هل يمثّل مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز على يد تنظيم «القاعدة» في مدينة بنغازي الليبية، منعطفا في الإستراتيجية الغربية نحو «الربيع العربي» ونحو المعارضة السورية المسلحة؟ على المدى المباشر والقصير، يقول مصدر ديبلوماسي، إن ما حدث في بنغازي سيؤدي إلى تعزيز الاتجاه الداعي إلى عدم تسليح المعارضة السورية، من دون أن يعني ذلك الأطراف التي تقوم بتوزيع الأسلحة على المعارضين، واقتصار المراجعة، إذا ما جرت فعلا، على الغربيين وحدهم من دون القطريين أو السعوديين، الذين يرعون الاتجاهات السلفية والاخوانية والجهادية الإسلامية.
ومن المبكر القول ما إذا كان ذلك سيملي مراجعة أعمق على المدى البعيد للدعم الغربي، الذي يقتصر حتى الآن على السلاح الخفيف وبعض أجهزة الاتصال، والكثير من المعلومات عن تحركات الجيش السوري، وتنسيق عمليات المعارضة المسلّحة عبر غرفة عمليات أميركية ـ بريطانية ـ تركية مشتركة، بالقرب من الحدود السورية ـ التركية.
فرسميا لم يستدع حتى الآن صعود المركب السلفي في الحركات الإسلامية، كما برز في ليبيا، مراجعة علنية وجدية في الخارجيات الأوروبية عن انحراف «الربيع العربي» عن الأهداف التي أوحى بها في بداياته، وفتحت الباب أمام تطبيع العلاقات مع التيار الرسمي الإسلامي الأوسع، المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين.
وقد لاحت بشائر تحذيرات، لم تذهب بعيدا، في الفرز داخل المعارضات التي ينبغي محضها الدعم المطلوب، بين ما هو جهادي، وما هو ليبرالي. بعضها جاء في الامتناع الأميركي عن تقديم أسلحة للمعارضة السورية، أو أسلحة متقدمة، خوفا من وقوعها في أيدي جهاديين، ولكن الممانعة الأميركية لا تذهب إلى حد إملاء الموقف نفسه على تابعيه القطري والسعودي، اللذين يسلّحان من دون حسبان، جهاديين وغير جهاديين. وبطريقة أوضح في فرنسا، عبّر وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، خلال مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تموز الماضي، عن مخاوف مماثلة لا تزال تملي على الفرنسيين سياسة محسوبة في ملف تسليح المعارضة.
وقال فابيوس إن المطلوب «ليس إسقاط النظام الاستبدادي ليحل محله نظام أصولي». وفي هذا الإطار قال، المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو إن «ما يمنع تسليم أسلحة في الحالة السورية، هو الخطر القائم على ذلك من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية على ضوء التجربة الليبية، هناك إرادة ألا نجد أسلحتنا في أيد لم تكن مرسلة إليها في البداية. وفي الحالة السورية كلما تدهورت الأوضاع ارتفعت احتمالات التطرف».
والأرجح أن يؤدي الاختراق السلفي و«القاعدي» إلى مشكلة للجانب الغربي وحده من المعسكر الداعي إلى تسليح المعارضة السورية، من دون الجانب السعودي والقطري بشكل خاص، وهو الجانب الذي اخذ على عاتقه تسليحا غير محدود لكل القوى التي قاتلت العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، من دون حسبان أخطارها على المصالح الغربية، والفرنسية خصوصا، في منطقة الساحل الأفريقي في مالي والنيجر والجنوب الجزائري وموريتانيا التي تحولت إلى قاعدة أفغانية ـ طالبانية في قلب الصحراء، حيث أقامت في شمال مالي إمارة إسلامية تحتجز فيها 5 رهائن فرنسيين. والحال أن مقتلة بنغازي، وسؤال وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المفجوعة مرتين، مرة بمأساة قتل السفير الأميركي المروعة ومرة بقتله في مدينة «ساهمنا بتحريرها»، يعبّر عن الصدمة الكبيرة وقصر ذات اليد، والعجز عن إجراء مراجعة حقيقية للإستراتيجية الوحيدة التي لا يملك الغربيون سواها حتى الآن.
فالتوقيت الذي اختاره الجهاديون، أي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتحويل احتجاج على فيلم مسيء للنبي محمد، إلى جبهة مفتوحة ضد السفارات الأميركية في كل مكان، لا يتيح خيارات كبيرة للتعامل معها من دون المخاطرة بزعزعة استقرار البلدان التي فتحت النار على الديبلوماسية الأميركية وخصوصا ليبيا.
كما أن الولايات المتحدة ذهبت بعيدا في حربها على النظام السوري، وفي محاولات قلبه، والمراهنة على المعارضة السورية، رغم الريبة من جناحها السلفي، كي تتراجع الآن. وليس واضحا ما إذا كان تفعيل الحرب على الإرهاب، على طريقة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، سيكون احد خيارات الرئيس باراك أوباما. ويقف الرئيس الأميركي أمام خيارات صعبة في الرد عسكريا على قتل سفير أميركي على يد تنظيم إرهابي من دون تعريض حملته الانتخابية إلى مخاطر كبيرة والتورط في مغامرة عسكرية.
ولا يمكن التكهن منذ الآن بالأهداف التي تنطوي عليها أوامره بتوجيه مدمرتين من الأسطول السادس إلى السواحل الليبية، أكثر من محاولة مباشرة وسريعة لاسترضاء الرأي العام الأميركي، الذي يرى في مأساة بنغازي صدمة 11 أيلول أخرى مصغرة.
كما أن هجوما عسكريا في بلد حليف كليبيا قد يحولها إلى باكستان أخرى أو يمن ثانية، علما أن «أنصار الشريعة»، وهو التنظيم المتهم بالهجوم على قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي، يتمركز في مدينة درنة التي خرج منها 800 انتحاري لنصرة «القاعدة» في العراق، بحسب «وثائق سنجار» التي عثرت عليها القوات الأميركية في العام 2008 في معسكر لـ«القاعدة» قرب الحدود العراقية ـ التركية. ومن غير المؤكد أن تتوصل السلطات الليبية، في ظل الانقسامات الحالية التي تسود أطرافها، إلى الإمساك بقتلة السفير الأميركي، وليس بوسعها القيام بذلك من دون المخاطرة بمواجهة غير محسوبة مع الفرع القاعدي الليبي.
وهو عجز بنيوي ينسحب على كل السلطات الخارجة من «الربيع العربي»، التي فشلت في ضبط شارعها «السلفي»، وحيث خرج السلفيون من عباءة «الإخوان المسلمين» في تونس أو مصر أو غيرها. ويضطر كل ذلك الرئيس أوباما إلى خيار لا يحوّل الانتخابات الأميركية المقبلة إلى اقتراع على نتائج سياسته في «الربيع العربي».
فرغم دعمه العسكري والسياسي لبعض ثوراته، في تونس وليبيا ومصر وسوريا، لم يفلح في إحداث أي انقلاب في المزاج الشعبي العربي المعادي للولايات المتحدة، كما عبّر عنه بعد مقتلة بنغازي، توالي الهجمات على السفارات الأميركية والتظاهرات التي لا تبدي أي تعاطف مع مأساة كلينتون وفجيعتها.
ومن المبكر القول ما إذا كان ذلك سيملي مراجعة أعمق على المدى البعيد للدعم الغربي، الذي يقتصر حتى الآن على السلاح الخفيف وبعض أجهزة الاتصال، والكثير من المعلومات عن تحركات الجيش السوري، وتنسيق عمليات المعارضة المسلّحة عبر غرفة عمليات أميركية ـ بريطانية ـ تركية مشتركة، بالقرب من الحدود السورية ـ التركية.
فرسميا لم يستدع حتى الآن صعود المركب السلفي في الحركات الإسلامية، كما برز في ليبيا، مراجعة علنية وجدية في الخارجيات الأوروبية عن انحراف «الربيع العربي» عن الأهداف التي أوحى بها في بداياته، وفتحت الباب أمام تطبيع العلاقات مع التيار الرسمي الإسلامي الأوسع، المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين.
وقد لاحت بشائر تحذيرات، لم تذهب بعيدا، في الفرز داخل المعارضات التي ينبغي محضها الدعم المطلوب، بين ما هو جهادي، وما هو ليبرالي. بعضها جاء في الامتناع الأميركي عن تقديم أسلحة للمعارضة السورية، أو أسلحة متقدمة، خوفا من وقوعها في أيدي جهاديين، ولكن الممانعة الأميركية لا تذهب إلى حد إملاء الموقف نفسه على تابعيه القطري والسعودي، اللذين يسلّحان من دون حسبان، جهاديين وغير جهاديين. وبطريقة أوضح في فرنسا، عبّر وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، خلال مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تموز الماضي، عن مخاوف مماثلة لا تزال تملي على الفرنسيين سياسة محسوبة في ملف تسليح المعارضة.
وقال فابيوس إن المطلوب «ليس إسقاط النظام الاستبدادي ليحل محله نظام أصولي». وفي هذا الإطار قال، المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو إن «ما يمنع تسليم أسلحة في الحالة السورية، هو الخطر القائم على ذلك من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية على ضوء التجربة الليبية، هناك إرادة ألا نجد أسلحتنا في أيد لم تكن مرسلة إليها في البداية. وفي الحالة السورية كلما تدهورت الأوضاع ارتفعت احتمالات التطرف».
والأرجح أن يؤدي الاختراق السلفي و«القاعدي» إلى مشكلة للجانب الغربي وحده من المعسكر الداعي إلى تسليح المعارضة السورية، من دون الجانب السعودي والقطري بشكل خاص، وهو الجانب الذي اخذ على عاتقه تسليحا غير محدود لكل القوى التي قاتلت العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، من دون حسبان أخطارها على المصالح الغربية، والفرنسية خصوصا، في منطقة الساحل الأفريقي في مالي والنيجر والجنوب الجزائري وموريتانيا التي تحولت إلى قاعدة أفغانية ـ طالبانية في قلب الصحراء، حيث أقامت في شمال مالي إمارة إسلامية تحتجز فيها 5 رهائن فرنسيين. والحال أن مقتلة بنغازي، وسؤال وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المفجوعة مرتين، مرة بمأساة قتل السفير الأميركي المروعة ومرة بقتله في مدينة «ساهمنا بتحريرها»، يعبّر عن الصدمة الكبيرة وقصر ذات اليد، والعجز عن إجراء مراجعة حقيقية للإستراتيجية الوحيدة التي لا يملك الغربيون سواها حتى الآن.
فالتوقيت الذي اختاره الجهاديون، أي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتحويل احتجاج على فيلم مسيء للنبي محمد، إلى جبهة مفتوحة ضد السفارات الأميركية في كل مكان، لا يتيح خيارات كبيرة للتعامل معها من دون المخاطرة بزعزعة استقرار البلدان التي فتحت النار على الديبلوماسية الأميركية وخصوصا ليبيا.
كما أن الولايات المتحدة ذهبت بعيدا في حربها على النظام السوري، وفي محاولات قلبه، والمراهنة على المعارضة السورية، رغم الريبة من جناحها السلفي، كي تتراجع الآن. وليس واضحا ما إذا كان تفعيل الحرب على الإرهاب، على طريقة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، سيكون احد خيارات الرئيس باراك أوباما. ويقف الرئيس الأميركي أمام خيارات صعبة في الرد عسكريا على قتل سفير أميركي على يد تنظيم إرهابي من دون تعريض حملته الانتخابية إلى مخاطر كبيرة والتورط في مغامرة عسكرية.
ولا يمكن التكهن منذ الآن بالأهداف التي تنطوي عليها أوامره بتوجيه مدمرتين من الأسطول السادس إلى السواحل الليبية، أكثر من محاولة مباشرة وسريعة لاسترضاء الرأي العام الأميركي، الذي يرى في مأساة بنغازي صدمة 11 أيلول أخرى مصغرة.
كما أن هجوما عسكريا في بلد حليف كليبيا قد يحولها إلى باكستان أخرى أو يمن ثانية، علما أن «أنصار الشريعة»، وهو التنظيم المتهم بالهجوم على قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي، يتمركز في مدينة درنة التي خرج منها 800 انتحاري لنصرة «القاعدة» في العراق، بحسب «وثائق سنجار» التي عثرت عليها القوات الأميركية في العام 2008 في معسكر لـ«القاعدة» قرب الحدود العراقية ـ التركية. ومن غير المؤكد أن تتوصل السلطات الليبية، في ظل الانقسامات الحالية التي تسود أطرافها، إلى الإمساك بقتلة السفير الأميركي، وليس بوسعها القيام بذلك من دون المخاطرة بمواجهة غير محسوبة مع الفرع القاعدي الليبي.
وهو عجز بنيوي ينسحب على كل السلطات الخارجة من «الربيع العربي»، التي فشلت في ضبط شارعها «السلفي»، وحيث خرج السلفيون من عباءة «الإخوان المسلمين» في تونس أو مصر أو غيرها. ويضطر كل ذلك الرئيس أوباما إلى خيار لا يحوّل الانتخابات الأميركية المقبلة إلى اقتراع على نتائج سياسته في «الربيع العربي».
فرغم دعمه العسكري والسياسي لبعض ثوراته، في تونس وليبيا ومصر وسوريا، لم يفلح في إحداث أي انقلاب في المزاج الشعبي العربي المعادي للولايات المتحدة، كما عبّر عنه بعد مقتلة بنغازي، توالي الهجمات على السفارات الأميركية والتظاهرات التي لا تبدي أي تعاطف مع مأساة كلينتون وفجيعتها.