الإثنين 02 يونيو 2008
في حوض قديم لبناء السفن في جزيرة أرواد الصغيرة الواقعة على بعد حوالي 3 كيلومترات قبالة مدينة طرطوس على الساحل السوري، انهمك خالد حمود ورفاقه خلال الأيام والأسابيع الماضية بوضع اللمسات الأخيرة على سفينتهم الشراعية الحلم "فينيقيا" التي لن تحمل لهم على متنها الشهرة فحسب، بل ستعيد إلى الأضواء قصة أجدادهم الفينيقيين القدماء "أسياد البحار" بعد أكثر من 2000 عام!
وعلى بعد آلاف الأميال من أرواد، وتحديدا في ذلك الكوخ الصغير في "إيست شولدن" بمقاطعة دورسيت جنوبي إنكلترا، بدا فيليب بيل أكثر انهماكا وقلقا بشأن "فينيقيا"، فهو صاحب الفكرة وقائد البعثة الأسطورية التي ستأخذه "فينيقيا" على متنها ليدور حول قارة أفريقيا، محاولا إعادة رسم تفاصيل ملحمة أول رحلة يعتقد بأن سفينة شراعية فينيقية كانت قد قامت بها حول القارة السمراء منذ حوالي 600 سنة قبل الميلاد.
"محاكاة" الرحلة الفينيقية
يقول بيل إنه سينطلق مع طاقمه، المؤلف من حوالي 20 بحارا من جميع أصقاع المعمورة، في شهر أغسطس/آب المقبل في "المغامرة المجنونة" على متن السفينة الخشبية البدائية المصنوعة بنفس الطريقة ومن نفس المواد التي اعتاد الفينيقيون الأوائل على استخدامها في صناعة سفنهم، وذلك في بعثة ترمي إلى "محاكاة تجربة الرحلة الفينيقية الأصلية وإعادة تقديمها إلى البشرية من جديد".
وسيشرف المؤلف الموسيقي رافائيل رافينسكروفت والفنان بوب ميستون على مجموعة من الحفلات الموسيقية يشارك فيها مطربون وفنانون محليون وعالميون وتنظم في المرافىء والمواقع التي ستعرج عليها السفينة "فينيقيا" خلال رحلتها اليتيمة المقبلة.
أولى هذه الحفلات ستكون في سورية في صيف عام 2008 وستكون جزءا من الاحتفال بانطلاق الرحلة التي تعد جزءا من فعاليات احتفالية إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) لدمشق كعاصمة للثقافية العربية لعام 2008.
اهتمام بالرحلة
وفي حفل استقبال حضره سفراء من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط ومؤرخون وبحارة وخبراء تربية وعلماء آثار وآخرون ممن يدعمون ويؤيدون مشروع رحلته الطموح، وقف بيل في التاسع عشر من الشهر الماضي مخاطبا الحضور في السفارة السورية في لندن ومقرا بحجم المخاطر والصعاب التي يمكن أن تواجهها بعثته حين قال:
"ستستغرق الرحلة 10 أشهر تقطع فينيقيا" خلالها 17 ألف ميلا، إذ ستدور حول القارة الأفريقية وتمر بمحاذاة رأس الرجاء الصالح قبل أن تعود إلى أرواد ثانية من خلال البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق، ومن ثم تعود للإبحار إلى لندن.
إلا أن بيل، وهو رحالة عصري مغامر وضابط سابق في البحرية البريطانية، يذكر بأهمية الرحلة إذ يقول: "إنها حقا تعيد الحياة إلى التاريخ وتبعثه من جديد، إذ سيتمكن الأطفال من أفريقيا وأروبا والشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم من متابعة تطور الرحلة كلما اكتشفنا وعرفنا المزيد عن حياة الفينيقيين وعن حس الاكتشاف المذهل لديهم."
حضارة وقرصنة
أسأل بيل عن الفكرة وكيف ومتى خطرت بباله للمرة الأولى، فيجيب: "إن قراءتي لكتب التاريخ، وتحديدا لكتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس، جعلتني أدرك أهمية الحضارة الفينيقية وضرورة إعادة سبر أغوار الماضي لمعرفة المزيد عنها، وإن اضطرنا الأمر لأن نركب أمواج البحر من جديد ونواجه القراصنة قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من الصومال ونخبر عن قرب التيارات البحرية وغيرها من الصعاب والمشاق."
ويستطرد بيل في وصفه لفكرته، فيقول: "قد تكون الفكرة مجنونة بعض الشيء، إلا أن أفضل الأفكار هي تلك الأفكار المجنونة."
وعن تلك المصاعب التي يتوقع أن يواجهها وطاقمه خلال الرحلة المرتقبة، يقول رجل البحرية البريطانية السابق: "إن في الأمر مجازفة وعواقب قد تكون وخيمة. فهناك تحديان رئيسيان أمام الطاقم: الأول هو كيفية تدبر حياتنا بعيدين عن بيوتنا وأوطاننا في ظل ظروف قاسية وبعيدا عن وسائل الراحة التي اعتدنا عليها في منازلنا، والثاني هو القدرة على التكيف مع عامل الخوف من الإقدام على فعل أمر ينطوي على المغامرة والمجازفة والخطر، وإن بوسائل جد بدائية."
لا حمامات ولا رفاهية
يقول فيليب إنه يتعين على من يحلم بالانضمام إلى بعثته أن ينسى لشهور أمورا تعود عليها مثل استخدام الحمامات ودورات المياه وصنابير الماء العذب أو السفر في اليخوت الفخمة التي تحتوي على وسائل الرفاهية والراحة الحديثة، أو حتى محركات الطوارىء ومعدات الإنقاذ.
ويراهن بيل خلال الرحلة على مقدرته على "إدارة عنصري الخوف والقلق" لديه هو شخصيا ولدى أفراد طاقمه، إذ يقول: "ستكون هذه هي المهارة الرئيسية بالنسبة لي."
وما يدفع بيل على خوض التحدي هو "الرغبة الجامحة" في إثبات أن الفينيقيين تمكنوا فعلا من الإبحار حول رأس الرجاء الصالح قبل أن يفعل الأوروبيون ذلك بعد ألفي عام من تلك الرحلة الأولى المفترضة.
تشكيك
ومرد تلك الرغبة، كما يقول بيل، هو أن بعض المؤرخين يشككون بأن يكون الفينيقيون قد قاموا أصلا بمثل تلك الرحلة، فهم يعتقدون أنه كان من الصعب على السفن الشراعية البدائية، كتلك التي اعتاد الفينيقيون الإبحار على متنها، أن تجتاز منطقة رأس الرجاء الصالح الخطيرة جدا.
ويقول بيل إن الرواية الوحيدة الموجودة التي تتحدث عن إتمام رحلة من ذلك القبيل هي تلك التي وردت في كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس عام 440 قبل الميلاد، رغم أنه لم يكن متأكدا تماما من أن الفينيقيين كانوا قد قاموا فعلا بمثل تلك الرحلة.
من هنا، يقول بيل، إنه يسعى للتجريب بنفسه ويقتفي الآثار التي يمكن أن يكون البحارة الفينيقيون قد خلفوها وراءهم ويسترجع الصعاب التي واجهوها خلال رحلتهم الشاقة المحتملة، إذ سيخبر عن قرب قوة التيار البحري القادم من السواحل الصومالية ويعرج على المرافىء والمدن التي يمكن أن يكون مر بها الفينيقيون، مثل مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا وكيب تاون في جنوب أفريقيا وأكرا أو تيما في غانا وغيرها من المدن والمواقع الأخرى.
الأبجدية الأولى
يقول بيل: "لقد أعطانا الفينيقيون، أولئك الأبطال الذين لم يذكر التاريخ أمجادهم ويتغن بها بالشكل الذي يستحقونه، الأبجدية الأولى وكانوا أول من اخترع نظام التأمين وأول من اهتدى بالنجوم خلال رحلاتهم، كما كانوا هم من اكتشفوا النجم القطبي."
واللغز الآخر الذي يحاول بيل حله من خلال رحلته المرتقبة هو سبب ضحالة ما نعرفه عن الفينيقيين من معلومات، مقارنة بالإغريق والرومان، رغم أن الإغريق كانوا أول من عُرفوا بلقب "أسياد البحار" ونشروا علومهم وثقافتهم وتجارتهم عبر رحلاتهم البحرية تلك في ربوع العالم المختلفة.
وقد حظي مشروع "بعثة السفينة الشراعية فينيقيا"، والذي أمضى بيل وفريقه أكثر من عام يخططون له ويعدون العدة لإنجازه انطلاقا من قاعدتهم الصغيرة في دورسيت، وسط اهتمام العديد من الجهات العلمية والأكاديمية والثقافية في كل من سورية وبريطانيا وخارجهما، ومنها المتحف البريطاني الذي من المقرر أن يستضيف عامي 2009 و2010 معرضا عن الحضارة الفينيقية تكون "السفينة فينيقيا" أحد ركائزه الأساسية ويسلط الضوء على الرحلة ونتائجها.
أفكار "مجنونة"
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتفتق فيها فكر بيل عن مثل تلك الأفكار "المجنونة"، كما يصفها، إذ سبق له أن قام في عامي 2003 و2004 بمحاكاة رحلة سفينة شراعية إندونيسية قديمة بين آسيا وأفريقيا، إذ أشرف المغامر البريطاني على تصميم وبناء سفينة مماثلة لها وأبحر بها إلى القارة السمراء حيث أعاد استكشاف طريق التجارة القديم بين القارتين، قاطعا آلاف الأميال ومتحديا الصعاب والمخاطر وظروف الطقس القاسية.
ويأمل بيل بأن يستفيد الكثير من تجربته السابقة ليجعل من بعثة "فينيقيا" أكثر نجاحا ومتعة وإثارة، إذ يقول: "أعتقد أنني قد نضجت وأصبحت أكثر ثقة بالنفس وبت قادرا على عمل شيء من هذا القبيل."
ويضيف قائلا: "تمثل الرحلة المقبلة تحديا كبيرا، ولذلك أقوم بها. وأعتقد أنه يتعين على المرء أن يتبع أحلامه، وهذا هو أحد أحلامي."
دعوة لمحبي المغامرات
ويوجه بيل الآن دعوة مفتوحة إلى هواة المغامرات ومحبي ركوب البحر والمهتمين باقتفاء آثار الأولين بأن ينضموا إلى رحلته المقبلة، فهو يتطلع الآن إلى إعداد طاقم من الرحالة المتطوعين "الذين يمكن أن تشكل أمامهم البعثة فرصة القيام برحلة العمر."
ولم يقتصر الشعور بالإثارة والمتعة فقط على بيل وحمود، بل يشمل أيضا أشخاصا آخرين ممن يعملون في بعثة السفينة "فينيقيا" أو المهتمين بها.
فها هي أليس تشاتر، مديرة مشروع السفينة "فينيقيا"، تقول: "إنه لشيء عظيم أن ننطلق من قاعدة صغيرة كهذه في إيست شولدن في دورسيت ونستطيع أن نقوم بهذا المشروع الكبير الذي نأمل أن يكون له أثر أكبر يستفيد منه العالم بأثره."
أما الدكتور سامي الخيمي، السفير السوري في لندن، فيرى في تزامن انطلاق الرحلة مع برنامج احتفالية إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) دمشق كعاصمة للثقافية العربية لعام 2008 فرصة ممتازة لتسليط الضوء على دور سورية في الحضارة الإنسانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
ويعتبر الخيمي أن "الرحلة ملحمة ثقافية تربط سورية الفينيقية بإفريقيا وأوروبا وتستحضر تاريخ هذه التجربة التاريخية الفريدة التي سيتابعها العالم وسيتبين أكثر روح المغامرة وحس الاكتشاف التي تحلى بها الفينيقيون."
المصدر
الفينيقيون يبحرون بأشرعتهم حول أفريقيا من جديد...
في حوض قديم لبناء السفن في جزيرة أرواد الصغيرة الواقعة على بعد حوالي 3 كيلومترات قبالة مدينة طرطوس على الساحل السوري، انهمك خالد حمود ورفاقه خلال الأيام والأسابيع الماضية بوضع اللمسات الأخيرة على سفينتهم الشراعية الحلم "فينيقيا" التي لن تحمل لهم على متنها الشهرة فحسب، بل ستعيد إلى الأضواء قصة أجدادهم الفينيقيين القدماء "أسياد البحار" بعد أكثر من 2000 عام!
وعلى بعد آلاف الأميال من أرواد، وتحديدا في ذلك الكوخ الصغير في "إيست شولدن" بمقاطعة دورسيت جنوبي إنكلترا، بدا فيليب بيل أكثر انهماكا وقلقا بشأن "فينيقيا"، فهو صاحب الفكرة وقائد البعثة الأسطورية التي ستأخذه "فينيقيا" على متنها ليدور حول قارة أفريقيا، محاولا إعادة رسم تفاصيل ملحمة أول رحلة يعتقد بأن سفينة شراعية فينيقية كانت قد قامت بها حول القارة السمراء منذ حوالي 600 سنة قبل الميلاد.
"محاكاة" الرحلة الفينيقية
يقول بيل إنه سينطلق مع طاقمه، المؤلف من حوالي 20 بحارا من جميع أصقاع المعمورة، في شهر أغسطس/آب المقبل في "المغامرة المجنونة" على متن السفينة الخشبية البدائية المصنوعة بنفس الطريقة ومن نفس المواد التي اعتاد الفينيقيون الأوائل على استخدامها في صناعة سفنهم، وذلك في بعثة ترمي إلى "محاكاة تجربة الرحلة الفينيقية الأصلية وإعادة تقديمها إلى البشرية من جديد".
وسيشرف المؤلف الموسيقي رافائيل رافينسكروفت والفنان بوب ميستون على مجموعة من الحفلات الموسيقية يشارك فيها مطربون وفنانون محليون وعالميون وتنظم في المرافىء والمواقع التي ستعرج عليها السفينة "فينيقيا" خلال رحلتها اليتيمة المقبلة.
أولى هذه الحفلات ستكون في سورية في صيف عام 2008 وستكون جزءا من الاحتفال بانطلاق الرحلة التي تعد جزءا من فعاليات احتفالية إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) لدمشق كعاصمة للثقافية العربية لعام 2008.
اهتمام بالرحلة
وفي حفل استقبال حضره سفراء من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط ومؤرخون وبحارة وخبراء تربية وعلماء آثار وآخرون ممن يدعمون ويؤيدون مشروع رحلته الطموح، وقف بيل في التاسع عشر من الشهر الماضي مخاطبا الحضور في السفارة السورية في لندن ومقرا بحجم المخاطر والصعاب التي يمكن أن تواجهها بعثته حين قال:
"ستستغرق الرحلة 10 أشهر تقطع فينيقيا" خلالها 17 ألف ميلا، إذ ستدور حول القارة الأفريقية وتمر بمحاذاة رأس الرجاء الصالح قبل أن تعود إلى أرواد ثانية من خلال البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق، ومن ثم تعود للإبحار إلى لندن.
إلا أن بيل، وهو رحالة عصري مغامر وضابط سابق في البحرية البريطانية، يذكر بأهمية الرحلة إذ يقول: "إنها حقا تعيد الحياة إلى التاريخ وتبعثه من جديد، إذ سيتمكن الأطفال من أفريقيا وأروبا والشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم من متابعة تطور الرحلة كلما اكتشفنا وعرفنا المزيد عن حياة الفينيقيين وعن حس الاكتشاف المذهل لديهم."
حضارة وقرصنة
أسأل بيل عن الفكرة وكيف ومتى خطرت بباله للمرة الأولى، فيجيب: "إن قراءتي لكتب التاريخ، وتحديدا لكتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس، جعلتني أدرك أهمية الحضارة الفينيقية وضرورة إعادة سبر أغوار الماضي لمعرفة المزيد عنها، وإن اضطرنا الأمر لأن نركب أمواج البحر من جديد ونواجه القراصنة قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من الصومال ونخبر عن قرب التيارات البحرية وغيرها من الصعاب والمشاق."
ويستطرد بيل في وصفه لفكرته، فيقول: "قد تكون الفكرة مجنونة بعض الشيء، إلا أن أفضل الأفكار هي تلك الأفكار المجنونة."
وعن تلك المصاعب التي يتوقع أن يواجهها وطاقمه خلال الرحلة المرتقبة، يقول رجل البحرية البريطانية السابق: "إن في الأمر مجازفة وعواقب قد تكون وخيمة. فهناك تحديان رئيسيان أمام الطاقم: الأول هو كيفية تدبر حياتنا بعيدين عن بيوتنا وأوطاننا في ظل ظروف قاسية وبعيدا عن وسائل الراحة التي اعتدنا عليها في منازلنا، والثاني هو القدرة على التكيف مع عامل الخوف من الإقدام على فعل أمر ينطوي على المغامرة والمجازفة والخطر، وإن بوسائل جد بدائية."
لا حمامات ولا رفاهية
يقول فيليب إنه يتعين على من يحلم بالانضمام إلى بعثته أن ينسى لشهور أمورا تعود عليها مثل استخدام الحمامات ودورات المياه وصنابير الماء العذب أو السفر في اليخوت الفخمة التي تحتوي على وسائل الرفاهية والراحة الحديثة، أو حتى محركات الطوارىء ومعدات الإنقاذ.
ويراهن بيل خلال الرحلة على مقدرته على "إدارة عنصري الخوف والقلق" لديه هو شخصيا ولدى أفراد طاقمه، إذ يقول: "ستكون هذه هي المهارة الرئيسية بالنسبة لي."
وما يدفع بيل على خوض التحدي هو "الرغبة الجامحة" في إثبات أن الفينيقيين تمكنوا فعلا من الإبحار حول رأس الرجاء الصالح قبل أن يفعل الأوروبيون ذلك بعد ألفي عام من تلك الرحلة الأولى المفترضة.
تشكيك
ومرد تلك الرغبة، كما يقول بيل، هو أن بعض المؤرخين يشككون بأن يكون الفينيقيون قد قاموا أصلا بمثل تلك الرحلة، فهم يعتقدون أنه كان من الصعب على السفن الشراعية البدائية، كتلك التي اعتاد الفينيقيون الإبحار على متنها، أن تجتاز منطقة رأس الرجاء الصالح الخطيرة جدا.
ويقول بيل إن الرواية الوحيدة الموجودة التي تتحدث عن إتمام رحلة من ذلك القبيل هي تلك التي وردت في كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس عام 440 قبل الميلاد، رغم أنه لم يكن متأكدا تماما من أن الفينيقيين كانوا قد قاموا فعلا بمثل تلك الرحلة.
من هنا، يقول بيل، إنه يسعى للتجريب بنفسه ويقتفي الآثار التي يمكن أن يكون البحارة الفينيقيون قد خلفوها وراءهم ويسترجع الصعاب التي واجهوها خلال رحلتهم الشاقة المحتملة، إذ سيخبر عن قرب قوة التيار البحري القادم من السواحل الصومالية ويعرج على المرافىء والمدن التي يمكن أن يكون مر بها الفينيقيون، مثل مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا وكيب تاون في جنوب أفريقيا وأكرا أو تيما في غانا وغيرها من المدن والمواقع الأخرى.
الأبجدية الأولى
يقول بيل: "لقد أعطانا الفينيقيون، أولئك الأبطال الذين لم يذكر التاريخ أمجادهم ويتغن بها بالشكل الذي يستحقونه، الأبجدية الأولى وكانوا أول من اخترع نظام التأمين وأول من اهتدى بالنجوم خلال رحلاتهم، كما كانوا هم من اكتشفوا النجم القطبي."
واللغز الآخر الذي يحاول بيل حله من خلال رحلته المرتقبة هو سبب ضحالة ما نعرفه عن الفينيقيين من معلومات، مقارنة بالإغريق والرومان، رغم أن الإغريق كانوا أول من عُرفوا بلقب "أسياد البحار" ونشروا علومهم وثقافتهم وتجارتهم عبر رحلاتهم البحرية تلك في ربوع العالم المختلفة.
وقد حظي مشروع "بعثة السفينة الشراعية فينيقيا"، والذي أمضى بيل وفريقه أكثر من عام يخططون له ويعدون العدة لإنجازه انطلاقا من قاعدتهم الصغيرة في دورسيت، وسط اهتمام العديد من الجهات العلمية والأكاديمية والثقافية في كل من سورية وبريطانيا وخارجهما، ومنها المتحف البريطاني الذي من المقرر أن يستضيف عامي 2009 و2010 معرضا عن الحضارة الفينيقية تكون "السفينة فينيقيا" أحد ركائزه الأساسية ويسلط الضوء على الرحلة ونتائجها.
أفكار "مجنونة"
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتفتق فيها فكر بيل عن مثل تلك الأفكار "المجنونة"، كما يصفها، إذ سبق له أن قام في عامي 2003 و2004 بمحاكاة رحلة سفينة شراعية إندونيسية قديمة بين آسيا وأفريقيا، إذ أشرف المغامر البريطاني على تصميم وبناء سفينة مماثلة لها وأبحر بها إلى القارة السمراء حيث أعاد استكشاف طريق التجارة القديم بين القارتين، قاطعا آلاف الأميال ومتحديا الصعاب والمخاطر وظروف الطقس القاسية.
ويأمل بيل بأن يستفيد الكثير من تجربته السابقة ليجعل من بعثة "فينيقيا" أكثر نجاحا ومتعة وإثارة، إذ يقول: "أعتقد أنني قد نضجت وأصبحت أكثر ثقة بالنفس وبت قادرا على عمل شيء من هذا القبيل."
ويضيف قائلا: "تمثل الرحلة المقبلة تحديا كبيرا، ولذلك أقوم بها. وأعتقد أنه يتعين على المرء أن يتبع أحلامه، وهذا هو أحد أحلامي."
دعوة لمحبي المغامرات
ويوجه بيل الآن دعوة مفتوحة إلى هواة المغامرات ومحبي ركوب البحر والمهتمين باقتفاء آثار الأولين بأن ينضموا إلى رحلته المقبلة، فهو يتطلع الآن إلى إعداد طاقم من الرحالة المتطوعين "الذين يمكن أن تشكل أمامهم البعثة فرصة القيام برحلة العمر."
ولم يقتصر الشعور بالإثارة والمتعة فقط على بيل وحمود، بل يشمل أيضا أشخاصا آخرين ممن يعملون في بعثة السفينة "فينيقيا" أو المهتمين بها.
فها هي أليس تشاتر، مديرة مشروع السفينة "فينيقيا"، تقول: "إنه لشيء عظيم أن ننطلق من قاعدة صغيرة كهذه في إيست شولدن في دورسيت ونستطيع أن نقوم بهذا المشروع الكبير الذي نأمل أن يكون له أثر أكبر يستفيد منه العالم بأثره."
أما الدكتور سامي الخيمي، السفير السوري في لندن، فيرى في تزامن انطلاق الرحلة مع برنامج احتفالية إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) دمشق كعاصمة للثقافية العربية لعام 2008 فرصة ممتازة لتسليط الضوء على دور سورية في الحضارة الإنسانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
ويعتبر الخيمي أن "الرحلة ملحمة ثقافية تربط سورية الفينيقية بإفريقيا وأوروبا وتستحضر تاريخ هذه التجربة التاريخية الفريدة التي سيتابعها العالم وسيتبين أكثر روح المغامرة وحس الاكتشاف التي تحلى بها الفينيقيون."
المصدر