخ المعاصر القريب يشهدان أن المقاومة المسلحة، والمفاوضات صنوان يقتضيان معطيات الواقع الموائمة بينهما, وخير شاهد حرب فيتنام إذ كانت المفاوضات تجري وعمليات المقاومة على أشدها لم تتوقف لحظة.
إن الكلمة والمفاوضات سلاح كما هي المقاومة شريطة أن يخالط نفوس أصحابها الإيمان بعدالة القضية. أقول هذا وقد سرنا جميعاً موقف المملكة المتمثل في كلمة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال اجتماع مجلس الأمن على المستوى الوزاري ومطالبته مجلس الأمن بالتعامل مع قضيتنا بعدل وموضوعية و"أن الدول العربية حريصة على الالتزام بقرارات مجلس الأمن لكنها للأسف الشديد تواجه بتسويف شديد، وإما أن يعالج مجلس الأمن هذه القضايا وإلا فإن الدول العربية ستدير ظهورها لمجلس الأمن"، وفي هذا السياق كانت كلمة الأمير تركي الفيصل في افتتاح جلسات منتدى الخليج 2009 تحت عنوان "العلاقات الخليجية الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية": "وبحضور السفير الأمريكي لدى المملكة فورد فريكر، والمدير التنفيذي لمجلس العلاقات العربية ـ الأمريكية جون دوك أنتوني. والتي قال فيها "كلنا اليوم فلسطينيون نتوق إلى الاستشهاد في سبيل الله وفي سبيل فلسطين" ومخاطبته الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما بالقول: "إن إدارة بوش ورطتك وتورطك في إرث تشمئز منه النفس الزكية وفي موقف أرعن لما يحصل في غزة من مجازر وسفك لدماء الأبرياء".
ولعلي بعد هذه التقدمة أسوق لكم موقفا من مواقف المملكة التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، هذا الموقف للملك فيصل ـ رحمه الله ـ, أسوقه لكم كما أورده الدواليبي في مذكراته – وكان مستشاراً للملك فيصل – هذا الموقف هو مقابلة الملك فيصل مع الرئيس الفرنسي شارل ديجول عام 1967 بشأن القضية الفلسطينية، وكان اليهود قد استمالوا ديجول إلى التعاطف مع إسرائيل ودعمها بالسلاح.
وحتى تتضح الصورة لعلي أعُرّف بشارل ديجول ودوره في التاريخ الفرنسي المعاصر بإيجاز لمن لا يعرف ذلك من القراء.
برز ديجول وعُرف عام 1940 إبان الاحتلال الألماني لبلاده إذ كان يقود المقاومة الداخلية بمساعدة رينيه كاسان، وقد دعا الشعب الفرنسي إلى مقاومة الاحتلال ودعا الجيش إلى عدم رمي السلاح ومتابعة قتال القوات النازية، ومقاومة حكومة فيشي المتعاونة مع القوات الألمانية المحتلة، ومن أشهر نداءاتة "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسنناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره".
نعود للمقابلة، كان اللقاء بين الفيصل وديجول في باريس قبل الخامس من (حزيران) 1967، في قصر الإليزية، وكان مع الملك فيصل الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون. وطلع فوراً إلى اللقاء، رأساً لــرأس، ولا يـوجد معهما سوى مترجم من عند ديجول. قال ديجول: يتحدث الناس بلهجة متعالية أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر. إسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع. فأجابه فيصل: يا فخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك; إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت! فانسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلّبتَ عليه. وألمانيا تنتهز الفرصة من وقت لآخر لخلافها معكم على منطقة الألزاس. كلما احتلتها وقف الشعب الفرنسي ينتظر حرباً عالمية ليستعيدها، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ; فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع. والويل عندئذ يا فخامة الرئيس للضعيف من القوي إذا احتلّه القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً. فدهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركّزة بهذا الشكل، وكان ديجول لم يستسلم ويتراجع، وإنما غيّر لهجته متأثراً بما سمع، وقال: يا جلالة الملك، لا تنسَ أن هؤلاء اليهود يقولون: إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل وُلِد هناك. قال فيصل: فخامة الرئيس أنا من الأشخاص الذين يعجبون بك ويحترمونك; لأنك رجل متدين مؤمن بدينك، وأنا يسرني أن ألتقي بمن يخلص لدينه، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس. أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين، حرّقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، ما تركوا مدينة إلا أحرقوها، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون. وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما عندما كانت تحتل فرنسا والبحر الأبيض كله وإنجلترا أيضاً؟ ونحن العرب أمضينا 200 سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى 70 سنة ثم نفوا بعدها. وهذا مثال تاريخي أيضاً. قال ديجول: ولكنهم يقولون: في فلسطين وُلِد أبوهم. قال فيصل: غريب!! عندك الآن 150 دولة لها سفراء في باريس، وأكثر السفراء يولد لهم أولاد في باريس، أفلو رجع هؤلاء السفراء إلى بلادهم، ثم جاءت ظروف صار فيها هؤلاء السفراء رؤساء دول، وجاءوا يطالبونك باسم حق الولادة في باريس، فمسكينة باريس، لا أدري لمن ستكون؟!. هناك، سكت ديجول، وضرب الجرس مستدعياً بومبيدو، وكان جالساً مع الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون في الخارج، وقال له: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدَّر لإسرائيل. وهكذا قُطع السلاح الفرنسي عن إسرائيل منذ ذلك اليوم من عام 1967 قبل الغزو الثلاثي لمصر بأربعة أيام.
ألم أقل لكم أن الكلمة سلاح. رحم الله الفيصل فقد كان شامةً في جبين العصر.
Comment