الرئيس الأسد في بابا عمرو: قراءة في دلالات الزمان و المكان و التصريحات

[NermeeN]

قد يبدو الخبر عند عرضه على شاشات التلفزة مجرد خبر عادي لا يستحق أن يحجز له موقعاً متقدماً في نشرات الأخبار و لكن في الحقيقة هو خبر يستحق أن يستحل كما حصل مقدمات الأخبار و أن يعرض و بالمانشيت العريض كخبر عاجل و أن تفرد مساحات من الوقت لعرض أبعاد و دلالات الزيارة و ماهية الرسائل التي يود أركان النظام في سوريا إيصالها لمن هم في الداخل و الخارج مستمرون في الدعوة لإسقاط الرئيس .



بابا عمرو هو الحي الذي رهن وليد جنبلاط نجاح الثورة بصموده و بابا عمرو هو الحي الذي تحدى أحد شيوخ التحريض الرئيس بشار الأسد أن يقوم بزيارته و بابا عمرو هو الحي الذي وقف العالم بأثره و بكبار قادته من أوباما الى أصغر موظف في سفارة عربية ينتظر نتيجة المعركة فيه و بابا عمرو هو الحي الذي وضع الغرب و العرب كل ثقلهم الإستخباراتي فيه و زودوا من فيه بأحدث وسائل الإتصالات و تقنيات التواصل و السلاح المتطور و أرسلوا إليه نخبة المقاتلين من عرب و غيرهم و حتى أنه الحي الذي سقط فيه صحافيين أجانب خاطروا بحياتهم حتى يصلوا إليه بعدما أسماه جهابذة النضال الفيسبوكي و التويتري و المقاومين عبر الشاشات بستالينغراد العرب و هو الحي نفسه الذي و بحسب قنوات عربية و أجنبية تعرض للقصف منذ أشهر في مسرحية هزلية إعتدنا عليها في الأزمة السورية.

و لكن ما الذي جرى اليوم؟؟؟؟

دخل الرئيس بشار الأسد الى الحي لا رغبة في إلتقاط صور له و لا سعياً وراء مشهد تلفزيوني بل هو جاء ليقول للعالم الذي جعل من بابا عمرو بوصلة الثورة أنه موجود في المكان الذي كان يفترض بهم و بحسب ما كانوا يروجون له أن يسقطوا النظام من خلال صموده و ليقول لهم أن كل ما خططوا له و أن كل العمل الإستخباراتي الذي قاموا به والمال الذي دفعوه و التحريض الذي حرضوه و السلاح الذي أرسلوه و المقاتلين الذين دفعوا بهم و أن كل الرهان الذي راهنوه و الأحلام التي حلموا بها هي تحت قدميه فلا أمراء النفط و لا زعماء الطوائف و لا رؤوساء الدول و لا مشايخ الفتنة حققوا أمنيتهم في زيارة بابا عمرو بعد سقوط النظام فاتحين لها مجسدين لأنفسهم صورة الأبطال و العظماء في مشهد يبدو أن أمير قطر بالتحديد كان مشتاق له و قد دفع حتى الأن المليارات في سبيل تحقيقه و لكن لم و لن يتحقق

فالرئيس بشار الأسد أراد في السياسة أن يقول لهم لستم أنتم الأقوياء بل أنا و شعبي و لستم أنتم في موقع من يفرض الشروط إنما أنا و شعبي و لستم أنتم في موقع من يملي على سوريا ما يجب القيام به بل أنا و شعبي من يعرف طريق خلاص وطننا و هو يقول لهم بزيارته هذه أنه هو الممسك بالأرض و بالتالي هو من يضع الشروط بصفته منتصراً و أن الجيش الذي تحدثوا عن إنشقاقات في صفوفه و بدايات إنهياره هو نفسه الجيش الذي إستطاع أن يؤمن الطريق لقائده الدخول الى منطقة كان يفترض بها أن يكون مجرد التحرك فيها بسيارات خطر فكيف يكون الوضع إذا ما كان سيراً على الأقدام و طبعاً يعلمهم في جولته أن العصابات التي راهنوا عليها و الحديث عن سيطرة الجيش الحر و الإنسحابات التكتيكية ليست إلا محض خيال و كذب فها هو من يفترض بالجيش الحر العمل ليل نهار لإسقاطه موجود في المكان الذي إتخذ منه هذا الجيش معقلاً له و مركز قيادة فهل هناك فرصة ذهبية له أفضل من هذه لتحقيق هدفه في التخلص من الرئيس بشار الأسد؟

نعم لقد نجح الرئيس الأسد بزيارته لبابا عمرو في نقل صورة حقيقية للواقع في الداخل السوري عبر تكذيبه الأنباء التي تتحدث عن إشتباكات في العاصمة و أحيائها و فلتان أمني في كل أنحاء سوريا و عدم قدرة على ضبط الوضع و خطر التنقل عبر الأتوسترادات, عدا عن المشاهد التي يظهر فيها ملثمون يدعون أنهم من الجيش الحر يقيمون حواجز التفتيش في تمثيليات سخيفة يراد منها إظهار أن الجيش و النظام فقدوا السيطرة على كل شيء و السؤال الأن هو كيف لرئيس دولة بلاده لا أمن فيها و لا أمان و يعاني من عزلة شعبية و محاصر حتى في قصره و يروج عن إستعداده للهرب و جيش معادي له يكمش بالوضع يستطيع الخروج الى المنطقة التي يفترض أن تكون العاصمة الأمنية للثوار منتقلاً من محافظة الى محافظة متجولاً بين الناس و يطلق التصريحات.

و اللافت كان في الرسائل التي وجهها الرئيس الأسد هو إستخدامه لعبارة كان قد أطلقها السيد نصرالله بعد نهاية حرب تموز عن إعادة إعمار ما تهدم و بشكل أجمل مما كان و كأنه كان يريد التعبير عن حقيقة باتت لا تخفي على أحد و هي مواجهته و إنتصاره على مشروع هو نفسه الذي واجهه حزب الله في صيف 2006.

عدا عن أنه كان يتحدث عن المستقبل و يطلق الوعود للناس في رسالة قوية لمن يدعون الى رحيله يقول لهم فيها أنه باق لإستكمال مشروع بناء سوريا الحديثة بعد إعادة إعمار ما تم تهديمه و أن الدعوة لرحيله باتت خلف ظهره و هي مجرد وهم لا قيمة لها في الحسابات السورية الداخلية و الخارجية.

و كان الملفت للنظر هو إحتشاد بعض المواطنين حول قائدهم معبرين له عن حبهم و هو ما يجب أن يثير نوعاً من الإستغراب فالسؤال هنا كم الرجل محبوب حتى يبقى له مناصرين يعلنون إستعدادهم التضحية بأرواحهم لأجله في مكان يفترض و بحسب إدعاء قنوات عربية أنه يتعرض لقصف منذ شهور و أرتكب بحق أهله مجازر فظيعة؟

نعم لقد خلط الرئيس في ظهوره العلني في بابا عمرو الأوراق من جديد و أثبت قدرة المؤسسة الأمنية السورية على كسر ما خطط له و مول من كل المجتمع الدولي و هو أثبت صحة ما قيل سايقاً عن توجه سوريا نحو حسم المعركة مع عصابات الإرهاب و الإجرام و من الطبيعي أن يكون أمراء و رؤوساء قد أصيبوا بالذهول حينما شاهدوا الأسد في الشارع في المكان الذي جعلوه عاصمة لثورتهم الإفتراضية و قد يقومون الليلة قبل الغد في تأنيب مساعديهم فكيف يدفعون هم المليارات لإسقاط الرجل فيما هو و بحكمة و حنكة و ذكاء يستطيع تجاوز الأزمة و أين هم المسلحون التي وضعت بخدمتهم دول و فنادق و بنادق و بنوك .

مرة أخرى تثبت سوريا أنه عصية على الإنكسار و غريبة عن الهزيمة و لا تذوق طعم الذل و مرة أخرى يثبت الرئيس الأسد أنه قائد يعرف كيف يتصرف و كيف يختار أسلوب الرد و توقيته فهو حينما يكون في بابا عمرو قبل ساعات من إنعقاد قمة أستبعد منها في ظل ضغوطات كبيرة على الدولة المستضيفة فهو يقول لكل المجتمعين في بغداد أن أوراقكم و بياناتكم و مقرراتكم و مؤامراتكم ذهبت مع الريح بالتالي سقط مشروعكم و أنا غير مكترث لكم و هو أيضاً يوجه صفعة لتركيا التي تستضيف مؤتمراً للمعارضة أو ما تبقى منها و كذلك مؤتمر أصدقاء سوريا فما نفع الإجتماع في إسطنبول و بشار الأسد موجود في بابا عمرو و ما أدراك ما بابا عمرو ؟

فلنترك الأيام لتتحدث عن ما خطط و دبر في ليل و سقط بحنكة رجل يكفي لوصفه ذكر أنه إبن أبيه و أن أبيه هو حافظ الأسد.

بانوراما الشرق الأوسط