للمرة الأولى منذ نحو 30 عاماً يتحسس المواطن السوري أزمة اقتصادية خانقة بكل معنى الكلمة طالت كل موارد عيشه الأساسية، بدءاً من رغيف خبزه حتى مصدر رزقه دون أن تتوقف عند هذا الحد بل تعدتها للاعتداء على ضرورات حياتية أخرى، فعانى على مدى عام كامل من أزمات في مصادر التدفئة والإنارة والنقل كالمازوت والغاز والكهرباء والبنزين وغيرها.
وتعود بداية هذه الأزمة لنهاية شهر آذار من العام الفائت مع اندلاع الاحتجاجات في سورية ، تلا ذلك عقوبات أمريكية وأوروبية على سورية، في إطار "قانون محاسبة سورية"، وشملت مسؤولين ومؤسسات عامة وخاصة ورجال أعمال، انعكست على المواطن السوري بالدرجة الأولى من خلال مواجهته بموجة غلاء فاحش استنفذ جيوبه ومدخراته. مع بروز فئة "تجار أزمات" استغلت الأزمة اسوأ استغلال، ورفعت اسعار المواد الغذائية ومواد الطاقة بعد أن صار نقلها بين المحافظات أمر في غاية الصعوبة بسبب أعمال العنف وسوء توزيع هذه المواد من قبل الجهات المعنية المختصة، ماتسبب بفقدانها وعودة زمن الطوابير على أثرها إلى سورية، أضف إلى ذلك عانى المواطن من أزمة كهرباء استمرت لأشهر بسبب الاعتداء على خطوط الشبكة ولم يتم تخفيض ساعات التقنين إلا منذ فترة قليلة مضت. هذا ماعدا تسريح آلاف العمال من منشأت تابعة للقطاع الخاص حتى وصل عدد المسرحين حسب إحصائية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية إلى 80 ألف عامل مسرح، ويرتفع العدد لأكثر من مليون عامل إذا ما احتسبنا عدد العمال غير المسجلين بالتأمينات الاجتماعية والذين لم يشملهم الاحصاء
واليوم يبدو المشهد الاقتصادي السوري أشد سوءاً بعد مرور عام وشهر على الأزمة، وبالمقابل برزت هشاشة الإجراءات الحكومية المتخذة وسوء إدارة الأزمة مع التخبط في القرارات الصادرة بما زاد من سوداوية المشهد الاقتصادي العام الذي لم يعش المواطن أيامه الأكثر قتامة بعد، فالقادم ـ حسب مراقبين ـ سيكون أسوأ.
(دي برس) تستعرض في هذا الملف وبالتفصيل الأزمات التي مر بها المواطن السوري على مدار عام كامل مع عرض لمحة عن بدء عن كل أزمة وتطوراتها حتى الآن...
المازوت... أزمة لم تنته:
مشكلة المازوت حصراً بدأت مع تخفيض سعر الليتر الواحد منه إلى 15 ليرة واشتدت مع بدء فصل الشتاء، حتى صارت آلاف الطلبات تتوافد على مدار الساعة على محطات الوقود الحكومية والخاصة ولو أن الأخيرة لاتستطيع حسب قرار حكومي تلبية أكثر من 100 طلب شهرياً، وبناء عليه قضت مئات العائلات شتاؤها في البرد القارس وبدون مازوت، رغم أن مسألة المازوت أثارت استنكاراً على مستوى مؤسسات الدولة جميعها وتضمنت التوصيات المقدمة من اللجنة المشكلة من قبل مجلس الشعب لدراسة آلية توزيع مادة المازوت تحديد الحد الأقصى للأسرة بألف ليتر توزع على مرحلتين مناصفة وبالتساوي، لكن المواطن لم يحلم إلا بنصف هذه الكمية وغالباً بربعها. وبناء على شجارات يومية واجهها اصحاب محطات الوقود مع المواطنين، لجؤوا لمراسلة محافظة دمشق بغرض زيادة المخصصات الشهرية وإعادة الزيادة المعمول بها، لكن دون نتيجة حيث لم تقم شركة محروقات بأي زيادة لمخصصات مدينة دمشق لكنها قامت بإجراءات معاكسة أهمها إلغاء طلبات محطات الوقود الخاصة التي تزيد عن 100 طلب شهرياً أي تخفيض 250 طلب خلال شهر كانون الأول للمدينة، كما لم تستجب محروقات لفتح سقف المخصصات لمحطات الوقود الخاصة لمدة أسبوع واحد واستبدلت هذا الإجراء بفتح سقف المخصصت للتوزيع المباشر لشركة محروقات بشكل دائم، وهذا لم يحل المشكلة نهائياً لأن الآليات التابعة لشركة محروقات قليلة ولاتستطيع وحدها سد العجز دون مشاركة القطاع الخاص، وهذا مانجم عنه بيع لتر المازوت بـ 30 و35 ليرة بدافع الاستغلال أحياناً وبدوافع أخرى منها أن صاحب المحطة نفسه لايحصل على الكميات مالم يدفع زيادة للشوفير الذي ينقل له المادة، حيث أن أصحاب المحطات بدمشق صاروا يتعاقدون مع من يؤمن لهم المادة فوراً من كازيات بانياس وعدرا وحمص وهؤلاء يتحملون مخاطر الطريق والمرور بدوريات الشرطة والتموين والمصاريف الأخرى لذلك لايقبلون إلا باسعار مرتفعة يقبضونها من أصحاب الكازيات، ومن هنا يلجأ الأخيرون لرفع السعر على المستهلك أيضاً
واعتبرت الجهات المعنية في شركة محروقات آنذاك أن هناك 3 عوامل للأزمة أولها عامل الطلب غير المبرر بعد انخفاض سعر المازوت وفتح باب التهريب، وثانياً الطلب المبرر الذي بدأ في شهر تشرين الأول، والعامل الثالث هو نفسي بحيث صار المواطن الذي عنده مازوت والذي لايملكه يريده، وهذه العوامل الثلاثة زادت الطلب بنسبة 1900% يعني 19 ضعف عن شتاء العام 2010.
ومع قدوم فصل الصيف، فإن المواطن العادل لم يعد يتحسس أزمة المازوت كثيراً، وبقيت المشكلة عند أصحاب السرافيس والميكروباصات الذين يقفون لمدة 4 ساعات على محطات الوقود ليحصلوا على المازوت يومياً، وبناء عليه وبعد تفاقم الأزمة رأت الجهات المختصة أن الحل هو بإعادة رفع سعر المازوت وفعلاً هذا ماحصل حيث أصدرت وزارة الاقتصاد قراراً برفع سعر لتر المازوت من 15- 20 ل.س في خطة يحذر محللون اقتصاديون من تبعاتها السلبية، وخاصة أن القرار تبعه قرار آخر قضي بزيادة أجور النقل بنسب تتراوح بين 7% و10%. ماأضاف عبئاً جديداً على المواطن السوري.
كما تم في الشهر الخامس من العام الجاري تخفيض مخصصات محطات الوقود من المازوت بنسبة 50% وهناك فعاليات توقفت تماماً عن العمل كبعض المعامل والفنادق وبعضها صار يعاني من عجز.
الغاز... أكثر الأزمات سوءاً:
حال الغاز في سورية ليس أفضل من المازوت ، بل تعتبر أزمته هي الأسوأ بكافة المقاييس، لأنها تداعياتها تتطور وتتفاقم يوماً بعد يوم. فهي بدأت مع مشكلة المازوت لكنها استمرت بطريقة أكثر سوءاً وأشد حدة، ويعود سبب هذه الأزمة التي عصفت في فصل الشتاء الماضي حسب ماذكرت وزارة النفط آنذاك إلى أن البعض ممن يمتلكون 5 أو 6 اسطوانات غاز صاروا يعبؤونها في الوقت نفسه بينما يخزن البعض أيضاً أسطوانات الغاز رغم مخاطر ذلك. أضف إلى ذلك فإن شتاء العام الفائت شهد صعوبة نقل كميات الغاز السائل من مدينة بانياس إلى دمشق بسبب الأحداث في محافظة حمص حيث كانت هناك تهديدات بتفجير قطارات نقل الغاز، ثم تمكنت وزارة النفط من تحريك القطار الذي ينقل حوالي /70/ بالمئة من احتياجات دمشق من الغاز.
وأدت أزمة الغاز إلى ارتفاع سعر الجرة إلى 700 ليرة ووصلت لـ 1000 في بعض المحافظات، فما كان من وزارة النفط إلا أن اتخذت إجراء يمنع المتاجرة بالمادة حسب قولها فرفعت سعر الجرة من 250 إلى 400 ليرة، كما رفعت طاقة توزيع مراكز توزيع هذه المادة وغيرها من الإجراءات التي ساهمت إلى حد ما في انحسار أزمنة الغاز، قبل أن تفاجئ البواخر الأوروبية والشركات الناقلة للغاز سورية في الشهر الخامس من العام الجاري بإجراء آخر خارج إطار العقوبات التي استهدف بها قطاع النفط مدفوعة بالحصار الاقتصادي على سورية، حيث امتنعت شركات النقل والتوريد من التعامل مع شركة الوقود السورية رغم العقود المبرمة، ومن هنا أجرت وزارة النفط مباحثات مع إيران حيث جرى توقيع أربعة عقود لشحنات متتالية شهريا، إضافة إلى عقود مع فنزويلا والجزائر. لكنها لم تصل بعد والمواطنين لازالوا يجدون صعوبات بسبب نقص إمدادات الوقود منذ شهور، كما أن نقص الغاز أثر بشكل سلبي على المنشات الصناعية وبعض المحلات التي أغلقت وخاصة في ريف دمشق ولازالت الأزمة قائمة إلى اليوم.
وتبرز إحدى الحلول الحلول المطروحة لمواجهة الإاتجار بالغاز من خلال توزيع الجرار من خلال دفتر العائلة حصراً، ولاتباع إلا أسطوانة واحدة للعائلة كل 25 يوم
أزمة كهرباء... من المواطن إلى الصناعي:
ظلال أزمة كهرباء فريدة من نوعها أرخت على حياة المواطن السوري، تمثلت بالتقنين الذي صارت مواعيده هي نفسها المواعيد التي يبرمج بها المواطن أوقات نومه وعمله ودراسته، حيث ارتفعت ساعات التقنين إلى 12 ساعة في بعض المناطق و18 في المناطق الساخنة، ما أنعش سوق المولدات الكهربائية إلى حدودها القصوى، والتي لايعتبر أمر تشغيلها هيناً أيضاً بسسب نقص في مادتي البنزين والمازوت المشغلتين لهذه المولدات.
ويعود سبب أزمة الكهرباء التي بدأت مع العام الجديد 2012 حسب وزارة الكهرباء لخروج 30% من الطاقة الكهربائية عن الخدمة، بسبب الاعتداءات التي نفذتها مجموعات مسلحة على خطوط إمداد الوقود التي تغذي محطات توليد الطاقة الكهربائية حسب ماقالت وزارة الكهرباء، ما أدى لعطل في السكة الحديدية في منطقة محمبل بإدلب والتي تنقل نحو 5 آلاف طن من الفيول يومياً إلى محطة بمدينة حلب إضافة إلى توقف السكة التي تنقل الوقود إلى محطة تشرين في منطقة قريبة من السلطانية بمدينة حمص، علماً أن المحطة تحتاج إلى 2000 طن فيول يومياً، كما توقف عمل جزء من محطة الزارة ومحطة محردة بالكامل بعد توقف تزويدهما بالوقود بسبب التفجيرات التي استهدفت أنابيب تغذيتها وذلك بالقرب من مدينة الرستن.
ومع تحسن الحالة الجوية وإصلاح السكك الحديدية التي تنقل الوقود اللازم لتشغيل المحطات، تم تقليص ساعات التقنين لـ 6 ساعات ووصلت في الشهر الرابع من العام 2012 إلى نحو 4 ساعات يومياً ثم انخفضت إلى ساعتين.
ورغم انحسار جزء من الهم عن المواطن السوري بعد تخفيض ساعات التقنين، فإن أزمة أخرى أثارها الصناعيون السوريون تتعلق بالكهرباء أيضا، بعد أن رفعت وزارة الكهرباء أسعارها على الصناعيين لمواجهة العجز الناتج عن الاعتداءات على الشبكة وغيرها، وهو ما أثار حفيظة صناعيي محافظة حلب بالدرجة الأولى، فدعوا لتشكيل اعتصامات وإغلاق المعامل إلى أن تستجب وزارة الكهرباء، لمطلبهم لكن تطوراً إيجابياً لم يحصل بعد في هذا الموضوع، ولازالت المفاوضات الماراثونية جارية بين الصناعيين والوزارة.
البنزين... أزمة تقلصت برفع السعر:
عدد كبير من أصحاب السيارات في سورية قصدوا العديد من محطات الوقود في الأشهر الأولى من العام الجاري 2012 لتزويد وسائل النقل وخاصة التكاسي بالبنزين فلم يجدوه، وصارت مشهد طوابير السيارات وليس البشر فقط اعتيادياً في محطات الوقود، فالبلد تعاني من أزمة بنزين، بينما فضلت محطات وقود أخرى إغلاق أبوابها بدلاً من سجال لافائدة منه مع أصحاب السيارات الخاصة أو العاملين عليها.
ولم يقتصر القلق من عدم توفر المادة على العاملين في منظومة النقل، بل تعداها لأصحاب المحلات التجارية والمنازل أيضاً، وخاصة أن قسم كبير منهم لجأ للمولدات الكهربائية في مواجهة للتقنين الكهربائي المفروض على البلد، وهذه المولدات تستهلك كميات كبيرة من البنزين في كل ساعة تشغيل، فاصطفوا بدورهم حاملين الغالونات أمام محطات الوقود إلى جانب عدد كبير من الشاحنات والسيارات، فصار المشهد أكثر تأزماً.
ويعود سبب أزمة البنزين إلى ما شهدته المنطقة الوسطى من تساقط للثلوج وانقطاع الطرقات في منطقة القسطل بريف دمشق، ما أبطأ عمليات نقل مادة البنزين بالصهاريج التي تشكل العمود الفقري لعملية النقل إلى المنطقة الجنوبية. وهذا مانتج عنه توجه السيارات من الريف للمدينة للحصول على البنزين، أضف إلى الاعتداء أيضاً على خطوط نقل البنزين.
ورغم تطمينات المسؤولين، فإن الأزمة استمرت لنحو شهر ونصف، وأدى الازدحام أمام بعض المحطات في المدينة إلى إغلاق الشوارع المحيطة، أو تحويل مفارق طرق، لتنظيم حركة مرور السيارات، التي تأثرت بدورها من الأزمة، بحيث غاب الازدحام المألوف في ساعات ذروته عن معظم الشوارع..
وفي خطة مثيلة لمكافحة الإتجار بالمازوت، عملت الحكومة أيضاً على منع الاتجار بالبنزين بإجراء اتخذ طابع رفع الأسعار وذلك بتاريخ 24 كانون الأول من العام 2011 بزيادة خمس ليرات على كل ليتر، فأصبح سعر الليتر العادي 50 ليرة، والممتاز 55 لير.
جنون أسعار عام:
أزمة جديدة لا تقل أهمية عما سبق ذكره، بل تعتبر هي الأشد والأكثر خطورة وتمثلت بموجة ارتفاع عام في الأسعار، حتى وصلت لحدود جنونية بعد أن تجاوزت زيادتها عتبة الـ 50 بالمئة نهاية العام الماضي، و60 % في الاشهر الاولى من العام الجاري، وذلك لأسباب كثيرة منها ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، حيث وصل إلى عتبة 108 ليرات في محافظة حلب ببداية العام الجاري، وارتفع بشكل عام من 52 إلى 100 ليرة وهذا السبب لوحده كان كفيلاً بخلق تخلخلات كبيرة بأسعار السوق، كما ساهمت القيود التي وضعتها المصارف على التاجر بهذه الارتفاعات أيضاً من حيث صعوبة فتح الاعتمادات وصعوبة التحويلات المالية وعدم تمويل المستوردات مدفوعة بالعقوبات الاقتصادية واتخاذ أسباب التحوط.
أما الضربة القاصمة التي تلقتها السوق وساهمت هي الأخرى بتوغل الأسعار وإفلاتها من عقالها، فهي قرار صدر عن حكومة عادل سفر بناء على ضغط من البنك المركزي بغرض الحفاظ على القطع الأجنبي، وتم بموجبه تعليق استيراد كافة السلع والمواد ماعدا بعض المواد الطبية والغذائية، ما أحدث ضجة بين الأوساط الصناعية والتجارية لم تشهدها سورية من قبل، فالتجار يعتبرون أن مستورداتهم بالأصل مقننة وضئيلة نتيجة الأزمة ولاداعي لتعليق الاستيراد، لأن بقية الدول ستعاملنا بالمثل وهذا ماحصل فعلاً حيث اتخذت بعض الدول العربية والأجنبية إجراء مماثلاً على سورية كمصر وتركيا، كما دفع هذا القرار التجار لاحتكار المواد خوفاً من فقدانها بالسوق فيما بعد، ولجؤوا لرفع أسعار المواد المتداولة، مادفع بوزير الاقتصاد لإلغاء القرار بعد نحو اسبوعين من صدوره، لكن تبعاته السلبية لم تنته بإلغائه، فالأسعار التي ارتفعت لحدود جنونية لم تعد لما كانت عليه مهما انخفضت.
وكذلك صدر آخر عن الحكومة كان له دور آخر بارتفاع الاسعار ويتعلق برفع الرسوم الجمركية على البضائع، عدا عن بروز فئة من تجار الأزمات ممن استغلوا الأزمة أسوأ استغلال، فصارت هذه الفئة تبيع البضائع التي اشترتها بسعر دولار منخفض بناء على ارتفاع الدولار فيما بعد، وبالمقابل لم تكن الإجراءات الحكومية فاعلة لمواجهة فوضى السوق بل على العكس من ذلك تماماً، فأعلبها اتخذ الصيغة الغير مدروسة والخاطئة، كما وصفت سياست المصرف المركزي أثناء الأزمة بالفاشلة والارتجالية، فهو يريد الحفاظ على القطع الاجنبي بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولم يحد من قراراته الارتجالية إلا ضخ بعض الدول الصديقة كإيران القطع الأجنبي فيه.
وأمام كل هذا الواقع والضغط من الفعاليات الاقتصادية والشارع بدأت الحكومة تستجيب تدريجياً لمطلب انخفاض الاسعار، حيث طرح البنك المركزي كميات كبيرة من القطع الأجنبي في السوق وباع شركات الصرفات ملايين الدولارات وهذا الإجراء كان من شأنه أن يخفض سعر الدولار مقابل الليرة ووصل إلى نحو 60 ليرة، ماساعد وزارة الاقتصاد من ناحية ثانية على طرح فكرة إصدار قائمة تأشيرية بالاسعار بحيث وضعت حدود دنيا وعليا لأهم السلع الغذائية، ورغم أن الوزارة اعتبرت النشرة ملزمة للتجار، إلا أن هذه الفئة الأخيرة نفت إلزاميتها بحجة القانون الذي يمنع تسعير المواد المحررة، وبالعموم فإن النشرة التأشيرية ماكان لها أن تلعب دوراً بانخفاض الاسعار بنسبة 40% في السوق لبعض المواد لولا انخفاض سعر الدولار. لكن الكثير من المواد بقيت اسعارها تحلق عالياً وخاصة المواد الكهربائية المستوردة التي تعاني من صعوبات الاستيراد، وبعض المواد الغذائية الأخرى التي لم تنفع في تحديد سعرها لانشرة تاشيرية ولا انخفاض دولار، ما استنزف جيب المواطن السوري حتى صار موضوع ارتفاع الأسعار هو حديث الشارع وحديث الساعة ووسائل الإعلام... ولم تنته تبعاته بعد.
وأيضاً... لقمة الخبز:
أزمة أخرى تتعلق بتوفير رغيف الخبز مرت على المواطن السوري في العام الماضي وبنسبة قليلة في العام الجاري، وتعتبر هذه الأزمة هي الأبسط والأقصر مدة بين نظيراتها أعلاه، فالهاجس النفسي الذي خلقته الأزمة السورية دفع بالناس لتخزين الخبز بكميات كبيرة، بل وقام البعض بتيبيسه حتى لايعفن فيما بعد وبعدها يتم بله بالماء بما يتيح مضغه. ماسبب ازدحام هائل على الأفران التي فوجئت بالطلب الزائد وغير المتوقع.
ورغم الحديث عن أزمة طالت الأفران التي تعمل على المازوت غير المتوفر، إلا أن المسألة لاتتعلق بالمازوت فحسب، بل إن نقص الخبز نفسه في بعض المناطق والمحافظات في مواجهة الطلب الزائد خلق أيضاً طوابير أمام الأفران، وبالمقابل استغلت المحلات التجارية هذا الأمر خير استغلال فصارت تبيع ربطة الخبز بـ 75 ليرة بينما يشتريها الناس من الأفران بالعادة بـ 20 ليرة فقط.
كما إن انتقال عدد من العائلات التي كانت تسكن في الأرياف إلى المدن، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة رفع من نسبة الطلب على مادة الخبز في بعض المناطق بالمدن. أضف إلى ذلك فإن بعض العابثين لجؤوا لاتلاف مادة الخبز بغرض افتعال الأزمة وإنهاك النظام السوري، حيث تناقلت تقارير إعلامية أنباء عن العثور على 2500 ربطة خبز في مجرور صرف صحي في حلب.
وبناء عليه اتخذت شركة المخابز عدة إجراءات تجنب البلد أزمة خبز لاتحمد عقباها فيما بعد، من خلال الغاء العطلة الأسبوعية لكل المخابز وفتح منافذ للبيع بالمخابز الآلية على مدار الساعة. وأفادت جهات رسمية بأن شركة المخابز تكبدت خسائر بشرية ومادية خلال الاحداث التي شهدتها سورية في الاشهر الماضية وسقط عدد من عمال المخابز شهداء إضافة إلى اختطاف بعضهم بينما كانوا في طريقهم إلى عملهم لتأمين رغيف الخبز للمواطنين وتم السطو على العديد من اليات وسيارات توزيع الخبز في بعض المناطق.
وختاماً، فإن الحديث عن 6 أزمات سورية عصفت بمعيشة المواطن السوري وأنهكت من قدرته على مواجهتها، لايعني أن هذه الأزمات هي الوحيدة على مدار عام كامل، بل إنها تعتبر الأبرز فقط، فهناك أزمات كثيرة خلقتها العقوبات الاقتصادية وتخبط الإجراءات الحكومية المحلية وكان لها دورها أيضاً بتدهور حال المواطن والصناعي ورجل الأعمال والتاجر، فالعديد من المنشأت الصناعية أغلقت وأعلنت إفلاسها وسرحت عمالها وخاصة في القطاع السياحي الذي تدنت نسبته إلى الصفر تماماً، وهذا ماخلق أزمة بطالة حادة بالبلد، كما أن التجارة انخفضت نسبتها استيراداً وتصديراً بسبب نقص السيولة لدى التاجر السوري والصعوبات المتعلقة بالتحويلات المالية ورفض بعض الأسواق التعامل مع سورية أو مع بعض رجال الأعمال ممن فرضت بحقهم العقوبات... وبالنهاية ورغم أن الجميع يعتبر في هذه الحلقة المأساوية خاسراً إلا أن المستهلك والمواطن السوري ممن لايملك القدرة المالية هو الخاسر الأكبر بامتياز، حيث إن كل الخسارات معكوسة عليه مهما تفاوتت نسب توزعها بين أطراف الحلقة التجارية والصناعية والاقتصادية وحتى الحكومية.
وتعود بداية هذه الأزمة لنهاية شهر آذار من العام الفائت مع اندلاع الاحتجاجات في سورية ، تلا ذلك عقوبات أمريكية وأوروبية على سورية، في إطار "قانون محاسبة سورية"، وشملت مسؤولين ومؤسسات عامة وخاصة ورجال أعمال، انعكست على المواطن السوري بالدرجة الأولى من خلال مواجهته بموجة غلاء فاحش استنفذ جيوبه ومدخراته. مع بروز فئة "تجار أزمات" استغلت الأزمة اسوأ استغلال، ورفعت اسعار المواد الغذائية ومواد الطاقة بعد أن صار نقلها بين المحافظات أمر في غاية الصعوبة بسبب أعمال العنف وسوء توزيع هذه المواد من قبل الجهات المعنية المختصة، ماتسبب بفقدانها وعودة زمن الطوابير على أثرها إلى سورية، أضف إلى ذلك عانى المواطن من أزمة كهرباء استمرت لأشهر بسبب الاعتداء على خطوط الشبكة ولم يتم تخفيض ساعات التقنين إلا منذ فترة قليلة مضت. هذا ماعدا تسريح آلاف العمال من منشأت تابعة للقطاع الخاص حتى وصل عدد المسرحين حسب إحصائية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية إلى 80 ألف عامل مسرح، ويرتفع العدد لأكثر من مليون عامل إذا ما احتسبنا عدد العمال غير المسجلين بالتأمينات الاجتماعية والذين لم يشملهم الاحصاء
واليوم يبدو المشهد الاقتصادي السوري أشد سوءاً بعد مرور عام وشهر على الأزمة، وبالمقابل برزت هشاشة الإجراءات الحكومية المتخذة وسوء إدارة الأزمة مع التخبط في القرارات الصادرة بما زاد من سوداوية المشهد الاقتصادي العام الذي لم يعش المواطن أيامه الأكثر قتامة بعد، فالقادم ـ حسب مراقبين ـ سيكون أسوأ.
(دي برس) تستعرض في هذا الملف وبالتفصيل الأزمات التي مر بها المواطن السوري على مدار عام كامل مع عرض لمحة عن بدء عن كل أزمة وتطوراتها حتى الآن...
المازوت... أزمة لم تنته:
مشكلة المازوت حصراً بدأت مع تخفيض سعر الليتر الواحد منه إلى 15 ليرة واشتدت مع بدء فصل الشتاء، حتى صارت آلاف الطلبات تتوافد على مدار الساعة على محطات الوقود الحكومية والخاصة ولو أن الأخيرة لاتستطيع حسب قرار حكومي تلبية أكثر من 100 طلب شهرياً، وبناء عليه قضت مئات العائلات شتاؤها في البرد القارس وبدون مازوت، رغم أن مسألة المازوت أثارت استنكاراً على مستوى مؤسسات الدولة جميعها وتضمنت التوصيات المقدمة من اللجنة المشكلة من قبل مجلس الشعب لدراسة آلية توزيع مادة المازوت تحديد الحد الأقصى للأسرة بألف ليتر توزع على مرحلتين مناصفة وبالتساوي، لكن المواطن لم يحلم إلا بنصف هذه الكمية وغالباً بربعها. وبناء على شجارات يومية واجهها اصحاب محطات الوقود مع المواطنين، لجؤوا لمراسلة محافظة دمشق بغرض زيادة المخصصات الشهرية وإعادة الزيادة المعمول بها، لكن دون نتيجة حيث لم تقم شركة محروقات بأي زيادة لمخصصات مدينة دمشق لكنها قامت بإجراءات معاكسة أهمها إلغاء طلبات محطات الوقود الخاصة التي تزيد عن 100 طلب شهرياً أي تخفيض 250 طلب خلال شهر كانون الأول للمدينة، كما لم تستجب محروقات لفتح سقف المخصصات لمحطات الوقود الخاصة لمدة أسبوع واحد واستبدلت هذا الإجراء بفتح سقف المخصصت للتوزيع المباشر لشركة محروقات بشكل دائم، وهذا لم يحل المشكلة نهائياً لأن الآليات التابعة لشركة محروقات قليلة ولاتستطيع وحدها سد العجز دون مشاركة القطاع الخاص، وهذا مانجم عنه بيع لتر المازوت بـ 30 و35 ليرة بدافع الاستغلال أحياناً وبدوافع أخرى منها أن صاحب المحطة نفسه لايحصل على الكميات مالم يدفع زيادة للشوفير الذي ينقل له المادة، حيث أن أصحاب المحطات بدمشق صاروا يتعاقدون مع من يؤمن لهم المادة فوراً من كازيات بانياس وعدرا وحمص وهؤلاء يتحملون مخاطر الطريق والمرور بدوريات الشرطة والتموين والمصاريف الأخرى لذلك لايقبلون إلا باسعار مرتفعة يقبضونها من أصحاب الكازيات، ومن هنا يلجأ الأخيرون لرفع السعر على المستهلك أيضاً
واعتبرت الجهات المعنية في شركة محروقات آنذاك أن هناك 3 عوامل للأزمة أولها عامل الطلب غير المبرر بعد انخفاض سعر المازوت وفتح باب التهريب، وثانياً الطلب المبرر الذي بدأ في شهر تشرين الأول، والعامل الثالث هو نفسي بحيث صار المواطن الذي عنده مازوت والذي لايملكه يريده، وهذه العوامل الثلاثة زادت الطلب بنسبة 1900% يعني 19 ضعف عن شتاء العام 2010.
ومع قدوم فصل الصيف، فإن المواطن العادل لم يعد يتحسس أزمة المازوت كثيراً، وبقيت المشكلة عند أصحاب السرافيس والميكروباصات الذين يقفون لمدة 4 ساعات على محطات الوقود ليحصلوا على المازوت يومياً، وبناء عليه وبعد تفاقم الأزمة رأت الجهات المختصة أن الحل هو بإعادة رفع سعر المازوت وفعلاً هذا ماحصل حيث أصدرت وزارة الاقتصاد قراراً برفع سعر لتر المازوت من 15- 20 ل.س في خطة يحذر محللون اقتصاديون من تبعاتها السلبية، وخاصة أن القرار تبعه قرار آخر قضي بزيادة أجور النقل بنسب تتراوح بين 7% و10%. ماأضاف عبئاً جديداً على المواطن السوري.
كما تم في الشهر الخامس من العام الجاري تخفيض مخصصات محطات الوقود من المازوت بنسبة 50% وهناك فعاليات توقفت تماماً عن العمل كبعض المعامل والفنادق وبعضها صار يعاني من عجز.
الغاز... أكثر الأزمات سوءاً:
حال الغاز في سورية ليس أفضل من المازوت ، بل تعتبر أزمته هي الأسوأ بكافة المقاييس، لأنها تداعياتها تتطور وتتفاقم يوماً بعد يوم. فهي بدأت مع مشكلة المازوت لكنها استمرت بطريقة أكثر سوءاً وأشد حدة، ويعود سبب هذه الأزمة التي عصفت في فصل الشتاء الماضي حسب ماذكرت وزارة النفط آنذاك إلى أن البعض ممن يمتلكون 5 أو 6 اسطوانات غاز صاروا يعبؤونها في الوقت نفسه بينما يخزن البعض أيضاً أسطوانات الغاز رغم مخاطر ذلك. أضف إلى ذلك فإن شتاء العام الفائت شهد صعوبة نقل كميات الغاز السائل من مدينة بانياس إلى دمشق بسبب الأحداث في محافظة حمص حيث كانت هناك تهديدات بتفجير قطارات نقل الغاز، ثم تمكنت وزارة النفط من تحريك القطار الذي ينقل حوالي /70/ بالمئة من احتياجات دمشق من الغاز.
وأدت أزمة الغاز إلى ارتفاع سعر الجرة إلى 700 ليرة ووصلت لـ 1000 في بعض المحافظات، فما كان من وزارة النفط إلا أن اتخذت إجراء يمنع المتاجرة بالمادة حسب قولها فرفعت سعر الجرة من 250 إلى 400 ليرة، كما رفعت طاقة توزيع مراكز توزيع هذه المادة وغيرها من الإجراءات التي ساهمت إلى حد ما في انحسار أزمنة الغاز، قبل أن تفاجئ البواخر الأوروبية والشركات الناقلة للغاز سورية في الشهر الخامس من العام الجاري بإجراء آخر خارج إطار العقوبات التي استهدف بها قطاع النفط مدفوعة بالحصار الاقتصادي على سورية، حيث امتنعت شركات النقل والتوريد من التعامل مع شركة الوقود السورية رغم العقود المبرمة، ومن هنا أجرت وزارة النفط مباحثات مع إيران حيث جرى توقيع أربعة عقود لشحنات متتالية شهريا، إضافة إلى عقود مع فنزويلا والجزائر. لكنها لم تصل بعد والمواطنين لازالوا يجدون صعوبات بسبب نقص إمدادات الوقود منذ شهور، كما أن نقص الغاز أثر بشكل سلبي على المنشات الصناعية وبعض المحلات التي أغلقت وخاصة في ريف دمشق ولازالت الأزمة قائمة إلى اليوم.
وتبرز إحدى الحلول الحلول المطروحة لمواجهة الإاتجار بالغاز من خلال توزيع الجرار من خلال دفتر العائلة حصراً، ولاتباع إلا أسطوانة واحدة للعائلة كل 25 يوم
أزمة كهرباء... من المواطن إلى الصناعي:
ظلال أزمة كهرباء فريدة من نوعها أرخت على حياة المواطن السوري، تمثلت بالتقنين الذي صارت مواعيده هي نفسها المواعيد التي يبرمج بها المواطن أوقات نومه وعمله ودراسته، حيث ارتفعت ساعات التقنين إلى 12 ساعة في بعض المناطق و18 في المناطق الساخنة، ما أنعش سوق المولدات الكهربائية إلى حدودها القصوى، والتي لايعتبر أمر تشغيلها هيناً أيضاً بسسب نقص في مادتي البنزين والمازوت المشغلتين لهذه المولدات.
ويعود سبب أزمة الكهرباء التي بدأت مع العام الجديد 2012 حسب وزارة الكهرباء لخروج 30% من الطاقة الكهربائية عن الخدمة، بسبب الاعتداءات التي نفذتها مجموعات مسلحة على خطوط إمداد الوقود التي تغذي محطات توليد الطاقة الكهربائية حسب ماقالت وزارة الكهرباء، ما أدى لعطل في السكة الحديدية في منطقة محمبل بإدلب والتي تنقل نحو 5 آلاف طن من الفيول يومياً إلى محطة بمدينة حلب إضافة إلى توقف السكة التي تنقل الوقود إلى محطة تشرين في منطقة قريبة من السلطانية بمدينة حمص، علماً أن المحطة تحتاج إلى 2000 طن فيول يومياً، كما توقف عمل جزء من محطة الزارة ومحطة محردة بالكامل بعد توقف تزويدهما بالوقود بسبب التفجيرات التي استهدفت أنابيب تغذيتها وذلك بالقرب من مدينة الرستن.
ومع تحسن الحالة الجوية وإصلاح السكك الحديدية التي تنقل الوقود اللازم لتشغيل المحطات، تم تقليص ساعات التقنين لـ 6 ساعات ووصلت في الشهر الرابع من العام 2012 إلى نحو 4 ساعات يومياً ثم انخفضت إلى ساعتين.
ورغم انحسار جزء من الهم عن المواطن السوري بعد تخفيض ساعات التقنين، فإن أزمة أخرى أثارها الصناعيون السوريون تتعلق بالكهرباء أيضا، بعد أن رفعت وزارة الكهرباء أسعارها على الصناعيين لمواجهة العجز الناتج عن الاعتداءات على الشبكة وغيرها، وهو ما أثار حفيظة صناعيي محافظة حلب بالدرجة الأولى، فدعوا لتشكيل اعتصامات وإغلاق المعامل إلى أن تستجب وزارة الكهرباء، لمطلبهم لكن تطوراً إيجابياً لم يحصل بعد في هذا الموضوع، ولازالت المفاوضات الماراثونية جارية بين الصناعيين والوزارة.
البنزين... أزمة تقلصت برفع السعر:
عدد كبير من أصحاب السيارات في سورية قصدوا العديد من محطات الوقود في الأشهر الأولى من العام الجاري 2012 لتزويد وسائل النقل وخاصة التكاسي بالبنزين فلم يجدوه، وصارت مشهد طوابير السيارات وليس البشر فقط اعتيادياً في محطات الوقود، فالبلد تعاني من أزمة بنزين، بينما فضلت محطات وقود أخرى إغلاق أبوابها بدلاً من سجال لافائدة منه مع أصحاب السيارات الخاصة أو العاملين عليها.
ولم يقتصر القلق من عدم توفر المادة على العاملين في منظومة النقل، بل تعداها لأصحاب المحلات التجارية والمنازل أيضاً، وخاصة أن قسم كبير منهم لجأ للمولدات الكهربائية في مواجهة للتقنين الكهربائي المفروض على البلد، وهذه المولدات تستهلك كميات كبيرة من البنزين في كل ساعة تشغيل، فاصطفوا بدورهم حاملين الغالونات أمام محطات الوقود إلى جانب عدد كبير من الشاحنات والسيارات، فصار المشهد أكثر تأزماً.
ويعود سبب أزمة البنزين إلى ما شهدته المنطقة الوسطى من تساقط للثلوج وانقطاع الطرقات في منطقة القسطل بريف دمشق، ما أبطأ عمليات نقل مادة البنزين بالصهاريج التي تشكل العمود الفقري لعملية النقل إلى المنطقة الجنوبية. وهذا مانتج عنه توجه السيارات من الريف للمدينة للحصول على البنزين، أضف إلى الاعتداء أيضاً على خطوط نقل البنزين.
ورغم تطمينات المسؤولين، فإن الأزمة استمرت لنحو شهر ونصف، وأدى الازدحام أمام بعض المحطات في المدينة إلى إغلاق الشوارع المحيطة، أو تحويل مفارق طرق، لتنظيم حركة مرور السيارات، التي تأثرت بدورها من الأزمة، بحيث غاب الازدحام المألوف في ساعات ذروته عن معظم الشوارع..
وفي خطة مثيلة لمكافحة الإتجار بالمازوت، عملت الحكومة أيضاً على منع الاتجار بالبنزين بإجراء اتخذ طابع رفع الأسعار وذلك بتاريخ 24 كانون الأول من العام 2011 بزيادة خمس ليرات على كل ليتر، فأصبح سعر الليتر العادي 50 ليرة، والممتاز 55 لير.
جنون أسعار عام:
أزمة جديدة لا تقل أهمية عما سبق ذكره، بل تعتبر هي الأشد والأكثر خطورة وتمثلت بموجة ارتفاع عام في الأسعار، حتى وصلت لحدود جنونية بعد أن تجاوزت زيادتها عتبة الـ 50 بالمئة نهاية العام الماضي، و60 % في الاشهر الاولى من العام الجاري، وذلك لأسباب كثيرة منها ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، حيث وصل إلى عتبة 108 ليرات في محافظة حلب ببداية العام الجاري، وارتفع بشكل عام من 52 إلى 100 ليرة وهذا السبب لوحده كان كفيلاً بخلق تخلخلات كبيرة بأسعار السوق، كما ساهمت القيود التي وضعتها المصارف على التاجر بهذه الارتفاعات أيضاً من حيث صعوبة فتح الاعتمادات وصعوبة التحويلات المالية وعدم تمويل المستوردات مدفوعة بالعقوبات الاقتصادية واتخاذ أسباب التحوط.
أما الضربة القاصمة التي تلقتها السوق وساهمت هي الأخرى بتوغل الأسعار وإفلاتها من عقالها، فهي قرار صدر عن حكومة عادل سفر بناء على ضغط من البنك المركزي بغرض الحفاظ على القطع الأجنبي، وتم بموجبه تعليق استيراد كافة السلع والمواد ماعدا بعض المواد الطبية والغذائية، ما أحدث ضجة بين الأوساط الصناعية والتجارية لم تشهدها سورية من قبل، فالتجار يعتبرون أن مستورداتهم بالأصل مقننة وضئيلة نتيجة الأزمة ولاداعي لتعليق الاستيراد، لأن بقية الدول ستعاملنا بالمثل وهذا ماحصل فعلاً حيث اتخذت بعض الدول العربية والأجنبية إجراء مماثلاً على سورية كمصر وتركيا، كما دفع هذا القرار التجار لاحتكار المواد خوفاً من فقدانها بالسوق فيما بعد، ولجؤوا لرفع أسعار المواد المتداولة، مادفع بوزير الاقتصاد لإلغاء القرار بعد نحو اسبوعين من صدوره، لكن تبعاته السلبية لم تنته بإلغائه، فالأسعار التي ارتفعت لحدود جنونية لم تعد لما كانت عليه مهما انخفضت.
وكذلك صدر آخر عن الحكومة كان له دور آخر بارتفاع الاسعار ويتعلق برفع الرسوم الجمركية على البضائع، عدا عن بروز فئة من تجار الأزمات ممن استغلوا الأزمة أسوأ استغلال، فصارت هذه الفئة تبيع البضائع التي اشترتها بسعر دولار منخفض بناء على ارتفاع الدولار فيما بعد، وبالمقابل لم تكن الإجراءات الحكومية فاعلة لمواجهة فوضى السوق بل على العكس من ذلك تماماً، فأعلبها اتخذ الصيغة الغير مدروسة والخاطئة، كما وصفت سياست المصرف المركزي أثناء الأزمة بالفاشلة والارتجالية، فهو يريد الحفاظ على القطع الاجنبي بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولم يحد من قراراته الارتجالية إلا ضخ بعض الدول الصديقة كإيران القطع الأجنبي فيه.
وأمام كل هذا الواقع والضغط من الفعاليات الاقتصادية والشارع بدأت الحكومة تستجيب تدريجياً لمطلب انخفاض الاسعار، حيث طرح البنك المركزي كميات كبيرة من القطع الأجنبي في السوق وباع شركات الصرفات ملايين الدولارات وهذا الإجراء كان من شأنه أن يخفض سعر الدولار مقابل الليرة ووصل إلى نحو 60 ليرة، ماساعد وزارة الاقتصاد من ناحية ثانية على طرح فكرة إصدار قائمة تأشيرية بالاسعار بحيث وضعت حدود دنيا وعليا لأهم السلع الغذائية، ورغم أن الوزارة اعتبرت النشرة ملزمة للتجار، إلا أن هذه الفئة الأخيرة نفت إلزاميتها بحجة القانون الذي يمنع تسعير المواد المحررة، وبالعموم فإن النشرة التأشيرية ماكان لها أن تلعب دوراً بانخفاض الاسعار بنسبة 40% في السوق لبعض المواد لولا انخفاض سعر الدولار. لكن الكثير من المواد بقيت اسعارها تحلق عالياً وخاصة المواد الكهربائية المستوردة التي تعاني من صعوبات الاستيراد، وبعض المواد الغذائية الأخرى التي لم تنفع في تحديد سعرها لانشرة تاشيرية ولا انخفاض دولار، ما استنزف جيب المواطن السوري حتى صار موضوع ارتفاع الأسعار هو حديث الشارع وحديث الساعة ووسائل الإعلام... ولم تنته تبعاته بعد.
وأيضاً... لقمة الخبز:
أزمة أخرى تتعلق بتوفير رغيف الخبز مرت على المواطن السوري في العام الماضي وبنسبة قليلة في العام الجاري، وتعتبر هذه الأزمة هي الأبسط والأقصر مدة بين نظيراتها أعلاه، فالهاجس النفسي الذي خلقته الأزمة السورية دفع بالناس لتخزين الخبز بكميات كبيرة، بل وقام البعض بتيبيسه حتى لايعفن فيما بعد وبعدها يتم بله بالماء بما يتيح مضغه. ماسبب ازدحام هائل على الأفران التي فوجئت بالطلب الزائد وغير المتوقع.
ورغم الحديث عن أزمة طالت الأفران التي تعمل على المازوت غير المتوفر، إلا أن المسألة لاتتعلق بالمازوت فحسب، بل إن نقص الخبز نفسه في بعض المناطق والمحافظات في مواجهة الطلب الزائد خلق أيضاً طوابير أمام الأفران، وبالمقابل استغلت المحلات التجارية هذا الأمر خير استغلال فصارت تبيع ربطة الخبز بـ 75 ليرة بينما يشتريها الناس من الأفران بالعادة بـ 20 ليرة فقط.
كما إن انتقال عدد من العائلات التي كانت تسكن في الأرياف إلى المدن، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة رفع من نسبة الطلب على مادة الخبز في بعض المناطق بالمدن. أضف إلى ذلك فإن بعض العابثين لجؤوا لاتلاف مادة الخبز بغرض افتعال الأزمة وإنهاك النظام السوري، حيث تناقلت تقارير إعلامية أنباء عن العثور على 2500 ربطة خبز في مجرور صرف صحي في حلب.
وبناء عليه اتخذت شركة المخابز عدة إجراءات تجنب البلد أزمة خبز لاتحمد عقباها فيما بعد، من خلال الغاء العطلة الأسبوعية لكل المخابز وفتح منافذ للبيع بالمخابز الآلية على مدار الساعة. وأفادت جهات رسمية بأن شركة المخابز تكبدت خسائر بشرية ومادية خلال الاحداث التي شهدتها سورية في الاشهر الماضية وسقط عدد من عمال المخابز شهداء إضافة إلى اختطاف بعضهم بينما كانوا في طريقهم إلى عملهم لتأمين رغيف الخبز للمواطنين وتم السطو على العديد من اليات وسيارات توزيع الخبز في بعض المناطق.
وختاماً، فإن الحديث عن 6 أزمات سورية عصفت بمعيشة المواطن السوري وأنهكت من قدرته على مواجهتها، لايعني أن هذه الأزمات هي الوحيدة على مدار عام كامل، بل إنها تعتبر الأبرز فقط، فهناك أزمات كثيرة خلقتها العقوبات الاقتصادية وتخبط الإجراءات الحكومية المحلية وكان لها دورها أيضاً بتدهور حال المواطن والصناعي ورجل الأعمال والتاجر، فالعديد من المنشأت الصناعية أغلقت وأعلنت إفلاسها وسرحت عمالها وخاصة في القطاع السياحي الذي تدنت نسبته إلى الصفر تماماً، وهذا ماخلق أزمة بطالة حادة بالبلد، كما أن التجارة انخفضت نسبتها استيراداً وتصديراً بسبب نقص السيولة لدى التاجر السوري والصعوبات المتعلقة بالتحويلات المالية ورفض بعض الأسواق التعامل مع سورية أو مع بعض رجال الأعمال ممن فرضت بحقهم العقوبات... وبالنهاية ورغم أن الجميع يعتبر في هذه الحلقة المأساوية خاسراً إلا أن المستهلك والمواطن السوري ممن لايملك القدرة المالية هو الخاسر الأكبر بامتياز، حيث إن كل الخسارات معكوسة عليه مهما تفاوتت نسب توزعها بين أطراف الحلقة التجارية والصناعية والاقتصادية وحتى الحكومية.