تحت عنوان "سورية وإيران، اللعبة العظيمة"، كتب الكاتب البريطاني أليستر كروك في صحيفة الغارديان البريطانية "بأن تغيير النظام في سورية يعد جائزة استراتيجية تفوق ليبيا، وهو ما يفسر سبب لعب المملكة السعودية والغرب الجزء الخاص بكل منهما في هذه اللعبة".
وكشف الكاتب البريطاني "أن مسؤولاً سعودياً كبيراً أبلغ هذا الصيف، جون حنا، كبير الموظفين في فريق المسؤول الأميركي السابق ديك تشيني، بأن الملك عبد الله كان، ومنذ بداية الاضطرابات في سورية، يعتقد بأن تغيير النظام سيكون مفيداً جداً للمصالح السعودية، وأنه قال: إن الملك يعرف أنه غير انهيار الجمهورية الإسلامية نفسها، فإن شيئاً آخر لن يضعف إيران أكثر من خسارة سورية".
ويضيف الكاتب البريطاني في صحيفة الغارديان: "إنها اليوم، اللعبة العظيمة – خسارة سورية. وبهذه الطريقة يتم لعبها: المسارعة بتشكيل مجلس انتقالي كممثل وحيد للشعب السوري، بصرف النظر عما إذا كان لديه امتداد حقيقي داخل سورية؛ إمداد الداخل بمتمردين مسلحين من الدول المجاورة؛ فرض عقوبات من شأنها أن تضر بالطبقات الوسطى؛ شنّ حملة إعلامية لتشويه أي جهود سورية في مجال الإصلاح؛ محاولة التحريض على الانقسامات داخل الجيش وقوات النخبة؛ وفي نهاية المطاف، الرئيس الأسد سيسقط".
ويتابع الكاتب كروك بأن "الأميركيين والأوروبيين وبعض دول الخليج قد يرون في سورية "لعبة" لخلف منطقي لما اعتُبر لعبة ناجحة في ليبيا في إطار توجيه الصحوة العربية نحو نموذج ثقافي غربي. ومن حيث السياسة الإقليمية، فإن سورية تُعتبر استراتيجياً أكثر قيمةً، وإيران تعرف ذلك. وقد قالت إيران إنها سترد على أي تدخل خارجي في سورية".
ويضيف الكاتب البريطاني: " إنها بالفعل الـ"لا لعبة"، كما تشهد عمليات القتل من الجانبين. فالعناصر المتطرفة المسلحة التي يتم استخدامها في سورية كأدوات لفرض سقوط حكم الأسد، تتعارض مع احتمال حصول أي نتيجة قد تنشأ داخل النموذج الغربي. فهذه الجماعات قد يكون لها جدول أعمال خاص بها يتسم بالدموية واللاديمقراطية المطلقة".
ويقول الكاتب البريطاني في مقالته في الغارديان: "لقد حذرت من هذا الخطر في ما يتعلق بأفغانستان في الثمانينيات حيث كانت لبعض "المجاهدين الأفغان" جذور حقيقية في المجتمع، في حين شكل البعض الآخر خطراً حقيقياً على الشعب. وقد قام سياسي أميركي في ذلك الوقت بوضع يده بلطف على كتفي وقال لي بألا أقلق: هؤلاء هم الأشخاص الذين "ركلوا السوفيات".
ويضيف كروك: "لقد اخترنا النظر إلى الجهة الأخرى لأن ركل السوفيات أرضى الميول الداخلية في الولايات المتحدة. واليوم تنظر أوروبا في الاتجاه الآخر، فهي ترفض أن تتمعن فعلياً في أولئك المتمردين ذوي الخبرة الذين يواجهون عدداً كبيراً من القوى الأمنية السورية، لأن خسارة الأسد ومواجهة إيران بالنسبة إليها، أمران من الجيد لعبهما، وخصوصاً في الوقت الذي تكثر فيه الصعوبات الداخلية".
ويتابع الكاتب البريطاني: "لحسن الحظ، يبدو أن التكتيكات الجارية في سورية تتجه إلى الفشل رغم الاستثمارات الضخمة الجارية. معظم الناس في المنطقة يعتقدون انه يتم دفع سورية باتجاه مزيد من الصراعات الأهلية التي ستكون نتيجتها عنفاً طائفياً في لبنان، العراق، وأيضاً على نطاق أوسع من ذلك. وفكرة أن هكذا صراع سيُنتج نموذجاً غربياً مستقراً، وسيُنتج ديمقراطية، هي في أحسن الأحوال خيالية، وفي أسوئها، فعل قسوة قصوى".
ويلفت الكاتب البريطاني إلى "أن أصول عملية "خسارة الأسد" تسبق عملية "الصحوة العربية"، إذ هي تعود إلى فشل إسرائيل في حرب العام 2006 في إلحاق أضرار بالغة بحزب الله، وتقييم الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب بأن سورية تمثل الكعب الأخيل لحزب الله، وتشكل القناة التي تربط حزب الله بإيران. وقد انخرط المسؤولون الأميركيون في التكهنات بشأن ما يمكن عمله لإقفال هذا الممر الحيوي، لكن المفاجأة جاءت من الأمير السعودي بندر بن سلطان الذي أبلغهم بأن الحل يكمن في تسخير القوى الإسلامية".
ويشير الكاتب البريطاني إلى "أن الأميركيين افتُتنوا بهذه الفكرة، لكنهم لم يكونوا قادرين على التعامل مع هكذا أشخاص، فرد عليهم بندر: أتركوا الأمر لي. وكتب حنا قائلاً بأن بندر عمل كشريك... ضد عدو إيراني مشترك يُعتبر رصيداً استراتيجاً رئيسياً"، وذلك قبل أن يضيف الكاتب كروك: لقد حصل بندر على الوظيفة.
وتابع الكاتب البريطاني: "ومع ذلك، فإن التخطيط الافتراضي تحول هذا العام إلى إجراء ملموس، مع الإطاحة بنظام حسني مبارك. فقد بدت إسرائيل فجأة ضعيفة، وإضعاف سورية عبر إغراقها في المشاكل زاد من جاذبية الاستراتيجية المعتمدة. وبموازاة ذلك كانت قطر تخطو باتجاه الواجهة. عزمي بشارة، المستعرب الذي استقال من الكنيست الإسرائيلي والذي أنفى نفسه إلى الدوحة حيث شارك في برنامج على قناة الجزيرة تدرجه الأخيرة في إطار الثورة، لكنها وضعته في إطار ما يجري في المنطقة، أو على الأقل هذا ما جرى اعتقاده في الدوحة في إطار الصحوة التي حصلت في الانتفاضتين التونسية والمصرية. ومع ذلك فإن قطر لم تكن تحاول فعلياً الاستفادة من المعاناة الإنسانية للبحث عن التدخل الدولي، لكنها، كما في ليبيا، شاركت كراع عملي رئيسي للمعارضة".
وأضاف الكاتب كروك: "المراحل اللاحقة كانت رسم دور للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفريق من خلال المساهمة في تشكيل مجلس بنغازي الانتقالي وتحويل الناتو إلى أداة لتغييير النظام. وتبع ذلك مساعدة باراك أوباما في إقناع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، المنزعج فعلاً من الأسد، بلعب دور المجلس الانتقالي على الحدود السورية، وإضفاء الشرعية عليه كقوة "مقاومة". لكن الأمر لا يخلو من التحديات وخصوصاً من قبل القوى الأمنية المسلحة التي تشكك في فعالية نموذج المجلس الانتقالي هذا، وتعارض التدخل العسكري. حتى بندر لا يخلو من التحديات: إذ ليست لديه مظلة سياسية من الملك، وغيره من أفراد العائلة يلعبون ببطاقات إسلامية أخرى لتحقيق غايات مختلفة. إيران، العراق، والجزائر، وأحياناً مصر، تتعاون لتحبط مناورات دول الخليج ضد سورية في الجامعة العربية. فنموذج المجلس الانتقالي الليبي الذي عكس ضعفاً في الاستفادة من فصيل واحد لتشكيل الحكومة المنتظرة، معرض للفشل أكثر وعلى نحو صارخ في سورية. فالمجلس السوري المعارض، ومعه تركيا، فرنسا وقطر اصطدم بحقيقة أن البنى الأمنية السورية بقيت كالصخرة الصلبة على مدى سبعة شهور، والانشقاقات لا تذكر، وقاعدة الأسد الشعبية الداعمة له لم تُمس. فقط التدخل الخارجي قد يغير هذه المعادلة، لكن بالنسبة للمعارضة، فإن هذه الدعوة بمثابة انتحار سياسي، وهي تعرف ذلك".
ويضيف الكاتب البريطاني: "وقد طالب تجمع المعارضة الداخلية في إسطنبول بصدور بيان يرفض التدخل الخارجي والعمل المسلح. ولا يزال موقف المعارضة الخارجية غير ثابت بشأن التدخل الخارجي وذلك لسبب وجيه: المعارضة الداخلية ترفضه. هذا هو الخلل في النموذج. الأغلبية في سورية تعارض بشدة التدخل الخارجي خوفاً من حرب أهلية، وبالتالي يواجه السوريون فترة طويلة من التمرد الخارجي، والحصار والاستنزاف الدولي. وسيدفع الجانبان المزيد من الدم".
ويرى الكاتب "أن الخطر الحقيقي كما يلاحظه حنا، هو أن السعوديين قد يطلقون مجدداً "شبكة الجهاديين السنة القديمة"، ويصوبونها باتجاه إيران الشيعية، ما يضع سورية في الخط الأمامي. وفي الواقع، هذا ما يحصل فعلاً، لكن الغرب، كما حصل قبلاً في أفغانستان، يفضلون عدم التعليق طالما أن عرض الدراما يسير بشكل جيد بالنسبة للجماهير الغربية".
وتابع كروك: "كما ذكرت وزارة الشؤون الخارجية الشهر الماضي، فإن السعودية وحلفاءها الخليجيين يطلقون السلفيين المتطرفين ...، ليس فقط لإضعاف إيران، لكن لفعل ما يرونه مناسباً للبقاء، ولعرقلة وإضعاف عمليات الصحو الجارية التي قد تهدد النظام الملكي بالمطلق. هذا ما يحصل في سورية، ليبيا، مصر، لبنان، اليمن، والعراق".
وحذر الكاتب البريطاني من أن "ثمار هذه المحاولة الجديدة لاستخدام القوى المتطرفة لغايات غربية سوف تأتي بنتائج عكسية لاحقاً"، ولفت إلى أن "من بين المفارقات المحزنة إضعاف المعتدلين السنة الذين يجدون أنفسهم الآن عالقين بين مطرقة اعتبارهم أدوات غربية، وسندان التواجد مع السلفيين السنة المتطرفين الذين ينتظرون الفرصة للحلول مكانهم، وتفكيك الدولة".
ويختم الكاتب البريطاني مقالته في صحيفة الغارديان: "يا له من عالم غريب، أوروبا وأميركا يعتقدان أنه لا بأس في استخدام أولئك الإسلاميين (بمن فيهم القاعدة) الذين لا يؤمنون بالنموذج الغربي في الديمقراطية، وذلك من أجل تحقيق غاياتهم".
Comment