لاأدري كيف سأكتب لكم عن حلب .. حلب ليست دمشق .. وربما كانت أعصاب الدنيا معلقة الآن في حلب .. وكذلك أعصاب القرن الواحد والعشرين مشدودة الى حلب.. تكاد حلب تخطف الأضواء من دمشق وتكاد تنتزع من عنق دمشق قلادة العاصمة وتضعها على جيدها .. وربما تأخذ منها رداءها الطويل المقدس وتخلع عنها عباءتها الأموية لتضع على كتفيها عباءة سيف الدولة .. هل من المعقول أن الدنيا كلها تقف من جديد تنتظر على أعتاب "سيف الدولة" كما انتظرته جيوش الروم قلقة.. وماهو السر الذي تخفيه حلب عنا؟؟
هل لأن حلب أجمل امرأة في الشرق وأكثر أنوثة من غيرها؟ ..هل لأنها المرأة التي كانت تمر على خصرها قوافل الحرير.. والحرير؟...هل لأنه لاتوجد مدينة في الدنيا تضاهي حلب في الوجدان العربي حيث حيكت أجمل قصائد العرب على الاطلاق وحيث نسجت كسوة قلعتها كما لو كانت كسوة الكعبة من حكايات الوفاء والحب والفخر وحكايا الخيل والليل والبيداء .. وحيث قصص الحسد والعتاب والفراق بين الأصدقاء والأحبة .. فهناك سكب المتنبي أجمل المسبوكات الذهبية العربية بلا ريب.. وهناك لايزال المتنبي في ضمائرنا يقف حارسا في شوارعها ولايزال يعانق سيف الدولة ... وهناك لايزال صوت نشيج أبي فراس وشكواه الى حمامة طليقة ..
قلت لكم ان حلب ليست دمشق .. وكنت أعني ماأقول .. فدمشق التي قاتلت منذ أيام كانت تدافع عن نفسها وعن حلب وعن بقية المدن السورية .. أما تميز حلب فلأنها اليوم تمسك بيدها كل مصائر المدن الكبرى في الشرق الأوسط .. هذه المدينة البيضاء..تمسك بيديها ظلام وسواد وليل وخوف المدن الشرقية الكبرى .. هناك مدن ترتجف في الشرق شمال حلب وجنوب دمشق ..تخشى أن تشد حلب بيدها السلاسل الممتدة تحت الأرض منها الى المدن البعيدة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا فتهتز وقد تنهار المدائن الكبيرة .. ولعل من أجمل توصيفات حلب هو أن قدرها اليوم أن تكون مدينة تمسك بأقدار العواصم الأخرى مثل أنقرة وتل أبيب والرياض والدوحة وربما أبعد .. وهي التي ستقرر مصائر سياسيين وقادة في المنطقة وأسر عتيقة حاكمة ..
لاألوم أردوغان وهو متوتر من معركة حلب وكأنه سيخسر القسطنطينية (استانبول) ويرسل بطاريات الصواريخ والعسكر.. لأنها معركة مصيره السياسي .. وربما من حلب تتشقق كل تركيا ويتشقق رأس اردوغان وحزب العدالة والتنمية كله .. ان لم ينتصر أردوغان في حلب هزم في تركيا نفسها وربما تحاصره المحاكم التي ستنتظره وتقلبات مزاج العسكر .. وكذلك ان لم ينتصر في حلب وجد نفسه أمام فم واسع وبلعوم لكل الأزمات التي نهضت من انفلات حزب العمال الى تفاقم الازمة الاقتصادية الى التململ من تذبذباته .. وربما من حلب سيخرج عبد الله أوجلان من جزيرة مرمرة .. وهذا ماقيل عن أحد الشروط السورية في احدى جولات المفاوضات مع أوغلو .. السوريون يريدون عبد الله أوجلان طليقا تقديرا لاخلاصه لهم !!وهدية للاكراد في علاقة تفاهم وانسجام معهم .. ولامبالغة ان قيل بأن معركة حلب ليست معركة الرئيس بشار الأسد بل معركة أردوغان الأخيرة..
العربان في الخليج وهم ليسوا بقوم محاربين يحسون بتلاطم مياه الخليج من هدير الدبابات السورية حول حلب ويبدو أن الحر الذي يحرقهم هذا الصيف ليس حر الطقس والرمال اللاهبة بل حر التوتر والانفعال وحبس الأنفاس وحرارة الحمى .. ربما حمى الخوف .. صارت كل الأرواح معلقة في قلعة حلب وتتدلى منها ..لأن انتصار الجيش السوري في معركة حلب سيغير كل اتجاه الأزمة السورية التي لن تنتهي نهائيا لكنها ستدخل مرحلة قبول الأمر الواقع المتمثل في استحالة اسقاط الأسد ..والبقاء على العداء معه .. لكن الآن ان تمكن الأسد من اخماد أنفاس المتمردين في حلب فهذا سيسبب عمليا احباطا لكل المقاتلين الذين انضموا للقتال الى جانب المعارضة .. والذين سيسيطر عليهم شعور باللاجدوى واللاأمل .. شعور سيشبه ماتلا سحق تمرد مدينة حماة في الثمانينات .. فالتمرد آنذاك لم يمت لكنه فقد زخمه نفسيا وهاجر المقاتلون ولم يعودوا ..الا بعد ثلاثين سنة وعبر هذه الأزمة ..
وهناك قلق خاص لدى الدوحة والرياض من أن العداء مع الاسد دخل مرحلة خطيرة للغاية خاصة اذا مااعتبر الأسد ان للقطريين والسعوديين دورا رئيسيا في مساعدة المخابرات الغربية في اغتيال قادته الأربعة وبالذات العماد آصف شوكت .. فالعماد آصف شوكت تربطه قرابة عائلية بالأسد واستهدافه استهداف لدم الأسد نفسه .. الذي شكل فقدانه لشوكت جرحا لايندمل فهذه أول مرة في تاريخ عائلة الأسد التي تفقد أحد أفرادها اغتيالا .. ولذلك فان العقلية البدوية الخليجية تنظر للأمر بمنطق بدوي صحراوي على أن نجاة الأسد من الهزيمة في معركة دمشق وبعدها في حلب واستقراره بحكم الأمر الواقع .. سيجعله يستدير استخباراتيا .. ليثأر من قتلة قادته .. ويتحول الى اصطياد الذئاب .. وعبرت رسالة قطرية غامضة الى المملكة العربية السعودية سربت الى احدى السفارات العربية ووصلت الى بعض الديبلوماسيين مؤخرا من خشيتها أن افلات الأسد من الهزيمة سيعقبه عملية ثأر شرسة .. من بندر بن سلطان وبعض رجال الحكم السعودي لأن الأسد حسب زعم الرسالة ربما سيرى أن دم شوكت لن يهدأ الا بدم بندر .. وتقول الرسالة انها لاتستبعد أن يخصص الأسد وحدة للاستخبارات الشرسة لامهمة لها الا اصطياد الرؤوس المتورطة بدم قادته (دون أن يلومه أحد) .. بندر بن سلطان .. وحمد بن جاسم.. تحديدا..ولذلك فان معركة حلب فاصلة لهذه الرؤوس.
على كل حال .. كيف نعرف ماالذي يحدث في حلب علينا أن ندخل عقل الخصم .. والخصم ليس المعارضة السورية المسلحة فهؤلاء لاعقول لهم بل ينفذون تعليمات الخصم حيث العبقرية الشيطانية .. الخصم هو الغرب والناتو بما فيه تركيا .. والخصم في حروبه يركز على شيئين .. القوة الجوية والقوة النفسية .. لاشك ان القوة الجوية الغربية لايستهان بها لكن هذه القوة لديها مؤشرات على أن الروس قد بنوا للسوريين حائط الصواريخ الذي يريدونه .. والطائرات التي تقترب من الحائط لن تعود بنسبة 90% ودرس الطائرة التركية دليل قوي على ذلك .. والمعادلة الجديدة هي أن الدفاعات الجوية السورية قد ألغت قيمة التفوق الجوي الغربي أو على الاقل قللت كثيرا من أهميته .. ولذلك تلكأ الناتو في تفويض الأتراك بالتدخل..
أما القوة النفسية العاتية فهي الحرب النفسية التي بالتجربة حطمت عدة جيوش ومنها الجيش العراقي الكبير عبر ماكانت تبثه قناة الجزيرة والتي حاولت تكرار الأسلوب في حرب تموز 2006 بالترويج لعنف العصف الجوي الاسرائيلي بنشر صور الدمار وصور الموت بحجة فضح الجيش الاسرائيلي .. لكن الحقيقة أن ذلك كان لارهاب جمهور حزب الله وترويعه والضغط نفسيا على مقاتليه وقيادته..
وتحاول القوى الغربية عند مهاجمة الخصم ضرب عاصمته فورا دون اضاعة الوقت في الاجتياح من المحيط نحو المركز .. بل من الغريب أن أسلوب قتل الخصم هو تجنب المحيط واصطياد المركز لتوفير حرب ومعارك المحيط .. وهذا ماحدث بالضبط في العراق .. فالامريكيون لم يبذلوا الكثير لاحتلال أم القصر أو البصرة أو الناصرية .. بل ان أم القصر تلك المدينة الصغيرة قاومتهم ثلاثة اسابيع ولم تخل من المقاتلين نهائيا الا بعد سقوط بغداد .. ومافعله الأمريكيون هوالقاعدة التالية: اتجهوا نحو المدن الرئيسية ولا تدخلوها بل طوقوها وامنعوها عن تقديم الدعم للعاصمة ..أما العاصمة فأسقطوها تلفزيونيا وسينمائيا وحطموا أرواح أهلها نفسيا واسحقوا معنويات مقاتليها ثم ادخلوها ..انه الاجتياح من المركز نحو المحيط بعكس كل حروب التاريخ حيث تقاتل الأطراف وتتآكل تدريجيا الى حين الوصول الى رأس الدولة ... العاصمة..حيث المعركة الفاصلة..
وحتى هذه اللحظة لاأحد يعرف على وجه الضبط كيف سقطت بغداد ..فلا يزال سقوط مدينة محصنة فيها 5 ملايين نسمة يثير الحيرة خاصة وان الكثير من السياسيين الغربيين والمراقبين الغربيين كانوا قلقين جدا من دخول بغداد أو البصرة ويتوقعون مذبحة بحق القوات المقتحمة .. لكن المهمة تحققت بسرعة قياسية وبلا خسائر .. البعض روج لخيانة فرطت الجيش العراقي والبعض روج بأن الامريكان استعملوا القنبلة العجيبة في مطار بغداد فانفرط الجيش العراقي .. وذهب آخرون الى أن الامريكيين لم يدخلوا الا ممرا وشريطا ضيقا نحو ساحة الفردوس لتصوير سقوط التمثال مع مجموعة من الممثلين الكومبارس المستقدمين من المعارضة العراقية والكويت فصدق المحاربون الموالون للجيش العراقي السقوط وامتنعوا عن القتال الذي صار بلاجدوى .. فيما قال آخرون ان ساحة الفردوس كلها التي ظهرت كانت ساحة مزيفة ومشهد سقوط التمثال كان سينمائيا لكنه أعطى الانطباع أن الأمريكيين دخلوا بغداد ..
المهم أن سقوط العاصمة شتت انتباه الجيش العراقي وتم الترويج بشكل واسع لموت صدام حسين في قصف مطعم الساعة وبالطبع تم شل الاعلام العراقي بالكامل وتقطعت أوصال الاتصالات بين القيادات التي كان من الممكن التثبت من كل الشائعات ونفيها بسرعة .. ولم يكن الامريكان يحتاجون أكثر من هذه السويعات من الدهشة والتوهان والغيبوبة ..وماهي الا ساعات قليلة حتى بدأت فرق النخبة المحاربة العراقية تعلن استسلامها..أقوى المحاربين وأصلب الفرق رفعت الراية البيضاء .. وكان القادة الامريكيون يمرون على الدبابات العراقية المصطفة بالعشرات وقد تدلت سبطاناتها نحو الاسفل في اشارة على الاستسلام .. ورأيت أحد قادة الفيالق الأمريكيين سعيدا وهو يربت على مدفع احدى الدبابات الحديثة وهو يقول: رائع .. رائع .. دبابات رائعة وشرسة .. كان من الممكن أن تقاتلنا أشهرا في محيط المدن..
واليوم كان يراد احداث نفس السيناريو في سورية من دمشق ..أي اجتياح من المركز نحو المحيط باسقاط العاصمة نفسيا واعلاميا لساعات عبر اغتيال القادة الكبار الذي يتزامن مع خروج آلاف المقاتلين من مكامنهم فور اعطائهم الاشارة ويتم تصوير استيلائهم على نقاط حيوية رمزية في دمشق .. واشاعة اصابة الرئيس .. كل هذا لتسود البلبلة بين المقاتلين وانفراط الجيش السوري في دمشق أثناء الساعات التالية للصدمة .. ومن الممكن اقتتال القطع العسكرية بسبب اختلاف قادتها في تفسير الموقف والتعامل معه في غياب توجيهات القيادات المذهولة وغياب التوجيهات الرئاسية التي ستتفاجأ بزخم التحرك ..وهول الخسارة..وهنا تعم الفوضى غالبا في المدن المحيطة فتتهاوى تباعا ..
لكن هذه الخطة كانت تفتقد عنصرين هامين هما الدعم الجوي للمقاتلين والقدرة على شل شبكة الاتصالات القيادية السورية .. حيث أن المقاتلات الجوية الغربية كانت ستعيق تحرك الجيش السوري وتسمح بتمدد التمرد ..كما أن غياب الاتصالات سيلقي مزيدا من الريبة على مصير الرئيس لدى القادة الميدانيين والشعب تماما كما حدث في بغداد بعد قصف مطعم الساعة في حي المنصور ..لكن الرئيس الأسد بقي على اتصال مع الجميع وفي فترة وجيزة أعلن عن سد الثغرة القيادية في شخص وزير دفاع يوصف في التقارير الغربية بالشرس جدا..
وقد اشار أحد التقارير ان المخططين الغربيين كانوا يعرفون أن فجوة غياب الغطاء الجوي ليست في صالح المعارضة لكن الفكرة البديلة عند فشل اسقاط الأسد في الساعات الأولى كانت تعتمد أساسا على الوقت وعلى بسالة المعارضة التي ستصمد اسبوعين على اقل تقدير حيث يضطر النظام لأن يحشد كل قوته الضاربة في نزق وعصبية لاستعادة دمشق .. وعندها تنهض معركة حلب في الاسبوع الثاني والنظام قد تم امتصاص قوته الى دمشق ..فيزداد تخبطه وعليه عندها أن يخسر احدى عاصمتيه لانقاذ واحدة منهما.. فتكثر الأمم المتحدة الضجيج لادخال قوات فصل و (قبعات زرق) .. وتبدأ الحكاية الطويلة في مناطق للمعارضة تتقوى وتزداد مناعة ويرد اليها المزيد من المقاتلين والمنشقين والعتاد وتصبح امرا واقعا في مواجهة المناطق الخاضعة للسلطة التي تلقت ضربة معنوية قاسية وهنا تبدأ مرحلة التخلخل البنيوي للجيش السوري وجمهور الدولة الوطنية .. وعلى طرفي خطوط التماس وعلى ضفاف منطقة القبعات الزرق سينشأ الانفصال النفسي والاجتماعي وربما جدار برلين .. وحكومتان .. ودولتان ..على غرار برلين الشرقية وبرلين الغربية ..دمشق الشرقية ودمشق الغربية !!!. فكل حكومات المنافي لاتساوي حكومة على الأرض وفي الميدان..ومن هنا يتم الانطلاق..
ماحدث كان مفاجأة وهو أن معركة دمشق امتدت لساعات فقط وكانت حاسمة على غير توقع من جميع الخبراء الذين تنبؤوا بهزيمة المعارضة في غياب الضغط الجوي والاسناد الناري من الخارج لكن بعد أن يصمد المقاتلون لأسبوعين على الأقل .. والبعض قال ربما لن تتمكن الدولة من هزيمتهم الا بعد شهر كامل بعد أن تدفع آلاف القتلى من جنودها ثمنا للنصر في حرب الشوارع ..وقد تبين "أن الجيش السوري كان في حفلة صيد .. "حفلة صيد الارانب البرية" ..على حد تعبير صحيفة ايطالية ..
وفجأة وجد الحلفاء أنفسهم أمام خيار (حلب تقاتل وحيدة) التي كانت بانتظار صمود معارضي دمشق.. فاذا بها تنتهي وحيدة يسميها المراقبون العسكريون انها تشبه عملية (الكاميكاز) اي العمليات الانتحارية .. أي ان قتال حلب دون دمشق المرهقة هو عملية كاميكاز حيث سيلقى بمجموعة المقاتلين في حلب في مواجهة جيش سوري مدرب قد انتهى كليا من صيد الأرانب البرية في دمشق ..ليتفرغ لاصطيادهم ..
يسعى الغربيون في معركة حلب الانتحارية كما كشفت اتصالات تم اعتراضها الكترونيا الى جعل المعارضة تقاتل عبر امواج متلاحقة يتواصل تدفقها من تركيا للاستيلاء على الأطراف .. هذه هي الخطة الاحتياط لمدينة حلب -وهي الخطة التي كانت دوما في الأدراج لحين حلول الوقت المناسب - هذه الخطة تقول لايجب تكرار خطأ التلكؤ في درعا وبانياس وحمص وادلب .. كان يجب امداد المقاتلين في هذه المدن المحيطية بشكل أكثر فعالية واكثر "وقاحة وتحديا" .. لايجب تكرار خطأ بابا عمرو بالذات عندما تم الاعتماد على المقاتلين دون استدراج مجلس الأمن بسبب الروس ..
في حلب هذه المرة سينتظر المقاتلون مجلس الأمن والناتو الذي سيأتي من غير تفويض رسمي .. مجلس أمن ثائر يشبه عمله عمل جيمس بوند .. والمقصود بذلك اقامة غرف عمليات من قبل الناتو على حدود حلب .. بحيث تشارك الأقمار الصناعية الغربية في توجيه المقاتلين وتحذيرهم من حشود الدبابات وتحرك المروحيات .. فحلب مدينة على حدود الناتو ويجب أن تغامر تركيا ببعض التحرك مثل الدخول الصامت والبارد في الحرب لكن دون اعلانها .. أي الدخول بالرادارات وطائرات التجسس وقيادة العمليات واختيار الأهداف والخواصر الرخوة للقوات السورية وتوجيه المقاتلين مباشرة بناء على معطيات الاستطلاع والرادارات لانقاذهم من اطباق محاولات الحصار وارشادهم لاحكام حصار الوحدات المعزولة .. وبالطبع مع بهارات أردوغان وتوابله الحارة في تصريحاته ليصبح للمشهد مذاق الحرب الساخنة الملتهبة دون نيران..لاطالة المعارك ماأمكن ..
ويبدو للكثيرين أن معركة حلب أهم من دمشق لأنه سيتم فيها تدارك كل أخطاء المدن التي سقطت بيد الجيش السوري .. وتبدو حلب اليوم في عيون المعارضة هي مجموع كل المدن المهزومة فهي: حمص (بابا عمرو) وادلب وحماة ودرعا وبانياس ودمشق-الميدان .. وكل الاخطاء التي أسقطت هذه المدن سيتم تداركها وستكون حلب هي أول مدينة قد لاتخرج عن سيطرة النظام بالكامل لكنها ستشكل أول تعثر للنظام وأول عملية مكلفة ونازفة لقواته .. وحلب هي التي ستبقى أمواج المقاتلين تتلاحق اليها من تركيا لاطالة أمد المعركة وكسر هيبة الجيش السوري بعدم قدرته على الحسم ..
ولكن بالمقابل لايعرف الكثير عن خطة الجيش السوري الذي تتحرك الوحدات الخاصة منه داخل المدينة وحولها وفق تكتيك لاتكشف عنه القيادة السورية ويقال ان الخطة الموضوعة منذ أشهر وسميت "خوذة القلعة" هي التي ستعتمد لأن السوريين ومنذ عنتريات أردوغان وضعوا في حسبانهم ذلك واستعدوا له .. فيما على الحدود تتم عملية خاصة ربما ستشكل مفاجأة المعركة .. والملفت للنظر أن الخبراء الغربيين على العموم والواقعيين منهم على الخصوص لايعولون على معركة حلب الا من حيث امكانية انزال خسائر كبيرة بالجيش السوري لاهانته وتصوير آلياته المحترقة وأسر بعض الجنود وبالتالي الانتقال لمرحلة اعلان حلب معقل المعارضة .. فلاهي بنغازي ولاهي كوسوفو بل مدينة رمادية بلا سيطرة لأحد .. وهي مدينة الطرفين ..أي انها ستكون روما التي حاصرها هانيبعل القرطاجي عدة سنوات وتردد في اجتياحها عدة مرات فاجتاحته ..
لكن من يتحدث الى القادة السوريين الميدانيين ويسألهم عن امكانية تكرار عملية صيد الأرانب البرية التي كانت في دمشق يأتي الجواب بأنهم يعتقدون بأنه ان كانت معركة دمشق لصيد الأرانب البرية فان معركة حلب ستكون لصيد الثعالب .. لأن صيد الأرانب البرية عملية ليس فيها اثارة ولاابتكار بل دقة تسديد وهدوء أعصاب وسرعة اطلاق النار على هدف لايهدأ .. بينما صيد الثعالب مطاردة يتمتع فيها الصياد ..ويمارس هواية المطاردة للثعالب المراوغة .. وفي النهاية يفوز بالفراء غالي الثمن..
لقد امتلأت حلب بالثعالب .. ولكنها أيضا امتلأت بصيادي الثعالب .. فانتظروا انسحابا تكتيكيا .. للثعالب.. قبل أن تعود القوات السورية تجر عربات مليئة بفراء الثعالب .. والأقفاص المليئة بالثعالب
Comment