خاص جهينة نيوز– كفاح نصر:
يقال إن واشنطن مستعدة لوقف العنف في سوريا، وأكثر من ذلك الاعتراف بانتصار سورية، وأن ترسل ملوكاً وأمراء وحكاماً للاعتذار من الرئيس بشار الأسد، مقابل أن تتعهد روسيا وإيران بدعم واشنطن في أفغانستان، ولكن موسكو قالت: مهما زاد الإرهاب والعدوان، الجيش العربي السوري سينتصر وقد يحسم المعركة داخل الحدود وربما خارجها، فماذا تريد واشنطن من أفغانستان، ولماذا ربطت ساعات الصفر بالملف الأفغاني؟.. وهذا ما كتبته في مقال "طلاس الناتو من خدع من؟"، ولماذا بعد أن سقط مشروعها في سورية تماماً تصرّ على التصعيد..؟، وهل بعد انتصار سورية لا خيار لواشنطن إلا شن حرب على إيران، أم أن العالم بصدد حرب باردة جديدة، أم سيكون هناك تسوية كبرى؟!..
العديد من الأسئلة المطروحة ستكون تحت مشرحة البحث والتحليل وضمن سلسلة قصيرة في حرب الغاز، تمكن القارئ من استقراء المستقبل القادم.
مقدمة لا بد منها
قبل أكثر من عام كتبت فصول حرب الغاز تحت اسم "الياسمينة الزرقاء"، والتي بسببها تمّ استهداف لبنان 2006 وسورية 2011، وفي إحدى رسائل القراء طُلب مني توضيح طبيعة الصراع المستجد وسط آسيا، ولماذا التصعيد في سورية يرتبط بالتصعيد في أفغانستان، ولماذا هناك توقع بإزدياد التناقض الأمريكي الباكستاني، ولماذا الروسي يعترض على محادثات واشنطن طالبان في الدوحة، ولماذا تصاعد سباق التسلح بين روسيا وواشنطن، وما هو سر التحالف الإيراني الروسي المفاجئ، وبشكل خاص السؤال الأهم المطروح من القراء: طالما واشنطن أدركت أن مشروع نابوكو لن يوصلها لهدفها بعد تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، وبالتالي تهديد مصادر طاقة الغرب في حال تهديد أسواق روسيا أوإيران، على ماذا بقيت واشنطن تقاتل في سورية...؟.. وفي هذا السلسلة القصيرة، سأحاول أن أكشف للقراء طبيعة الصراع ما بعد انتصار سورية، وبعض أسرار السياسة الدولية التي ثبت بشكل مطلق أن أنابيب ومصادر الطاقة هي المحرك الرئيسي للعلاقات بين الدول، كما قال سابقاً الباحث الروسي نيقولاي ستاريكوف.
الصراع على وسط آسيا والقطب الشمالي
ذكرت في سلسلة الياسمينة الزرقاء سابقاً، أن الأمريكي بالتحديد يريد وسط آسيا وبالذات ثروات بحر قزوين، وفي إستراتيجيته بعيدة المدى، القطب المتجمد الشمالي، والصراع على وسط آسيا لم يعد مجرد مقال من مقالات الياسمينة الزرقاء، بل مندوب روسيا في مجلس الأمن قال للوزير القطري نفهم طبيعة الصراع على إمدادات الغاز، وكذلك الرئيس بشار الأسد في لقاء صحفي كشف أن الصراع في سورية يستهدف الوصول إلى ثروات وسط آسيا، والصراع على وسط آسيا لم يعد سراً، وبالتالي اللعب السياسي أصبح مكشوفاً تماماً، وبالطبع الأمريكي يقاتل لأجل الطاقة، ويدرك تماماً أنه لا يمكنه الوصول إلى هذه المناطق (وسط آسيا– القطب الشمالي) إلا إذا أضعف روسيا وجعلها تغرق بمشاكلها الداخلية، وحرب الغاز المعلنة ضد صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط نابوكو سقطت مع صمود سورية، وسقطت مرة ثانية حين أعلنت إيران نيتها إغلاق مضيق هرمز، وسقط أصلاً خط نابوكو مع خروج هنغاريا من هذا المشروع.. وقد كتبت سابقاً عن هذا الأمر، فمنذ نهاية العام 2011 أعلنت روسيا أنها انتصرت في سورية، وكتبت عن هذا الأمر في مقال "بوتين يبتسم منتصراً في سورية"، ولكن اعتراف واشنطن بقوة روسيا وخضوعها في معركة إسقاط سورية لا يعني نهاية الصراع على ثروات وسط آسيا، وثروات القطب الشمالي، بل يعني تغيّر طبيعة الصراع.
خيارات الوصول إلى وسط آسيا
عبر القوقاز الروسي:
الأمريكي بدأ معركة الوصول إلى وسط آسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ولكن الصراع في تلك الفترة قبل بدء الدول بالانضمام إلى اتفاقية كيوتو، كان يقتصر على النفط، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت دول الخليج بضخ النفط بكميات غير مسبوقة، وتمّ إضعاف الاقتصاد الروسي، فيما كانت روسيا تتخبّط داخلياً بسبب سياسة الرئيس الراحل بوريس يلتسن، وتمّ إشعال القوقاز الروسي، وبالذات منطقة الشيشان المطلة على بحر قزوين، والأمريكي إذا استطاع سلخ الشيشان وداغستان عن روسيا يمكنه الوصول والسيطرة المطلقة على منطقة وسط آسيا، فضلاً عن السيطرة على جزء كبير من مصادر الطاقة الروسية نفسها، وإضعافها تماماً، فطريق السيطرة على القطب الشمالي تمرّ حصرياً من السيطرة على وسط آسيا ومعها القوقاز الروسي، لأن الوصول إلى القطب الشمالي يحتاج إلى روسيا منهارة ولا يوجد في القطب الشمالي ما يمكن لواشنطن أن تشعله، والإرهاب الوهابي لا ينفع بين الثلوج في القطب الشمالي، وبالتالي الوصول إلى القطب الشمالي بالمنظور الأمريكي هو نتيجة للوصول إلى القوقاز الروسي، أي أن وسط آسيا هدف أساسي لواشنطن على مدار السنوات القادمة وبأشكال مختلفة.
عبر إيران:
ومن أهم طرق الوصول إلى وسط آسيا، إسقاط جنوب بحر قزوين، وفي العام 2002 تمّ احتلال أفغانستان، وفي العام 2003 تمّ احتلال العراق، وبقي احتلال إيران، فاحتلال إيران بثروات غازها وموقعها الجيوسياسي، يكفي للقضاء على الاقتصاد الروسي والوصول إلى وسط آسيا والبدء بإضعاف روسيا، بل وإسقاط القوقاز، ولكن روسيا منذ الإعلان عن خط نابوكو أدركت الخطر، واعتبرت خط نابوكو بمثابة عمل عدائي ضدها، رغم تناقضاتها مع إيران دافعت عنها وبدأ يظهر تحالف سري بين روسيا وإيران، ورغم كل الحديث عن المشروع النووي الإيراني لم تستطع واشنطن شن عدوان على إيران، وبالطبع لأن إيران منذ غزو أفغانستان بدأت بتطوير قدرات صاروخية مرعبة يعتقد أن روسيا ساهمت بها، والمشروع النووي الإيراني لم يكن في أي ساعة مشكلة واشنطن، بل مشكلتها هي الوصول إلى وسط آسيا والسيطرة على الغاز الإيراني فقط لا غير.
والبعض يربط قدرات إيران الصاروخية والتقنية كونها استطاعت جذب الكثير من العلماء السوفييت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حين كان عرب واشنطن في الخليج يتسابقون إلى جذب أكبر عدد من العاهرات والرقيق الأبيض من الجمهوريات السوفييتية المنحلة وخاصة جورجيا، ولكن الصراع خلال العشر سنوات الماضية أثبت أن الوصول إلى وسط آسيا عبر إيران مشروع ساقط، وكلفة الحرب على إيران قد تكون انهيار الاقتصاد العالمي ومع كل يوم يمر تزداد إيران قوة، ومنذ ذهاب وزير الطاقة التركي إلى روسيا وتسليم روسيا وثيقة مد خط غاز السيل الجنوبي وهو بديل خط نابوكو سقط مشروع ضرب روسيا عبر البوابة السورية، وبالتالي واشنطن في حرب الوصول إلى وسط آسيا، سقطت من خلال الحرب على إيران، وسقطت من خلال تأمين بديل للغاز الروسي إلى أوروبا بعد صمود سورية، وانتقل الصراع إلى مكان آخر وهو ما سنتكلم عنه في الجزء القادم.
المصدر
يقال إن واشنطن مستعدة لوقف العنف في سوريا، وأكثر من ذلك الاعتراف بانتصار سورية، وأن ترسل ملوكاً وأمراء وحكاماً للاعتذار من الرئيس بشار الأسد، مقابل أن تتعهد روسيا وإيران بدعم واشنطن في أفغانستان، ولكن موسكو قالت: مهما زاد الإرهاب والعدوان، الجيش العربي السوري سينتصر وقد يحسم المعركة داخل الحدود وربما خارجها، فماذا تريد واشنطن من أفغانستان، ولماذا ربطت ساعات الصفر بالملف الأفغاني؟.. وهذا ما كتبته في مقال "طلاس الناتو من خدع من؟"، ولماذا بعد أن سقط مشروعها في سورية تماماً تصرّ على التصعيد..؟، وهل بعد انتصار سورية لا خيار لواشنطن إلا شن حرب على إيران، أم أن العالم بصدد حرب باردة جديدة، أم سيكون هناك تسوية كبرى؟!..
العديد من الأسئلة المطروحة ستكون تحت مشرحة البحث والتحليل وضمن سلسلة قصيرة في حرب الغاز، تمكن القارئ من استقراء المستقبل القادم.
مقدمة لا بد منها
قبل أكثر من عام كتبت فصول حرب الغاز تحت اسم "الياسمينة الزرقاء"، والتي بسببها تمّ استهداف لبنان 2006 وسورية 2011، وفي إحدى رسائل القراء طُلب مني توضيح طبيعة الصراع المستجد وسط آسيا، ولماذا التصعيد في سورية يرتبط بالتصعيد في أفغانستان، ولماذا هناك توقع بإزدياد التناقض الأمريكي الباكستاني، ولماذا الروسي يعترض على محادثات واشنطن طالبان في الدوحة، ولماذا تصاعد سباق التسلح بين روسيا وواشنطن، وما هو سر التحالف الإيراني الروسي المفاجئ، وبشكل خاص السؤال الأهم المطروح من القراء: طالما واشنطن أدركت أن مشروع نابوكو لن يوصلها لهدفها بعد تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، وبالتالي تهديد مصادر طاقة الغرب في حال تهديد أسواق روسيا أوإيران، على ماذا بقيت واشنطن تقاتل في سورية...؟.. وفي هذا السلسلة القصيرة، سأحاول أن أكشف للقراء طبيعة الصراع ما بعد انتصار سورية، وبعض أسرار السياسة الدولية التي ثبت بشكل مطلق أن أنابيب ومصادر الطاقة هي المحرك الرئيسي للعلاقات بين الدول، كما قال سابقاً الباحث الروسي نيقولاي ستاريكوف.
الصراع على وسط آسيا والقطب الشمالي
ذكرت في سلسلة الياسمينة الزرقاء سابقاً، أن الأمريكي بالتحديد يريد وسط آسيا وبالذات ثروات بحر قزوين، وفي إستراتيجيته بعيدة المدى، القطب المتجمد الشمالي، والصراع على وسط آسيا لم يعد مجرد مقال من مقالات الياسمينة الزرقاء، بل مندوب روسيا في مجلس الأمن قال للوزير القطري نفهم طبيعة الصراع على إمدادات الغاز، وكذلك الرئيس بشار الأسد في لقاء صحفي كشف أن الصراع في سورية يستهدف الوصول إلى ثروات وسط آسيا، والصراع على وسط آسيا لم يعد سراً، وبالتالي اللعب السياسي أصبح مكشوفاً تماماً، وبالطبع الأمريكي يقاتل لأجل الطاقة، ويدرك تماماً أنه لا يمكنه الوصول إلى هذه المناطق (وسط آسيا– القطب الشمالي) إلا إذا أضعف روسيا وجعلها تغرق بمشاكلها الداخلية، وحرب الغاز المعلنة ضد صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط نابوكو سقطت مع صمود سورية، وسقطت مرة ثانية حين أعلنت إيران نيتها إغلاق مضيق هرمز، وسقط أصلاً خط نابوكو مع خروج هنغاريا من هذا المشروع.. وقد كتبت سابقاً عن هذا الأمر، فمنذ نهاية العام 2011 أعلنت روسيا أنها انتصرت في سورية، وكتبت عن هذا الأمر في مقال "بوتين يبتسم منتصراً في سورية"، ولكن اعتراف واشنطن بقوة روسيا وخضوعها في معركة إسقاط سورية لا يعني نهاية الصراع على ثروات وسط آسيا، وثروات القطب الشمالي، بل يعني تغيّر طبيعة الصراع.
خيارات الوصول إلى وسط آسيا
عبر القوقاز الروسي:
الأمريكي بدأ معركة الوصول إلى وسط آسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ولكن الصراع في تلك الفترة قبل بدء الدول بالانضمام إلى اتفاقية كيوتو، كان يقتصر على النفط، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت دول الخليج بضخ النفط بكميات غير مسبوقة، وتمّ إضعاف الاقتصاد الروسي، فيما كانت روسيا تتخبّط داخلياً بسبب سياسة الرئيس الراحل بوريس يلتسن، وتمّ إشعال القوقاز الروسي، وبالذات منطقة الشيشان المطلة على بحر قزوين، والأمريكي إذا استطاع سلخ الشيشان وداغستان عن روسيا يمكنه الوصول والسيطرة المطلقة على منطقة وسط آسيا، فضلاً عن السيطرة على جزء كبير من مصادر الطاقة الروسية نفسها، وإضعافها تماماً، فطريق السيطرة على القطب الشمالي تمرّ حصرياً من السيطرة على وسط آسيا ومعها القوقاز الروسي، لأن الوصول إلى القطب الشمالي يحتاج إلى روسيا منهارة ولا يوجد في القطب الشمالي ما يمكن لواشنطن أن تشعله، والإرهاب الوهابي لا ينفع بين الثلوج في القطب الشمالي، وبالتالي الوصول إلى القطب الشمالي بالمنظور الأمريكي هو نتيجة للوصول إلى القوقاز الروسي، أي أن وسط آسيا هدف أساسي لواشنطن على مدار السنوات القادمة وبأشكال مختلفة.
عبر إيران:
ومن أهم طرق الوصول إلى وسط آسيا، إسقاط جنوب بحر قزوين، وفي العام 2002 تمّ احتلال أفغانستان، وفي العام 2003 تمّ احتلال العراق، وبقي احتلال إيران، فاحتلال إيران بثروات غازها وموقعها الجيوسياسي، يكفي للقضاء على الاقتصاد الروسي والوصول إلى وسط آسيا والبدء بإضعاف روسيا، بل وإسقاط القوقاز، ولكن روسيا منذ الإعلان عن خط نابوكو أدركت الخطر، واعتبرت خط نابوكو بمثابة عمل عدائي ضدها، رغم تناقضاتها مع إيران دافعت عنها وبدأ يظهر تحالف سري بين روسيا وإيران، ورغم كل الحديث عن المشروع النووي الإيراني لم تستطع واشنطن شن عدوان على إيران، وبالطبع لأن إيران منذ غزو أفغانستان بدأت بتطوير قدرات صاروخية مرعبة يعتقد أن روسيا ساهمت بها، والمشروع النووي الإيراني لم يكن في أي ساعة مشكلة واشنطن، بل مشكلتها هي الوصول إلى وسط آسيا والسيطرة على الغاز الإيراني فقط لا غير.
والبعض يربط قدرات إيران الصاروخية والتقنية كونها استطاعت جذب الكثير من العلماء السوفييت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حين كان عرب واشنطن في الخليج يتسابقون إلى جذب أكبر عدد من العاهرات والرقيق الأبيض من الجمهوريات السوفييتية المنحلة وخاصة جورجيا، ولكن الصراع خلال العشر سنوات الماضية أثبت أن الوصول إلى وسط آسيا عبر إيران مشروع ساقط، وكلفة الحرب على إيران قد تكون انهيار الاقتصاد العالمي ومع كل يوم يمر تزداد إيران قوة، ومنذ ذهاب وزير الطاقة التركي إلى روسيا وتسليم روسيا وثيقة مد خط غاز السيل الجنوبي وهو بديل خط نابوكو سقط مشروع ضرب روسيا عبر البوابة السورية، وبالتالي واشنطن في حرب الوصول إلى وسط آسيا، سقطت من خلال الحرب على إيران، وسقطت من خلال تأمين بديل للغاز الروسي إلى أوروبا بعد صمود سورية، وانتقل الصراع إلى مكان آخر وهو ما سنتكلم عنه في الجزء القادم.
المصدر