سوريا خلال عقد حافل
عاشت منطقة المشرق العربي خلال العقد الماضي مجموعة من الأحداث العاصفة،
وضعت سوريا في عين الإعصار، وعلى رأس قائمة الاستهداف الأمريكي . وخلال العقد الماضي شهدت سوريا تطورات على الصعيدين الداخلي والإقليمي،
ابتدأت في العام 2000 بأربعة أحداث مفصلية،
الحدث الأول: انهيار العملية التفاوضية على المسار السوري - “الإسرائيلي” في السادس والعشرين من مارس/آذار .
الحدث الثاني: الهروب “الإسرائيلي” من جنوب لبنان في الرابع والعشرين من مايو/أيار .
الحدث الثالث: رحيل الرئيس حافظ الأسد في العاشر من يونيو/حزيران .
الحدث الرابع :انتخاب الرئيس بشار الأسد خلفاً لوالده في العاشر من يوليو/تموز .
شكل الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله في مارس/آذار العام 2003 تحدياً مصيرياً لسوريا، فقد كان ضربها هو الهدف الثاني لإدارة بوش الابن، لكن انطلاق المقاومة في العراق،
وغرق إدارة الاحتلال هناك في تعقيدات الخريطة الداخلية العراقية، لجم الخطط العدوانية الأمريكية المباشرة على سوريا، وجعلها تتخذ شكل ضغوط اقتصادية وسياسية،
توجت في فبراير/شباط 2005 بسحب السفيرة الأمريكية من دمشق، وانخرطت في هذه السياسة بعض الدول الأوروبية خصوصاً فرنسا، التي تشاركت مع الولايات المتحدة في
توجيه الاتهامات لسوريا وحلفائها بالضلوع في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري .
شهد العقد الماضي انفضاض تحالفات وقيام تحالفات جديدة غيرت من المعادلات التي كانت سائدة، فقد حققت السياسة السورية اختراقاً تاريخياً في العلاقة مع تركيا، وعوَّضها ذلك،
خلال السنوات الخمس الأخيرة، عن انفراط تحالفها مع السعودية ومصر، الذي بقي مستمراً منذ تسعينيات القرن الماضي حتى العام ،2003 حين بدأت تظهر في صفوف هذا التحالف
تعارضات واسعة في الموقف من غزو العراق واحتلاله، وتصاعدت الخلافات بعد اغتيال الحريري حتى وصلت إلى حدة قطيعة سياسية وأثر العدوان على لبنان العام ،2005 انتهت في
العام 2010 بعودة المياه إلى مجاريها في العلاقات السورية السعودية، في حين مازالت العلاقات السوريا المصرية تراوح مكانها .
وفي إبريل/نيسان العام 2005 خلق الانسحاب السوري من لبنان معادلة إقليمية جديدة،
تعاملت معها السياسة الخارجية السورية بإعادة تحديد أولوياتها للحفاظ على موقعها المحوري، واتسمت السنوات الخمس التي أعقبت الانسحاب بحملة عداء شنتها قوى الرابع
عشر من آذار، ولم تنفرج العلاقات بين سوريا وهذه القوى إلا في نهاية العام ،2009 في الزيارة التي قام بها إلى دمشق رئيس وزراء لبنان سعد الدين الحريري بعد وساطة سعودية .
وعموماً، اتسمت السياسات الخارجية السورية خلال العقد الماضي بديناميكية كبيرة وفاعلة، استطاعت أن تتفادى الانجرار إلى معارك ليست في مصلحة سوريا، وأن تكسر الحصار
السياسي الأمريكي،
وبناء تحالفات استراتيجية جديدة، والإبقاء على دورها المحوري في الملفات الرئيسة في المنطقة، خاصة الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية . .
انهيار العملية التفاوضية
شهد مطلع العقد الماضي انهيار العملية التفاوضية على المسار السوري- “الإسرائيلي”
بعد تسع سنوات من انطلاقها مفاوضات مدريد نهاية العام 1991 برعاية أمريكية سوفييتية . فقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود في
الاجتماع الذي عقده الرئيس الراحل حافظ الأسد
مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في جنيف بتاريخ السادس والعشرين من مارس/آذار ،2000 حيث عرض كلينتون تصورات من رئيس الوزراء “الإسرائيلي” (آنذاك)
طالب فيها بأن تحتفظ “إسرائيل” بشريط من أراضي الجولان على الضفة الشرقية لنهر الأردن وبحيرة طبريا المحاذية لسوريا، وهو ما رفضه الرئيس الأسد قطعياً،
وأنهى الاجتماع بكلمته المشهورة: “إذاً هو لا يريد السلام . . انتهى الأمر”، وكان يقصد بذلك باراك .
وخلال ثمانية أعوام من ولايتين رئاسيتين لم يحرك الرئيس بوش الابن
وأركان إدارته ساكناً في ملف المفاوضات السورية “الإسرائيلية”، وحاولت تركيا أن تملأ الفراغ باستضافة مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وحكومة إيهود أولمرت في العام ،2007
إلا أن هذه المفاوضات وصلت بدورها إلى طريق مسدود، إذ بادرت سوريا إلى قطعها كرد على العدوان “الإسرائيلي” على غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 .
رحيل حافظ الأسد
وجاء رحيل الرئيس حافظ الأسد في العاشر من يونيو/حزيران العام 2000 في لحظة مفصلية كانت تعيشها المنطقة وتضعها على مفترق احتمالات عدة،
وأشاع رحيله المفاجئ أوهاماً بانعكاس ذلك سلباً على الأوضاع الداخلية السورية، وتراجع الدور الإقليمي للسياسات السوريا، لما كان يتمتع به الرئيس الراحل
من رؤية استراتيجية وحنكة في اشتقاق تكتيكات جنبت سوريا الكثير من معارك
لم تكن في مصلحتها، لكن سوريا حافظت على استقرارها الداخلي، ففي العاشر من يوليو/تموز 2000 تم انتخاب بشار الأسد رئيساً للجمهورية، وأعيد انتخابه
لولاية ثانية بتاريخ السابع والعشرين من مايو/أيار ،2007 واستطاع بشار الأسد الحفاظ على ثبات وجهة السياسة الخارجية السورية رغم التغيرات العاصفة التي شهدتها المنطقة .
العلاقات السورية - الأمريكية
اتسمت العلاقات السورية - الأمريكية في بداية عهد الرئيس الأسد بالانفتاح، إلا أنها كانت على موعد مع انقلاب تدريجي ظهرت بوادره منذ الأيام الأولى لولاية الرئيس بوش الابن،
وتسارع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ،2001 وانتقل للمجابهة المفتوحة بعد احتلال العراق في العام ،2003 حتى وصل إلى
حد القطيعة في شباط/فبراير العام 2005 على خلفية اغتيال الحريري .
أما على صعيد العلاقات السورية الأوروبية فقد اتسمت بانفتاح أكبر في بداية
عهد الرئيس بشار الأسد، باستثناء تدهور العلاقات السورية-الفرنسية إلى حد القطيعة في العام 2005 على الخلفية المذكورة سابقاً .
وشكلت العلاقات السورية الفرنسية خلال العقد الماضي مفارقة غريبة من نوعها بسبب تقلبات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، ففي بداية علاقته مع
الرئيس بشار الأسد أبدى شيراك حرصه على استمرار العلاقات السورية الفرنسية وتطويرها، ففي الخامس والعشرين من حزيران 2001
وصل الرئيس الأسد إلى باريس بدعوة رسمية من شيراك، تم التأكيد فيها على عمق العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين .
وفي العشرين من أكتوبر/تشرين الأول زار الرئيس شيراك دمشق، حيث أكد على محورية الدور السوري وتوازنه، إلا أن هذا الموقف تغير تماماً،
ففي الثاني من سبتمبر/أيلول 2004 تبنى مجلس الأمن الدولي، بمبادرة من باريس وواشنطن، القرار الذي يدعو إلى احترام سيادة لبنان
وانسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد . وكان ذلك بداية انقلاب شيراك على العلاقات التاريخية مع سوريا .
ووصل به الأمر للتحريض على نظام الحكم في سوريا ووصفه بأنه لا يتلاءم مع الأمن والسلام، وذلك في تصريح له في السادس والعشرين من يوليو/تموز 2006 .
ولم يتم تصويب مسار العلاقات السورية الفرنسية إلا في بعد عامين من عهد الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، شهدت خلالهما العلاقة حالات مدٍّ وجزر .
لكن التحسن في العلاقات السورية - الأمريكية لم يسر يوتيرة مشابهة للعلاقات السورية الفرنسية . فالعلاقة بين دمشق وواشنطن كانت قد وصلت إلى طريق مسدود،
في آخر زيارة قام بها إلى دمشق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في إبريل/نيسان العام ،2004 حيث أعاد في هذه الزيارة طرح ما كان قد طرحة سابقاً ورفضته
دمشق في زيارته السابقة في الثالث من مايو/أيار 2003 وهو إنهاء وجود حزب الله في الجنوب اللبناني، وإغلاق منظمات فلسطينية في دمشق .
وبقيت الإدارة تصر على شروطها التي بقيت دمشق ترفضها من جانبها،
وبدأت بوادر الانفراج في العلاقة في الزيارة التي قامت بها إلى دمشق في الرابع من نيسان 2007 رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي
على رأس وفد من النواب الأمريكيين . إلا أن العلاقة عادت وتدهورت إلى حد غير مسبوق في السادس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول ،2008 عندما قامت
قوات أمريكية خاصة بعملية إنزال في منطقة البوكمال السورية الواقعة بالقرب من الحدود العراق، وظلت العلاقات على سوئها حتى رحيل إدارة بوش الابن .
وشهدت العلاقات تحسناً نسبياً بعد مجيء إدارة أوباما، وفي نهاية العام 2010 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصدر مرسوما عين
بمقتضاه روبرت فورد سفيرا جديدا للولايات المتحدة في سوريا بعد نحو ست سنوات من سحب واشنطن سفيرتها مارغريت سكوبي من دمشق .
وكان الرئيس الأسد قد استقبل خلال العام 2010 عدداً من المسؤولين الأمريكيين من بينهم وكيل وزارة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز والسيناتور جون كيري
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي والمبعوث الرئاسي الأمريكي جورج ميتشل، وأعضاء في
الكونغرس الأمريكي هم: بوب كروكر، وبريان بارد، ولنكن دافيز، وآرلين سبيكتر .
زلزال اغتيال الحريري
في الرابع عشر من فبراير/شباط حدثت جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري . وجهت الاتهامات فوراً إلى مسؤولين سوريين ولبنانيين بالتورط في عملية الاغتيال،
وفي الثامن والعشرين من آذار/مارس أعلن الرئيس السوري قرار الانسحاب من لبنان، واستكمل الانسحاب في السادس والعشرين من إبريل/نيسان 2005 إلا أن ذلك لم يوقف
سيل الاتهامات على سوريا وحملة العداء التي قادتها قوى الرابع من آذار . ولم تبدأ العلاقات بالتحسن إلا بعد مؤتمر الدوحة في العام ،2008 وانتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان
. وفي نهاية العام 2009 حلت العقدة الأصعب في العلاقات السورية - اللبنانية بعد اغتيال الحريري، فقد قام رئيس الوزراء اللبناني سعد بزيارة إلى دمشق،
أتبعها بثلاث زيارات في العام ،2010 لإجراء مباحثات مع الرئيس الأسد، خلال العام، كان آخرها في الثلاثين من يوليو/تموز .
سوريا - السعودية
نجحت دمشق والرياض في استعادة العلاقات الدافئة بينهما في العام ،2010
بعد خمس سنوات من القطيعة، أودت بتحالف سوري - سعودي استمر لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن . ففي العام 2010 تبادل الرئيس السوري والعاهل السوري عدداً من الزيارات
بدأها الرئيس الأسد بزيارة للرياض في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني، وفي الثلاثين من يوليو/تموز قام العاهل السعودي بزيارة عمل إلى دمشق كرست لمناقشة الملف اللبناني
إلى جانب الملفين العراقي والفلسطيني، وأعقبت هذه الزيارة زيارة مشتركة إلى بيروت للقاء الرئيس اللبناني ميشال سليمان .
وفي الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول قام الرئيس الأسد بزيارة عمل قصيرة إلى الرياض .
سوريا - تركيا اختراق استراتيجي
كانت العلاقات السورية التركية مطلع العام 2004 على موعد مع اختراق استراتيجي
في الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى تركيا، وخلال السنوات الست الماضية حافظت العلاقات السورية التركية على قوة اندفاعها نحو تعميق الشراكة الاستراتيجية
بين البلدين، سياسياً واقتصادياً، وفي سبيل ذلك تم تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين،
وعقدت أكثر من قمة بين الرئيس الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وقمم مشتركة مع قادة آخرين، وتم تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى بين
سوريا وتركيا، وجرى خلاله التوقيع على أربع وستين وثيقة ومذكرة تعاون مشترك بين البلدين .
أحداث داخلية مهمة
عاشت سوريا خلال العقد الماضي أحداثاً داخلية مهمة، نذكر منها:
* المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الاشتراكي،
الذي انعقد في السادس من يونيو/حزيران ،2005 وانتخب قيادة جديدة .
* قصف الطائرات “الإسرائيلية” في السادس من أيلول/سبتمبر 2007 لمنشأة سوريا في منطقة دير الزور ادعت تل أبيب وواشنطن أنها منشأة نووية قيد البناء .
* اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في فبراير/شباط عام 2008 .
* استضافة القمة العربية العشرين في دمشق مارس/آذار 2008 .
الأحداث الثقافية
وإذا كان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين فتح أبوابه على تغييرات جوهرية
في السياسة السورية، فإن الحال ليست كذلك على الصعيد الثقافي، شأنها شأن معظم الدول العربية رغم تعاقب خمس وزارات مختلفة على الساحة الثقافية السورية،
فبدأت الألفية الجديدة مع سيدتين تسلمتا وزارة الثقافة هما الدكتورة “مها قنوت” والدكتورة “نجوى قصاب حسن”
اللتين لم يسعفهما الوقت لتحقيق شيء يذكر على الساحة الثقافية على مدى أربع سنوات، لتبدأ الثقافة السورية مرحلة مهمة بعد ذلك، فشهدت نشاطا ملموسا
بدأ مع الدكتور “محمود السيد” في العام 2004 حينما افتتح الرئيس بشار الأسد دار الأسد للثقافة والفنون أو ما يعرف (بدار الأوبرا) ليشكل
احد أهم صروح وركائز دعم الثقافة في سوريا بعدما تم وضع حجر الأساس لبنائه عام 1987 .
أما التحول الكبير والمنعطف الهام الذي شهدته سوريا خلال العقد الأخير،
فكان القانون رقم 50 لعام 2001 الذي سمح بوجود إعلام للقطاع الخاص بعد احتكاره لعقود طويلة من قبل القطاع الحكومي،
فكانت البداية مع صحيفة “الدومري” لصاحبها الفنان “علي فرزات”، إ
وصدرت بعدها العديد من الصحف والمجلات التي لم يستمر بعضها إما لجرأتها أو لعدم انتظامها، وكان العام 2006 القاعدة
التي انطلقت منعها صحيفتان يوميتان لا تزالان مستمرتين حتى اليوم، وشكلتا الواجهة الأساسية للصحافة الخاصة في سوريا وهما صحيفة “الوطن” وصحيفة “بلدنا”
Comment