مساء الخير
من باب التفاؤل أو من باب رسم ابتسامة أو من أي باب أردتم ....
نقلت لكم هذه المقالة ( أعقل ما قرأت منذ سنوات ) لكاتب ... في هذه الظروف ...
الكاتب حسن .م . يوسف
مقالي الأسبوعي في جريدة "الوطن" الدمشقية.
==========================
من دفتر الوطن مقاتل على جبهة الابتسامة *حسن م. يوسف
أحد القراء وصفني في رسالة حادة، كتبها لي قبل بضعة أسابيع، بأنني منفصل عن الواقع لأنني لا أكتب عن الحرب وويلاتها ومعاناة الناس في ظلها .
يومها أجبته : " حزني وأوجاعي لي، وما في روحي من ضوء...أعطيه لك".
لست أريد أن أبرر خياراتي ككاتب، فهذا أمر لانفع فيه لي ولا لكم، لكنني أود أن أصارحكم بأنني منذ خطواتي الأولى في عالم الحروف أعتبر أن الابتسامة هي قضيتي. والحقيقة أن الحرب الظالمة التي تشن ضد بلدنا الحبيب سورية، بكل مافيها من مآس وآلام، لم تحدث تغييراً جوهرياً على موقفي من هذه المسألة. فعندما سألني أحدهم عن دوري في المعركة ، أجبته بأنني أعتبر نفسي مقاتلاً على جبهة الابتسامة. أومن عميقاً في قلبي أن كل إحصائيات العالم لاتستطيع أن تقيس دفء ابتسامة واحدة . أومن أيضاً أن السلام يبدأ بابتسامة على حد قول الأم تيريزا ، وأن الابتسامة هي بداية الحب، وأن بداية الحب هي نهاية الحرب.مر وقت كنت أحسب فيه أن النسيان نعمة، لكنني استنتجت متأخراً أن نسيان الآخرين لنا هو الجحيم. لهذا السبب، ربما ، كان حلم حياتي الدائم، ولا يزال ، هو أن أكون ابتسامة على وجه شخص آخر . ربما لأن الإنسان يندر أن ينسى شخصاً جعله يبتسم . صحيح أن الواحد منا قد ينسى السبب الذي دفعه لأن يبتسم خلال لحظات، لكن الابتسامة لمن هو بحاجة إليها معجزة تدوم في داخله مدى الحياة .أومن أنكم لستم بحاجة لأن أكتب لكم عن الحرب وويلاتها؟ فهي متمثلة في صور الشهداء المنتشرة في جل بيوتكم، في حضور الغائبين من أحبابكم، في كل تفاصيل حياتكم، في نظرتكم لأعزائكم وهم يخرجون من بيوتكم، في هواجس الهاون العشوائي الذي قد يقنصكم وأنتم في طريقكم الى أعمالكم ، في حسرتكم على ليراتكم وهي تخرج من جيوبكم دون أن تشتري لكم سوى القليل من حاجاتكم. في كل شيء ، كل شيء.لا ، لستم بحاجة لأن أكتب لكم عن الحرب ، فإحساسكم بها أقوى مما يجب. أحسب أن واجبي هو أن أقلل من حضور الحرب في حياتكم، فالحرب تنتصر علينا عندما لانفكر بأي شيء سواها. قد تكون الحرب أقوى من الجمال، وقد تعجز كل ابتسامات العالم عن إيقافها، لكننا إذا ماسمحنا للحرب أن تجردنا من ابتساماتنا فهي سوف تستمر في داخلنا حتى بعد أن يتوقف القتال على كل الجبهات. قبل فترة كتبت في دفتر ملاحظاتي : "أن تجعل البسمة تتفتح في وجوه الآخرين وأنت حزين.أن تبقى مؤمناً بوجود الإنسان، رغم ظهور الضباع البشرية في كل مكان. هذا هو الامتحان لمن يطمح أن يكون سورياً في هذا الزمان."بعض الناس يحسبون أنه لم تعد هناك من أسباب تدعوا للابتسام، لهؤلاء أقول: إذا كنتم تقرؤون هذه الكلمات فهذا يعني أنكم أحياء، وهذا أمر عظيم يجدر بكم أن تبتسموا له.
في الختام اسمحوا لي أن أقدم لكم هذه القصة الواقعية التي تجعلني أبتسم كلما أحدقت بي الغموم. ذات يوم ربيعي كهذا اليوم، كان أخي أبا نبال يقوم بتمديد خط هاتفي ميداني بالقرب من مشفى الأمراض العقلية في ضاحية القصير قرب دمشق. وعندما انتهى من عمله جلس فوق العشب متكئاً الى إحدى الأشجار ، ثم أشعل سيجارة وراح يعب دخانها بمتعة لايعرفها إلا المدمنين على التدخين. وبينما هو كذلك سمع شخصاً يناديه من خلف سور مستشفى المجانين. " ياعسكري ...أنت ياعسكري" سأل أخي الرجل المجنون عما يريد فأبلغه أنه يريد سيجارة. ضحك أخي لأنه من المستحيل إيصال سيجارة للمجنون من فوق سور المستشفى الشاهق . لكن المجنون اقترح حلاً ، قال لأخي : "ضع الولاعة داخل علبة الدخان ليصبح وزنها ثقيلاً ، ثم اقذف بها من فوق السور تصل لناحيتي، فأقوم أنا بأخذ سيجارة ثم أعيد لك العلبة وفي داخلها الولاعة."شعر أخي أن كلام المجنون معقول، فوضع الولاعة في العلبة كما اقترح عليه ورماها له من فوق السور . أشعل المجنون سيجارة ثم وضع العلبة والولاعة في عبه! طلب أخي من المجنون أن يعيد له علبة سجائره وولاعته. فنظر إليه باستهزاء وقال: وهل أنا مجنون كي أعيدها لك."ابتسموا، فقد قال سلفنا الصالح : " تبسمك في وجه أخيك صدقة"!
للكاتب القدير ولكم مني
من باب التفاؤل أو من باب رسم ابتسامة أو من أي باب أردتم ....
نقلت لكم هذه المقالة ( أعقل ما قرأت منذ سنوات ) لكاتب ... في هذه الظروف ...
الكاتب حسن .م . يوسف
مقالي الأسبوعي في جريدة "الوطن" الدمشقية.
==========================
من دفتر الوطن مقاتل على جبهة الابتسامة *حسن م. يوسف
أحد القراء وصفني في رسالة حادة، كتبها لي قبل بضعة أسابيع، بأنني منفصل عن الواقع لأنني لا أكتب عن الحرب وويلاتها ومعاناة الناس في ظلها .
يومها أجبته : " حزني وأوجاعي لي، وما في روحي من ضوء...أعطيه لك".
لست أريد أن أبرر خياراتي ككاتب، فهذا أمر لانفع فيه لي ولا لكم، لكنني أود أن أصارحكم بأنني منذ خطواتي الأولى في عالم الحروف أعتبر أن الابتسامة هي قضيتي. والحقيقة أن الحرب الظالمة التي تشن ضد بلدنا الحبيب سورية، بكل مافيها من مآس وآلام، لم تحدث تغييراً جوهرياً على موقفي من هذه المسألة. فعندما سألني أحدهم عن دوري في المعركة ، أجبته بأنني أعتبر نفسي مقاتلاً على جبهة الابتسامة. أومن عميقاً في قلبي أن كل إحصائيات العالم لاتستطيع أن تقيس دفء ابتسامة واحدة . أومن أيضاً أن السلام يبدأ بابتسامة على حد قول الأم تيريزا ، وأن الابتسامة هي بداية الحب، وأن بداية الحب هي نهاية الحرب.مر وقت كنت أحسب فيه أن النسيان نعمة، لكنني استنتجت متأخراً أن نسيان الآخرين لنا هو الجحيم. لهذا السبب، ربما ، كان حلم حياتي الدائم، ولا يزال ، هو أن أكون ابتسامة على وجه شخص آخر . ربما لأن الإنسان يندر أن ينسى شخصاً جعله يبتسم . صحيح أن الواحد منا قد ينسى السبب الذي دفعه لأن يبتسم خلال لحظات، لكن الابتسامة لمن هو بحاجة إليها معجزة تدوم في داخله مدى الحياة .أومن أنكم لستم بحاجة لأن أكتب لكم عن الحرب وويلاتها؟ فهي متمثلة في صور الشهداء المنتشرة في جل بيوتكم، في حضور الغائبين من أحبابكم، في كل تفاصيل حياتكم، في نظرتكم لأعزائكم وهم يخرجون من بيوتكم، في هواجس الهاون العشوائي الذي قد يقنصكم وأنتم في طريقكم الى أعمالكم ، في حسرتكم على ليراتكم وهي تخرج من جيوبكم دون أن تشتري لكم سوى القليل من حاجاتكم. في كل شيء ، كل شيء.لا ، لستم بحاجة لأن أكتب لكم عن الحرب ، فإحساسكم بها أقوى مما يجب. أحسب أن واجبي هو أن أقلل من حضور الحرب في حياتكم، فالحرب تنتصر علينا عندما لانفكر بأي شيء سواها. قد تكون الحرب أقوى من الجمال، وقد تعجز كل ابتسامات العالم عن إيقافها، لكننا إذا ماسمحنا للحرب أن تجردنا من ابتساماتنا فهي سوف تستمر في داخلنا حتى بعد أن يتوقف القتال على كل الجبهات. قبل فترة كتبت في دفتر ملاحظاتي : "أن تجعل البسمة تتفتح في وجوه الآخرين وأنت حزين.أن تبقى مؤمناً بوجود الإنسان، رغم ظهور الضباع البشرية في كل مكان. هذا هو الامتحان لمن يطمح أن يكون سورياً في هذا الزمان."بعض الناس يحسبون أنه لم تعد هناك من أسباب تدعوا للابتسام، لهؤلاء أقول: إذا كنتم تقرؤون هذه الكلمات فهذا يعني أنكم أحياء، وهذا أمر عظيم يجدر بكم أن تبتسموا له.
في الختام اسمحوا لي أن أقدم لكم هذه القصة الواقعية التي تجعلني أبتسم كلما أحدقت بي الغموم. ذات يوم ربيعي كهذا اليوم، كان أخي أبا نبال يقوم بتمديد خط هاتفي ميداني بالقرب من مشفى الأمراض العقلية في ضاحية القصير قرب دمشق. وعندما انتهى من عمله جلس فوق العشب متكئاً الى إحدى الأشجار ، ثم أشعل سيجارة وراح يعب دخانها بمتعة لايعرفها إلا المدمنين على التدخين. وبينما هو كذلك سمع شخصاً يناديه من خلف سور مستشفى المجانين. " ياعسكري ...أنت ياعسكري" سأل أخي الرجل المجنون عما يريد فأبلغه أنه يريد سيجارة. ضحك أخي لأنه من المستحيل إيصال سيجارة للمجنون من فوق سور المستشفى الشاهق . لكن المجنون اقترح حلاً ، قال لأخي : "ضع الولاعة داخل علبة الدخان ليصبح وزنها ثقيلاً ، ثم اقذف بها من فوق السور تصل لناحيتي، فأقوم أنا بأخذ سيجارة ثم أعيد لك العلبة وفي داخلها الولاعة."شعر أخي أن كلام المجنون معقول، فوضع الولاعة في العلبة كما اقترح عليه ورماها له من فوق السور . أشعل المجنون سيجارة ثم وضع العلبة والولاعة في عبه! طلب أخي من المجنون أن يعيد له علبة سجائره وولاعته. فنظر إليه باستهزاء وقال: وهل أنا مجنون كي أعيدها لك."ابتسموا، فقد قال سلفنا الصالح : " تبسمك في وجه أخيك صدقة"!
للكاتب القدير ولكم مني
Comment