20-05-2011
مقابلة العماد ميشال عون مع "الاخبارية السورية"
س: دولة الرّئيس، لِنبدأ من الحدث السّاخن، كيف تنظرون إلى ما يجري اليوم في سوريا؟
ج: بالتّأكيد لا يمكننا أن نُخرجَ ما يجري اليوم في سوريا من الإطار العام لما هو مخطّط في السّياسة الأميركية بصورة خاصة،
وفي السّياسة الأوروبية بصورة عامة، لأنّ هذا الموضوع قد بدأ في العام 2003 عند مهاجمة العراق،
وكان من المعتقد في الأوساط الأميركية أنّ حربَ العراق ستكون مثل لعبة الدّومينو: عندما تقع قطعة ستقع القِطَع الأخرى بالتّتالي.
ولكن تبيّن أنّ المقاومةَ في العراق كانت شرسة، ولطالما انتقدوا سوريا في ما خصّ هذا الموضوع. كذلك،
لقد تصلّبَت المقاومة في كلّ الدّول الّتي تدخلَت فيها أميركا. فانطلاقاً من هنا،
لا يمكننا أن نرى هذه الحرب إلا في مخطط الشّرق الأوسط الجديد،
لقد حاولوا الإنطلاق من لبنان وضربِ الإستقرار فيه من خلال حرب داخلية لبنانية-لبنانية يتمّ إشعالها بواسطة إسرائيل
عبر حربٍ تتلقى فيها المقاومة هزيمة كبرى. ولكن حصل العكس، فحربُ إسرائيل على لبنان انتهت بانتصار المقاومة،
وتدعمَت الوحدةُ الوطنيةُ اللّبنانية.
طبعاً في كل بلد، يكون هناك عناصر مزروعة، وأناس لهم مطالب.. في كل دُوَل العالم، للنّاس مطالب، ولها نقاط ضعف
ونقاط قوة. لا شك أنّه إذا وظّفوا كل شيء في نقاط الضّعف، فلا بدّ أن يخلقوا نوعاً من الخلل حتى يضربوا الإستقرار،
وعندها تتفاعل الأمور السّلبية فيحصل توقيف وقَتل.. وخصوصاً أن العناصر المهيّئة لحربٍ ثورية ستكشف عن وجهها.
المطالب تأتي دائماً مطالب عادلة، ومطالب شعبية، إذ يطالبون بعدالة اجتماعية أوسع، يطالبون بحريات أوسع..
منها معقول ومنها لامعقول، ولكن اللامعقول يبقى مستوراً. وحتى عندما تلبّي السّلطة القائمة المطالب،
فإن هذه المطالب تتدرّج وتتصاعد، فتصل إلى مرحلة الغاية منها ليست فقط الإصلاح، ب
ل تقويض النّظام القائم والإتيان بحكمٍ آخر لا يتمتع بالممانعة الّتي وقفَت في وجه المخطّطين الكبار.
وفي هذا الإطار، نضع الأحداثَ السّورية.
لقد رأينا مؤخراً في بعضِ مقابلات نائب الرّئيس السّوري السّابق عبد الحليم خدّام الغاية من أحداث سوريا،
وهي القضاء على الحكم الحاضر للدّخول في السّلام الإسرائيلي، والسّلامُ الإسرائيلي
هو تصفية للقضية العربية-الفلسطينية في آخر مظاهرها وحقوقها. لا يمكننا أن نرى أحداث سوريا
إلا في هذا الإطار. وتسلسل الأحداث يدل على ذلك، منذ أن بدأت التّظاهرات الشّعبية،
ثم الاستجابة للمطالب الإصلاحية والبدء بتنفيذها، ولكن تصاعدت المطالب وظهرَ السّلاح،
في هذه المرحلة قسمٌ من الشّعب السّوري لم يعُد يطالبُ بالإصلاحات لأنّه حصلَ عليها،
فبقيت الأقلية "الملغومة" وتريدُ تغييرَ النّظام ورفعَت شعاراتِها ورفعَت وسلاحَها. فأُجبِرَ النّظامُ السّوري على الدّفاع عن وجودِه،
فالدّولة لن تقبلَ أن تتآكل تحت صدمات، وتريدُ أن تدافعَ عن مؤسساتها وخصوصاً عن الجيش الّذي مُنِيَ بخسائر بشرية عديدة.
إذاً، أصبحَت معالجة الوضع الجديد بالقوة ملزمة لتوقيف العمل المسلّح الهادف الى ضرب الإستقرار وإشاعة الفوضى على الأراضي السّورية.
وأعتقد أن الوضع الآن وصل إلى مرحلة عودة الإستقرار أو الهدوء بعد العاصفة، وأتأمل أن يستمرَّ هذا الأمر.
والملاحظ أن الأحداث في سوريا عندما كانت في أوجها تواكبت بهدوءٍ من المراجع السّياسية الغربية،
ولكن عندما سيطرَت الدّولة على الوضع الأمني، ارتفعَت الحرارة السّياسية عند هذه المراجع وكأنّها صُدِمَت
بسيطرة الدّولة على الوضع وبتأمينها الإستقرار، ما يدلّ على أنّ هذه المراجع الغربية غارقةٌ كلياً في اللعبة.
ولكن، المنطقة بحاجة للاستقرار، ونحن ضد كل دعاة التّطرف الّذين لا نعرف إلى أين يمكن أن يوصلوا البلد،
فهم دائماً يخلقون تصادماً داخلياً يقضي على الوحدة الوطنية مما يعطي القوى الخارجية القدرةَ على التّحكم
بنا كما كانوا متحكمين بنا قبل مرحلة الإستقلال فنعود إلى مراحلنا المرّة.
س: دولة الرّئيس، بالأمس أو الأول من أمس، أعلنَ أحد نواب تيار المستقبل محمد كبارة موقفاً ينحازُ
ضدّ النّظام في سوريا، ما رأيك في تمدد هذه الحريرية الجديدة على الإحتجاجات والمظاهرات في قلب سوريا؟
ج: لقد أشرتُ لهذا الموضوع يوم أمس. هم بدأوا يتدخلون وطبعاً عادوا لموقفهم الأساسي الّذي أبدوه في العام 2005 وما بعده،
فهُم كانوا يدعون إلى إسقاط النّظام في سوريا ولا أستغربُ عودتَهم إلى هذه "النّغمة".
عندما كان هناك بعض الفوضى، كانوا يأملون بتغيير الوضعِ في سوريا لذلك كانوا صامتين. أما اليوم، وبعد أن هدأ الوضع،
فعادوا ليصعّدوا وكأنّهم أُحرِجوا أو صُدِموا بالهبوط السّريع للحرارة على الأراضي السّورية.
س: جنرال، تُعتَبَرُ من الطّبقة الأولى الّتي تحمل مشعل المسيحيين المشرقيين في هذه المنطقة. لقد جرَت أحداثٌ في
العراق وجرّت أحداثٌ وتجري في مصر تستهدفُ المسيحيين في الشّرق،
كيف تنظرون لبروز مجموعة مسلّحة متشدّدة في قلب سوريا وما تأثيرها
في رأيكم على المسيحية المشرقية الّتي تُعتَبَرُ همّاً أساسياً لكم؟
ج: النّظامَ في سوريا هو مدني يحترمُ حقوقَ جميع الطّوائف والمذاهب، وهناك فصلٌ بين الممارسة الدّينية والممارسة السّياسية،
وهذا الأمر يزعجُ المتطرفين المؤمنين بالتّطرف الدّيني والّذين يعتبرونه شريعةً دينية لحكمِ البلاد.
وهؤلاء يريدون أن يقوّضوا الإستقرار وأن يلغوا التّنوع الثّقافي والدّيني في المجتمع. لذلك هناك محاولة إلغاء
لبعض مكونات المجتمع، ونرى هذا في أحداث العراق وفي أحداث فلسطين؛ فالأراضي المقدّسة المسيحية
أصبحَت خالية تقريباً من المسيحيين، وهل يمكن أن نتخيل عالماً مسيحياً من دون كنيسة المهد أو كنيسة القيامة أو القدس أو بيت لحم..؟؟
ولا يمكننا أن نتخيل سوريا من دون مار بولس، ومن دونَ انتشار الكنيسة الأول.. فسوريا هي مهد المسيحية منذ القرون الأولى،
وامتدّت من حوران حتى أنطاكية... وكلّ الكنيسة المشرقية لها لقب واحد، "بطريرك أنطاكية وسائر المشرق"
الّذي لا يزالُ مستعملاً حتى الآن، وسوريا لم تتخلَّ عن إنطاكية.
س: جنرال، خلال الأحداث الأخيرة في سوريا، هل راودَك شخصياً خشيةً ما على المسيحيين في الشّرق؟
ج: الخشية على كلّ النّظام لأنه الأكثر انفتاحاً. المطالبَ كلَّها كانت محقة، الرّئيس السوري كان مدركاً أنّ عليه
إنجاز الإصلاح قبل الإنتخابات، ولكنهم حاولوا استباق الأمور حتى تظهرَ الاصلاحات وكأنها أتَت تحت الضّغط وليست عملاً اختيارياً،
فإذا أتت جرّاء عمل اختياري سيكون الأمرُ مزعجاً لهم لأنّ الرّئيسَ الأسد محبوبٌ من الشّعب وإن كانَ هناك مآخذ على بعض الأجهزة،
ككل دول العالم. فإذا قامَ بالإصلاح ستزدادُ شعبيتَه وستصبح مقاومتُه أصعب أو النّيل منه أصعب أو إثارة الشّعب ضدّه أصعب.
لذلك، أعتقد أنّهم سبقوه في ما خصّ هذا الأمر.
س: يصفُ البعض في سوريا علاقتكَ بالسّيد الرّئيس بشار الأسد بأنّها من العلاقات المميزة حتى على المستوى الشّخصي،
هل يمكن أن نعلمَ منك عن الجانبَ الإصلاحي في شخصية السّيد الرّئيس، هل تناقَشتُم في هذا الموضوع؟
ج: أثناء تبادل الحديث حول بعض المواضيع شعرت بأن لديه انفتاحاً كلّياً،
شعرت أنّ همَّه الأول والأخير هو سوريا، فالرّئيس في عشقٍ لأرضِ وشعبِ سوريا.
سيظهرُ كلامي وكأنه إطراء وأنا لا أحب الإطراء، أقولُ الحقيقة إن كنت قادراً وإن لم أكن ألتزم الصمت، هذا طبعي.
من ناحية ثانية، الرئيس الأسد يجسّد ثقافة شعبِه وحضارته. كان صعباً في القضايا المبدئية
الّتي تخصّ العرب والّتي تخصّ التّراكم السّياسي العربي
حول القضايا المفصلية مثل القضية الفلسطينية وحقوق الشّعب الفلسطيني، وهي أهم قضية لا زالَت قائمة منذ 63 عاماً،
ولم تلِن سوريا ولا لحظة وهو مستمرٌّ بكلّ صلابة بدعمِ الفلسطينيين.
س: يشعرُ السّوريون أنّ هناك أطرافاً خارجية تدعمُ الإحتجاجات الّتي تحدث ويقولُ البعض إنّ الهدف منها
هو فك صفة الممانعة والمقاومة عن سوريا وتليين الإتجاه نحو السّياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. كيف تقرأ هذا الرّأي؟
ج: هذا الرّأي صحيح بالنّسبة لي، وشعرتُ به منذ البداية، منذ العام 2006. إذ كانت هناك محاولة لفصل ما يسميه الأميركيون
"محور الشّر"، هذا العنوان الّذي أطلقَه بوش ويدلّ على إيران وسوريا ولبنان، لبنان المتجسد بالمقاومة.. يريدون لهذا "المحور"
أن يتقسّم، أن ينفصل لبنان عن سوريا وتنفصل سوريا عن إيران، فيصبح الأمر أسهل لإغراء هذا المحور
ثم التّغلب عليه. فهذا التّلازم في القضية الواحدة من الصّعب جدّاً أن يتفكك أو أن يسيطرَ عليه أحدٌ ما.
بينما كلّ الدّول العربية لانَت، إذ رأينا ماذا حصل في مصر وكيف أقفلَت معبر رفح خلال أصعب الأوقات على
الشّعب الفلسطيني المحاصَر، وبدأت بقية الدّول العربية بإجراء اتصالات مباشرة في مكاتبها أو غير مباشرة
بواسطة وكلاء أو مراسلين... إذاً، لم نعُد هذه الخلية الصّعبة في ما خصّ القضية الفلسطينية، القضية العربية-الإسرائيلية إلا في سوريا،
طبعاً المدعومة بالتّفاهم مع إيران والمقاومة أيضاً، إذ إنّ المقاومة تدعم سوريا وسوريا تدعم المقاومة،
وهذا أمرٌ طبيعي فإذا كنّا ملتزمين بتحقيق الهدف نفسِه يجب أن نتعاون.
س: جنرال، أيّ رسالة نستطيع أن ننقلها منك إلى سوريا والسّوريّين؟
ج: أوّلاً رسالة محبّة ودعوة إلى الوحدة الوطنيّة. تجربتنا سبقت تجربة الشّعب السّوري، فقد حصلت في السّبعينيات
وكانت جدّ مؤلمة بالنسبة لنا ونظراً للنّتائج التي إنبثقت عنها. العمل المسلّح داخل البلاد يؤدّي إلى الخراب حتّى لو إنتصر
حامل السّلاح. لأنّه حتّى لو إنتصر، فهو يحتاج للكثير من الوقت لكي يعيد البلد إلى الحياة الطّبيعيّة.
الحوار والإصلاحات المتدرّجة تنقل البلد من مرحلة إلى أخرى، ولكن لا نستطيع أن ننتقل بالبلد من مرحلة إلى أخرى من دون التدرّج.
نستطيع أن نتعلّم من الثّورة الفرنسيّة، فقد احتاجت البلد مئة سنة لتعود إلى الحياة الطّبيعيّة بسبب المراحل التي مرّت بها الثّورة.
لا أحد يرغب بتجربة الدّم وخصوصاً إن كان هناك تجاوب من السّلطات مع المطالب الوطنيّة،
وفي سوريا حكم واعٍ يتطلّع إلى مطالب الشّعب ويعمل على تحقيقها.
مقابلة العماد ميشال عون مع "الاخبارية السورية"
س: دولة الرّئيس، لِنبدأ من الحدث السّاخن، كيف تنظرون إلى ما يجري اليوم في سوريا؟
ج: بالتّأكيد لا يمكننا أن نُخرجَ ما يجري اليوم في سوريا من الإطار العام لما هو مخطّط في السّياسة الأميركية بصورة خاصة،
وفي السّياسة الأوروبية بصورة عامة، لأنّ هذا الموضوع قد بدأ في العام 2003 عند مهاجمة العراق،
وكان من المعتقد في الأوساط الأميركية أنّ حربَ العراق ستكون مثل لعبة الدّومينو: عندما تقع قطعة ستقع القِطَع الأخرى بالتّتالي.
ولكن تبيّن أنّ المقاومةَ في العراق كانت شرسة، ولطالما انتقدوا سوريا في ما خصّ هذا الموضوع. كذلك،
لقد تصلّبَت المقاومة في كلّ الدّول الّتي تدخلَت فيها أميركا. فانطلاقاً من هنا،
لا يمكننا أن نرى هذه الحرب إلا في مخطط الشّرق الأوسط الجديد،
لقد حاولوا الإنطلاق من لبنان وضربِ الإستقرار فيه من خلال حرب داخلية لبنانية-لبنانية يتمّ إشعالها بواسطة إسرائيل
عبر حربٍ تتلقى فيها المقاومة هزيمة كبرى. ولكن حصل العكس، فحربُ إسرائيل على لبنان انتهت بانتصار المقاومة،
وتدعمَت الوحدةُ الوطنيةُ اللّبنانية.
طبعاً في كل بلد، يكون هناك عناصر مزروعة، وأناس لهم مطالب.. في كل دُوَل العالم، للنّاس مطالب، ولها نقاط ضعف
ونقاط قوة. لا شك أنّه إذا وظّفوا كل شيء في نقاط الضّعف، فلا بدّ أن يخلقوا نوعاً من الخلل حتى يضربوا الإستقرار،
وعندها تتفاعل الأمور السّلبية فيحصل توقيف وقَتل.. وخصوصاً أن العناصر المهيّئة لحربٍ ثورية ستكشف عن وجهها.
المطالب تأتي دائماً مطالب عادلة، ومطالب شعبية، إذ يطالبون بعدالة اجتماعية أوسع، يطالبون بحريات أوسع..
منها معقول ومنها لامعقول، ولكن اللامعقول يبقى مستوراً. وحتى عندما تلبّي السّلطة القائمة المطالب،
فإن هذه المطالب تتدرّج وتتصاعد، فتصل إلى مرحلة الغاية منها ليست فقط الإصلاح، ب
ل تقويض النّظام القائم والإتيان بحكمٍ آخر لا يتمتع بالممانعة الّتي وقفَت في وجه المخطّطين الكبار.
وفي هذا الإطار، نضع الأحداثَ السّورية.
لقد رأينا مؤخراً في بعضِ مقابلات نائب الرّئيس السّوري السّابق عبد الحليم خدّام الغاية من أحداث سوريا،
وهي القضاء على الحكم الحاضر للدّخول في السّلام الإسرائيلي، والسّلامُ الإسرائيلي
هو تصفية للقضية العربية-الفلسطينية في آخر مظاهرها وحقوقها. لا يمكننا أن نرى أحداث سوريا
إلا في هذا الإطار. وتسلسل الأحداث يدل على ذلك، منذ أن بدأت التّظاهرات الشّعبية،
ثم الاستجابة للمطالب الإصلاحية والبدء بتنفيذها، ولكن تصاعدت المطالب وظهرَ السّلاح،
في هذه المرحلة قسمٌ من الشّعب السّوري لم يعُد يطالبُ بالإصلاحات لأنّه حصلَ عليها،
فبقيت الأقلية "الملغومة" وتريدُ تغييرَ النّظام ورفعَت شعاراتِها ورفعَت وسلاحَها. فأُجبِرَ النّظامُ السّوري على الدّفاع عن وجودِه،
فالدّولة لن تقبلَ أن تتآكل تحت صدمات، وتريدُ أن تدافعَ عن مؤسساتها وخصوصاً عن الجيش الّذي مُنِيَ بخسائر بشرية عديدة.
إذاً، أصبحَت معالجة الوضع الجديد بالقوة ملزمة لتوقيف العمل المسلّح الهادف الى ضرب الإستقرار وإشاعة الفوضى على الأراضي السّورية.
وأعتقد أن الوضع الآن وصل إلى مرحلة عودة الإستقرار أو الهدوء بعد العاصفة، وأتأمل أن يستمرَّ هذا الأمر.
والملاحظ أن الأحداث في سوريا عندما كانت في أوجها تواكبت بهدوءٍ من المراجع السّياسية الغربية،
ولكن عندما سيطرَت الدّولة على الوضع الأمني، ارتفعَت الحرارة السّياسية عند هذه المراجع وكأنّها صُدِمَت
بسيطرة الدّولة على الوضع وبتأمينها الإستقرار، ما يدلّ على أنّ هذه المراجع الغربية غارقةٌ كلياً في اللعبة.
ولكن، المنطقة بحاجة للاستقرار، ونحن ضد كل دعاة التّطرف الّذين لا نعرف إلى أين يمكن أن يوصلوا البلد،
فهم دائماً يخلقون تصادماً داخلياً يقضي على الوحدة الوطنية مما يعطي القوى الخارجية القدرةَ على التّحكم
بنا كما كانوا متحكمين بنا قبل مرحلة الإستقلال فنعود إلى مراحلنا المرّة.
س: دولة الرّئيس، بالأمس أو الأول من أمس، أعلنَ أحد نواب تيار المستقبل محمد كبارة موقفاً ينحازُ
ضدّ النّظام في سوريا، ما رأيك في تمدد هذه الحريرية الجديدة على الإحتجاجات والمظاهرات في قلب سوريا؟
ج: لقد أشرتُ لهذا الموضوع يوم أمس. هم بدأوا يتدخلون وطبعاً عادوا لموقفهم الأساسي الّذي أبدوه في العام 2005 وما بعده،
فهُم كانوا يدعون إلى إسقاط النّظام في سوريا ولا أستغربُ عودتَهم إلى هذه "النّغمة".
عندما كان هناك بعض الفوضى، كانوا يأملون بتغيير الوضعِ في سوريا لذلك كانوا صامتين. أما اليوم، وبعد أن هدأ الوضع،
فعادوا ليصعّدوا وكأنّهم أُحرِجوا أو صُدِموا بالهبوط السّريع للحرارة على الأراضي السّورية.
س: جنرال، تُعتَبَرُ من الطّبقة الأولى الّتي تحمل مشعل المسيحيين المشرقيين في هذه المنطقة. لقد جرَت أحداثٌ في
العراق وجرّت أحداثٌ وتجري في مصر تستهدفُ المسيحيين في الشّرق،
كيف تنظرون لبروز مجموعة مسلّحة متشدّدة في قلب سوريا وما تأثيرها
في رأيكم على المسيحية المشرقية الّتي تُعتَبَرُ همّاً أساسياً لكم؟
ج: النّظامَ في سوريا هو مدني يحترمُ حقوقَ جميع الطّوائف والمذاهب، وهناك فصلٌ بين الممارسة الدّينية والممارسة السّياسية،
وهذا الأمر يزعجُ المتطرفين المؤمنين بالتّطرف الدّيني والّذين يعتبرونه شريعةً دينية لحكمِ البلاد.
وهؤلاء يريدون أن يقوّضوا الإستقرار وأن يلغوا التّنوع الثّقافي والدّيني في المجتمع. لذلك هناك محاولة إلغاء
لبعض مكونات المجتمع، ونرى هذا في أحداث العراق وفي أحداث فلسطين؛ فالأراضي المقدّسة المسيحية
أصبحَت خالية تقريباً من المسيحيين، وهل يمكن أن نتخيل عالماً مسيحياً من دون كنيسة المهد أو كنيسة القيامة أو القدس أو بيت لحم..؟؟
ولا يمكننا أن نتخيل سوريا من دون مار بولس، ومن دونَ انتشار الكنيسة الأول.. فسوريا هي مهد المسيحية منذ القرون الأولى،
وامتدّت من حوران حتى أنطاكية... وكلّ الكنيسة المشرقية لها لقب واحد، "بطريرك أنطاكية وسائر المشرق"
الّذي لا يزالُ مستعملاً حتى الآن، وسوريا لم تتخلَّ عن إنطاكية.
س: جنرال، خلال الأحداث الأخيرة في سوريا، هل راودَك شخصياً خشيةً ما على المسيحيين في الشّرق؟
ج: الخشية على كلّ النّظام لأنه الأكثر انفتاحاً. المطالبَ كلَّها كانت محقة، الرّئيس السوري كان مدركاً أنّ عليه
إنجاز الإصلاح قبل الإنتخابات، ولكنهم حاولوا استباق الأمور حتى تظهرَ الاصلاحات وكأنها أتَت تحت الضّغط وليست عملاً اختيارياً،
فإذا أتت جرّاء عمل اختياري سيكون الأمرُ مزعجاً لهم لأنّ الرّئيسَ الأسد محبوبٌ من الشّعب وإن كانَ هناك مآخذ على بعض الأجهزة،
ككل دول العالم. فإذا قامَ بالإصلاح ستزدادُ شعبيتَه وستصبح مقاومتُه أصعب أو النّيل منه أصعب أو إثارة الشّعب ضدّه أصعب.
لذلك، أعتقد أنّهم سبقوه في ما خصّ هذا الأمر.
س: يصفُ البعض في سوريا علاقتكَ بالسّيد الرّئيس بشار الأسد بأنّها من العلاقات المميزة حتى على المستوى الشّخصي،
هل يمكن أن نعلمَ منك عن الجانبَ الإصلاحي في شخصية السّيد الرّئيس، هل تناقَشتُم في هذا الموضوع؟
ج: أثناء تبادل الحديث حول بعض المواضيع شعرت بأن لديه انفتاحاً كلّياً،
شعرت أنّ همَّه الأول والأخير هو سوريا، فالرّئيس في عشقٍ لأرضِ وشعبِ سوريا.
سيظهرُ كلامي وكأنه إطراء وأنا لا أحب الإطراء، أقولُ الحقيقة إن كنت قادراً وإن لم أكن ألتزم الصمت، هذا طبعي.
من ناحية ثانية، الرئيس الأسد يجسّد ثقافة شعبِه وحضارته. كان صعباً في القضايا المبدئية
الّتي تخصّ العرب والّتي تخصّ التّراكم السّياسي العربي
حول القضايا المفصلية مثل القضية الفلسطينية وحقوق الشّعب الفلسطيني، وهي أهم قضية لا زالَت قائمة منذ 63 عاماً،
ولم تلِن سوريا ولا لحظة وهو مستمرٌّ بكلّ صلابة بدعمِ الفلسطينيين.
س: يشعرُ السّوريون أنّ هناك أطرافاً خارجية تدعمُ الإحتجاجات الّتي تحدث ويقولُ البعض إنّ الهدف منها
هو فك صفة الممانعة والمقاومة عن سوريا وتليين الإتجاه نحو السّياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. كيف تقرأ هذا الرّأي؟
ج: هذا الرّأي صحيح بالنّسبة لي، وشعرتُ به منذ البداية، منذ العام 2006. إذ كانت هناك محاولة لفصل ما يسميه الأميركيون
"محور الشّر"، هذا العنوان الّذي أطلقَه بوش ويدلّ على إيران وسوريا ولبنان، لبنان المتجسد بالمقاومة.. يريدون لهذا "المحور"
أن يتقسّم، أن ينفصل لبنان عن سوريا وتنفصل سوريا عن إيران، فيصبح الأمر أسهل لإغراء هذا المحور
ثم التّغلب عليه. فهذا التّلازم في القضية الواحدة من الصّعب جدّاً أن يتفكك أو أن يسيطرَ عليه أحدٌ ما.
بينما كلّ الدّول العربية لانَت، إذ رأينا ماذا حصل في مصر وكيف أقفلَت معبر رفح خلال أصعب الأوقات على
الشّعب الفلسطيني المحاصَر، وبدأت بقية الدّول العربية بإجراء اتصالات مباشرة في مكاتبها أو غير مباشرة
بواسطة وكلاء أو مراسلين... إذاً، لم نعُد هذه الخلية الصّعبة في ما خصّ القضية الفلسطينية، القضية العربية-الإسرائيلية إلا في سوريا،
طبعاً المدعومة بالتّفاهم مع إيران والمقاومة أيضاً، إذ إنّ المقاومة تدعم سوريا وسوريا تدعم المقاومة،
وهذا أمرٌ طبيعي فإذا كنّا ملتزمين بتحقيق الهدف نفسِه يجب أن نتعاون.
س: جنرال، أيّ رسالة نستطيع أن ننقلها منك إلى سوريا والسّوريّين؟
ج: أوّلاً رسالة محبّة ودعوة إلى الوحدة الوطنيّة. تجربتنا سبقت تجربة الشّعب السّوري، فقد حصلت في السّبعينيات
وكانت جدّ مؤلمة بالنسبة لنا ونظراً للنّتائج التي إنبثقت عنها. العمل المسلّح داخل البلاد يؤدّي إلى الخراب حتّى لو إنتصر
حامل السّلاح. لأنّه حتّى لو إنتصر، فهو يحتاج للكثير من الوقت لكي يعيد البلد إلى الحياة الطّبيعيّة.
الحوار والإصلاحات المتدرّجة تنقل البلد من مرحلة إلى أخرى، ولكن لا نستطيع أن ننتقل بالبلد من مرحلة إلى أخرى من دون التدرّج.
نستطيع أن نتعلّم من الثّورة الفرنسيّة، فقد احتاجت البلد مئة سنة لتعود إلى الحياة الطّبيعيّة بسبب المراحل التي مرّت بها الثّورة.
لا أحد يرغب بتجربة الدّم وخصوصاً إن كان هناك تجاوب من السّلطات مع المطالب الوطنيّة،
وفي سوريا حكم واعٍ يتطلّع إلى مطالب الشّعب ويعمل على تحقيقها.