انا لاحظت انو نحنا هون عم نتجاهل انو في معارضة موجودة ودائما منخونا بس لاتنسو انو لسا في معارضة شريفة هدا المقال راح يوضح وجهة نظري
الرجاء الابتعاد عن عبارات التخوين
لم يقل أحد، إلا إذا كان ساذجا، أن ما يحدث في العالم العربي سيكون انتقالا سهلا من حال إلى آخر، مناقض له: من الأمر القائم إلى الثورة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن التغيير بالسلطة إلى التغيير بالمجتمع، ومن المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني. من يتابع وضعي تونس ومصر، حيث تم بالفعل إزاحة السلطة، فسيضع يده على محاولات تؤكد قدرة الأمر القائم على تنظيم صفوفه وبدء مقاومة في أشكال وأطر جديدة. أما من يتابع أحوال ليبيا واليمن، فهو سيرى بأم عينه كم هي كبيرة تكلفة التغيير.
قبل أسابيع سئلت عن الاحتمالات السورية، وهل هي تونسية / مصرية، تقوم على تدخل الجيش لإزاحة رموز الحكم وإنقاذ النظام، أم ليبية تقوم على انقسام الدولة إلى قسمين متحاربين، أم يمنية يقاوم رأس النظام وعسكره الإرادة الشعبية الكاسحة، مستفيدا من دعم قبلي محدود يشكل بمعنى ما قاعدة شعبية لشخصه ونظامه؟ قلت: ليست سوريا ولا يجوز أن تكون أي شيء من هذا. ولا بد أن تكون نموذجا للريادة السياسية المدنية، ببلورتها بديلا وطنيا متوافقا عليه هو حل سياسي شامل يعيد إنتاج الواقع، بما في ذلك الأمر السياسي القائم، ويضعه على مسار جديد هو مسار حرية تفيد منه جميع أطراف الجماعة الوطنية وتشارك في الانتقال إليه بطرق سلمية حصرا، خلال فترة قصيرة إلى متوسطة الأمد، كي لا يكون هناك انهـيارات أو تصدعات مفاجئة في أي مكان أو قطاع، وتنجح البلاد في الانزلاق التدريجي الآمن نحو بديل ينسجم مع الحقبة التاريخية التي بدأت قبل أشهر في بلاد العرب، وتقوم على أسس تجسد انقلابا هائل الدلالات والأبعاد على معايير وركائز حقبة الثورات التي تلت عام 1952، وكان حاملها الجيش في مصر، وحزب البعث في سوريا والعراق، وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، والجبهة القومية في اليمن ... الخ، واكتسبت شرعيتــها وبنت تجــربتها على ركــائز آمنت بأولوية السلطة على الدولة والمجتمع، والجماعة على الفرد، والشعب على المواطن، والاشتراكية على العدالة الاجتماعية والرأسمالية، والوحدة على التجزئة، والتحرير على الحرية ...الخ، ثم تلقت ضربة خارجية قاتلة في حزيران من عام 1967، أدى عجزها عن تطوير رد استراتيجي شامل عليها: قومي ووطني، اقتصادي واجتماعي، سياسي وثقافي، إلى دخولها في طور احتجاز تخلت خلاله عن معظم وعودها التاريخية، وعن بعدها المجتمعي والقومي، وأحلت محلهما نظاما سلطويا سلطانيا قاسيا وشديد المركزية والشخصنة والبطش، أنتج أزمات واسعة غطت كل مفصل وقطاع في الدولة والمجتمع، ما لبث أن حصر جهوده في إدارتها، لكن الفشل كان مصير جهوده، وها هي فرصة الخروج الجدي منها تلوح اليوم في أفق العرب، بهذا الحراك التغييري / المجتمعي، الذي يجتاح بلدانهم، وكان حتى بعض قادة الأمر الواقع قد لمّحوا من حين لآخر إلى ضرورة تخلص الشعوب منه!
هذا الاحتمال المدني / التوافقي السوري يفرض أمرين: إحجام النظام عن اعتماد الحل الأمني في مواجهة الحالة الراهنة، وإحجام الحراك القائم عن الدعوة إلى إسقاطه. لا بد إذن من حل يقوم من ألفه إلى يائه على حوار وطني شامل يقصي هاتين الحالتين، كي لا تتحول البلاد إلى ساحة يتعارك فيها متشددون يزدادون تطرفا على الجانبين، تضيع فيها مطالب الشعب المحقة، التي أقر النظام بشرعيتها، بل يضيع الشعب والبلد، أيا كان الطرف الذي سيخرج منتصرا من مواجهة ستكون تكلفتها قاتلة بالنسبة إلى النــظام، الذي لا أعتـقد إطلاقا أن له مصلحة في تكسير مجتمعه، مهما اتسعت وتنوعت مطالباته، كما إلى الطرف المقابل، الذي لا بد أن يعرف أن الخطأ في حساباته لن يؤدي إلى الحرية المطلوبة، بل إلى ضياع وحدة المجتمع السوري وتدمير دولته وتفكيكها، علما بأن المستفيد الوحيد من حل أمني يكسر المجتمع وينهك الدولة ويقوض ما بقي قائما منها، ويأخذ البلاد إلى غير ما يعد أرباب الأمر بأخذها إليه، ومن شق لمجتمع وزجه في صراع عنيف يزداد تفكيكا لوحدة الشعب والوطن سيكون إسرائيل: العدو المسلح حتى الأنياب، الذي يحتل أراضي سورية ويريد المزيد منها، وسيمكنه تفكك الدولة وتكسير المجتمع من حكم وطننا بالريموت كونترول!
يتطلب الحل السياسي استمرار الاعتراف بشرعية مطالب المتظاهرين، ووضع حد لأي عمل من أعمال العنف في الشارع أيا كان مصدره، وفرز كتلة المتظاهرين المسالمين عن زمر المسلحين القليلة وحمايتهم منهم، ومحاورتهم وإقناعهم بالقول والفعل أن مطالبهم ستلبي خلال زمن معقول. بينما يتطلب الموقف المقابل الامتناع عن المطالبة بإسقاط النظام، والإقلاع عن أي قول أو فعل يهـدده أو يثير لديه الشبهات، وعدم المس بأية صورة من الصـــور بالممــتلكات العامة والخاصة، والتعبير سلميا فقط عن الرأي في أماكن محددة تحترم سير الحياة العادي والسلمي والآمن، ورفع الغطاء عن كل متظاهر يخرج على هذه المواقف، وحماية الوحدة الوطنية بحماية ورعاية المختلف في المعتقد والخيارات السياسية، وربط التظاهر بالحوار مع السلطة، بما يؤدي إلى وقفه فور تلبية المطالب العامة: المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والإحجام عن استخدام التظاهرات كوسيلة ضغط، ما دام يراد منها إبلاغ السلطة بمطالب المتظاهرين، فكيف إذا أقر أصحاب القرار بأحقيــتها، وتعـهدوا بأن يكون تنفيذها مادة حوار وطني تشارك فيه الأطراف جميعها، تسهيلا للحل وليس لتعقيد الأزمة وفرض رأي أي طرف على الآخر. ليس ما يجري في بلادنا منفصلا عما يجـري في الوطن العــربي. هناك مرحلة انتهت وأخرى تبدأ الآن في كل مكان من عالم العرب، وإن كان تحقيقها سيتم بسرعــات مختلفة وأشكــال متباينة، هنا أو هناك. هذا ما يجب أن ينطــلق منه صاحب القرار، الذي لا بد أن يؤمن باستحالة وجود حل أمني يستــطيع كبح الجديد أو القضاء على مطلب الحرية، المتأصل بالفطرة في النفـس البشرية، ولا بد أن يقتـنع بأن ما صلح الــبارحة لا يصح اليوم، وأننا نبـارح زمن الثورة العربية الذي بدأ عـام 1952، وندخل إلى مرحـلة تاريخية مختلفة ترتكز على أولوية المواطنة والحرية والعدالة والمـساواة والدولة المدنية وحقوق الإنسان والمواطــن؛ ثمة إجماع واسع على أنها ستأخذ العرب إلى زمن مغاير، أعتقد شخصيا أن لا شيء يحول دون أن يكون فيه دور لكل من يسهم في الانتقال إليه، سلمــيا وحـواريا، بما في ذلك قــادة النــظم. ومع أننا في بدايات هذه المرحلة، فإن الانخراط فيها هو الحل الوحيد، بيــنما مقــاومتها لن تكون مستحــيلة وحـسب، بل هي ستودي بأية جهة أو حكومة تحاول التصدي لها، لأسباب منها أنها ستجافي الإطار العربي العام الذي يبتعد عن النظام الراهن، ويشهد تغيرا عميقا وغير مسبوق يترتب عليه وضع بديـل لا شك في أنه سينتشر ليغـطي، وإن بعد حين، مجمل بلدان العرب، ويرجح أن يمتد خلال فترة قريبة إلى ليبيا واليمن، حيث بدأ هناك مسار الحرية، رغم شراسة مقاومة النظامين وأخذهما بحل أمني متفاوت الشدة، نشهد انهياره وفشله هذه الأيام. إلى هذا، فإن امتناع أي نظام عربي عن التغيير لن يكون ممكنا، أو سيكون بالأحرى صعبا إلى أقصى حد، داخل الإطار الدولي الذي يتخلق هذه الأيام مؤيدا تغيـير النظم العربية القائمة، حتى أنه انخرط في حرب ضد نظام ليبيا وأخذ يطالب جهارا نهارا برحيل رئيس اليمن ووضع السلطة في يد المعارضة، بينما يشق التغيير العربي طريقه نحو أحد احتمالين: نظم ديموقراطية أو إسلامية (أو مختلـطة لبعض الوقت)، سيجــد من يقاتل للحفاظ على نظامه الراهن نفسه خارجهما أو في مواجهتهما كليهما، عرضة لأن يتفجر التمرد ضده في أي حين، في ظروف ملائمة داخلية وعربية ودولية مناوئة أو معادية له، هو فيــها غريب عن داخله الوطني ومحيطة القومي والعالم، علما بأن انتصاره الأمني في الأحداث الحالية سيصيبه بضعف كبير وجدي، سيجبره على تلبية مطالب مناوئيه أو قسم كبير منها، فمن الحكمة والعقل، ومن الأفضل له ولشعبه، قبولها والتفاعل معها بإيجابية منذ الآن، ما دامت تكلفتها أقل بكثير من تكلفة الحل الأمني والامتناع عن تلبيتــها، الذي يرجح أن لا يستمر لفترة طويلة، وأن ينتهي بقبول ما تم رفضه وتم دفع ثمن فادح وتدميري لتجاوزه، دون نجاح في الحفاظ على الأمر القائم في صورته الحالية. ومن يعرف وقائع التاريخ، يعلم أن جــميع النظم التي خرجت منتصرة من صراع أهلي حقـقت، بعد قهر خصــومها، مطالبهم بصورة كلية أو جزئيــة، لقطـع الطريق على تجدد المــطالبة بتحقيقها وما قد ينجم عنها من توتر وتمرد، ولأن الإمعان في رفضها يضعفها، كما يخبرنا أحد أعظم من درسوا ثورات القرن التاسع عشر: كارل ماركس.
لا مصلحة لأحد في سوريا في حل يحبــط أو يعوق الحل السياسي. ولا مصلحة للشعب في دفع تكلفة مفزعة من أجل إسقــاط نظام يتعهد بإجراء إصلاح يستجيب للحاجة إلى التغيير والحرية. أقول هذا وأنا أعرف كم سينزل على رأسي من شتائم، وكم سأتهم بالعمالة للسلطة. لن يخرج النظام والمجتمع السوريان إلا وهما مهشمان، إن اعتمدت سياسات القوة والتطرف من جهة والانــقلاب من جــهة أخرى، وسيخرجان بسلام إن هما اعتمدا نهــجا يؤسس لحالة انتقالية فيها وحدها مصلحتهما، ونجحا في جعل مطلب الحرية الشرعي أداة لمنع صراع دموي ومجنون بين أطراف طائفية ومتخلفة، من شأن توسعه وسيطرته على الشارع سد الطريق إلى الحرية، وتكسير وتقويض كل شيء في بلادنا: من الدولة إلى المجتمع والسلطة والحياة الوطنية، وخراب وطننا إلى زمن يعلم الله وحـده كم سيطول، ما دام انتصار أي طرف سيأخـذنا إلى فوضى معمــمة وتفــكك شامل، وسيطلق موجات من العنف لم تشهد سوريا مثيلا لها في تاريخها الطويل، الأمر الذي يسوغ خوف جمـهرة المواطنين الواسعة جدا من تفاقم الأمور، ويفسر إلحاحها على حل سياسي / سلمي / حواري / اخوي مفتوح على تفاهم تدريجي يصون السلم الأهلي والمدني والنظام العام، أساسه تلبية مطالب الشعـب. لا يجــب أو يجوز أن يكون هناك مصلحة لأحد في فتنة تقوم أو تدوم، فالــبلد منهك، والنظام قبل مطالب المتظاهرين وحـدد برنامجا زمنيا قصير الأمد لتحقيقها، بدورهم، يقول المتظاهرون: سلمية، سلمية ـ حرية، حرية ـ الشعب السوري واحد. ومن واجب الجهتين الضرب بيد من حديد على رأس العصابات والشبيحة، أينما وجدوا وكائنا من كانوا، لأن إجرامهم وإجرام من يساندونهم يقوم على منع الحوار والتفاهم وبناء عقد وطني جديد يخرجنا سلميا وسياسيا من أزمة يعمقونها ويسعرون نارها، دافعين بالبلاد والعباد إلى هاوية سحيقة تكاد تكون بلا قاع.
ليس الوضع سهلا، وهو يزداد تعقيدا وصعوبة. والمواجهة التي ترتسم اليوم ليست بين السلطة وحزب أو قلة، وهي لا تدور في ظل غطاء عربي ودولي يساند نظاما يمتلك قواعد شعبية واسعة، كما كان الحال في ثمانينيات القرن الماضي، والعنف ضد الأجيال الشابة خطير ويجب تجنبه، فلا بد إذن من الإسراع في فتح منافذ التفاهم بالحوار، ليخرج وطننا من الأزمة عزيزا كريما، وشعبنا متآلفا موحدا، وننخرط في طور انتقال آمن، حريتنا ووحدتنا الوطنية والشعبية وسلامة دولتنا نتاجه وضمانته!
الرجاء الابتعاد عن عبارات التخوين
لم يقل أحد، إلا إذا كان ساذجا، أن ما يحدث في العالم العربي سيكون انتقالا سهلا من حال إلى آخر، مناقض له: من الأمر القائم إلى الثورة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن التغيير بالسلطة إلى التغيير بالمجتمع، ومن المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني. من يتابع وضعي تونس ومصر، حيث تم بالفعل إزاحة السلطة، فسيضع يده على محاولات تؤكد قدرة الأمر القائم على تنظيم صفوفه وبدء مقاومة في أشكال وأطر جديدة. أما من يتابع أحوال ليبيا واليمن، فهو سيرى بأم عينه كم هي كبيرة تكلفة التغيير.
قبل أسابيع سئلت عن الاحتمالات السورية، وهل هي تونسية / مصرية، تقوم على تدخل الجيش لإزاحة رموز الحكم وإنقاذ النظام، أم ليبية تقوم على انقسام الدولة إلى قسمين متحاربين، أم يمنية يقاوم رأس النظام وعسكره الإرادة الشعبية الكاسحة، مستفيدا من دعم قبلي محدود يشكل بمعنى ما قاعدة شعبية لشخصه ونظامه؟ قلت: ليست سوريا ولا يجوز أن تكون أي شيء من هذا. ولا بد أن تكون نموذجا للريادة السياسية المدنية، ببلورتها بديلا وطنيا متوافقا عليه هو حل سياسي شامل يعيد إنتاج الواقع، بما في ذلك الأمر السياسي القائم، ويضعه على مسار جديد هو مسار حرية تفيد منه جميع أطراف الجماعة الوطنية وتشارك في الانتقال إليه بطرق سلمية حصرا، خلال فترة قصيرة إلى متوسطة الأمد، كي لا يكون هناك انهـيارات أو تصدعات مفاجئة في أي مكان أو قطاع، وتنجح البلاد في الانزلاق التدريجي الآمن نحو بديل ينسجم مع الحقبة التاريخية التي بدأت قبل أشهر في بلاد العرب، وتقوم على أسس تجسد انقلابا هائل الدلالات والأبعاد على معايير وركائز حقبة الثورات التي تلت عام 1952، وكان حاملها الجيش في مصر، وحزب البعث في سوريا والعراق، وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، والجبهة القومية في اليمن ... الخ، واكتسبت شرعيتــها وبنت تجــربتها على ركــائز آمنت بأولوية السلطة على الدولة والمجتمع، والجماعة على الفرد، والشعب على المواطن، والاشتراكية على العدالة الاجتماعية والرأسمالية، والوحدة على التجزئة، والتحرير على الحرية ...الخ، ثم تلقت ضربة خارجية قاتلة في حزيران من عام 1967، أدى عجزها عن تطوير رد استراتيجي شامل عليها: قومي ووطني، اقتصادي واجتماعي، سياسي وثقافي، إلى دخولها في طور احتجاز تخلت خلاله عن معظم وعودها التاريخية، وعن بعدها المجتمعي والقومي، وأحلت محلهما نظاما سلطويا سلطانيا قاسيا وشديد المركزية والشخصنة والبطش، أنتج أزمات واسعة غطت كل مفصل وقطاع في الدولة والمجتمع، ما لبث أن حصر جهوده في إدارتها، لكن الفشل كان مصير جهوده، وها هي فرصة الخروج الجدي منها تلوح اليوم في أفق العرب، بهذا الحراك التغييري / المجتمعي، الذي يجتاح بلدانهم، وكان حتى بعض قادة الأمر الواقع قد لمّحوا من حين لآخر إلى ضرورة تخلص الشعوب منه!
هذا الاحتمال المدني / التوافقي السوري يفرض أمرين: إحجام النظام عن اعتماد الحل الأمني في مواجهة الحالة الراهنة، وإحجام الحراك القائم عن الدعوة إلى إسقاطه. لا بد إذن من حل يقوم من ألفه إلى يائه على حوار وطني شامل يقصي هاتين الحالتين، كي لا تتحول البلاد إلى ساحة يتعارك فيها متشددون يزدادون تطرفا على الجانبين، تضيع فيها مطالب الشعب المحقة، التي أقر النظام بشرعيتها، بل يضيع الشعب والبلد، أيا كان الطرف الذي سيخرج منتصرا من مواجهة ستكون تكلفتها قاتلة بالنسبة إلى النــظام، الذي لا أعتـقد إطلاقا أن له مصلحة في تكسير مجتمعه، مهما اتسعت وتنوعت مطالباته، كما إلى الطرف المقابل، الذي لا بد أن يعرف أن الخطأ في حساباته لن يؤدي إلى الحرية المطلوبة، بل إلى ضياع وحدة المجتمع السوري وتدمير دولته وتفكيكها، علما بأن المستفيد الوحيد من حل أمني يكسر المجتمع وينهك الدولة ويقوض ما بقي قائما منها، ويأخذ البلاد إلى غير ما يعد أرباب الأمر بأخذها إليه، ومن شق لمجتمع وزجه في صراع عنيف يزداد تفكيكا لوحدة الشعب والوطن سيكون إسرائيل: العدو المسلح حتى الأنياب، الذي يحتل أراضي سورية ويريد المزيد منها، وسيمكنه تفكك الدولة وتكسير المجتمع من حكم وطننا بالريموت كونترول!
يتطلب الحل السياسي استمرار الاعتراف بشرعية مطالب المتظاهرين، ووضع حد لأي عمل من أعمال العنف في الشارع أيا كان مصدره، وفرز كتلة المتظاهرين المسالمين عن زمر المسلحين القليلة وحمايتهم منهم، ومحاورتهم وإقناعهم بالقول والفعل أن مطالبهم ستلبي خلال زمن معقول. بينما يتطلب الموقف المقابل الامتناع عن المطالبة بإسقاط النظام، والإقلاع عن أي قول أو فعل يهـدده أو يثير لديه الشبهات، وعدم المس بأية صورة من الصـــور بالممــتلكات العامة والخاصة، والتعبير سلميا فقط عن الرأي في أماكن محددة تحترم سير الحياة العادي والسلمي والآمن، ورفع الغطاء عن كل متظاهر يخرج على هذه المواقف، وحماية الوحدة الوطنية بحماية ورعاية المختلف في المعتقد والخيارات السياسية، وربط التظاهر بالحوار مع السلطة، بما يؤدي إلى وقفه فور تلبية المطالب العامة: المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والإحجام عن استخدام التظاهرات كوسيلة ضغط، ما دام يراد منها إبلاغ السلطة بمطالب المتظاهرين، فكيف إذا أقر أصحاب القرار بأحقيــتها، وتعـهدوا بأن يكون تنفيذها مادة حوار وطني تشارك فيه الأطراف جميعها، تسهيلا للحل وليس لتعقيد الأزمة وفرض رأي أي طرف على الآخر. ليس ما يجري في بلادنا منفصلا عما يجـري في الوطن العــربي. هناك مرحلة انتهت وأخرى تبدأ الآن في كل مكان من عالم العرب، وإن كان تحقيقها سيتم بسرعــات مختلفة وأشكــال متباينة، هنا أو هناك. هذا ما يجب أن ينطــلق منه صاحب القرار، الذي لا بد أن يؤمن باستحالة وجود حل أمني يستــطيع كبح الجديد أو القضاء على مطلب الحرية، المتأصل بالفطرة في النفـس البشرية، ولا بد أن يقتـنع بأن ما صلح الــبارحة لا يصح اليوم، وأننا نبـارح زمن الثورة العربية الذي بدأ عـام 1952، وندخل إلى مرحـلة تاريخية مختلفة ترتكز على أولوية المواطنة والحرية والعدالة والمـساواة والدولة المدنية وحقوق الإنسان والمواطــن؛ ثمة إجماع واسع على أنها ستأخذ العرب إلى زمن مغاير، أعتقد شخصيا أن لا شيء يحول دون أن يكون فيه دور لكل من يسهم في الانتقال إليه، سلمــيا وحـواريا، بما في ذلك قــادة النــظم. ومع أننا في بدايات هذه المرحلة، فإن الانخراط فيها هو الحل الوحيد، بيــنما مقــاومتها لن تكون مستحــيلة وحـسب، بل هي ستودي بأية جهة أو حكومة تحاول التصدي لها، لأسباب منها أنها ستجافي الإطار العربي العام الذي يبتعد عن النظام الراهن، ويشهد تغيرا عميقا وغير مسبوق يترتب عليه وضع بديـل لا شك في أنه سينتشر ليغـطي، وإن بعد حين، مجمل بلدان العرب، ويرجح أن يمتد خلال فترة قريبة إلى ليبيا واليمن، حيث بدأ هناك مسار الحرية، رغم شراسة مقاومة النظامين وأخذهما بحل أمني متفاوت الشدة، نشهد انهياره وفشله هذه الأيام. إلى هذا، فإن امتناع أي نظام عربي عن التغيير لن يكون ممكنا، أو سيكون بالأحرى صعبا إلى أقصى حد، داخل الإطار الدولي الذي يتخلق هذه الأيام مؤيدا تغيـير النظم العربية القائمة، حتى أنه انخرط في حرب ضد نظام ليبيا وأخذ يطالب جهارا نهارا برحيل رئيس اليمن ووضع السلطة في يد المعارضة، بينما يشق التغيير العربي طريقه نحو أحد احتمالين: نظم ديموقراطية أو إسلامية (أو مختلـطة لبعض الوقت)، سيجــد من يقاتل للحفاظ على نظامه الراهن نفسه خارجهما أو في مواجهتهما كليهما، عرضة لأن يتفجر التمرد ضده في أي حين، في ظروف ملائمة داخلية وعربية ودولية مناوئة أو معادية له، هو فيــها غريب عن داخله الوطني ومحيطة القومي والعالم، علما بأن انتصاره الأمني في الأحداث الحالية سيصيبه بضعف كبير وجدي، سيجبره على تلبية مطالب مناوئيه أو قسم كبير منها، فمن الحكمة والعقل، ومن الأفضل له ولشعبه، قبولها والتفاعل معها بإيجابية منذ الآن، ما دامت تكلفتها أقل بكثير من تكلفة الحل الأمني والامتناع عن تلبيتــها، الذي يرجح أن لا يستمر لفترة طويلة، وأن ينتهي بقبول ما تم رفضه وتم دفع ثمن فادح وتدميري لتجاوزه، دون نجاح في الحفاظ على الأمر القائم في صورته الحالية. ومن يعرف وقائع التاريخ، يعلم أن جــميع النظم التي خرجت منتصرة من صراع أهلي حقـقت، بعد قهر خصــومها، مطالبهم بصورة كلية أو جزئيــة، لقطـع الطريق على تجدد المــطالبة بتحقيقها وما قد ينجم عنها من توتر وتمرد، ولأن الإمعان في رفضها يضعفها، كما يخبرنا أحد أعظم من درسوا ثورات القرن التاسع عشر: كارل ماركس.
لا مصلحة لأحد في سوريا في حل يحبــط أو يعوق الحل السياسي. ولا مصلحة للشعب في دفع تكلفة مفزعة من أجل إسقــاط نظام يتعهد بإجراء إصلاح يستجيب للحاجة إلى التغيير والحرية. أقول هذا وأنا أعرف كم سينزل على رأسي من شتائم، وكم سأتهم بالعمالة للسلطة. لن يخرج النظام والمجتمع السوريان إلا وهما مهشمان، إن اعتمدت سياسات القوة والتطرف من جهة والانــقلاب من جــهة أخرى، وسيخرجان بسلام إن هما اعتمدا نهــجا يؤسس لحالة انتقالية فيها وحدها مصلحتهما، ونجحا في جعل مطلب الحرية الشرعي أداة لمنع صراع دموي ومجنون بين أطراف طائفية ومتخلفة، من شأن توسعه وسيطرته على الشارع سد الطريق إلى الحرية، وتكسير وتقويض كل شيء في بلادنا: من الدولة إلى المجتمع والسلطة والحياة الوطنية، وخراب وطننا إلى زمن يعلم الله وحـده كم سيطول، ما دام انتصار أي طرف سيأخـذنا إلى فوضى معمــمة وتفــكك شامل، وسيطلق موجات من العنف لم تشهد سوريا مثيلا لها في تاريخها الطويل، الأمر الذي يسوغ خوف جمـهرة المواطنين الواسعة جدا من تفاقم الأمور، ويفسر إلحاحها على حل سياسي / سلمي / حواري / اخوي مفتوح على تفاهم تدريجي يصون السلم الأهلي والمدني والنظام العام، أساسه تلبية مطالب الشعـب. لا يجــب أو يجوز أن يكون هناك مصلحة لأحد في فتنة تقوم أو تدوم، فالــبلد منهك، والنظام قبل مطالب المتظاهرين وحـدد برنامجا زمنيا قصير الأمد لتحقيقها، بدورهم، يقول المتظاهرون: سلمية، سلمية ـ حرية، حرية ـ الشعب السوري واحد. ومن واجب الجهتين الضرب بيد من حديد على رأس العصابات والشبيحة، أينما وجدوا وكائنا من كانوا، لأن إجرامهم وإجرام من يساندونهم يقوم على منع الحوار والتفاهم وبناء عقد وطني جديد يخرجنا سلميا وسياسيا من أزمة يعمقونها ويسعرون نارها، دافعين بالبلاد والعباد إلى هاوية سحيقة تكاد تكون بلا قاع.
ليس الوضع سهلا، وهو يزداد تعقيدا وصعوبة. والمواجهة التي ترتسم اليوم ليست بين السلطة وحزب أو قلة، وهي لا تدور في ظل غطاء عربي ودولي يساند نظاما يمتلك قواعد شعبية واسعة، كما كان الحال في ثمانينيات القرن الماضي، والعنف ضد الأجيال الشابة خطير ويجب تجنبه، فلا بد إذن من الإسراع في فتح منافذ التفاهم بالحوار، ليخرج وطننا من الأزمة عزيزا كريما، وشعبنا متآلفا موحدا، وننخرط في طور انتقال آمن، حريتنا ووحدتنا الوطنية والشعبية وسلامة دولتنا نتاجه وضمانته!
Comment