الاحد 12 حزيران 2011
الأب الياس زحلاوي
السيد الوزير
أنا كاهن عربي من سورية. بلغني للتوّ تصريحك في الولايات المتحدة المتعلق بالشرعية في جمهوريتنا.
لا يسعني، بوصفي مواطناً سورياً، أن أحتفظ بالصمت، حيال مثل هذا التدخل في شؤون بلدي.
بوصفك أستاذاً جامعياً، لا يجوز لك أن تجهل أن شرعية رئيس جمهورية تتوقف على إجماع شعبه فقط، وليس على مزاجية دولة ما.
وبوصفك وزيراً لخارجية دولة مثل فرنسا يجب عليك أن تعرف أن سورية بلد ذو سيادة، وهي عضو مؤسِّس في هيئة الأمم المتحدة.
ولكن، بوصفك ناطقاً باسم بعض سادة العالم الراهن، بدا لك أنك تستطيع أن تقرر، وفق هواك، مصير بلدان أخرى، ومنها سورية.
دعني أقول لك باسم ملايين الضحايا التي سحقها الغرب منذ قرون: لقد آن الأوان للكفّ عن القيام بدور الآدميين المتوحشين، كما آن لكم أن تكفّوا عن امتهان جميع حقوق الشعوب الأخرى، حتى تدمير وجودهم بالذات، كما يحلو لكم أن تفعلوا منذ عقود، في العراق وأفغانستان وباكستان، وفي أفريقيا كلها، ولاسيما في ليبيا.
السيد الوزير
لنعُد إلى سورية.. هل نسيت أن الهدف الأبعد لجميع المناورات، السياسية منها والدبلوماسية والفتنوية، التي أُعدّت ضد سورية، منذ أكثر من شهرين، قد كشفته بكل صفاقة وكيلة وزارة الدفاع الأميركية، السيدة «ميشل فلورنوي» (Michele FLOURNOY)، وقد كانت على ثقة من نجاح المؤامرة المدبّرة ضد سورية، حيث أعلنت على الملأ: «إن بوسع سورية أن تستعيد كل أمنها، في اليوم الذي تلغي فيه ارتباطها بإيران وحزب الله، وتبرم عقد سلام مع إسرائيل!»؟
يا أيها المشاهير من دبلوماسيين وسياسيين غربيين، هل بِتّم مجرد ناطقين مأجورين باسم الإرادة الإسرائيلية؟
أم تُراكم نسيتم في فرنسا وأوروبا، الشرف العظيم الذي جلبته لكم مقاومتكم للاحتلال النازي؟ إنه يجب على ذاكرتكم التاريخية، مهما أصابها من نسيان أو تناس، إن تذكّركم بذلك.
هل كان على الاحتلال النازي أن يطبق على فرنسا وأوربا أكثر مما فعل، حتى يبقى شعوركم بمعنى الظلم والقهر حياً حتى الآن؟
ولكن إن كنتَ بوصفك وزيراً لفرنسا الجنرال ديغول، قادراً على التغاضي، لأسباب تعيسة، عن هذا الشرف التاريخي، عندها، دعني أقولُ لك، بوصفي مجرد مواطن سوري، أن سورية لن تقبل، بأيّ حال، أن تتغاضى عن واجبها الحيوي في الدفاع عن وجودها بالذات، أولاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، ثم ضد الخطر القاتل الذي تشكّله الصهيونية على الأمة العربية كلها.
ومع ذلك، فإنه يبدو لي أن الغرب يصرّ على الاستمرار غرباً، مع أنه لم يعُد كذلك.
والحقيقة هي أن الغرب مرهون بماضٍ استعماري، مثقل، بل مثقل جداً باحتلالاته الدامية، وبحروبه الإجرامية، وبترحيلاته اللاإنسانية لشعوب برمّتها، وبسرقاته المنتظمة للبلدان المستعمَرة، من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى، وإفريقيا وأستراليا، وبتقطيعاته العشوائية والملغومة على المدى البعيد، للعديد من الشعوب والبلدان، وبإباداته المنظمة للشعوب الأصلية، ولاسيما في مجمل القارة الأميركية وقارات المحيط الهادئ. ولذلك كان الغرب دائماً مدفوعاً بشهية لا حدود لها، لفرض سيطرته على الآخرين.
ولأنكم، أيها الغربيّون، تدوسون بأقدامكم جميع الحقوق، كما تحاولون اليوم أن تفعلوا في سورية، لم تشعروا يوماً بأدنى خجل من ادّعائكم امتلاك الحق كله. فالقوي في عُرفكم لا يخطئ البتة.
ولكن، أيها السادة الأوربيون، لقد حدث أن انتقلتم فعلاً من طور السادة إلى طور الأجَراء. وفي الواقع، هل يسعكم الادّعاء بأنكم تجهلون أن أوربا كلها باتت تجرّ أذيالها وراء الولايات المتحدة؟
إن ذلك لم يعد سراً. وأنتم تعرفون جيداً عدداً كبيراً من المفكرين الأوروبيين الذين لا يكفّون عن الدعوة للإسراع إلى تحرير أوروبا من «الفخ الأميركي».
ولكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة بدورها باتت ضحيةً لفخ آخر، يدعى اللوبي الإسرائيلي الذي بسط نفوذه الكلي عليها. وحسبي أن أذكّر بما كتب بهذا الشأن، كلّ من نعوم تشومسكي وبول فيندلي وستيفن والت وجون ميرشايمر، لأجنبّك محاولة التنصل من هذه النتيجة المُرّة.
أفلستم بذلك، إذاً، في أوربا، أجراءَ أجراءِ الصهيونية؟
السيد الوزير
لنقرّ بأن الغرب، على الرغم ممّا يملك من قوة جبارة، قد فقد رصيده.
في الواقع، ففي الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، وفي غيرهما من المؤسسات الدولية المزعومة، بات واضحاً أن الأمور المتعلقة بالدول غير الغربية، تُحوّل ممثلي الغرب، إلى أسود متغطرسين، يجيزون لأنفسهم جميع أنواع التدخلات، ويبلغون حد تدمير بلدان بكاملها، رأساً على عقب. حسبي أن أذكر أفغانستان والعراق، وما يحدث اليوم في ليبيا. وكل ذلك يجري باسم «الديمقراطية وكرامة الإنسان وحقوقه!».
أما إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فإن جميع الدول الغربية من دون استثناء، من «أعظمها» إلى «أصغرها»، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتحول إلى كتلٍ من عدم، كتل عمياء، صمّاء، بكماء.
مع أن التحقيقات الصحفية التي أُجريت حتى في أوروبا، انتهت إلى أن إسرائيل هي القوة الإرهابية بامتياز، بل ذهبت إلى أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على السلام في العالم!
والصهيونية كانت إرهابيةً حتى قبل الإعلان عن نشوء إسرائيل عام 1948. وإذا ما راوَدك أي شك في هذا الشأن، فإني أحيلك إلى كتاب مرعب حقاً، لمؤرخ فرنسي، وهو يهودي وصهيوني، يدعى «شارل أندرلان» (Charles ENDERLIN). وفي العنوان ما يكشف عن مضمون هذا الكتاب: «بالنار والدم» (باريس 2008).
وقد ظلّت إسرائيل: قاتلة، سارقة، محاربة، متوحشة، متغطرسة، تنتهج العنصرية والتوسع والإبادة، مع أن اليهود عُوملوا بالحسنى، في البلدان العربية والإسلامية. وإن لدى مؤرخيهم من النزاهة ما يجعلهم يعترفون بذلك. إلا أنهم وجدوا طرقاً لتحميل جميع البلدان العربية والإسلامية، ضريبة باهظة جداً على ما حلّ بهم من عنف غربي ومحرقة نازية. ولقد خططوا منذ «بن غوريون» لتدمير هذه البلدان، في الوقت الذي أنزلوا فيه على عرب فلسطين، بمسيحيّيهم ومسلميهم، محرقةً تجاوزت الستين عاماً.
السيد الوزير..
اسمح لي بطرح سؤال أخير عليك:
أنت وزير خارجية بلد هو فرنسا، يتباهى بتمسكه الصلب بعلمانيته، فكيف تسوّغ الدعم غير المشروط الذي تقدّمه فرنسا لبلد يريد أن يكون يهودياً صرفاً؟
أخيراً، دعني، بوصفي كاهناً كاثوليكياً، أقدم لك التعازي من أجل كنيسة فرنسا، لأنها، كما تبدو لي، قد ماتت وانتهت، بسبب صمتها الآثم، إزاء الكوارث المتلاحقة، التي لا يكفّ الغرب عن ارتكابها بحق العالم العربي والإسلامي، وتالياً، على حساب وجود المسيحيين، وهم أبناؤه الأصَلاء، في سبيل توفير شروط البقاء لإسرائيل.
لكم كان على حق، البابا يوحنا بولس الثاني، عندما افتتح خطابه في إحدى زياراته لكم: «فرنسا… فرنسا، أين معموديتك؟!»
السيد الوزير،
دعني أطالبك بالحد الأدنى من النزاهة والكرامة.
الأب الياس زحلاوي
السيد الوزير
أنا كاهن عربي من سورية. بلغني للتوّ تصريحك في الولايات المتحدة المتعلق بالشرعية في جمهوريتنا.
لا يسعني، بوصفي مواطناً سورياً، أن أحتفظ بالصمت، حيال مثل هذا التدخل في شؤون بلدي.
بوصفك أستاذاً جامعياً، لا يجوز لك أن تجهل أن شرعية رئيس جمهورية تتوقف على إجماع شعبه فقط، وليس على مزاجية دولة ما.
وبوصفك وزيراً لخارجية دولة مثل فرنسا يجب عليك أن تعرف أن سورية بلد ذو سيادة، وهي عضو مؤسِّس في هيئة الأمم المتحدة.
ولكن، بوصفك ناطقاً باسم بعض سادة العالم الراهن، بدا لك أنك تستطيع أن تقرر، وفق هواك، مصير بلدان أخرى، ومنها سورية.
دعني أقول لك باسم ملايين الضحايا التي سحقها الغرب منذ قرون: لقد آن الأوان للكفّ عن القيام بدور الآدميين المتوحشين، كما آن لكم أن تكفّوا عن امتهان جميع حقوق الشعوب الأخرى، حتى تدمير وجودهم بالذات، كما يحلو لكم أن تفعلوا منذ عقود، في العراق وأفغانستان وباكستان، وفي أفريقيا كلها، ولاسيما في ليبيا.
السيد الوزير
لنعُد إلى سورية.. هل نسيت أن الهدف الأبعد لجميع المناورات، السياسية منها والدبلوماسية والفتنوية، التي أُعدّت ضد سورية، منذ أكثر من شهرين، قد كشفته بكل صفاقة وكيلة وزارة الدفاع الأميركية، السيدة «ميشل فلورنوي» (Michele FLOURNOY)، وقد كانت على ثقة من نجاح المؤامرة المدبّرة ضد سورية، حيث أعلنت على الملأ: «إن بوسع سورية أن تستعيد كل أمنها، في اليوم الذي تلغي فيه ارتباطها بإيران وحزب الله، وتبرم عقد سلام مع إسرائيل!»؟
يا أيها المشاهير من دبلوماسيين وسياسيين غربيين، هل بِتّم مجرد ناطقين مأجورين باسم الإرادة الإسرائيلية؟
أم تُراكم نسيتم في فرنسا وأوروبا، الشرف العظيم الذي جلبته لكم مقاومتكم للاحتلال النازي؟ إنه يجب على ذاكرتكم التاريخية، مهما أصابها من نسيان أو تناس، إن تذكّركم بذلك.
هل كان على الاحتلال النازي أن يطبق على فرنسا وأوربا أكثر مما فعل، حتى يبقى شعوركم بمعنى الظلم والقهر حياً حتى الآن؟
ولكن إن كنتَ بوصفك وزيراً لفرنسا الجنرال ديغول، قادراً على التغاضي، لأسباب تعيسة، عن هذا الشرف التاريخي، عندها، دعني أقولُ لك، بوصفي مجرد مواطن سوري، أن سورية لن تقبل، بأيّ حال، أن تتغاضى عن واجبها الحيوي في الدفاع عن وجودها بالذات، أولاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، ثم ضد الخطر القاتل الذي تشكّله الصهيونية على الأمة العربية كلها.
ومع ذلك، فإنه يبدو لي أن الغرب يصرّ على الاستمرار غرباً، مع أنه لم يعُد كذلك.
والحقيقة هي أن الغرب مرهون بماضٍ استعماري، مثقل، بل مثقل جداً باحتلالاته الدامية، وبحروبه الإجرامية، وبترحيلاته اللاإنسانية لشعوب برمّتها، وبسرقاته المنتظمة للبلدان المستعمَرة، من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى، وإفريقيا وأستراليا، وبتقطيعاته العشوائية والملغومة على المدى البعيد، للعديد من الشعوب والبلدان، وبإباداته المنظمة للشعوب الأصلية، ولاسيما في مجمل القارة الأميركية وقارات المحيط الهادئ. ولذلك كان الغرب دائماً مدفوعاً بشهية لا حدود لها، لفرض سيطرته على الآخرين.
ولأنكم، أيها الغربيّون، تدوسون بأقدامكم جميع الحقوق، كما تحاولون اليوم أن تفعلوا في سورية، لم تشعروا يوماً بأدنى خجل من ادّعائكم امتلاك الحق كله. فالقوي في عُرفكم لا يخطئ البتة.
ولكن، أيها السادة الأوربيون، لقد حدث أن انتقلتم فعلاً من طور السادة إلى طور الأجَراء. وفي الواقع، هل يسعكم الادّعاء بأنكم تجهلون أن أوربا كلها باتت تجرّ أذيالها وراء الولايات المتحدة؟
إن ذلك لم يعد سراً. وأنتم تعرفون جيداً عدداً كبيراً من المفكرين الأوروبيين الذين لا يكفّون عن الدعوة للإسراع إلى تحرير أوروبا من «الفخ الأميركي».
ولكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة بدورها باتت ضحيةً لفخ آخر، يدعى اللوبي الإسرائيلي الذي بسط نفوذه الكلي عليها. وحسبي أن أذكّر بما كتب بهذا الشأن، كلّ من نعوم تشومسكي وبول فيندلي وستيفن والت وجون ميرشايمر، لأجنبّك محاولة التنصل من هذه النتيجة المُرّة.
أفلستم بذلك، إذاً، في أوربا، أجراءَ أجراءِ الصهيونية؟
السيد الوزير
لنقرّ بأن الغرب، على الرغم ممّا يملك من قوة جبارة، قد فقد رصيده.
في الواقع، ففي الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، وفي غيرهما من المؤسسات الدولية المزعومة، بات واضحاً أن الأمور المتعلقة بالدول غير الغربية، تُحوّل ممثلي الغرب، إلى أسود متغطرسين، يجيزون لأنفسهم جميع أنواع التدخلات، ويبلغون حد تدمير بلدان بكاملها، رأساً على عقب. حسبي أن أذكر أفغانستان والعراق، وما يحدث اليوم في ليبيا. وكل ذلك يجري باسم «الديمقراطية وكرامة الإنسان وحقوقه!».
أما إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فإن جميع الدول الغربية من دون استثناء، من «أعظمها» إلى «أصغرها»، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتحول إلى كتلٍ من عدم، كتل عمياء، صمّاء، بكماء.
مع أن التحقيقات الصحفية التي أُجريت حتى في أوروبا، انتهت إلى أن إسرائيل هي القوة الإرهابية بامتياز، بل ذهبت إلى أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على السلام في العالم!
والصهيونية كانت إرهابيةً حتى قبل الإعلان عن نشوء إسرائيل عام 1948. وإذا ما راوَدك أي شك في هذا الشأن، فإني أحيلك إلى كتاب مرعب حقاً، لمؤرخ فرنسي، وهو يهودي وصهيوني، يدعى «شارل أندرلان» (Charles ENDERLIN). وفي العنوان ما يكشف عن مضمون هذا الكتاب: «بالنار والدم» (باريس 2008).
وقد ظلّت إسرائيل: قاتلة، سارقة، محاربة، متوحشة، متغطرسة، تنتهج العنصرية والتوسع والإبادة، مع أن اليهود عُوملوا بالحسنى، في البلدان العربية والإسلامية. وإن لدى مؤرخيهم من النزاهة ما يجعلهم يعترفون بذلك. إلا أنهم وجدوا طرقاً لتحميل جميع البلدان العربية والإسلامية، ضريبة باهظة جداً على ما حلّ بهم من عنف غربي ومحرقة نازية. ولقد خططوا منذ «بن غوريون» لتدمير هذه البلدان، في الوقت الذي أنزلوا فيه على عرب فلسطين، بمسيحيّيهم ومسلميهم، محرقةً تجاوزت الستين عاماً.
السيد الوزير..
اسمح لي بطرح سؤال أخير عليك:
أنت وزير خارجية بلد هو فرنسا، يتباهى بتمسكه الصلب بعلمانيته، فكيف تسوّغ الدعم غير المشروط الذي تقدّمه فرنسا لبلد يريد أن يكون يهودياً صرفاً؟
أخيراً، دعني، بوصفي كاهناً كاثوليكياً، أقدم لك التعازي من أجل كنيسة فرنسا، لأنها، كما تبدو لي، قد ماتت وانتهت، بسبب صمتها الآثم، إزاء الكوارث المتلاحقة، التي لا يكفّ الغرب عن ارتكابها بحق العالم العربي والإسلامي، وتالياً، على حساب وجود المسيحيين، وهم أبناؤه الأصَلاء، في سبيل توفير شروط البقاء لإسرائيل.
لكم كان على حق، البابا يوحنا بولس الثاني، عندما افتتح خطابه في إحدى زياراته لكم: «فرنسا… فرنسا، أين معموديتك؟!»
السيد الوزير،
دعني أطالبك بالحد الأدنى من النزاهة والكرامة.
صحيفة تشرين
Comment