أسرار الاستهداف المتكرر لجرمانا :
الثلاثاء، 30 تشرين الأول، 2012
وفد من شيوخ "المليحة" وعصابات"لواء الإسلام" زار "جرمانا" ثلاث مرات وطلب منهم مطالب تعجيزية وابتزازية تحت طائلة العقاب في حال الرفض!؟
ضرب الإرهاب اليوم مرة أخرى ضاحية "جرمانا" شرقي دمشق فأودى بحياة العشرات بين شهيد وجريح، فضلا عن الخسائر المادية الجسيمة في الممتلكات الثابتة والمنقولة, ويمكن الإشارة إلى 12 حزيران / يونيو الماضي باعتباره اليوم الذي أعطيت فيه إشارة البدء لاستهداف هذه الضاحية التي تسميها المعارضة الإسلامية بـ"ضاحية الشبيحة"، لا لشيء إلا لأن أغلبية سكانها من أبناء طائفة "الموحدين"( "الدروز") والمسيحيين ، فضلا عن بعض اللاجئين العراقيين وبعض المنحدرين من الطائفة العلوية المقيمين في المنطقة بسبب عملهم في العاصمة ، سواء كموظفين مدنيين أو عسكريين. ففي اليوم المذكور، أحبطت السلطات الأمنية عملية تفجير كبرى كانت تستهدف الضاحية حين تمكن بعض الأهالي من أبناء "جرمانا" من اكتشاف سيارة مرسيدس مفخخة بحوالي 700 كغ في منطقة "شبعا" المتاخمة للضاحية المذكورة من الجهة الجنوبية الشرقية، كانت في طريقها لاستهداف أحد الأماكن وسط العاصمة. ورغم أن المعارضة الإسلامية تصنف أهالي جرمانا على أنهم "شبيحة" قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة، إلا أن هذه الواقعة شكلت نقطة انعطاف أساسية في العلاقة التي تحكم أبناء "جرمانا" مع التجمعات السكانية في الغوطة الشرقية، والتي تعتبر كلها ـ بشكل أو بآخر ـ "بيئة حاضنة" للمسلحين الإسلاميين.
بعد أكثر من شهر من البحث والتقصي ، وصلت معلومات موثقة يمكن اعتبارها حلا لهذا "اللغز"، وهي تستند إلى مصادر مختلفة ، سواء في ضاحية "جرمانا" أو في أوساط الجماعات المسلحة الأخرى الناشطة في منطقة الغوطة الشرقية ، التي تشكل هذه الضاحية أكبر تجمعاتها السكانية وأكثرها أهمية من الناحية الاستراتيجية لجهة حماية الخاصرة الشرقية للعاصمة ، والبوابة التي لا يمكن لآلاف المسلحين المتحصنين في مناطق الغوطة الشرقية ، الذين يشكل "لواء الإسلام" و "لواء الفرقان" عمودها الفقري، من دخول العاصمة والسيطرة على طريق مطار دمشق الدولي إلا من خلالها.
يقول مصدر مقرب من أحد "شيخي العقل" في "جرمانا" إن القضية بدأت تقريبا أواخر حزيران / يونيو الماضي حين بادر رجال دين وجهاء وأئمة جوامع يدعمون المسلحين في منطقة الغوطة الشرقية ، لاسيما "المليحة" المجاورة لها، اتصالاتهم مع وجهاء "جرمانا" من أبناء الطائفة "الدرزية" بهدف الحصول منهم على "إذن خاص" يسمح لمسلحي ما يسمى "الجيش الحر" بالمرور عبر بلدتهم إلى دمشق. يومها ، يقول المصدر، جاء أئمة جوامع " معاذ بن جبل" و "قيس بن سعد" و "العمري" ، ومعهم قادة جماعات مسلحة ، ولكن دون سلاحهم، والتقوا الشيخ "أبو حمود" طالبين منه التدخل لدى مسؤولي "اللجان الشعبية" في البلدة من أجل "غض نظرهم" عن عبور حوالي ألفي مسلح باتجاه دمشق ، مع وعد بأن " لا يمكثوا في البلدة إلا بمقدار الزمن الذي يحتاجونه إلى العبور". إلا أن الشيخ "أبو حمود" رغض طلبهم بأدب، معللا موقفه بأن "أبناء البلدة لا يريدون أن يكونوا طرفا في الصراع المسلح"، فضلا عن أنهم " سيظهرون كما لو أنهم خونة إذا ما سمحوا للمسلحين باستخدام منطقتهم للعبور، وهم أعطوا الدولة وعدا بأن لا يكونوا ممرا أو مستقرا لأي شخص يحمل السلاح". وقد انتهى اللقاء دون مشاكل تذكر، رغم أن الوفد أثار مشكلة قيام أهالي "جرمانا" بإخبار السلطة عن السيارة المفخخة في "شبعا" ، والذي اعتبره أعضاء الوفد بمثابة " تعاون مع السلطة ضد الثوار"!
ويتابع المصدر القول" بعد حوالي أسبوعين على ذلك، كانت الجماعات المسلحة وقيادة ما يسمى الجيش الحر حسمت أمرها لجهة ما سمته (ساعة الصفر) التي خطط لها أن تعقب تفجير مكتب الأمن القومي بتاريخ 18 تموز / يوليو. ومن أجل هذا، حشدت حوالي عشرة آلاف مسلح من الجهة الجنوبية ( الميدان ، عسالي ) ومن الجهة الغربية ( وادي بردى). وكانت بحاجة إلى إدخال حوالي ثلاثة آلاف مسلح من الجهة الشرقية لم يكن ممكنا إدخالهم إلا من المنطقة التي تتبع ضاحية جرمانا ، باعتبارها الأقرب إلى المناطق الأمنية شرقي العاصمة ، مثل قيادة المخابرات الجوية في حي باب توما، والفرع الداخلي في حي السادات ، التي خطط لها أن تكون أهدافا خلال الساعات الأولى من عملية الاستيلاء على العاصمة. أما الطريق الآخر ، الإلتفافي، فيمر عبر طريق مطار دمشق الدولي ، وهذا يسيطر عليه بقوه عناصر المخابرات الجوية وعناصر فرعي (فلسطين) و(الدوريات)، ومن شبه المستحيل الدخول إلى العاصمة عبره دون حصول مواجهة كبيرة من عناصر الجهات الثلاث، وهي مواجهة كان المسلحون يريدون تفاديها قبل ساعة الصفر".
من أجل ذلك، يتابع المصدر، توجه وفد وجهاء "المليحة" مرة أخرى إلى "جرمانا" أواسط تموز / يوليو، واجتمعوا مع الشيخ "أبو حمود" وآخرين من وجهاء الضاحية، وعرضوا مطلبهم للمرة الثانية. لكن اللقاء، وعلى غرار سابقه الأول ، انتهى دون نتيجة، وعاد الوفد بخفي حنين. عندها قرر المسلحون تصعيد اللهجة واستخدام صيغة أقرب إلى "التهديد والإنذار" خلال محاولتهم الثالثة التي حصلت في مطلع الأسبوع الأخير من شهر آب / أغسطس. وخلال هذا اللقاء قدم الوفد أربعة مطالب "تصعيدية وتعجيزية، تحدت طائلة التعامل مع أهالي المنطقة باعتبارهم أهدافا عسكرية ، وبالتالي معاقبتهم على موقفهم". أما المطالب فهي :
1ـ السماح بمرور ثلاثة آلاف من "لواء الإسلام" الذي يقوده زهران علوش، ومساعده " أبو علي خبية "( المعروف باسم "أبو علي الدوماني") ، والذي يموله بشكل خاص سعد الحريري ، ويحظى بصلات أمنية مع العميد وسام الحسن الذي اغتيل قبل أيام. ولا بد هنا من الإشارة إلى تقارير استخبارية غربية أكدت قيام "لواء الإسلام" بدور لوجستي مهم في عملية تفجير مكتب الأمن القومي بطلب شخصي من وسام الحسن الذي طلب منهم أيضا إصدار بيان يتبنى التفجير عند حصوله من أجل إعطاء العملية "بعدا داخليا". وهو ما حصل، حيث قام "لواء الإسلام" بإصدار بيان يتنبى تفجير مكتب الأمن القومي بعد حصوله بأقل من ساعة!
2ـ طرد الموظفين المدنيين والعسكريين من أبناء الطوائف الأخرى المقيمين في "جرمانا"، لاسيما منهم المنحدرين من الطائفتين العلوية والإسماعيلية، فضلا عن الطائفة المسيحية.
3ـ تسهيل عمليات "الجيش الحر" ضد الحواجز العسكرية والنقاط الأمنية الموجودة في المنطقة، أو على الأقل غض الطرف عنها وعدم التعاون مع السلطة لإحباطها.
4 ـ مساعدة "الجيش الحر" على اختطاف الضباط وعناصر الأمن والجيش المقيمين في الضاحية ، وبقية "المتعاملين" مع الدولة من المدنيين. وقد قدم الوفد قائمة تضم أكثر من سبعين شخصا من هؤلاء يعبرها "لواء الإسلام" مصدر الخطر الأساسي على أنشطته في المنطقة، والأكثر فاعلية في مكافحتها.
5 ـ سحب مسلحي "اللجان الشعبية" من أحياء "جرمانا" تمهيدا لـ"حلها نهائيا".
6 ـ وقف وجهاء "جرمانا" على الحياد بينهم وبين السلطة إذا قرروا الاستمرار في موقفهم من"الثورة" وعدم الانضمام لها.
ولأن بعض هذه المطالب يشكل طعنة وإهانة لتقاليد أبناء الطائفة "الدرزية"، لاسيما عدم الغدر بالضيف ، حيث اعتبروا المقيمين في "جرمانا" من أبناء الطوائف الأخرى كما لو أنهم ضيوف لديهم ، كان من الطبيعي أن يرفض "أبو حمود" و إخوانه هذه المطالب، رغم أنهم حاولوا تدوير بعض الزوايا المتعلقة بالنقاط "القابلة للتفاوض"، لاسيما منها المتعلقة باللجان الشعبية والحياد. حيث أكد هؤلاء أن مهمة "اللجان الشعبية" هي "الدفاع عن ممتلكات الأهالي وأعراضهم ، لاسيما بعد انتشار الفلتان الأمني وتكاثر العصابات الإجرامية التي أصبحت كلها تدعي الانتماء للثورة".
عند هذا الحد اتخذ وجهاء "المليحة" وزعماء "لواء الإسلام" قرارهم بـ"إنزال عقاب قاس بأهالي جرمانا". وكان التفجير الأول بعد ذلك اللقاء بحوالي أسبوع، وتحديدا في 28 آب / أغسطس ، حين فجروا سيارتين مفخختين في البلدة استهدفت إحداها جنازة عند وصولها مدخل المقبرة ، وكانت جنازة لتشييع شهيد استشهد في اليوم السابق ، ووكان معلوما ساعة تشييعه منذ اليوم السابق بفضل الإعلانات عن التشييع. وقد أدى الانفجتر إلى استشهاد 12 شخصا من المشيعين والأطفال الذين كانوا يلعبون في المنطقة، و إصابة حوالي ستين آخرين بجروح، فضلا عن الخسائر الجسيمة في الممتلكات.
ويبدو أن "لائحة العقوبات" التي وضعتها عصابات "لواء الإسلام" في "الجيش الحر" لم تنته ، ولن تنتهي حتى يرضخ أهالي "جرمانا" لمطالبهم . وهو ما لن يحصل في تقدير كل من يعرف طائفة "الموحدين" وتقاليدها وأعرافها. فهم أهل الثورات الحقيقية، ولو كانوا اشتموا فيما تشهده سوريا رائحة ولو ضعيفة لـ"الثورة" فيما يجري، لكانوا أول من انضم إليها وأول من كان في طليعتها ، بالجملة وليس بالمفرق. فما بالك إذا كانت هذه "الثورة" ..إسلامية ـ وهابية تكفّر حتى المسلمين السنة ، وتعتبر هؤلاء بمثابة "شبيحة" لا مكان لأعناقهم إلا ...البلوعة!
Comment