ونحن في 2007 مازلت تدخل أماكن كالقرون الوسطى تشتم أبخرة رائحتها تزكم الأنوف، فراء متناثر هنا وهناك يملأ أرض الغرفة، الضوء خافت، قطع قماش تتدلى من السقف، صور، وتعاويذ وآيات قرآنية على الحائط، دخان يحجب الرؤية تقريباً ما عدا (أبو راتب) ذو الرداء الرث واللحية الطويلة وأمامه طاولة تكاد تلامس الأرض عليها مبخرته ولوازمها وقطعة نحاسية يقول أنه يتكلم عبرها مع الجان ... تلك كانت حجرة أبي راتب أما خارجها فثمة حكايات قصيرة وطويلة سردتها مجموعة من النساء والفتيات التي اصطحبت كل منهن ابنتها أو جارتها أو صديقتها إلى الشيخ أبو راتب حلال العقد وتلك بعض من قصصهن التي نسردها دون تدخل :
تقول أم سامر: قصدت أبو راتب بعد أن سمعت من جارتي بأنه يكشف المستور ويتكلم مع الجان ويفك السحر، وبعد أن فقدت صيغتي كلها وما ادخرته من مال دون علم زوجي، فلجأت إليه ليدلني على السارق أو يكشف لي من هو.
أم وائل لها قصة أيضاً حيث قالت: زوجي لم يعد يطيق رؤيتي، دائماً مزاجه سيئ وكثير الصراخ يستشيط غضباً من أقل موقف بعد أن كان مثال الزوج المحب (لابد إن أحداً عمل له عمل) فقصدت أبو راتب ليكشف لي إن كان يعرف أخرى أو إن كانت إحداهن تحاول هدم بيتي، وكنت قد سمعت عنه من صديقة أختي، حيث أعطاها قصاصة ورق كتب عليها بالحبر الأزرق وضعتها في كأس ماء سبعة أيام بلياليها وبعد أن ذاب الحبر وضعت من ماء الكأس في الشاي وقدمته لزوجها فانقلب رأس على عقب وأصبح يعاملها برقة ويرضخ لها وينصاع لأمرها وتسيّره كيفما تشاء.
أما رؤى فهي فتاة مثقفة وموظفة قصدت أبو راتب حلال العقد بعد أن وصلت إلى الثانية والثلاثين من عمرها دون أن يأتي صاحب النصيب رغم إن خطابها كثر لكن لم تنتهي أي علاقة بالزواج وساورتها الشكوك بأن تكون بنت الجيران الغيورة أو الشاب الذي أحبها ولم يرق لها وقد عمل لها عملاً ووضعها في مكان ما انتقاماً منها فانعكس سلباً على حياتها وأعمى عنها أولاد الحلال.
ولم يكن حال محمود وزوجته منيرة أكثر ارتياحاً ممن سبقوه فهو لا يريد الزواج بأخرى لأنه يحب منيرة التي لم تنجب له المولود الذكر والذي سيحمل اسمه فمهما طال الزمن بناته الثلاث سيتزوجن بغرباء ويتركنه وحيداً مع زوجته، وربما لم يسمع محمود بالدراسات التي توصلت إلى إن الرجل هو المسؤول عن تحديد نوع الجنين فجاء إلى أبو راتب عسى أن يكون قدوم ولي العهد على يده.
وبعد انتظار طويل فرضه ضيق وقت الجان الذين يتحدث معهم أبو راتب وتأخر حضورهم، فربما كانوا مجتمعين من أجل قضايا أكثر أهمية، جاء دور مريم التي اصطحبتها أمها إليه بعد أن عجز الأطباء عن مداواتها فهي الفتاة ذات ال16 ربيعاً الودودة، المرحة، فجأة انكفأت على ذاتها وأصبحت تكلم نفسها بين الحين والآخر وقد شخّص لها أبو راتب مرضها بأن أحد الجان أعجب بها وجعلها من جواريه أو توابعه ومنعها من الزواج أو الألتهاء عنه بأي شيء ووعدها في الجلسة التالية بعد أن تجلب له مبلغاً لا بأس به من المال مع ذبيحة أما (ذو القرنين أو ذو الجناحين) فقط لإسالة الدماء ولأن ذلك يساعد في خروج الجان من جسدها بعد أن يضربهم ضرباً مبرحاً، (طبعاً الضرب يكون على جسد مريم) ويتلفظ بطلاسم لا يعرف معناها إلا هو إن كان يعرف فعلاً فيخرج هذا الجني مدحوراً من أصابع رجليها.
وقد دفعني فضولي ودهشتي إلى الخوض في قصة السيدة مديحة بعد أن رأيت رأس أبنها الحليق وخثرات دم المتناثرة على رأسه وبعد سؤالي ردت قائلة: أبني عمره 13 سنة ويعاني من مرض في الكبد ولم ينفع العلاج في شفائه ولم ندع طبيباً إلا وعرضنا عليه حالته لكن دون جدوى، فقصدنا أبو راتب حيث أزال شعر رأسه كلياً في الجلسة الأولى وجرحه بواسطة مشرط حاد.(والله أعلم كم جرح رؤوس آخرين غير أبنها دون تعقيم) ثم دلكه بالثوم وربطه بقطعة قماش على أن نعود إليه في الجلسة الثانية نحضر له مبلغاً من المال ويكون قد ركب لنا الدواء المناسب لشفاء حالته. في حين إن الدواء عبارة عن أعشاب وزيوت لا ندري من أين أتى بها وما هي تركيبتها.
هذه عينة من الناس الذين قصدوا أبو راتب الملاذ الأخير بعد أن ضاقت فيهم السبل لحل مشاكلهم، فأين نحن من شعوذاته وشعوذات غيره؟ أليس من الواجب معاقبة هؤلاء المحتالين الذين يبيعون ويشترون بعقول الناس ويسرقونهم برضاهم وبطيب خاطر، وإن كان أبو راتب وغيره يفكون العقد ويركبون السحر لماذا لا يفكون عقدهم وعقد أولادهم وزوجاتهم ويركبون دواء لدائهم السقيم المتفشي في مجتمعاتنا التي يسودها الجهل والعوز للتنوير والتبصر بمثل هذه الأمور أليس من المهم بمكان أن نلقي بجزء من المسؤولية أيضاً على عاتق بعض رجال الدين المقصرين في توعية هؤلاء الأشخاص المغرر بهم والذين آثروا الهروب من الواقع بعد العجز عن حل مشاكلهم واللجوء إلى المشعوذين مما يزيد المشكلة تعقيداً سيما أن هؤلاء المحتالين يتذرعون ويتسترون تحت لواء الدين والكتب المقدسة مستغلين ما للدين من تأثير في نفوس أفراد مجتمعاتنا، بل على العكس نرى بعض رجال الدين يكرسون تلك الظاهرة وباتوا يتاجرون بالدين علناً على شاشات التلفزة دون حسيب أو رقيب فترى هذا الشيخ أو ذاك يعرض مهاراته على الشاشة مدعياً بكشف المستور ويعرف حالتك وشكواك من خلال نبرة صوتك، ويقضي لك على الجان في أقل من عشرة دقائق دون أن يكلفك ذلك إلا الانتظار على خط الهاتف أكثر من ساعة لتستطيع التحدث معه ودائماً لا ينسون ذكر الله سبحانه وتعالى تبجحاً كي تثق بهم وتقتنع بطرقهم وبأساليبهم المستهجنة أما كل من يعتقد أنه شفي من مرض أو انحلت عقدته برأيي ليست إلا بقدرة الله تعالى الذي يقدر ما يشاء ويفعل،
تقول أم سامر: قصدت أبو راتب بعد أن سمعت من جارتي بأنه يكشف المستور ويتكلم مع الجان ويفك السحر، وبعد أن فقدت صيغتي كلها وما ادخرته من مال دون علم زوجي، فلجأت إليه ليدلني على السارق أو يكشف لي من هو.
أم وائل لها قصة أيضاً حيث قالت: زوجي لم يعد يطيق رؤيتي، دائماً مزاجه سيئ وكثير الصراخ يستشيط غضباً من أقل موقف بعد أن كان مثال الزوج المحب (لابد إن أحداً عمل له عمل) فقصدت أبو راتب ليكشف لي إن كان يعرف أخرى أو إن كانت إحداهن تحاول هدم بيتي، وكنت قد سمعت عنه من صديقة أختي، حيث أعطاها قصاصة ورق كتب عليها بالحبر الأزرق وضعتها في كأس ماء سبعة أيام بلياليها وبعد أن ذاب الحبر وضعت من ماء الكأس في الشاي وقدمته لزوجها فانقلب رأس على عقب وأصبح يعاملها برقة ويرضخ لها وينصاع لأمرها وتسيّره كيفما تشاء.
أما رؤى فهي فتاة مثقفة وموظفة قصدت أبو راتب حلال العقد بعد أن وصلت إلى الثانية والثلاثين من عمرها دون أن يأتي صاحب النصيب رغم إن خطابها كثر لكن لم تنتهي أي علاقة بالزواج وساورتها الشكوك بأن تكون بنت الجيران الغيورة أو الشاب الذي أحبها ولم يرق لها وقد عمل لها عملاً ووضعها في مكان ما انتقاماً منها فانعكس سلباً على حياتها وأعمى عنها أولاد الحلال.
ولم يكن حال محمود وزوجته منيرة أكثر ارتياحاً ممن سبقوه فهو لا يريد الزواج بأخرى لأنه يحب منيرة التي لم تنجب له المولود الذكر والذي سيحمل اسمه فمهما طال الزمن بناته الثلاث سيتزوجن بغرباء ويتركنه وحيداً مع زوجته، وربما لم يسمع محمود بالدراسات التي توصلت إلى إن الرجل هو المسؤول عن تحديد نوع الجنين فجاء إلى أبو راتب عسى أن يكون قدوم ولي العهد على يده.
وبعد انتظار طويل فرضه ضيق وقت الجان الذين يتحدث معهم أبو راتب وتأخر حضورهم، فربما كانوا مجتمعين من أجل قضايا أكثر أهمية، جاء دور مريم التي اصطحبتها أمها إليه بعد أن عجز الأطباء عن مداواتها فهي الفتاة ذات ال16 ربيعاً الودودة، المرحة، فجأة انكفأت على ذاتها وأصبحت تكلم نفسها بين الحين والآخر وقد شخّص لها أبو راتب مرضها بأن أحد الجان أعجب بها وجعلها من جواريه أو توابعه ومنعها من الزواج أو الألتهاء عنه بأي شيء ووعدها في الجلسة التالية بعد أن تجلب له مبلغاً لا بأس به من المال مع ذبيحة أما (ذو القرنين أو ذو الجناحين) فقط لإسالة الدماء ولأن ذلك يساعد في خروج الجان من جسدها بعد أن يضربهم ضرباً مبرحاً، (طبعاً الضرب يكون على جسد مريم) ويتلفظ بطلاسم لا يعرف معناها إلا هو إن كان يعرف فعلاً فيخرج هذا الجني مدحوراً من أصابع رجليها.
وقد دفعني فضولي ودهشتي إلى الخوض في قصة السيدة مديحة بعد أن رأيت رأس أبنها الحليق وخثرات دم المتناثرة على رأسه وبعد سؤالي ردت قائلة: أبني عمره 13 سنة ويعاني من مرض في الكبد ولم ينفع العلاج في شفائه ولم ندع طبيباً إلا وعرضنا عليه حالته لكن دون جدوى، فقصدنا أبو راتب حيث أزال شعر رأسه كلياً في الجلسة الأولى وجرحه بواسطة مشرط حاد.(والله أعلم كم جرح رؤوس آخرين غير أبنها دون تعقيم) ثم دلكه بالثوم وربطه بقطعة قماش على أن نعود إليه في الجلسة الثانية نحضر له مبلغاً من المال ويكون قد ركب لنا الدواء المناسب لشفاء حالته. في حين إن الدواء عبارة عن أعشاب وزيوت لا ندري من أين أتى بها وما هي تركيبتها.
هذه عينة من الناس الذين قصدوا أبو راتب الملاذ الأخير بعد أن ضاقت فيهم السبل لحل مشاكلهم، فأين نحن من شعوذاته وشعوذات غيره؟ أليس من الواجب معاقبة هؤلاء المحتالين الذين يبيعون ويشترون بعقول الناس ويسرقونهم برضاهم وبطيب خاطر، وإن كان أبو راتب وغيره يفكون العقد ويركبون السحر لماذا لا يفكون عقدهم وعقد أولادهم وزوجاتهم ويركبون دواء لدائهم السقيم المتفشي في مجتمعاتنا التي يسودها الجهل والعوز للتنوير والتبصر بمثل هذه الأمور أليس من المهم بمكان أن نلقي بجزء من المسؤولية أيضاً على عاتق بعض رجال الدين المقصرين في توعية هؤلاء الأشخاص المغرر بهم والذين آثروا الهروب من الواقع بعد العجز عن حل مشاكلهم واللجوء إلى المشعوذين مما يزيد المشكلة تعقيداً سيما أن هؤلاء المحتالين يتذرعون ويتسترون تحت لواء الدين والكتب المقدسة مستغلين ما للدين من تأثير في نفوس أفراد مجتمعاتنا، بل على العكس نرى بعض رجال الدين يكرسون تلك الظاهرة وباتوا يتاجرون بالدين علناً على شاشات التلفزة دون حسيب أو رقيب فترى هذا الشيخ أو ذاك يعرض مهاراته على الشاشة مدعياً بكشف المستور ويعرف حالتك وشكواك من خلال نبرة صوتك، ويقضي لك على الجان في أقل من عشرة دقائق دون أن يكلفك ذلك إلا الانتظار على خط الهاتف أكثر من ساعة لتستطيع التحدث معه ودائماً لا ينسون ذكر الله سبحانه وتعالى تبجحاً كي تثق بهم وتقتنع بطرقهم وبأساليبهم المستهجنة أما كل من يعتقد أنه شفي من مرض أو انحلت عقدته برأيي ليست إلا بقدرة الله تعالى الذي يقدر ما يشاء ويفعل،