لهذا لن تتخلى روســــــيا عن القيادة الســـورية
فشل لقاء اوباما ـ بوتين في إيجاد مخرج للاستعصاء السوري، واقتصر على تأكيد عناوين عامة مثل "ضرورة وقف العنف وإيجاد عملية سياسية لمنع الحرب الأهلية"
، وهذه أشياء من باب المبادئ العامة.
اوباما حاول تسويق (حل) يأتي على حساب رأس النظام السوري، وقد مهد الأمريكيون لذلك بإطلاق بالونات اختبار عن مرحلة انتقالية بغير القيادة السورية سبقت اجتماع الرئيسين في لوس كابوس حيث عقدت قمة الدول العشرين.
كما تولى الفرنسيون جزءاً، فيما الجزء الآخر تولته واشنطن على لسان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية التي مررت كلاماً مفاده
"ان واشنطن وموسكو تبحثان استراتيجية لسوريا بعد الاسد"،
ثم كلام لسفير بلادها في الكويت ماثيو تويلر الذي سرب لصحيفة "الرأي العام" خبراً عن "محادثات سرية" مع موسكو حول تنحية الأسد في إطار "مرحلة انتقالية".
وبالرغم من ان الرد الروسي على هذه (البالونات) جاء حاسماً على لسان لافروف الذي قال: "هذه المحادثات لا تجري ولا يمكن أن تجري..."؛
فقد طرح اوباما سيناريو يضع الحل بيد روسيا وذلك بالسعي لتكون المؤسسة العسكرية السوريّة هي البديل لإدارة مرحلة انتقالية في إخراج غايته إرضاء مصالح موسكو باعتبار ان قيادة المؤسسة المذكورة تميل إليها ـ أو هي من (حصتها!) ـ بحكم العلاقات التاريخية!!!..
غير أن الجانب الروسي رسم سقفاً فيما قاله بوتين خلال مؤتمره الصحافي في المكسيك: "نعتقد أنه لا يحق لأحد أن يقرر من يجب ان يكون في السلطة...".
غير ان بوتين إدراكاً منه لتعقيدات الوضع السوري وعدم امتلاك أمريكا لإجابات طرح سؤاله:
"بعد تغير النظام" من سيأتي؟
أي من هو القادر على ضبط الوضع السوري بما يقلص من ارتداداته في المنطقة الأمر الذي يخشاه العديد من النخب السياسية في واشنطن، وقد نقلت مخاوفها ليز سلاي مراسلة صحيفة
"واشنطن بوست" في بيروت بقولها:
"إذا سقطت سوريا... فلنتوقع سيناريو يوم القيامة"...
يدرك الروس - بل وأي مراقب عن كثب - أن خيارات أمريكا في الأزمة السورية محدودة، فهي محصورة في زاوية ضيقة بين الرغبة الملحة بإزاحة الأسد، وضبابية تداعيات هذه الخطوة على المحيط وبالتالي على مصالحها.
لكن الروس من جهتهم احتاطوا لكل السيناريوهات، ومنها إمكانية أن تلجأ أمريكا بعد انتخابات الرئاسة إلى مغامرة " حافة الهاوية" التي كانت تحرج بها روسيا السوفياتية من قبل؛
والمرجح منها حظر طيران أو ضربات جوية كما دعا ويدعو العديد من ساستها كالسناتور ليبرمان، وجون ماكين وسواهما، فلجأوا (الروس) لتدارك هذا الاحتمال بسد الطريق عليه او بالأحـرى زيادة وعورته عبر تزويد سوريا بمنظومات صواريخ متطورة ضد الطيران، والقطع البحرية، معززة بمنظومات رادار وتنصت... إلخ. ما يرفع من تكلفة هذا الخيار العسكري وبالتالي يعزز من فرص استبعاده في الحسابات الأمريكية.
والحقيقة أن ما اجتمع لسوريا من وسائط دفاعية حتى الآن سيجعل من الصعوبة بمكان أن تكون أية عملية عسكرية ضدها مجرد رحلة صيد على غرار ما جرى في العراق، وأفغانستان أو ليبيا.
حتى إن أحد الخبراء العسكريين المطلعين اعتبر أن ضارّة الأزمة السورية جاءت من مكان آخـر بمنفعةٍ وهي تعزيز في نوعية القدرات العسكرية السوريّة التي أصبح معها الجيش السوري بحق ثاني قوة ضاربة في الشرق الأوسط.
البروباغندا الغربية وملاحقها العربية تكثف الأزمة السورية بشخص الرئيس بشار الأسد بالدرجة الأولى، وبعض الحلقة القريبة منه بالدرجة الثانية. وبالتالي فهي ترمي من هذا الى رسم سقف نهائي للتسوية في وجه الروس والصينيين مؤداه: (لا حل مع الأسد).
فيما يكتسب هذا السقف مضمونه من هذه العزلة غير المسبوقة لسوريا بحيث يتحول هذا الوضع عبئاً مادياً ومعنوياً على حلفاء سوريا.
وهنا فإننا نعتقد بأن الروس ـ بشكل خاص ـ مستعدون لتقبل هذا العبء لسببين اثنين:
الأول: ان إزاحة الرئيس الأسد بالذات هي عودة للشك بجدية روسيا وقدرتها على حماية أصدقائها؛ هذا الشك الذي أُرسيت قواعده في الحقبة السوفياتية إثر هزيمة حزيران/يونيو 67، وترسخ أكثر مع تقاعس روسيا في البلقان، ثم تعمق مع غزو العراق وليبيا مؤخراً. هذا الانطباع بالذات سعت وتسعى روسيا بوتين ـ ميدفديف لتبديده بدأب في مسعاها الحثيث للعودة بزخم إلى المسرح الدولي.
أما السبب الثاني: فهو ربما ادراك روسيا ـ الحريصة على آخر معاقلها في الشرق الأوسط ـ أن إزاحة الرئيس الأسد هي خدعة وليست تبسيطاً أمريكياً.
هذا انطلاقاً من معرفة الجميع بالبنية المركزية للدولة السورية، وهي بالتشبيه المعماري منشأة قوسية من الحجر الصخري، وهي قادرة على تحمل اثقال كبيرة، غير ان قوتها تبقى رهينة ما يسمى باللغة الهندسية "الحجر المفتاح" وهو أعلى الأحجار الرابطة بين القطع الأخرى، ومن دونه يصبح عمل كل جزء منفصلاً عن باقي الأجزاء لينتهي الأمر بانهيار البناء.
هكذا هي مؤسسة الرئاسة في سوريا: "الحجر المفتاح"، فرأس الدولة هو القائد الأعلى، والأمين العام للحزب، وبه ترتبط مؤسسات السيادة الأمنية.
وهنا يراهن الغرب على أن المرحلة التالية لإزاحة الأسد ستُفجِّـر ضمن البيت الواحد منافسات، وتشجع على قيام حسابات شخصية لأكثر من رجل طامح. وبين هذه التشققات البنوية يخرق المال الخليجي الموظف في خدمة مخططات واشنطن إلى العمق.
بالتأكيد ليس عند الأمريكيين سيناريوهات واضحة.
ولعل ما سبق ذكره هو مجرد (المخطط التوجيهي) للممكن منها مُقيداً بالمبدأ وهو:
أخذ الدولة السورية بالتقسيط وعلى دفعات خشية ارتدادات التحول السريع..
هذه الوجهة ليست غائبة عن ذهن الروس الذين يقيدون الأزمة السورية بكلٍ متكامل يمكن تسميته: "المسألة الشرقية الجديدة"..
أجل هي بهذا الحجم وإلا ما كانت ستنعقد خصيصاً لها قمة غير مسبوقة للخمسة الكبار في جنيف آخر حزيران/يونيو الجاري.
لهذا فإن روسيا وحتى إشعار آخر لن تتخلى عن الرئيس الأسد، ويترسخ هذا بالحقيقة القائلة إن إيران هي جزء من هذا الحل.
بل وجزء رئيسي، خلافاً لغيرها من الدول الإقليمية التي تؤدي دور الكومبارس فقط.
فشل لقاء اوباما ـ بوتين في إيجاد مخرج للاستعصاء السوري، واقتصر على تأكيد عناوين عامة مثل "ضرورة وقف العنف وإيجاد عملية سياسية لمنع الحرب الأهلية"
، وهذه أشياء من باب المبادئ العامة.
اوباما حاول تسويق (حل) يأتي على حساب رأس النظام السوري، وقد مهد الأمريكيون لذلك بإطلاق بالونات اختبار عن مرحلة انتقالية بغير القيادة السورية سبقت اجتماع الرئيسين في لوس كابوس حيث عقدت قمة الدول العشرين.
كما تولى الفرنسيون جزءاً، فيما الجزء الآخر تولته واشنطن على لسان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية التي مررت كلاماً مفاده
"ان واشنطن وموسكو تبحثان استراتيجية لسوريا بعد الاسد"،
ثم كلام لسفير بلادها في الكويت ماثيو تويلر الذي سرب لصحيفة "الرأي العام" خبراً عن "محادثات سرية" مع موسكو حول تنحية الأسد في إطار "مرحلة انتقالية".
وبالرغم من ان الرد الروسي على هذه (البالونات) جاء حاسماً على لسان لافروف الذي قال: "هذه المحادثات لا تجري ولا يمكن أن تجري..."؛
فقد طرح اوباما سيناريو يضع الحل بيد روسيا وذلك بالسعي لتكون المؤسسة العسكرية السوريّة هي البديل لإدارة مرحلة انتقالية في إخراج غايته إرضاء مصالح موسكو باعتبار ان قيادة المؤسسة المذكورة تميل إليها ـ أو هي من (حصتها!) ـ بحكم العلاقات التاريخية!!!..
غير أن الجانب الروسي رسم سقفاً فيما قاله بوتين خلال مؤتمره الصحافي في المكسيك: "نعتقد أنه لا يحق لأحد أن يقرر من يجب ان يكون في السلطة...".
غير ان بوتين إدراكاً منه لتعقيدات الوضع السوري وعدم امتلاك أمريكا لإجابات طرح سؤاله:
"بعد تغير النظام" من سيأتي؟
أي من هو القادر على ضبط الوضع السوري بما يقلص من ارتداداته في المنطقة الأمر الذي يخشاه العديد من النخب السياسية في واشنطن، وقد نقلت مخاوفها ليز سلاي مراسلة صحيفة
"واشنطن بوست" في بيروت بقولها:
"إذا سقطت سوريا... فلنتوقع سيناريو يوم القيامة"...
يدرك الروس - بل وأي مراقب عن كثب - أن خيارات أمريكا في الأزمة السورية محدودة، فهي محصورة في زاوية ضيقة بين الرغبة الملحة بإزاحة الأسد، وضبابية تداعيات هذه الخطوة على المحيط وبالتالي على مصالحها.
لكن الروس من جهتهم احتاطوا لكل السيناريوهات، ومنها إمكانية أن تلجأ أمريكا بعد انتخابات الرئاسة إلى مغامرة " حافة الهاوية" التي كانت تحرج بها روسيا السوفياتية من قبل؛
والمرجح منها حظر طيران أو ضربات جوية كما دعا ويدعو العديد من ساستها كالسناتور ليبرمان، وجون ماكين وسواهما، فلجأوا (الروس) لتدارك هذا الاحتمال بسد الطريق عليه او بالأحـرى زيادة وعورته عبر تزويد سوريا بمنظومات صواريخ متطورة ضد الطيران، والقطع البحرية، معززة بمنظومات رادار وتنصت... إلخ. ما يرفع من تكلفة هذا الخيار العسكري وبالتالي يعزز من فرص استبعاده في الحسابات الأمريكية.
والحقيقة أن ما اجتمع لسوريا من وسائط دفاعية حتى الآن سيجعل من الصعوبة بمكان أن تكون أية عملية عسكرية ضدها مجرد رحلة صيد على غرار ما جرى في العراق، وأفغانستان أو ليبيا.
حتى إن أحد الخبراء العسكريين المطلعين اعتبر أن ضارّة الأزمة السورية جاءت من مكان آخـر بمنفعةٍ وهي تعزيز في نوعية القدرات العسكرية السوريّة التي أصبح معها الجيش السوري بحق ثاني قوة ضاربة في الشرق الأوسط.
البروباغندا الغربية وملاحقها العربية تكثف الأزمة السورية بشخص الرئيس بشار الأسد بالدرجة الأولى، وبعض الحلقة القريبة منه بالدرجة الثانية. وبالتالي فهي ترمي من هذا الى رسم سقف نهائي للتسوية في وجه الروس والصينيين مؤداه: (لا حل مع الأسد).
فيما يكتسب هذا السقف مضمونه من هذه العزلة غير المسبوقة لسوريا بحيث يتحول هذا الوضع عبئاً مادياً ومعنوياً على حلفاء سوريا.
وهنا فإننا نعتقد بأن الروس ـ بشكل خاص ـ مستعدون لتقبل هذا العبء لسببين اثنين:
الأول: ان إزاحة الرئيس الأسد بالذات هي عودة للشك بجدية روسيا وقدرتها على حماية أصدقائها؛ هذا الشك الذي أُرسيت قواعده في الحقبة السوفياتية إثر هزيمة حزيران/يونيو 67، وترسخ أكثر مع تقاعس روسيا في البلقان، ثم تعمق مع غزو العراق وليبيا مؤخراً. هذا الانطباع بالذات سعت وتسعى روسيا بوتين ـ ميدفديف لتبديده بدأب في مسعاها الحثيث للعودة بزخم إلى المسرح الدولي.
أما السبب الثاني: فهو ربما ادراك روسيا ـ الحريصة على آخر معاقلها في الشرق الأوسط ـ أن إزاحة الرئيس الأسد هي خدعة وليست تبسيطاً أمريكياً.
هذا انطلاقاً من معرفة الجميع بالبنية المركزية للدولة السورية، وهي بالتشبيه المعماري منشأة قوسية من الحجر الصخري، وهي قادرة على تحمل اثقال كبيرة، غير ان قوتها تبقى رهينة ما يسمى باللغة الهندسية "الحجر المفتاح" وهو أعلى الأحجار الرابطة بين القطع الأخرى، ومن دونه يصبح عمل كل جزء منفصلاً عن باقي الأجزاء لينتهي الأمر بانهيار البناء.
هكذا هي مؤسسة الرئاسة في سوريا: "الحجر المفتاح"، فرأس الدولة هو القائد الأعلى، والأمين العام للحزب، وبه ترتبط مؤسسات السيادة الأمنية.
وهنا يراهن الغرب على أن المرحلة التالية لإزاحة الأسد ستُفجِّـر ضمن البيت الواحد منافسات، وتشجع على قيام حسابات شخصية لأكثر من رجل طامح. وبين هذه التشققات البنوية يخرق المال الخليجي الموظف في خدمة مخططات واشنطن إلى العمق.
بالتأكيد ليس عند الأمريكيين سيناريوهات واضحة.
ولعل ما سبق ذكره هو مجرد (المخطط التوجيهي) للممكن منها مُقيداً بالمبدأ وهو:
أخذ الدولة السورية بالتقسيط وعلى دفعات خشية ارتدادات التحول السريع..
هذه الوجهة ليست غائبة عن ذهن الروس الذين يقيدون الأزمة السورية بكلٍ متكامل يمكن تسميته: "المسألة الشرقية الجديدة"..
أجل هي بهذا الحجم وإلا ما كانت ستنعقد خصيصاً لها قمة غير مسبوقة للخمسة الكبار في جنيف آخر حزيران/يونيو الجاري.
لهذا فإن روسيا وحتى إشعار آخر لن تتخلى عن الرئيس الأسد، ويترسخ هذا بالحقيقة القائلة إن إيران هي جزء من هذا الحل.
بل وجزء رئيسي، خلافاً لغيرها من الدول الإقليمية التي تؤدي دور الكومبارس فقط.
لؤي توفيق حـسن ـ كاتب من لبنان
Comment