سامي كليب
هل ثمة قيادات في النظام السوري تعرقل فعلا الاصلاح؟ تعددت الظواهر التي توحي بذلك. يتنامى الاعتقاد بأن استهداف الرئيس بشار الأسد وصورته لم يعد مقتصرا على المعارضة والغرب وبعض الدول العربية، وإنما ربما امتد الى أروقة حزب البعث وبعض اركان النظام وجزء من الطائفة العلوية نفسها. هناك من لا يريد الاصلاح لأنه يناقض مصالحه .
هذه بعض الأمثلة: يعلن الأسد مجموعة من الاصلاحات الجريئة، فيزداد الوضع الأمني سوءا. يعطي أوامر صارمة بعدم استخدام الرصاص والعنف، فتتسرب صور عن استخدام الرصاص والعنف. ينعقد المؤتمر التشاوري للحوار في دمشق، فيتبين ان هيثم المناع ولؤي حسين كانا ينويان الحضور ولكن اعتقالات لأقربائهما او لرفاقهما حصلت عشية المؤتمر فيمتنعان عن المجيء. من الذي اعتقل ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ يتظاهر المثقفون في دمشق فتنهال عليهم الهراوات. هل ان عدم حصول المثقفين على إذن بالتظاهر يبرر ضربهم؟
وبين هذه وتلك، تضج سوريا ومعها العالم بنبأ وصول السفيرين الاميركي والفرنسي الى حماه. كيف وصلا الى هناك؟ هل يعقل ان كل الأمن لم ينتبه الى ذلك؟ قيل إن السلطات السورية ربما غضت الطرف عن الزيارة بداية لكي تصنع منها قضية تشد عصب السوريين الى النظام . قيل ايضا إن السفيرين وصلا عبر سيارات مموهة. وقيل إنهما حصلا فعلا على إذن بالذهاب. قد يكون ذلك صحيحاً او لا، ولكن الصحيح المؤكد ان ردة فعل الدبلوماسية السورية والهجوم على السفارتين أظهرا ان الرئيس الأسد كان مستاءً جداً من تلك الزيارتين. فأين كانت الأجهزة الأمنية إذاً؟ هل ثمة من سهَّل مهمة السفيرين؟
وغداة الزيارة الى حماه. ينتشر خبر عبر الإنترنت يفيد بأن فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، كان ينوي دعوة السفيرين الاميركي والفرنسي الى عشاء في منزله، وأن الدعوة التي ألغيت، بسبب حماه، كانت ستتكرر في الاسبوع الحالي . أين السر في ذلك؟ وهل يعقل ان يتصرف طلاس بهذه البساطة بدون غطاء. ربما، ولكن السؤال مبرر خصوصاً حين نرى مئات الرسائل عبر الإنترنت التي جاءت تدافع عن طلاس.
ثم يأتي من ينقل عن مسؤول قطري رفيع بأن الاميركيين يحاولون فتح خطوط مع بعض اركان النظام السوري بعيداً عن أعين الأسد، ويكاد المسؤول نفسه يؤكد ان الاتصالات قد قطعت شوطاً لا بأس به. وينبري مسؤول خليجي آخر ليشير الى ان الاتصالات بين بعض الدول الغربية وجماعة «الإخوان المسلمين» السورية صارت تدخل في صلب مستقبل سوريا بعد الإطاحة بالنظام الحالي. هل المعلومات صحيحة ام يراد زرع الفرقة والشقاق والشكوك بين أركان النظام؟
ويعود وليد جنبلاط من لقائه مع الرئيس السوري ليؤكد، وفق المقربين منه، أن اللقاء مع الأسد كان صريحاً جداً وعميقاً الى اقصى حد وأن الأسد شرح كم أنه انزعج من تصرفات بعض القادة الأمنيين، وكيف أنه أنبَّهم على الكثير من التصرفات، وكان ذلك بداية لعدد من المناقلات والتغييرات والقرارات التي بقيت بعيدة عن الأضواء.
قد يكون كل ما سبق صحيحاً، أو يكون من باب التكهنات، ولكن الأكيد ان حزمة الاصلاحات الكبيرة التي أطلقها الأسد ستكون - لو طُبقت - مناقضة للكثير من المصالح القائمة حالياً عند طبقة من اركان النظام وحزب البعث والطائفة العلوية. لا شك ان لهؤلاء مصلحة بعرقلة الاصلاحات، ولهم مصلحة أيضاً بأن تبقى الاوضاع الامنية متوترة الى الحد الذي يبرر حملة أمنية واسعة تعيد قلب الطاولة على كل الاصلاحات المنشودة، او تدفع صوب صفقة معينة قد لا يكون الاسد نفسه مستفيداً منها.
أصحاب هذا التحليل يذهبون الى حد القول إن الرئيس الاسد يجانب الخطر، فهو يقود حالياً عملية إصلاح صعبة في كل الاتجاهات. المعارضة تواجهه بالشكوك الدائمة والتصعيد، والدول الغربية تلح عليه أن يسرع في الاصلاح او يرحل، والاميركيون والفرنسيون بدأوا يتحدثون عن مشارفة النظام على فقدان الشرعية، ولكن الاوضاع الامنية لا توحي بأن البلاد مقبلة قريباً على فترة هدوء وإنما العكس تماماً.
يضاف الى ذلك ان الوضع الاقتصادي المتردي سيزيد الأعداء. ثمة من يريد استغلال العقوبات والاوضاع الحالية لدفع الرأسماليين السنة الى الابتعاد عن الأسد. هناك من يعد بمستقبل أفضل لو تغير النظام، لكن حلب التي تضم نصف الصناعة السورية و33 منشأة صناعية ونصف مليون عامل في هذا المجال الصناعي لم تصدق بعد هذا الكلام ولكنها قلقة.
هل ثمة خطر داخلي على الأسد؟
الصورة في دمشق تبدد بعض الشكوك. يقال هنا إن النظام متماسك جداً أمنياً وسياسياً. يدرك اهله ان أي خلل لن يفيد الا الخصوم . يعرف مناوئو الاسد انه لا يزال الاكثر شعبية بين كل اركان النظام، وانه الأكثر قبولا والاكثر قدرة على قيادة الاصلاح الذي بات ضروريا اكثر من أي وقت مضى . يبدو الرئيس الاسد سيد الموقف. ينزلق مثلا رامي مخلوف ابن خال الرئيس الى متاهة السياسة عبر تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز»، فيكون الخطأ مفصلياً. يتم ابتعاده او إبعاده عن هيكل النظام، ذلك ان صورته كشريك في معظم الاقتصاد السوري لم تعد محمولة. من المفترض ان يكون في الابتعاد ما يريح الاسد نفسه.
يتنامى الحديث عن قرب إلغاء المادة 8 من الدستور ما يعني وضع حد لـ«قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع». يقال إن قيادات كثيرة لن تبقى بعد المؤتمر المقبل للحزب. تتسرب شائعات عن تململ حزبي جدي من قرارات الرئيس. سرعان ما تنحسر الشائعات حين يتبين ان الاسد أكثر حرصاً على الحزب من كل الحزبيين الآخرين. هو يريد اكثر من أي وقت مضى الحفاظ عليه طليعياً. يدرك ان الحزب بحاجة الى دم جديد وقيادات شابة وسوف يمضي في هذا الاتجاه. لا بد بالنسبة للقيادة السورية ان يبقى الحزب سداً منيعاً على المستويات الشعبية والزراعية والفلاحية.
لم يكن الاسد يعلم كل شيء عن واقع سوريا. ثمة معلومات لم تكن تصل بشفافية اليه او لم تكن تصل ابدا. ثمة من نقل عن فاروق الشرع، نائب الرئيس في خلال اللقاء التشاوري، نقده اللاذع لرؤساء الحكومات السابقين وبعض المسؤولين الذين كانوا يغالون في الحديث عن التنمية والتقدم الاقتصادي. تبين ان الحزب والخطط السابقة فشلوا جميعا في تهدئة المناطق الزراعية والفلاحية التي كانت في طليعة المنتفضين رغم الوجود الحزبي الكبير فيها (درعا والرستن وإدلب على سبيل المثال). تبين ايضا ان النظام الاقتصادي برمته الذي فرضه الغرب على سوريا لم يكن ناجعاً وإنما زاد الفرقة بين الريف والمدن.
ولم يكن الاسد يعلم الكثير عن مساوئ تصرفات الامن. سمحت له اللقاءات الشعبية المباشرة بعد انتفاضة درعا، بالاستماع الى شكاوى المواطنين. تبين ان جهاز الامن صار كل شيء في البلاد إلا الأمن. والأنكى من ذلك ان هذا الجهاز لم يمنع الاختراقات الكثيرة التي حصلت، ولا منع وصول السلاح وأجهزة الإرسال وهواتف الثريا، او ان جزءاً منه قد قبل الرشوة عند الحدود فسمح بدخول ما صار لاحقاً ضد الدولة والنظام. وتبين ايضا انه كلما صدر قانون عفو ازدادت الاعتقالات.
اتخذ الأسد الكثير من القرارات الاصلاحية الجريئة في الاشهر القليلة الماضية. جاء بكل القوانين الغربية للاحزاب والاعلام واختار منها افضلها ليصوغ قوانين جديدة للبلاد. واتخذ قرارات أمنية عديدة لإبعاد شبح الامن عن مؤسسات الدولة، ولتشكيل قوات شرطة وأجهزة مكافحة شغب بغية سحب الجيش لاحقاً من المدن. ولكن كل ذلك تطويه صور التظاهرات والدماء.
تستغل بعض الاطراف الظلامية من مسلحين وعصابات وانصار الفتنة المذهبية كل خلل أمني لتأجيج الاوضاع. يختلط الحابل بالنابل، يضيع المتظاهرون الشرفاء في أتون المواجهات. تصبح كل تظاهرة سلمية عرضة للاختراقات من جهة ولغضبة الامن من جهة ثانية. ثمة من يريد منع اللقاء بين المعارضة الحقيقية والسلطة، وتحديداً اللقاء مع الاسد.
لعل المثال الصارخ على ذلك، ما حصل قبل ايام قليلة في احدى حارات باب توما في قلب دمشق القديمة. كان عدد من الصحافيين اللبنانيين المدعوين الى اللقاء التشاوري يتناولون العشاء مع وزير الاعلام السوري عدنان محمود. سُمعت فجأة شعارات وصيحات تدعو لإسقاط النظام. تبين ان مئات السوريين المسيحيين كانوا يشاركون في زفاف، فاندسَّ بينهم بضعة فتيان وراحوا يصرخون ضد النظام، وحمل احدهم هاتفا نقالا وراح يصور الامر على انه تظاهرة . يبدو ان ذلك يحصل بصورة دورية في سوريا.
لا ينفي ذلك ان البلاد تشهد تظاهرات في العديد من مناطقها، وان حركة الشارع ضد النظام تزداد خطورة، ولا ينفي أيضاً ان الشارع بات اسرع من الاصلاحات ومن النظام ومن المعارضة نفسها، ولكن الأكيد ان ثمة سؤالا محورياً ينبغي التوقف عنده: هل ان كل اهل النظام موافقون على الخطوات الاصلاحية التي أعلنها بشار الأسد؟ وهل يستطيع الرئيس المضي قدما في هذه الاصلاحات وإنقاذ البلاد؟ ام ان لدى البعض تصورا آخر للحل يقضي بحمامات دم جديدة، خصوصاً ان انتشار المؤيدين للتيار الاسلامي بات أكثر خطورة من السابق؟
خلاصة القول إن الأسد يريد فعلاً الإصلاح لأنه الوسيلة الوحيدة لإخراج البلاد من مأزقها الحالي، ولكن الخصوم كثيرون.
المصدر جريدة السفير
هل ثمة قيادات في النظام السوري تعرقل فعلا الاصلاح؟ تعددت الظواهر التي توحي بذلك. يتنامى الاعتقاد بأن استهداف الرئيس بشار الأسد وصورته لم يعد مقتصرا على المعارضة والغرب وبعض الدول العربية، وإنما ربما امتد الى أروقة حزب البعث وبعض اركان النظام وجزء من الطائفة العلوية نفسها. هناك من لا يريد الاصلاح لأنه يناقض مصالحه .
هذه بعض الأمثلة: يعلن الأسد مجموعة من الاصلاحات الجريئة، فيزداد الوضع الأمني سوءا. يعطي أوامر صارمة بعدم استخدام الرصاص والعنف، فتتسرب صور عن استخدام الرصاص والعنف. ينعقد المؤتمر التشاوري للحوار في دمشق، فيتبين ان هيثم المناع ولؤي حسين كانا ينويان الحضور ولكن اعتقالات لأقربائهما او لرفاقهما حصلت عشية المؤتمر فيمتنعان عن المجيء. من الذي اعتقل ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ يتظاهر المثقفون في دمشق فتنهال عليهم الهراوات. هل ان عدم حصول المثقفين على إذن بالتظاهر يبرر ضربهم؟
وبين هذه وتلك، تضج سوريا ومعها العالم بنبأ وصول السفيرين الاميركي والفرنسي الى حماه. كيف وصلا الى هناك؟ هل يعقل ان كل الأمن لم ينتبه الى ذلك؟ قيل إن السلطات السورية ربما غضت الطرف عن الزيارة بداية لكي تصنع منها قضية تشد عصب السوريين الى النظام . قيل ايضا إن السفيرين وصلا عبر سيارات مموهة. وقيل إنهما حصلا فعلا على إذن بالذهاب. قد يكون ذلك صحيحاً او لا، ولكن الصحيح المؤكد ان ردة فعل الدبلوماسية السورية والهجوم على السفارتين أظهرا ان الرئيس الأسد كان مستاءً جداً من تلك الزيارتين. فأين كانت الأجهزة الأمنية إذاً؟ هل ثمة من سهَّل مهمة السفيرين؟
وغداة الزيارة الى حماه. ينتشر خبر عبر الإنترنت يفيد بأن فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، كان ينوي دعوة السفيرين الاميركي والفرنسي الى عشاء في منزله، وأن الدعوة التي ألغيت، بسبب حماه، كانت ستتكرر في الاسبوع الحالي . أين السر في ذلك؟ وهل يعقل ان يتصرف طلاس بهذه البساطة بدون غطاء. ربما، ولكن السؤال مبرر خصوصاً حين نرى مئات الرسائل عبر الإنترنت التي جاءت تدافع عن طلاس.
ثم يأتي من ينقل عن مسؤول قطري رفيع بأن الاميركيين يحاولون فتح خطوط مع بعض اركان النظام السوري بعيداً عن أعين الأسد، ويكاد المسؤول نفسه يؤكد ان الاتصالات قد قطعت شوطاً لا بأس به. وينبري مسؤول خليجي آخر ليشير الى ان الاتصالات بين بعض الدول الغربية وجماعة «الإخوان المسلمين» السورية صارت تدخل في صلب مستقبل سوريا بعد الإطاحة بالنظام الحالي. هل المعلومات صحيحة ام يراد زرع الفرقة والشقاق والشكوك بين أركان النظام؟
ويعود وليد جنبلاط من لقائه مع الرئيس السوري ليؤكد، وفق المقربين منه، أن اللقاء مع الأسد كان صريحاً جداً وعميقاً الى اقصى حد وأن الأسد شرح كم أنه انزعج من تصرفات بعض القادة الأمنيين، وكيف أنه أنبَّهم على الكثير من التصرفات، وكان ذلك بداية لعدد من المناقلات والتغييرات والقرارات التي بقيت بعيدة عن الأضواء.
قد يكون كل ما سبق صحيحاً، أو يكون من باب التكهنات، ولكن الأكيد ان حزمة الاصلاحات الكبيرة التي أطلقها الأسد ستكون - لو طُبقت - مناقضة للكثير من المصالح القائمة حالياً عند طبقة من اركان النظام وحزب البعث والطائفة العلوية. لا شك ان لهؤلاء مصلحة بعرقلة الاصلاحات، ولهم مصلحة أيضاً بأن تبقى الاوضاع الامنية متوترة الى الحد الذي يبرر حملة أمنية واسعة تعيد قلب الطاولة على كل الاصلاحات المنشودة، او تدفع صوب صفقة معينة قد لا يكون الاسد نفسه مستفيداً منها.
أصحاب هذا التحليل يذهبون الى حد القول إن الرئيس الاسد يجانب الخطر، فهو يقود حالياً عملية إصلاح صعبة في كل الاتجاهات. المعارضة تواجهه بالشكوك الدائمة والتصعيد، والدول الغربية تلح عليه أن يسرع في الاصلاح او يرحل، والاميركيون والفرنسيون بدأوا يتحدثون عن مشارفة النظام على فقدان الشرعية، ولكن الاوضاع الامنية لا توحي بأن البلاد مقبلة قريباً على فترة هدوء وإنما العكس تماماً.
يضاف الى ذلك ان الوضع الاقتصادي المتردي سيزيد الأعداء. ثمة من يريد استغلال العقوبات والاوضاع الحالية لدفع الرأسماليين السنة الى الابتعاد عن الأسد. هناك من يعد بمستقبل أفضل لو تغير النظام، لكن حلب التي تضم نصف الصناعة السورية و33 منشأة صناعية ونصف مليون عامل في هذا المجال الصناعي لم تصدق بعد هذا الكلام ولكنها قلقة.
هل ثمة خطر داخلي على الأسد؟
الصورة في دمشق تبدد بعض الشكوك. يقال هنا إن النظام متماسك جداً أمنياً وسياسياً. يدرك اهله ان أي خلل لن يفيد الا الخصوم . يعرف مناوئو الاسد انه لا يزال الاكثر شعبية بين كل اركان النظام، وانه الأكثر قبولا والاكثر قدرة على قيادة الاصلاح الذي بات ضروريا اكثر من أي وقت مضى . يبدو الرئيس الاسد سيد الموقف. ينزلق مثلا رامي مخلوف ابن خال الرئيس الى متاهة السياسة عبر تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز»، فيكون الخطأ مفصلياً. يتم ابتعاده او إبعاده عن هيكل النظام، ذلك ان صورته كشريك في معظم الاقتصاد السوري لم تعد محمولة. من المفترض ان يكون في الابتعاد ما يريح الاسد نفسه.
يتنامى الحديث عن قرب إلغاء المادة 8 من الدستور ما يعني وضع حد لـ«قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع». يقال إن قيادات كثيرة لن تبقى بعد المؤتمر المقبل للحزب. تتسرب شائعات عن تململ حزبي جدي من قرارات الرئيس. سرعان ما تنحسر الشائعات حين يتبين ان الاسد أكثر حرصاً على الحزب من كل الحزبيين الآخرين. هو يريد اكثر من أي وقت مضى الحفاظ عليه طليعياً. يدرك ان الحزب بحاجة الى دم جديد وقيادات شابة وسوف يمضي في هذا الاتجاه. لا بد بالنسبة للقيادة السورية ان يبقى الحزب سداً منيعاً على المستويات الشعبية والزراعية والفلاحية.
لم يكن الاسد يعلم كل شيء عن واقع سوريا. ثمة معلومات لم تكن تصل بشفافية اليه او لم تكن تصل ابدا. ثمة من نقل عن فاروق الشرع، نائب الرئيس في خلال اللقاء التشاوري، نقده اللاذع لرؤساء الحكومات السابقين وبعض المسؤولين الذين كانوا يغالون في الحديث عن التنمية والتقدم الاقتصادي. تبين ان الحزب والخطط السابقة فشلوا جميعا في تهدئة المناطق الزراعية والفلاحية التي كانت في طليعة المنتفضين رغم الوجود الحزبي الكبير فيها (درعا والرستن وإدلب على سبيل المثال). تبين ايضا ان النظام الاقتصادي برمته الذي فرضه الغرب على سوريا لم يكن ناجعاً وإنما زاد الفرقة بين الريف والمدن.
ولم يكن الاسد يعلم الكثير عن مساوئ تصرفات الامن. سمحت له اللقاءات الشعبية المباشرة بعد انتفاضة درعا، بالاستماع الى شكاوى المواطنين. تبين ان جهاز الامن صار كل شيء في البلاد إلا الأمن. والأنكى من ذلك ان هذا الجهاز لم يمنع الاختراقات الكثيرة التي حصلت، ولا منع وصول السلاح وأجهزة الإرسال وهواتف الثريا، او ان جزءاً منه قد قبل الرشوة عند الحدود فسمح بدخول ما صار لاحقاً ضد الدولة والنظام. وتبين ايضا انه كلما صدر قانون عفو ازدادت الاعتقالات.
اتخذ الأسد الكثير من القرارات الاصلاحية الجريئة في الاشهر القليلة الماضية. جاء بكل القوانين الغربية للاحزاب والاعلام واختار منها افضلها ليصوغ قوانين جديدة للبلاد. واتخذ قرارات أمنية عديدة لإبعاد شبح الامن عن مؤسسات الدولة، ولتشكيل قوات شرطة وأجهزة مكافحة شغب بغية سحب الجيش لاحقاً من المدن. ولكن كل ذلك تطويه صور التظاهرات والدماء.
تستغل بعض الاطراف الظلامية من مسلحين وعصابات وانصار الفتنة المذهبية كل خلل أمني لتأجيج الاوضاع. يختلط الحابل بالنابل، يضيع المتظاهرون الشرفاء في أتون المواجهات. تصبح كل تظاهرة سلمية عرضة للاختراقات من جهة ولغضبة الامن من جهة ثانية. ثمة من يريد منع اللقاء بين المعارضة الحقيقية والسلطة، وتحديداً اللقاء مع الاسد.
لعل المثال الصارخ على ذلك، ما حصل قبل ايام قليلة في احدى حارات باب توما في قلب دمشق القديمة. كان عدد من الصحافيين اللبنانيين المدعوين الى اللقاء التشاوري يتناولون العشاء مع وزير الاعلام السوري عدنان محمود. سُمعت فجأة شعارات وصيحات تدعو لإسقاط النظام. تبين ان مئات السوريين المسيحيين كانوا يشاركون في زفاف، فاندسَّ بينهم بضعة فتيان وراحوا يصرخون ضد النظام، وحمل احدهم هاتفا نقالا وراح يصور الامر على انه تظاهرة . يبدو ان ذلك يحصل بصورة دورية في سوريا.
لا ينفي ذلك ان البلاد تشهد تظاهرات في العديد من مناطقها، وان حركة الشارع ضد النظام تزداد خطورة، ولا ينفي أيضاً ان الشارع بات اسرع من الاصلاحات ومن النظام ومن المعارضة نفسها، ولكن الأكيد ان ثمة سؤالا محورياً ينبغي التوقف عنده: هل ان كل اهل النظام موافقون على الخطوات الاصلاحية التي أعلنها بشار الأسد؟ وهل يستطيع الرئيس المضي قدما في هذه الاصلاحات وإنقاذ البلاد؟ ام ان لدى البعض تصورا آخر للحل يقضي بحمامات دم جديدة، خصوصاً ان انتشار المؤيدين للتيار الاسلامي بات أكثر خطورة من السابق؟
خلاصة القول إن الأسد يريد فعلاً الإصلاح لأنه الوسيلة الوحيدة لإخراج البلاد من مأزقها الحالي، ولكن الخصوم كثيرون.
المصدر جريدة السفير
Comment