¶ تعديل الشهادات بين الممكن والمستحيل
انتهى طور التجربة في التعليم المفتوح .. الطلاب يريدون مساواتهم بالنظامي وعدم وضع العصي في العجلات أنهى التعليم المفتوح، بعد مرور عشرة أعوام على إحداثه، طور التجربة، ليدخل، رغم كلّ الجهود التي صبت لصقله، طور النضج، باعتراف ناقص ومشكلات عالقة.. وعلى الرغم من تتالي القرارات التي تحاول إنصاف طلاب هذا النظام من التعليم، إلا أنّ هناك من يحاول دائماً وضع العصيّ في الدواليب، وإعادة تلوين كلمة مفتوح بالأحمر ليتذكر الجميع أنّ هذا الطالب ليس كزملائه ممن درسوا في التعليم النظامي، وأنه لابد أن يُعامل معاملة خاصة. ¶ فرصة في الدراسات العليا تنفيذاً لأحد الإصلاحات التي وجّه الرئيس بشار الأسد وزارة التعليم العالي لتنفيذها، أصدرت وزارة التعليم العالي قراراً بتحديد نسبة 5 % من مقاعد الدراسات العليا لطلاب التعليم المفتوح مع طلاب التعليم النظامي، ونسبة 5 % مع طلاب التعليم الموازي، ليصبح ما ينطبق على طلاب التعليم العام ينطبق على طلاب التعليم المفتوح».. وهذا القرار الذي يسمح لخريجي التعليم المفتوح بإكمال دراساتهم العليا في جامعات سورية» كان من الممكن أن ينصف هؤلاء الطلاب لولا بضعة تفاصيل انتقصت من أهميته. تقول الدكتورة فاتنة الشعال، نائب رئيس الجامعة للتعليم المفتوح: «إنّ الكثير من طلاب التعليم المفتوح يتابعون دراساتهم العليا خارج القطر، كبريطانيا ومصر ودول أخرى، وبالتالي فإنّ تعديل شهادة هؤلاء تكون واجبة في حال كانت الجامعة التي أكملوا فيها دراستهم معترف بها من قبل الوزارة، أما إذا كانت الجامعة غير معترف بها، فلا تتم معادلة الشهادة، ومثال ذلك الطالب محمد هيثم الناشف الذي تمّت معادلة شهادته مؤخراً». ولكن، على أرض الواقع، يبدو أنّ كلام الدكتورة الشعال لم يكن مطبقاً، إذ «وجد خريجو التعليم المفتوح رفضاً من قبل وزارة التعليم العالي لتعديل شهادات الدراسات العليا التي حصلوا عليها من جامعات خارجية، سواء كانت معترفاً بها من قبل الوزارة أم غير معترف»، وهذا ما قالته صراحةً مديرة مديرية معادلة الشهادات في الوزارة، ريما الفار، «هناك قرار واضح بأنه لا تعادل الوزارة شهادات الدكتوراه والماجستير لخريجي التعليم المفتوح في الجامعات المعترف بها، وغير المعترف بها»، وعند سؤالها عن وضع الطالب«الناشف»، الذي ألمحت إليه الدكتورة الشعال، مثالاً على قيام الوزارة بالتعديل من الجامعات المعترف بها، أكدت ريما الفار «أنّ الموضوع مرتبط بمجلس التعليم العالي»، ولدى سؤال المجلس عن الموضوع نفسه، أجابت زاهرة تفاحة من المجلس «بأنّ وضع هذا الطالب خاص، كونه حاصلاً على درجة عالية في الامتحانات التي أخضعته الوزارة لها». إذاً، التصريحات المتناقضة تظهر بوضوح أنّ هناك شرخاً بين الوزارة وإدارة التعليم المفتوح، فكلاهما يتحدّث بمنهج مختلف تماماً عن الآخر، وبينما يعتبر أحدهما (التعليم المفتوح) تعديل الشهادات قائماً، يعتبره الآخر (وزارة التعليم العالي) مستحيلاً. ¶ الطالب الوحيد أمّا محمد هيثم الناشف، الطالب الوحيد الذي انتزع قراراً بتعديل شهادته من وزارة التعليم العالي بعد محاولات كثيرة، يقول: «كانت رحلة تعديل الشهادة طويلة جداً، حيث خضعت لاختبار لغة إنكليزية على أمل التعديل، وعلى الرغم من حصولي على الدرجة الكاملة في ذلك الامتحان، جاء جواب وزارة التعليم في ذلك الوقت برفض التعديل لسببين هما درجة امتحان اللغة الإنكليزية التي كانت كاملة ، والسبب الآخر هو كوني من خريجي التعليم المفتوح». إلا أنّ هيثم الذي يعمل الآن رئيساً لقسم الترجمة في جامعة القلمون «لم يفقد الأمل، وقابل وزبر التعليم العالي الجديد الدكتور عبد الرزاق الشيخ عيسى، الذي وجد أنّ من حقّ هيثم الحصول على التعديل فوافق على الطلب، بتاريخ 6 حزيران 2011، وأصدر بعدها بتاريخ 15 حزيران 2011 قراراً يسمح لطلاب التعليم المفتوح بالتقدّم إلى الدراسات العليا في سورية». ¶ لا يقلّ إمكانيّة وتأهيلاً يرى البعض أنّ إشكاليّة تعديل الشهادات التي يحصل عليها خريجو التعليم المفتوح إنما تكمن في النظر بغير جدّية إلى هذا التعليم وعدم الاعتراف بأهلية خريجيه، وغالباً ما يكون هناك رفض لمقارنة التعليم النظامي بالتعليم العادي، سواء من حيث خريجيه أم من حيث مناهجه وأساتذته وآلية التدريس فيه، وبحسب الدكتور إبراهيم زعير، الأستاذ في جامعة دمشق، كلية الإعلام، فإنّ «تقييم التعليم المفتوح لا يكون إلا من خلال تقييم مقرراته، وهي جيدة في معظمها؛ بل إنّ بعضها أكثر جدية وأكثر تطوراً من مقررات التعليم النظامي، وبالتالي فإنّ الطالب الذي يدرس في التعليم المفتوح لا يقلّ إمكانية وتأهيلاً عن طالب الدراسة النظامية، ولا يجوز التمييز بين طلاب التعليم النظامي وطلاب التعليم المفتوح». ويضيف زعير: «إن مؤسسة التعليم المفتوح منذ 2001 فسحت المجال لأعداد هائلة من الطلاب لمتابعة دراساتهم الجامعية، ومع بداية تأسيس هذه المؤسسة اعتبرت شهادة طلاب التعليم المفتوح موازية لشهادة التعليم العادي، فلا يجوز أن نظلم طلاب هذا التعليم بحرمانهم من تعديل شهادات الدراسات العليا التي حصلوا عليها من جامعات معترف بها من خارج القطر». ¶بدأت المشكلات تتلاشى التعليم المفتوح خرج من طور التجربة، وبدأت مشكلاته تتلاشى، والدكتورة الشعال أكّدت على «توجيهات من الدكتور وزير التعليم العالي، ورئيس الجامعة، لإعادة النظر في كلّ مفردات هذا التعليم وفق معايير «النارس» العالمية، سواء في تغيير المناهج أم الاعتماد على الانترنت لإعطاء هذا النوع من التعليم صفته الأساسية». وأضافت الشعال: «حققنا في التعليم المفتوح الكثير من المكاسب من وزارة التعليم العالي، كان آخرها المساعدة بعلامتين للتخرّج، متميزين في ذلك عن الجامعات الخاصة، كما تم توسيع فرص القبول بشكل كبير للطلاب بنسبة زيادة تفوق 25 % للعام القادم». لكن اللافت في التعليم المفتوح انصرافه، في الآونة الأخيرة، إلى تقليص أعداد الطلاب المقبولين في صفوفه، وهذا ما أكّده الدكتور زعير، ولاسيما في قسم الإعلام، سواء من خلال إيقاف هذا القسم لعدة سنوات أم تحديد سنوات الحصول على شهادة الثانوية العامة التي يسمح لحامليها بالتقدم إلى التعليم المفتوح، وهذا من وجهة نظره «يحد من عدد الحاصلين على شهادات جامعية في سورية، فإذا كنا نستطيع أن نزيد عدد الجامعيين من خلال التعليم المفتوح، فلا يجوز أن نتوقف عن ذلك». ¶ كليات علمية في المفتوح يضيف زعير: «لابد أن يعمل التعليم المفتوح على زيادة الأقسام التي يتضمنها، فلا مانع من أن يدرس الطب أو الصيدلة أو حتى الهندسة في التعليم المفتوح، مع العلم بأنّ التعليم المفتوح أفضل بألف مرة من التعليم الخاص، وذلك لأن الأجور في هذا الأخير، إلى جانب التساهل مع الطلاب، عالية ولا لا تتناسب مع ذوي الدخل المحدود، الأمر الذي يوفره التعليم المفتوح، لذا يستلزم هذا النوع من التعليم اهتماماً أكثر، وإنصافاً لطلابه بمساواتهم بالتعليم النظامي، لأنّ التمييز بينهم يسيء إلى العملية التعليمية وإلى ثقة الطلاب بالتعليم المفتوح». في حين يرى الدكتور أحمد الحسن: «أنّ الكليات العلمية في التعليم المفتوح، قولاً واحداً، لن تجدي نفعاً، فكلّ مقرراتها تحتاج إلى تطبيق عملي، سواء في مخابر أم مستشفيات، ما يصعب على التعليم المفتوح تأمينه، إذا هناك فروع معينة يمكن أن يستمر تدريسها في التعليم المفتوح بأن توضع مقررات هذه الفروع بالاشتراك مع كليات التعليم النظامي، مثل التسويق وإدارة المؤسسات، ويمكن في المقابل تطوير آلية التدريس في التعليم المفتوح من خلال تأمين دوام مسائي في الجامعات النظامية، بحيث يتوافد الطلاب على تلك الجامعات في الفترات المسائية، وفي هذه الحالة يصبح طرح فتح كليات علمية في التعليم المفتوح مقبولاً مع السماح للطلاب بالاستفادة من المخابر الموجودة في الجامعات النظامية في الفترات المسائية على مدار ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع (نظام الورديات) بين طلاب المفتوح والنظامي». المهم رفد سوق العمل التحقق من كفاءة الخريجين ومواءمتهم لسوق العمل أمر مهم جداً، خاصة أن هذا النظام من التعليم وجد لغاية رفد سوق العمل بالاختصاصين، وبهذا الخصوص يرى الدكتور إبراهيم زعير أنّ «الفترة الأخيرة شهدت قبول أعداد كبيرة من طلاب التعليم المفتوح في الوظائف الحكومية بعد نجاحهم في مسابقاتها، وهذا يدلّ على إمكاناتهم العالية الموازية للتعليم النظامي». في حين يرى الدكتور الحسن أنّ انخراط خريجي التعليم المفتوح في سوق العمل كان المحكّ الحقيقي لجدية هذا التعليم وطلابه في الاستفادة من مناهجه ونظامه، شريطة المبادرة إلى تعديل في المناهج والأسئلة، وإعطاء الأسئلة التي تختبر سرعة البديهة والذكاء والإبداع حصّة من العلامة النهائية». وهذا ما أكدت عليه أيضاً الشعال، حيث قالت: «في كافة قطاعات الدولة، أثبت طلاب التعليم المفتوح كفاءتهم؛ لأنّهم يربطون الموهبة مع الدراسة الأكاديمية، ومن خلال متابعتي طلاب التعليم المفتوح بعد التخرج، وجدت، على سبيل المثال، أن 80 من الناجحين في مسابقة المالية من طلاب التعليم المفتوح». وفي المقابل، هناك خريجون من التعليم المفتوح لم يثبتوا أهليتهم للانخراط في سوق العمل، وتضرب الشعال مثالاً على ذلك «مسابقة رياض الأطفال التي جاءت بعد كثير من المطالب بإجرائها، فتقدّم 1500 طالب ونجح 5 منهم فقط، وهذا دليل على وجود خلل في مفرداتنا وخريجينا في قسم رياض الأطفال، الذي كانت نسب النجاح مرتفعة فيه دائماً، لتصل نسبة النجاح في 14مادة من مواد هذا القسم إلى ما فوق 90 %، وهذا دعانا إلى التساؤل حول الفجوة ما بين المعدل ونسب النجاح وعدم القدرة على النجاح في مسابقة عمل، ما استوجب إعادة النظر والتدقيق في الكثير من أمور هذا القسم وهذا ليس عيباً». الفساد إلى ما دون 5 % أوضحت نائب رئيس الجامعة للتعليم المفتوح أنه «في الفصل الدراسي القادم هناك متابعة حثيثة لتطبيق البطاقة الذكية على التعليم المفتوح، حيث تم إدخال بيانات 80 ألف طالب على قاعدة البيانات، وستكون تجربة هذه البطاقة التي تمكّن الطالب من معرفة كلّ المعلومات الخاصة بدراسته الجامعية بمجرد إدخال رقمه الجامعي، وسيكون التعليم المفتوح سبّاقاً إلى هذه التجربة». مؤكدة أنّ «البطاقة الذكية والتسجيل عن بعد والنافذة الواحدة وغيرها من الإجراءات حدّت كثيراً من الفساد في التعليم المفتوح حتى انخفضت نسبة الفساد إلى ما دون 5 %». |