كل من شهد بدايات الأحداث في سوريا، اعتقد أن الأمور ستعود الى سابق عهدها خلال أسايبع.. الا قلة قليلة كانت تعرف أن المشروع يتنقل على مراحل.. القيادة
السورية كانت تعلم أنها تتعامل مع مراحل، وأن أصعب المراحل كانت في الأشهر الثلاثة الأولى.. وقد تجاوزتها.. ومايحدث الآن هو التعامل مع المرحلة الثالثة وهي التي تحاول الضغط الاقتصادي لإرهاق الميزانية وافقار السوريين وايصالهم بعد حصار طويل لقناعة كاذبة تشبه قناعة العراقيين أن التخلص من نظام الحكم قد يكون فيه الخلاص للخروج من الأزمات الاقتصادية.. لكن الفارق هنا أن القرارات بالحصار الاقتصادي، عرجاء، وهي ليست دولية ولا أممية، وهناك كل الطرق الاقتصادية المتاحة للبدائل عبر مجموعة بريكس وغيرها..
جميعنا نبحث عن المستقبل وما يخبئه لنا.. ولو كنا نؤمن بالبصّارات وقارئات الكف لفتحنا ملايين الكفوف وشربنا القهوة بملايين الفناجين لنعرف ماذا سيقول الغد.. نتجول كل يوم على كل المحطات والمواقع علّنا نسمع مايروي ظمأنا.. ولكن مشاعرنا تتأرجح. فعندما نستمع لاعلام الثورجية وجزيرتهم، نعرف أن هناك شطحات وسباحة في دم الناس.. وعندما نستمع لاعلام الدولة نحس أن هناك أشياء لاتُقال، وأن هناك حرصا على كل حرف يقال، فنبقى ظامئين.. لكن سنترك فناجين القهوة والكفوف وسنترك اعلام السباحة في دم الناس واعلام السباحة في القطب الجنوبي وسنحاول البحث في مصادر أخرى ونتلمس بعض الاسرار التي لاتفهم..
فمما يثير التساؤل هو البرود السوري في الرد على أردوغان الذي يرمينا بالمنجنيق بكتل اللهب اللفظي وكتل الحجارة الثقيلة .. ماذا يثير أعصاب أردوغان..؟ دعونا لانكذب على انفسنا، فليس الدم السوري هو مايثير حفيظة اردوغان..هذا الكلام للاستهلاك المحلي في تركيا ولدعم معنويات الثورجية .. أردوغان لم يقل 1 بالمليون لإسرائيل مما قاله ضد السوريين رغم أن اسرائيل قتلت آلاف الفلسطينين واللبنانيين وفوقهم تسعة أتراك واكثر ماقاله اردوغان في دافوس لشيمون بيريز: "تذكر أنني احترم سنك .." أي ان الرجل قدّر لبيريز وقاره وسنه ..لكن من استقبله في بيته وفتح له بلاده وذراعيه وجعله صديقا شخصيا ووكيلا سياسيا في مفاوضات السلام، لم يستحق منه الا أن يصفه بالجبان رغم معرفة أردوغان أن الأسد ليس بجبان، وأنه يقاتل تمردا مسلحا .. فلِمَ ذلك؟؟ بعض الجواب الحائر، طيّره لي صديق صحفي تركي تعرفت عليه أيام الأزمة السورية التركية بشأن عبد الله أوجلان .
تعرفت على هذا الصحفي التركي الذي يعمل لصالح احدى كبريات الصحف التركية عندما قصدني للتوسط لايصاله لمكتب الاستاذ الراحل جبران كورية، رئيس المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد .. كان يعلم بخيط ما غير رسمي وغير وظيفي وبالطبع غير عائلي يربطني بالأستاذ كورية .. الصحفي التركي قال بأنه يريد أن يجري لقاء صحفيا مع الرئيس الأسد لتقريب الشعب التركي من الشعب السوري عبر حوار شفاف مع "حكيم الشرق" كما وصفه خاصة عند بروز نجم حزب الرفاه والسعادة بزعامة نجم الدين أربكان .. لكن تفاقم أزمة عبد الله أوجلان بعد تلك الفترة ربما عطّلت مشروع الصحفي التركي للقاء الأسد في ظل استفزازات مسعود يلماظ لسوريا وتفاقم النزاع ..
العلاقة مع الصحفي التركي استمرت منذ تلك الفترة ولم تنقطع وجاءت ظروف هذه المرحلة وكثرت الاتصالات بيننا لتبادل الآراء .. وقد أطلعني منذ فترة على مايتردد في كواليس السياسة التركية وفوجئت أنه يقول لي ان خلف الأبواب المغلقة مالا نسمعه ولا يسمح باطلاق سراحه، وهو توقعات تخالف كل ما يشاع: وهي ان أردوغان صار قريبا مما لانتخيله ..ألا وهو الرحيل !!..
فهناك تمرد يتبلور داخل حزب العدالة التركي الذي بدأ يرى تخبطات أردوغان .. فمن دولة يتراجع كم العداء لها في محيطها الى مستوى الصفر في رحلة استغرقت عقدين من الزمن، الى دولة كل ما يحيط بها صار عدوا مرّا في فترة قياسية لاتتعدى شهرين .. ومن بلد حدوده باردة الى بلد حدوده ترتفع درجة حرارتها الى الغليان .. فتركيا دولة محاطة بأعداء أكثر من اسرائيل اللا شرعية نفسها .. فاسرائيل برّدت حدودها مع الأردن ومصر والعرب الخليجيين وفلسطينيي محمود عباس وحولتهم الى حلفاء ولم تبق سوى نافذة عداء صغيرة رغم هدوئها في الشمال تعمل على اغلاقها بشتى الوسائل لأنها تعرف أن هذه النافذة تحجب خلفها طوفان النار .. أما تركيا أردوغان فحولها اليونان وروسيا وسوريا والعراق وايران وأرمينيا والأكراد بالطبع .. وكلهم تحولوا بحكمة أردوغان الى محيط عدو يتربص بتركيا الدوائر..
وهناك اقتصاديون أتراك وصناعيون يتحركون لأنهم فقدوا الأمل في أوروبا، واكتشفوا على العكس، ان انفتاح تركيا على دول الجنوب عبر سوريا وايران والعراق ومن ثم العالم الاسلامي (بواسطة حنكة مؤسس الحركة الاسلامية التركية نجم الدين أربكان الذي جرّ تركيا من يدها نحو الجنوب) أثّر كثيرا وايجابيا في انهاض الاقتصاد التركي الذي يتبجح الاسلاميون ويتشدقون انه دفع ليكون في المرتبة السادسة عشرة بفضل الاسلاميين الأردوغانيين الذين سرقوا جهود أربكان لاثبات أن الاسلام هو الحل .. وأن الاسلاميين قادرون على ادارة الاقتصاد واجتراح الحلول الاجتماعية والمعجزات أكثر من بقية الأحزاب التقليدية في المنطقة .. وكلما دق الكوز بالجرة ذكّرنا هؤلاء المروّجون لأردوغان بالتجربة الاسلامية الرائدة ديمقراطيا واقتصاديا في تركيا "أردوغان"..ولكن للعقلاء الأتراك رأيا آخر!!
هذا الجو من الهستيريا السياسية الذي يثيره أردوغان، بدأ بسرعة ينعكس على الاقتصاد التركي الذي ستظهر آلامه في الربع الثاني من عام 2012 حسب تقديرات الخبراء خاصة في ظل أزمة أوروبا التي تبدو منشغلة بانقاذ اليونان وليس تركيا.. وبالذات اذا ماتبين أن المحور السوري - الروسي - الايراني قد قرر تلقين تركيا درسا مهذبا لاتنساه .. درسا سيبقيه المؤرخون الأتراك أمامهم كدليل على خطى السياسة التي ترى بعيون الكركدن وليس بعيون الصقر من أعلى الذرى..
ماقاله لي هذا الصحفي التركي مثير للانتباه .. وهو أن أردوغان اعتقد أن مشروع الاسلاميين في المنطقة سيجعله زعيما عالميا بلا منازع وقائدا للكتلة الاسلامية عبر قيادته للهلال الاخواني من ليبيا الى سوريا ..وسيكون هو الرجل الذي تتجه اليه الوفود العالمية في أي شأن من شؤون الشرق الاوسط والشأن الاسلامي .. وسيكون قادرا على التـأثير في دول الخليج وعواصم النفط عبر هلاله الاسلامي كما كان عبد الناصر مهابا لدى أهل الخليج بامساكه بتلابيب المنطقة العربية بين يديه .. وسيكون بيد أردوغان الماء الذي سيبيعه للشرق من سدوده العظيمة، وسيكون له بعض التأثير على أسعار النفط ..علاوة على تحكمه بخطوط امدادات الغاز من الشرق الى الغرب... أي خليفة اسلامي عصري ديمقراطي قوي تنتخبه جموع الاخوانيين في تركيا فيما هو من يوزع النفوذ التركي على المنطقة كلها من "الباب العالي" ..
مشكلة أردوغان الكبرى أن المشروع تعثر كثيرا في سوريا على غير توقع، وهو الذي كان حسب الاتفاقات مع أهل الخليج والأمريكيين سينجز التحول السوري قبل رمضان 2011 على أسوأ التقديرات ..لكن العقدة السورية لم تنكسر رغم كل الضغط الهائل.. وبحسب المعلومات التي بدأت ترشح فان ما تم ضخه من مال وسلاح ومسلحين تجاوز30 ضعفا لما تم الدفع به لاسقاط ليبيا.. وقد فوجئ أردوغان وحلفاؤه جدا من التماسك السوري، ولكن أكثر المفاجآت كانت الموقف الروسي المستميت واصراره على عدم السماح بتمرير قرار في مجلس الامن حتى بمنطقة حظر جوي يحترمها الناتو ولايمدد صلاحياتها .. بل دفع الروس بشحنات السلاح وبالبوارج الحربية الى السواحل السورية .. وكان أردوغان يعتقد أن الروس لن يحركوا ساكنا وهم من تخلى عن أشقائهم السلافيين في صربيا وعن العراقيين وعن الأوكرانيين وعن الليبيين وليس هناك ما يدعوهم للخروج من مكمكنهم .. الموقف الروسي المؤازر بقوة لسوريا لم يدخل في الحسابات الاّ من باب الأقرب الى المُحال .. ولكن تبين للمحللين الأتراك أن من الغباء السياسي ألا يتوقع السياسيون أن من المحال ألا يتحرك الروس .. وذلك لاسباب كثيرة لها علاقة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة لأنه في عملية تفكيك الاتحاد السوفييتي لجأت القوى الغربية الى اطلاق الاسلاميين الطالبان خارج الاتحاد السوفييتي في أفغانستان للصدام معه .. أما تدمير روسيا فسيكون عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية -الطالبانية الى حدودها والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليا فستتولى تركيا اكماله في روسيا .. نيابة عن الأمريكيين ..اذا ما انتهت اليها زعامة العالم الاسلامي ..
مايزيد في هياج أردوغان ومجموعته، هو المعلومات التي يضعها جهاز الاستخبارات التركي على طاولته يوميا والتي لخطورتها أخرجته عن طور اللباقة الديبلوماسية وصار يتهجم على شخص الرئيس الأسد الذي حتى هذه اللحظة لم يعره اهتماما، تماما كما فعل مع (لسانيات) جنبلاط الذي تم تجاهل استفزازاته الى أن قص لسانه بعد أن طال فعاد معتذرا الى الشام .. ويبدو ان طريق جنبلاط هو الذي سيسير عليه اردوغان مهما طال لسانه .. القيادة السورية تركت أردوغان يرفع صوته لأن ما تقوله الاستخبارات التركية هو الرد السوري الحقيقي الذي يجيب على جنون اردوغان والذي تحاول الجامعة العربية انقاذه من تسونامي قادم يعد له تحالف سوري ايراني روسي .. بعد نهاية العام ..وهو ماكان يُقال من أن سوريا تملك أوراقا قاتلة لم تستخدمها حتى الآن..
المعلومات والفرضيات التي وضعها أمامي الصحفي التركي مثيرة للاهتمام، وهي تقول أن الروس عرضوا على الحليفين السوري والايراني خطة هجوم معاكس على المشروع الاسلامي الاخواني انطلاقا من الدولة التي كانت ستتزعم الحركة الاخوانية العالمية تستغرق بضعة أشهر.. لأن توجيه ضربة للمشروع الاخواني لن يتم الا عبر ضرب الرأس مباشرة ..وهو تركيا .. كما أن اردوغان وطموحاته يجب ان يرحلا ..
والخطة تنتظر يوم اعلان رحيل القوات الأمريكية عن العراق، حيث لايعكر صفو التطبيق وجود جيش أمريكي بين سوريا وايران .. الغاية من الخطة تخفيف وزن تركيا السياسي .. واعادته الى الصواب والعقلانية .. واحترام الجغرافيا .. واعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يعاكس الشرق الأوسط الأمريكي ..الذي بات يهدد الجميع
الايرانيون والروس أحسوا أن اردوغان قد كسر كل المحرمات ووضع السكين على أعناق الجميع بالسماح بالدرع الصاروخي الأمريكي على أرضه وبانكشاف نواياه بالسيطرة على الشرق عبر اسلامييه وتحالفه مع الناتو .. وهو بذلك يوجه حرابه ضد سوريا وروسيا وايران.. دفعة واحدة .. جنون لايشبهه الا جنون الرايخ الثالث .. الذي بدأت نهايته عندما تحرش بعدة دول مجتمعة وعلى رأسها روسيا..
الخطة المقترحة التي نقلها الصحفي التركي لاتبدو متماسكة تماما. ربما لغياب بعض التفاصيل التي لم تتح له .. لكنها تشير الى ضرب الاقتصاد التركي ضربة موجعة عبر حصار مطبق من كل المحيط ولن تتمكن البضائع التركية من التوجه نحو الجنوب وآسيا بعد اليوم. فالخط السوري - العراقي - الايراني سيصير مثل سور الصين العظيم .. كما أن روسيا ستضيّق عليه الحركة عبر الشمال.. وعلى الأتراك ركوب البحر كسبيل يتيم للوصول الى آسيا بعد اليوم لتجارتهم بكل ما يعني ذلك من تكاليف وتأخير لأن أوروبا مُحرّمة عليهم .. وفي الوقت نفسه، ستُطلق يد الأكراد في جنوب شرق تركيا بحيث يكون التمرد الكردي من نفس عيار التمرد المسلح في سوريا باطلاق عصيانات المدن الشرقية التي اقتنعت أن اطلاق زعيمها عبد الله أوجلان لن يتم الا عبر الضغط السياسي المترافق مع ضغط عسكري هائل، وربما عبر تبادل أسرى ..مستفيدة من تجربة حماس وحزب الله.. ونُقل عن أن أحد البرلمانيين الأتراك المعارضين لأردوغان توجهه اليه بالتهكم قائلاً في اجتماع اللجنة البرلمانية الخارجية: سنكون محظوظين اذا ما أهدى السوريون السلاح الذي صادرته قوات الأمن السورية خلال الفترة الماضية الى مقاتلي الـ (بي كي كي) كخطوة رمزية ذات مغزى كبير ..سلاح سيكفي الـ (بي كي كي) لسنوات..!!
وسيكون أحد أهم مناطق الوجع التركي هو الاقتصاد والسياحة .. التي تعتمد عليهما أرجل وسيقان جمهورية رجب طيب أردوغان .. وبحسب هذه المعلومات ..سيضطر حزب العدالة والتنمية الى تقديم رأس أردوغان ثمنا لاعادة الهدوء الى دول الجوار، وذلك بالاطاحة به بانقلاب حزبي .. وبهذا المعنى ربما يعيش "سبع البرومبة" أردوغان آخر ستة أشهر له في مكتب رئاسة الوزراء التركية ..
ووفق هذا الصحفي التركي، فان العرب استعجلوا الانتخابات المصرية لاطلاق الاسلاميين المصريين الى جانب أردوغان للتسريع باطاحة الحكم في سوريا .. فيما استعجل العرب العقوبات وتعهدوا لأردوغان بتعويض الخسائر ودعم الاقتصاد التركي الذي سيتضرر .. ولكن مستشاري اردوغان يرددون على مسامعه نصيحتين ذهبيتين: الأولى: تذكر ألا تثق بعرب الجزيرة العربية.. فهم من طعنوا الخلافة العثمانية في الظهر فلا تثق بهم .. وتذكر حكمة ثعلب السياسة العالمية هنري كيسنجر، وهي كلمة شهيرة له على التلفزيون تقول: "بالطبع لايمكنك أن تثق بعربي" .. والنصيحة الثانية: أسرع واكتف بما حصلت عليه ثم صالح الأسد أو ابعث بالهدنة اليه..انت تحتاج لخداعه ثانية على الأقل ..
والمفاجأة كما يقول الصحفي التركي، أن هناك اعتقادا أن أردوغان بعث سرا يطلب المصالحة فلم يأت الرد. ولكن الروس بلّغوا الرسالة التالية التي فهمها رجب طيب أردوغان حيث كان الرد: "الأسد مشغول حالياً بدفن الجنود الذين قتلهم المسلحون بسلاحك.. انتظر رده لاحقا" .. وقد حلّق دماغ أردوغان بجناحين من الهستيريا ورد على لا مبالاة الأسد بقوله في مقابلة مرتبة على عجل: "ان الأسد جبان ..وسيسقط .." ثم بعث مهندس الأصفار، اوغلو، ليستحث العرب في الجامعة لاطباق الخناق على الأسد .. تعبير "مهندس الأصفار" قاله الصحفي التركي ضاحكا وأضاف: الآن عرفنا اين هي أصفار أوغلو .. انهم أعضاء الجامعة العربية .. كل وزير خارجية عربي هو صفر في السياسة ..الاّ وليد المعلم..
رادارات أردوغان بدأت تشتغل أخيرا بعد أن سكرت وانتشت فترة بانتصارات سهلة في ليبيا .. ويقول له مستشاروه: اذا انطلق تمرد مسلح بعشرات آلاف البنادق والقذائف في شرق تركيا، فلن تبقى تركيا قطعة واحدة، بل عدة قطع مهما فعلت ولن ينقذك منها لا أمريكا ولا الناتو .. لن ينقذك الا السلاح الكيماوي ..وأنت يا فخامة رئيس الوزراء لا تتحمل حلبجة ثانية مثل صدام حسين .. ولا شبيها بمذبحة الأرمن ..وتذكر أن الأوروبيين لا يمانعون في تشظي بلدك ..وهم دائما ينوهون الى أن تركيا بلد غير مستقر وهذا كان دوما في غير صالح طموحاتها للانضمام للسوق الأوروبية..
ويضبف الصحفي التركي محذرا، أن سوريا نفسها لن تكون بمنأى عن هذا الانفجار الكردي الذي لن يعترف به الغرب، لكنه سيجعل من جنوب شرق تركيا منطقة مستقلة ذاتيا تماما كما كان شمال العراق طيلة السنوات الماضية منذ السبعينات .. والغرب لايريد من تركيا الا التزاماتها بالناتو .. ولكن التمردات الداخلية هي آخر ما يمكن للناتو التعامل معه ..وتجربة العراق وافغانستان خير دليل خاصة اذا ما تولى الموضوع خبراء في هذا الشأن ومن لهم باع طويل فيه مثل السورييين والايرانيين الذين جعلوا استقرار الأمريكيين في العراق جحيما لا يطاق ..
ما يطرحه هذا الصحفي يبدو خياليا، ولا أعرف مدى امكانية تصديقه. فهو يقول إن أصدقاءه في المخابرات التركية يقولون ان سوريا اطلعت على عرض سري توسط فيه الروس والايرانيون الى جلال الطالباني ومسعود البارازاني وقادة حزب العمال الكردي بعد استشارة المالكي بأن تتعهد القوى الكردية بتجميد تحركها في ايران وسوريا وروسيا اذا ماتم دعم منح كركوك للأكراد كعاصمة لهم تشرف بنفسها على جنوب تركيا الخصب والغني بالمياه..على أن يعترف للعرب في كركوك بحقوق كاملة وأن تحتفظ الحكومة العراقية بحصتها من النفط فيها..الروس يرون أن اعادة تركيا الى حظيرتها وحجمها ولجم جنونها وامكانات تحطيمها لخرائط الشرق، أهم من اعادة كركوك الى الحظيرة العربية..ويتفق معهم العراقيون والسوريون والايرانيون، فيما الأكراد يعتقدون أن النفط في كركوك والمياه في جنوب تركيا هما قوة الدولة الكردية الحقيقية ..اضافة للمغزى المعنوي والعاطفي لكركوك في خلق الكيان الكردي..
الروس يعتقدون أن هذا الاقتراح سبيل لحل الأزمة الكردية منذ الآن بدل تأجيل شيء واقع لامحالة .. فاذا حدث توافق روسي - ايراني - سوري - عراقي على التضحية بتركيا لانهاض حل للأزمة الكردية يعني تأجيلا طويلا لمشاكل الأكراد لديهم وانقاص لوزن تركيا الاقليمي (ريجيم قوي وسريع لانقاص الوزن) ..وهو احتواء للمشروع الأمريكي ..
نقطة الخلاف هي كركوك..لأن الأسد يُشاع أنه قال مثلما قال السلطان عبد الحميد عن فلسطين: كركوك ليست ملك الشعب السوري ليفاوض عليها .. واذا وافق العراقيون على هذا العرض فهذا كلام آخر ..
الأتراك يتحركون بسرعة وفي سباق مع الزمن بالتنسيق مع العرب والغرب واسرائيل بتسريع المرحلة الثالثة من الخطة المعدة سلفا لحشد مقاتلين عربا باسم "الجيش السوري الحر" على الحدود للضغط قبل أن ينجو الأسد من الفخ ويطلق الضغط الثلاثي على تركيا .. فيما اسرائيل تدرس طلبا تركيا بالتحرك لانزال هزيمة مشتركة بالعقدة السورية .. لكن حسابات الاسرائيليين تصطدم دائما بسيناريو شمشون، اي أن سوريا وايران لن تترددا في هدم الشرق الأوسط كله وخاصة على اسرائيل وسيكون ثمن هذا النصر في العقدة السورية باهظا جدا .. باهظا جدا ..وقد يترك اردوغان لمصيره !!
ومع هذا فقد بدا الصحفي التركي متشائما وقال: الكل سيدفع الثمن من جنون أردوغان..الأتراك والسوريون والجميع بلا استثناء والباقي سيتفرج..لكن السوريين سيصير لهم في الحال طوق نجاة عبر تمددهم اقتصاديا بعد نهاية العام من البحر المتوسط حتى أفغانستان ونحو كل الشرق ودول بريكس .. بل ان الأردن نفسه سيستغيث لابقاء علاقته مع سوريا التي لم يفهم السوريون استراتيجية سخاء الدولة السورية في منح الاردن معاملة خاصة بالماء والغذاء طوال سنوات حتى تبين أن الغاية كانت في جعل الأردن معتمدا على سوريا.. فالحياة في الأردن معتمدة على مشيمة تصل الى سوريا وعلى ثدي سوري .. واذا قطع الارضاع تلوى الأردن عطشا وجوعا..وخلق حالة اعتماد على الرحم السوري سيجعل الأردن أول من يصرخ من انقطاعه عن سوريا..ومهما حاول الملك الأردني لعب القمار في السياسة فهذه ليست لاس فيغاس..الملك قد يكسب في القمار في لاس فيغاس ..لكن لاعبي السياسة المحترفين في دمشق سيجعلونه يخسر للمرة الأخيرة وقد لايبقى معه الا ثمن بطاقة طائرة باتجاه لاس فيغاس (سفرة واحدة)..
"أعتقد أن الحل في رأي كثيرين لم يعد في رحيل الأسد، بل في رحيل أردوغان ..بأسرع وقت..انها مفاجأة أليس كذلك؟؟!!" يختم الصحفي التركي تصوراته وملف معلوماته المثير ..الذي لاشك يحتاج تنقيحا وتدقيقا ودراسة حصيفة ..قبل التحقق من كل نقاطه..وقد نقلته بأمانة ..وسنتركه لقادمات الأيام كي تحاكمه ..
بقلم: نارام سرجون
Comment