حين استمع بوتين إلى نظرية «أسدية من دون الأسد» ..جان عزيز "موضوع هام "
يروى أن كيسنجر كان يقول عن نظيره السوفياتي أندريه غروميكو إنه قادر بموهبته الإقناعية على أن يبيع الثلج للإسكيمو. على عكس هذا النموذج والمثال، بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما في المكسيك. ففي مباحثاته مع القيصر الأشقر، علق أول سيد أسود للبيت الأبيض بين هذين اللونين بالذات:
كيف يتجنّب اسوداد وجه عجزاً، وكيف يبيض صفحة العلاقة مع نظيره تعاوناً.
وفي صلب البحث كانت عقدة دمشق.
والاقتراح الأميركي لحلها بسيط: «أسدية من دون الأسد». ولا شك في أن سيد موسكو بدأ مستمعاً، على طريقة:
حسناً، لكن كيف؟؟
هنا سحب أوباما من جعبته الحجة الوحيدة المزوّد بها من وزيرة خارجيته: النموذج اليمني. يبقى النظام ويرحل الرئيس.
باقي التفاصيل ليساً مهماً. غير أن بوتين لم يحتج إلى أكثر من سؤالين استيضاحيين حول فكرة أوباما، لتبيان عدم صلاحيتها: أولاً، ما كان موقع المؤسسة العسكرية في الحل اليمني؟
وثانياً، كيف انسجم ذلك الحل مع الواقع الاجتماعي التعددي لليمن السعيد؟
سيتذكر أوباما هنا، أولاً أن الجيش في صنعاء كمؤسسة فقرية للنظام، ترك الرئيس. وتركه لا على طريقة حالات فرار فردي أو انشقاقات هامشية.
بل إن الجيش اليمني انقلب فعلياً على رئيسه وقيادته وتمرد عليه بواسطة القوة الرئيسية الصلبة للجيش ونواته الضاربة.
وهذا ما جعل الأرضية العسكرية لحل «النظام من دون رأسه» ممكنة. وثانياً أن «طائفة» الرئيس، وهي هناك تحت مسمى «القبيلة»، قد خرجت عنه ومنه، فتآلفت مع سواها ومع الحل. وهو ما ضمن نظرياً إمكان التجربة من دون الذهاب إلى حرب أهلية على حدود الطوائف أو القبائل أو تماس الانتماءات التقسيمية الجاهزة… ومع الضمان المسبق لهذين الشرطين الضامنين: أين بات الحل اليمني اليوم؟ بين الفوضى و«القاعدة»؟؟
بعدها قد يكون بوتين نقل النموذج المقترح من قبل نظيره، لتمرين تطبيقي فوق المشهد السوري: فلنبدأ بالجيش.
أين يقف الجيش في دمشق اليوم؟ هل سمعت خبراً عن انشقاق فرقة كاملة كما «فرقة الأحمر في صنعاء»؟
أو قصفاً للقصر الرئاسي كما فعل ابن العم هناك؟
أو محاولة لاغتيال الرئيس هنا تفجيراً وحرقاً كما حصل مع «الرئيس المحلول بلا نظامه» هناك؟؟
ثم العامل الثاني، الطوائف ــ القبائل: هل سمعت أن «حاشد» السورية قد انقسمت أو طالبت الأسد بالرحيل، أو أنها أفرزت بديلاً أو أعدّت خلفاً يضمن مشاركتها وشراكتها الضرورية في النسخة الجديدة من النظام، بحيث لا تذهب سوريا إلى الفوضى أو «القاعدة» بصيغتها الشامية، أياً كانت هذه الصيغة؟؟
وإزاء تلبّك أوباما في الجواب، قد يكون بوتين استفاض أكثر في الكلام: اسمع يا صديقي، ولا تصدق كل ما تسمعه من إدارتك أو إعلامك. تخططون لاغتيال الأسد؟ قد تسمع الخبر غداً في نشرة «فوكس نيوز» أو نظيراتها «العربيات». أنصحك لا تصدقه.
فهو تركيبة هوليوودية أشرفت عليها زوجة صديقك بيل كلينتون في اجتماع إسطنبول يوم الخميس الأسبق. مستحيل أن تقوم بنت رودهام بذلك؟؟ بل أنت تعرف أنه معقول وأكثر، وأنه تقليد كلينتوني اقترحته على زوجها منذ حروب يوغوسلافيا. لا بد أنك شاهدت فيلم «هز الكلب». فالثنائي دو نيرو ــ هوفمان فيه لا يفوت. ثم أنت تعرف أن رأس زوجة كلينتون حام جداً هذه الأيام. لا بد أنهم أطلعوك كيف طلبت من تلميذتها سوزان رايس في نيويورك إطلاق تهديد باللجوء إلى عمل عسكري من دون تغطية أممية. لا شك في أنك على علم بالأمر. ذلك أن بانيتا اضطر إلى الرد عليها باسمك بعد ساعات، وبحزم.
ثم أنا متأكد من أنك تقرأ ما يكتبه كيسنجر عن الموضوع وعن مأزقك الشامي.
هل رأيت شرحه بالتفصيل، كيف أن أيّ ذهاب أحادي إلى القوة قد يؤدي إلى نسف مبدأ الدولة الحديثة، بمفهومها الوستفالي برمته؟؟
وقد يكون القيصر تابع معبّئاً صمت نظيره: يبقى احتمال ثالث.
أن تكون موضع نصيحة بالذهاب بدمشق إلى أي تغيير، لأنه سيكون أفضل من الوضع الراهن، ولو حتى إلى الفوضى الكاملة.
صدقني، هذا هراء. إنها النظرية نفسها التي أقنعك بها الأوروبيون في تونس بداية، لا بل أقنعوا أنفسهم هناك بإمكان تطبيق حلم جاك أتالي: نؤمن التنمية الاقتصادية على الضفة الأخرى من المتوسط، فننتهي من مشكلة «المهاجرين». اليوم تونس نفسها، أكثر المجتمعات تقدماً، تغرق تحت قيود السلفية. في ليبيا فقدت قاعدتك الأمنية لمحاربة إرهاب أفريقيا، فانفجرت في مالي والنيجر وغداً في غيرهما. أما في مصر، فأبشر، إنهم يحتفلون بفوز مرسي في غزة. فحضِّر نفسك لجسر جوي عسكري صوب تل أبيب…
تريد حلاً في سوريا؟؟
ألق كل أوهامك، وتعال ذات عشية لنبحث الأمر معاً في منتجعي السياحي، قرب يالطا. لكن لا تجلب معك أحداً من أتباعك الأوروبيين.
نجلس وحدنا بهدوء ونبتّ الأمر. على فكرة، قد أدعو إلى اجتماعنا قداسة البابا. فأنا متفق معه بالكامل حول كل المواضيع…
يروى أن كيسنجر كان يقول عن نظيره السوفياتي أندريه غروميكو إنه قادر بموهبته الإقناعية على أن يبيع الثلج للإسكيمو. على عكس هذا النموذج والمثال، بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما في المكسيك. ففي مباحثاته مع القيصر الأشقر، علق أول سيد أسود للبيت الأبيض بين هذين اللونين بالذات:
كيف يتجنّب اسوداد وجه عجزاً، وكيف يبيض صفحة العلاقة مع نظيره تعاوناً.
وفي صلب البحث كانت عقدة دمشق.
والاقتراح الأميركي لحلها بسيط: «أسدية من دون الأسد». ولا شك في أن سيد موسكو بدأ مستمعاً، على طريقة:
حسناً، لكن كيف؟؟
هنا سحب أوباما من جعبته الحجة الوحيدة المزوّد بها من وزيرة خارجيته: النموذج اليمني. يبقى النظام ويرحل الرئيس.
باقي التفاصيل ليساً مهماً. غير أن بوتين لم يحتج إلى أكثر من سؤالين استيضاحيين حول فكرة أوباما، لتبيان عدم صلاحيتها: أولاً، ما كان موقع المؤسسة العسكرية في الحل اليمني؟
وثانياً، كيف انسجم ذلك الحل مع الواقع الاجتماعي التعددي لليمن السعيد؟
سيتذكر أوباما هنا، أولاً أن الجيش في صنعاء كمؤسسة فقرية للنظام، ترك الرئيس. وتركه لا على طريقة حالات فرار فردي أو انشقاقات هامشية.
بل إن الجيش اليمني انقلب فعلياً على رئيسه وقيادته وتمرد عليه بواسطة القوة الرئيسية الصلبة للجيش ونواته الضاربة.
وهذا ما جعل الأرضية العسكرية لحل «النظام من دون رأسه» ممكنة. وثانياً أن «طائفة» الرئيس، وهي هناك تحت مسمى «القبيلة»، قد خرجت عنه ومنه، فتآلفت مع سواها ومع الحل. وهو ما ضمن نظرياً إمكان التجربة من دون الذهاب إلى حرب أهلية على حدود الطوائف أو القبائل أو تماس الانتماءات التقسيمية الجاهزة… ومع الضمان المسبق لهذين الشرطين الضامنين: أين بات الحل اليمني اليوم؟ بين الفوضى و«القاعدة»؟؟
بعدها قد يكون بوتين نقل النموذج المقترح من قبل نظيره، لتمرين تطبيقي فوق المشهد السوري: فلنبدأ بالجيش.
أين يقف الجيش في دمشق اليوم؟ هل سمعت خبراً عن انشقاق فرقة كاملة كما «فرقة الأحمر في صنعاء»؟
أو قصفاً للقصر الرئاسي كما فعل ابن العم هناك؟
أو محاولة لاغتيال الرئيس هنا تفجيراً وحرقاً كما حصل مع «الرئيس المحلول بلا نظامه» هناك؟؟
ثم العامل الثاني، الطوائف ــ القبائل: هل سمعت أن «حاشد» السورية قد انقسمت أو طالبت الأسد بالرحيل، أو أنها أفرزت بديلاً أو أعدّت خلفاً يضمن مشاركتها وشراكتها الضرورية في النسخة الجديدة من النظام، بحيث لا تذهب سوريا إلى الفوضى أو «القاعدة» بصيغتها الشامية، أياً كانت هذه الصيغة؟؟
وإزاء تلبّك أوباما في الجواب، قد يكون بوتين استفاض أكثر في الكلام: اسمع يا صديقي، ولا تصدق كل ما تسمعه من إدارتك أو إعلامك. تخططون لاغتيال الأسد؟ قد تسمع الخبر غداً في نشرة «فوكس نيوز» أو نظيراتها «العربيات». أنصحك لا تصدقه.
فهو تركيبة هوليوودية أشرفت عليها زوجة صديقك بيل كلينتون في اجتماع إسطنبول يوم الخميس الأسبق. مستحيل أن تقوم بنت رودهام بذلك؟؟ بل أنت تعرف أنه معقول وأكثر، وأنه تقليد كلينتوني اقترحته على زوجها منذ حروب يوغوسلافيا. لا بد أنك شاهدت فيلم «هز الكلب». فالثنائي دو نيرو ــ هوفمان فيه لا يفوت. ثم أنت تعرف أن رأس زوجة كلينتون حام جداً هذه الأيام. لا بد أنهم أطلعوك كيف طلبت من تلميذتها سوزان رايس في نيويورك إطلاق تهديد باللجوء إلى عمل عسكري من دون تغطية أممية. لا شك في أنك على علم بالأمر. ذلك أن بانيتا اضطر إلى الرد عليها باسمك بعد ساعات، وبحزم.
ثم أنا متأكد من أنك تقرأ ما يكتبه كيسنجر عن الموضوع وعن مأزقك الشامي.
هل رأيت شرحه بالتفصيل، كيف أن أيّ ذهاب أحادي إلى القوة قد يؤدي إلى نسف مبدأ الدولة الحديثة، بمفهومها الوستفالي برمته؟؟
وقد يكون القيصر تابع معبّئاً صمت نظيره: يبقى احتمال ثالث.
أن تكون موضع نصيحة بالذهاب بدمشق إلى أي تغيير، لأنه سيكون أفضل من الوضع الراهن، ولو حتى إلى الفوضى الكاملة.
صدقني، هذا هراء. إنها النظرية نفسها التي أقنعك بها الأوروبيون في تونس بداية، لا بل أقنعوا أنفسهم هناك بإمكان تطبيق حلم جاك أتالي: نؤمن التنمية الاقتصادية على الضفة الأخرى من المتوسط، فننتهي من مشكلة «المهاجرين». اليوم تونس نفسها، أكثر المجتمعات تقدماً، تغرق تحت قيود السلفية. في ليبيا فقدت قاعدتك الأمنية لمحاربة إرهاب أفريقيا، فانفجرت في مالي والنيجر وغداً في غيرهما. أما في مصر، فأبشر، إنهم يحتفلون بفوز مرسي في غزة. فحضِّر نفسك لجسر جوي عسكري صوب تل أبيب…
تريد حلاً في سوريا؟؟
ألق كل أوهامك، وتعال ذات عشية لنبحث الأمر معاً في منتجعي السياحي، قرب يالطا. لكن لا تجلب معك أحداً من أتباعك الأوروبيين.
نجلس وحدنا بهدوء ونبتّ الأمر. على فكرة، قد أدعو إلى اجتماعنا قداسة البابا. فأنا متفق معه بالكامل حول كل المواضيع…
Comment